الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين 1910 -1983 : وقفة عند سيرته ، ومواقفه ، ومؤلفاته .
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين 1910 -1983 كاتب ، وشاعر ، واكاديمي ، ومرب ، ووزير سابق .. كنتُ اراه عندما كنتُ طالبا في كلية التربية –جامعة بغداد بين سنتي 1964-1968 ، وقد عرفت في حينه انه صار وزيرا لشؤون الوحدة ، وانه ذو توجه عروبي ، وانه كان يحظى بإحترام زملاءه وطلبته ، وانه كان في بداية حياته معمما مجببا ، لكنه سرعان ما لبس زي الافندية :السترة والبنطلون وربطة العنق ، وانه صار استاذا من اساتذة اللغة العربية والنقد والادب ، وان له كتابات في الصحف والمجلات الاكاديمية والثقافية .فضلا عن ذلك فالاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين كان شاعرا من شعراء العراق في العصر الحديث ، كان شاعرا مبدعا ، وفي شعره ترسم خطى الشاعر الشريف المرتضى ، وفي " معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين " نماذج من شعره ، ومن هذه النماذج قصيدتيه :" ربة الدل " و"بني " .
عرفت من خلال قراءاتي لسيرته المنشورة ، أنه عبد الرزاق بن الشيخ أمان بن الشيخ جواد من آل محي الدين وآل محي الدين كما يقول صديقنا الدكتور حميد مجيد هدو ، وهو من كتب عنه في الجزء الاول من "موسوعة بيت الحكمة لاعلام العرب في القرنين التاسع والعشرين " المنشورة عن بيت الحكمة ببغداد سنة 2000 م وآل محي الدين من الاسر العلمية المشهورة والمعروفة في النجف الاشرف ، وكانت هذه الاسرة تعرف ب(آل أبي جامع العاملي الحارثي من قبيلة همدان اليمانية العربية القحطانية ) .
ومما قرأته ايضا عند الاستاذ حميد المطبعي في موسوعته "موسوعة اعلام وعلماء العراق " ان الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين ، ولد في مدينة النجف الاشرف سنة 1910 ، وأنه تتلمذ أول أمره على مدرسي المعاهد العلمية فيها ، وجاء ذلك –كما هو معروف –بعد ان أدخله اهله الى احدى كتاتيب النجف ليتعلم القراءة والكتابة وشيئا من الحساب ويحفظ آي من الذكر الحكيم .
لقد كان ذكيا ، وراغبا في التعليم ، واظهر لهفة كبيرة على التعلم؛ لذلك اتقن اللغة العربية وادابها واغلب من تعلم على ايديهم هم من ابناء اسرته العلمية من الادباء والشعراء . ومن الدروس التي اتقنها الفقه والاصول وعلم الكلام ، وكان ذلك قد تم على كبار علماء الحوزة في النجف .
ومن المؤكد ان الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين عاش في أجواء علمية ، أدبية فقد كانت النجف ولازالت مركزا من مراكزالفكر والثقافة ؛ لذلك ارتاد منابرها ونواديها الادبية وجمعياتها وشارك في انشطتها والقى الشعر وهو في سن مبكرة . كان عضوا ومؤسسا ل" جمعية الرابطة العلمية " في النجف إبان سنوات الثلاثينات من القرن الماضي ، وكان معه من المؤسسين الاستاذ محمد مهدي الجواهري شاعر العرب الاكبر . ومما يسجل من محطات في حياته الاولى هذه انه عين معلما للغة العربية والدروس الدينية سنة 1937 في دار المعلمين الابتدائية ببغداد .
كانت ثقافته الاولى ثقافة دينية تقليدية ، لكنه شعر بإن ذلك لا يلبي طموحه بشكل كامل ، فقرر اكمال دراسته ، واختار القاهرة للدراسة خاصة وانه رأى بعضا من ابناء جيله قد توجه للدراسة في معاهد وكليات وجامعات مصر ، ومنها الجامع الازهر ودار العلوم ومما ساعده على تلبيه طموحه ترشيحه لبعثة علمية أرسلتها وزارة المعارف (التربية ) الى مصر لمواصلة الدراسة في "دار العلوم " ، وكان ذلك سنة 1933 .. وبعد أربع سنوات صار (درعميا ) أي تخرج في دار العلوم سنة 1937 وهو يحمل شهادة الدبلوم العالي .وكانت كلمة ( درعميا ) تطلق على من يتخرج من دار العلوم المصرية ، في حين كان يطلق على من يتخرج في دار المعلمين العالية ببغداد ( درمعيا ) .
عاد الى العراق ، وهو يحمل شهادة الدبلوم العالي ليدرس في دار المعلمين الابتدائية ببغداد وهي الدار نفسها التي كان فيها قبل ان يسافر الى مصر ، وظل في الدار طوال السنوات 1937-1944 .ففي هذه السنة اي في سنة 1944 سافر مرة اخرى الى القاهرة ، ودخل كلية الاداب –جامعة القاهرة ، وقد حصل على شهادة الماجستير منها عن رسالته الموسومة :" ابوحيان التوحيدي " سنة 1948 .. ومن الجامعة ذاته حصل على شهادة الدكتوراه سنة 1956 عن اطروحته الموسومة :" أدب المرتضى " .
عاد الى العراق لينتقل من دار المعلمين الابتدائية الى "دار المعلمين العالية " وهي كلية التربية ابن رشد اليوم ، وكان ذلك سنة 1954 ، وقد رقي بعد فترة الى استاذ مساعد في اللغة والبلاغة ثم الى استاذ (بروفيسور ) سنة1960 .
من المحطات المهمة ايضا في حياته أنه عين عميدا لكلية التربية سنة 1963 ، ونائبا لرئيس جامعة بغداد في السنة ذاتها .. وفي السنة ذاتها انتخب عضوا في "المجمع العلمي العراقي ".وفي سنة 1964 صار نائبا لرئيس المجمع العلمي العراقي . كما اختير ليكون عضوا في مجامع اللغة العربية في القاهرة ودمشق (1973 ) وعمان (الاردن ) (1978 ) . ففي مجمع اللغة العربية في القاهرة احتل سنة 1966 مقعد العراق الذي كان يحتله قبله الشيخ محمد رضا الشبيبي .
كما انتخب بين سنتي 1965-1979 رئيسا للمجمع العلمي العراق ولاربع دورات متتالية .
من محطات حياته السياسية ان الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين كان ذو توجه عروبي قومي ، وقد اصطف مع المثقفين والكتاب والشعراء العروبيين واسهم معهم في تأسيس "جمعية الكتاب والمؤلفين العراقيين " في الستينات وقد واجهت هذه الجمعية " إتحاد الادباء" الذي سيطر عليه الشيوعيون . وسرعان ما اختير ليكون وزير دولة لشؤون الوحدة 1964 .
كما اختير سنة 1966 ليكون أمينا عاما للقيادة السياسية الموحدة التي تشكلت بين العراق والجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا بعد الوحدة في 22 شباط 1958 ) .
كان الاستاذ عبد الرزاق محي الدين عروبيا قوميا في توجهه السياسي ، وكان وحدوي النزعة، قومي الشعور ، دافع عن قضايا الامة العربية كأفضل ما يكون الدفاع ، وظهر ذلك واضحا في محاضراته على الطلبة وفي المنتديات والندوات والمؤتمرات العلمية والسياسية .
كان الدكتور عبد الرزاق محي الدين مستقلا بمعنى انه كان عروبيا لاينتمي لاي حزب من الاحزاب القومية المعروفة ومنها : حركة القوميين العرب ، وحزب البعث أو الاحزاب الناصرية .ومع هذا فقد حظي بإحترام الجميع .
كما اختير سنة 1966 ليكون أمينا عاما للقيادة السياسية الموحدة التي تشكلت بين العراق والجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا بعد الوحدة في 22 شباط 1958 ) .
كما سبق ان قدمت ؛ فالاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين كان شاعرا لكنه كان مقلا ولم ينشر من شعره في الصحف والمجلات الا القليل واكثره لايزال غير منشور لكن أحد ابنائه قام سنة 2000 بطبع ديوانه الموسوم " ديوان القصائد " في دار اسامة للنشر والتوزيع بعمان –الاردن .وفي هذا الديوان مقدمة كتبها الدكتور عبد الرزاق محي الدين رحمه الله نفسه ، وقد وضح فيها الظروف التي أثرت في بعض قصائده أو دفعته الى نظمها ، وقال ان بيئة النجف الاشرف هي التي ألهمته تلك القصائد .وكما هو معروف ان له قصائد منشورة في كتاب :" شعرء العراق في القرن العشرين " .كما ان له قصائد منشورة في مجلات عديدة منها :"الاعتدال " و" العرفان " اللبنانية .
حاول في شعره التجديد وخاصة في عروض القصيدة وكثيرا ما عبرت قصائده عن المشكلات الاجتماعية والوطنية والقومية .كما كشفت عن نزعته التنويرية التجديدية الانسانية .
ويشير الدكتور حميد مجيد هدو الى ان النقاد وصفوا شعره ب " جزالة تتحاشى الاغراب ، وتترفع عن الاسفاف ، وتعبر عن مشاعر دقيقة ، واحساسات صادقة " .
أما كتاباته فقد وصفت بأنها نماذج ادبية رائعة في دقة مفرداتها ،وبلاغة تعبيرها ، وسلامة اسلوبها ، ووضوح فكرتها " .
شارك الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين في ندوات ومؤتمرات علمية كثيرة داخل العراق وخارجه .فضلا عن مواظبته على حضور اجتماعات المجامع اللغوية في القاهرة ودمشق وعمان .وكانت له سلسلة محاضرات القاها في "معهد ىالبحوث والدراسات العربية العالية " في القاهرة والتابع لجامعة الدول العربية . وقد كرم في العراق مرات عدة . كما منحته الحكومة الاردنية سنة 1978 "وسام الاستقلال الوطني " من الدرجة الاولى .
من مؤلفاته :
1. " ابو حيان التوحيدي " وهي رسالته للماجستير كما سبق ان اشرنا نشرت الرسالة في كتاب سنة 1949
2. " خواطر وملاحظات حول التعليم " ألفه بالتعاون مع الدكتور نوري جعفر (بغداد ، 1951 ) .
3."الوجيز في تفسير القرآن العزيز للشيخ علي عبد الحسين محي الدين العاملي (النجف ،1953 ) .
4. "المقابسات لابي حيان التوحيدي " تحقيق 1952
5. "البصائر والذخائر لابي حيان التوحيدي " تحقيق 1954 .
6. "أدب المرتضى " وهي اطروحته للدكتوراه كما سبق ان قدمنا ونشرت في كتاب 1957
7. "من اجل الانسان في العراق " 1960
8. "شعب أصيل ، ومبدأ دخيل " كربلاء ، 1965 .
9. "حياة الشبيبي وسيرته " 1969
10. "تاريخ الادب العربي " بالمشاركة مع الاستاذ احمد حامد الشربتي والدكتور جميل سعيد (بغداد ،1962 ) .
11. " الحالي والعامل تتمة لملحق من الامل في تراجم رجال اسرته وتاريخها " (النجف ، 1971 )
له كم كبير من المقالات والبحوث والدراسات المتناثرة في الصحف والمجلات تحتاج الى من يجمعها ، ويعيد تصنيفها ونشرها ودراستها وكلها مهمة ومفيدة للباحثين ولطلبة الدراسات العليا وللقراء عموما .
مع ان الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين ، كان موضوعا لرسالة ماجستير في قسم اللغة العربية في كلية الاداب –جامعة الكوفة انصرفت لشعره وادبه ، فإن انجاز رسالة ماجستير عن دوره السياسي والفكري والتي يقوم بها صديقنا الاستاذ أحمد هاشم مهمة جدا وضرورية .
اورد الاستاذ حميد المطبعي نتفة من تقرير للمجمع العلمي العراقي تتعلق بما كان يراه الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين يقول فيها :" لم ترضَ له نفسه الكبيرة ، أن يستكن معتزلا بالبرج العاجي ، وإنما شارك في التفكير في أمور البلد ، وكان يبدي آراءه صريحة في بعض ما يشغل الناس ، وناله من صدق عقيدته العربية الاسلامية كثيرا من الاذى في السجن والنفي فتحمل ذلك بجلد وصبر " .
توفي رحمه الله ببغداد في اليوم السابع والعشرين من نيسان –ابريل سنة 1983 وقد شيع تشييعا يليق به، ونعاه الكثيرون واشادوا بمكانته ودوره السياسي والفكري والثقافي .
كان على طرف نقيض مع الفكر الماركسي –اللينيني ومع الحزب الشيوعي العراق وتوجهاته اليسارية . وقد اسهم في الحملة التي شنت ضد الشيوعيين في العراق اواخر الخمسينات واوائل الستينات من خلال انتماءه الى " جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين" ، ومن خلال تأليفه كتابا صدر في كربلاء سنة 1965 بعنوان :" شعب اصيل ومبدأ دخيل " .وفي هذا الكتاب عد الشيوعية مبدأ دخيلا لاتتلاءم افكارها مع مجتمعنا العربي الاسلامي .
في بعض كتاباته في مجلة "الكتاب " التي كانت "جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين " العدد الاول –السنة 2تشرين الثاني 1963 عبر عن بعض آراءه وقال انه كان قبل انقلاب 8 شباط سنة 1963 يشعر بالضيق جراء تسلط الشيوعيين على الاوضاع ، وكثيرا ما كانوا يستعدون السلطة القاسمية الحاكمة على جمعية الكتاب والمؤلفين العراقيين ولم تجد الجمعية –في حينها – وهي الجمعية ذات النفس العروبي القومي من الاعراض عما كتب ضدها وانصرفت الى مهمتها الادبية والقومية في تصميم وجدية وفي حدود ما لها من طاقات مادية وادبية .
" وبعد الحركة الانقلابية التي حدثت في 8 شباط وطبعا هو يسميها (ثورة الرابع عشر من رمضان ) استشعرت الجمعية كثيرا من الغبطة والاعتزاز اذ لم تنكص عن إداء مهمتها في أسوأ الظروف واكثرها حراجة وان تكون قد شاركت مشاركة مشهودة في التمهيد لليوم الذي قدرت انه سيكون بداية الطريق لنهج فكري عربي سليم " .
ويواصل القول ليؤكد " ان جمعية الكتاب والمؤلفين العراقيين ، وكان هو رئيسها ، والدكتور يوسف عز الدين سكرتيرها وتضم اساتذة واكاديميين وكتاب وشعراء قوميين ، اسست لتواجه التحدي الشعوبي الشيوعي المتمثل آنذاك في (إتحاد الادباء العراقيين ) ، الاتحاد الذي حشرت له جملة القوى الشيوعية الشعوبية مختلف المواهب والكفاءات العاملة على هدم كيان القومية العربية في العراق وزعزعة بنائها ، ثم ما للعراق من مقومات أدبية والتزامات خلقية وعقائدية . وكان لابد لها وهي تواجه زخما شعوبيا ضخما تمده قوى من خارج الوطن العربي ، وتسنده سلطة من داخله أن تتألف القوى العربية جميعا ، والمؤمنة بالله وبالقيم الاسلامية جملة ، لتسطع الوقوف في وجه التحدي الشعوبي الشيوعي وبالاضافة الى ذلك ف‘نها رأت ألا مناص من ان تفتح ابوابها للناشئين من الشعراء والكتاب والمؤلفين الذين يخشى لو تركوا خارج الحضيرة المؤمنة بقوميتها ومثلها ،ان يلوح لهم بالدعوة الى الانضمام الى الصف الشعوبي ،ون يتلقفوا بوسائل الاغراء والتطويح وما اكثرها عند الشيوعيين .وبذلك ضمت الجمعية اكبر عدد من اساتذة الجامعة ورجال الثقافة وناشئة الادب وانتفعت بحملة الكفايات والاختصاصات والمواهب والمذهب الادبية والفكرية ،واستشعر كل اولئك انها ملتقى فكري لهم جميعا ،وفي اجوائها متنفس متحرر لهم جملة ،وأنهم في اطارها الواسع الشامل يمكن ان يتبادلوا الفكر ،ويناقشوا الاراء ،ويستمعوا الى مختلف المذاهب في التفكير وفي التعبير " .في هذه الكلمة التي عنونها الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين ب"جمعية ومجلة " قال ان مجلة "الكتاب " اطار قومي تلتقي في دائرته كل الاراء القومية على اختلاف ما بينها من مذاهب والشخصيات القومية على تباعد ما بينها من كفايات والاساليب التعبيرية على تنوع ما بينها من طرائق وهي لن تقف في وجه رأي من الاراء او مذهب من المذاهب الادبية ما كان لايتعارض ومبادئها ولايصطدم بإطارها القومي بما للقومية العربية من مثل وآداب " .
توفي
رحمه الله ببغداد في اليوم السابع والعشرين من نيسان –ابريل سنة 1983 ، وقد شيع
تشييعا يليق به ، ونعاه الكثيرون واشادوا بمكانته ودوره السياسي والفكري والثقافي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق