الأربعاء، 4 أبريل 2012

خديجة عبد القادر رائدة النهضة النسائية والتنمية الاجتماعية في ليبيا الحديثة


  خديجة عبد القادر رائدة النهضة النسائية  والتنمية الاجتماعية في ليبيا الحديثة  
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
    وقع بيدي منذ زمن كتاب صغير في حجمه ، كبير في مضمونه وهذا الكتاب طبع على مطابع الأهرام في بيروت سنة 1961 وعنوانه : " المرأة والريف في ليبيا " تأليف (الآنسة ) خديجة عبد القادر(1938-2009 )  .وقد علمت بأن خديجة عبد القادر متخصصة في تنمية المجتمع ، وأنها أول فتاة ليبية توفد في بعثة دراسية خارج ليبيا .فلقد أوفدت  سنة 1957 إلى مصر للدراسة في مركز التربية الأساسية في العالم العربي بسرس الليان بالقاهرة  ونالت دبلوما في اختصاص تنمية المجتمع .كما أنها مثلت بلادها  بتفويض من الحكومة الليبية في الحلقة الدراسية التي عقدتها اليونسكو في القاهرة سنة 1959 لبحث موضوع " المرأة واشتراكها في برنامج تنمية المجتمع" .

   وبعد هذا رحت ابحث عن هذه الفتاة وعلمت بأنها "أديبة ، وكاتبة اجتماعية ، وقاصة ظهر إنتاجها في صحف ومجلات ليبيا والبلاد العربية كما سمع  صوتها من محطة الإذاعة الليبية ، ومن إذاعات الخارج " .وكانت لها ندوات إذاعية ،وأحاديث ، ومحاضرات وتعد –بحق –من رائدات الفكر في ليبيا الحديثة . وفي موقع الكاتب الصحفي احمد الفيتوري (سريب ) ،وفي الموقع الالكتروني 

http://afaitouri.maktoobblog.com-sarib  

 وجدت  بأن السيدة فاطمة  عبد الله الزروق غندور تعيد نشر بعض ما كتبته خديجة عبد القادر والتي عرفتها بأنها " الآنسة خديجة عبد القادر أخصائية التربية والشؤون الاجتماعية. ".  ومن ذلك مقال جميل بعنوان: " العشاء الأخير " وسلسلة مقالات مؤلفة من 30 حلقة  بعنوان " ليبية في بلاد الانكليز "  منشورة في جريدة طرابلس الغرب وابتداء من الأحد 20 جمادي الثانية 1382هـ الموافق 18 نوفمبر 1962م – العدد 205 - السنة 19 ..وقد قرأت ما كتبت ووجدت أنها أديبة أصيلة، وكاتبة مهمومة بقضايا شعبها .كما أصدرت السيدة  فاطمة غندور كتابا بعنوان : "نساء خارج العزلة " طبع في دار زهران في عمان بالأردن، وذكرت فيه أن ثمة نسوة عملن مع خديجة عبد القادر في تأسيس جمعية النهضة النسائية التي أصدرت مجلة بعنوان " رسالة الجمعية " ،منهن صالحة ظافر المدني(1923-2008 ) ،وعائشة زريق ،وسعاد الحداد ،ونجمية موسى أبو قصيعة ،وحميدة العنيزي(1892-1981 )  .كما نشرت محضر الاجتماع الأول لجمعية النهضة النسائية وأخبارا عن فرعها في بنغازي .
  درست خديجة عبد القادر في ليبيا ومصر وانكلترا ، وبعد تخرجها من الدراسة الثانوية اشتغلت بالتدريس . كما عملت أمينة لمكتبة معهد دار المعلمات بطرابلس وهي تتقن الانكليزية والايطالية . فضلا عن لغتها الأم .وكانت لها سفراتها إلى خارج ليبيا ومن ذلك سفراتها إلى لندن بانكلترا وبمنحة من المجلس الثقافي البريطاني التي تمنح عادة لكل متفوق أو متفوقة .وفي لندن ألقت محاضرة سنة 1961 في " جمعية التاج البريطانية" ، تحدثت فيها عن وطنها ليبيا ودور المرأة في حركة نهضتها .
   أصدرت كتابها : " المرأة والريف في ليبيا " ، ويقع في (105) صفحة من القطع الصغير .وقد قدم له  الأستاذ محمد سعيد قدري مدير مركز تنمية المجتمع . ومما قاله أن الآنسة خديجة عبد القادر طلبت إليه أن يقدم الكتاب إلى القارئ. والكتاب في مادته الأصلية رسالة تقدمت بها المؤلفة لنيل دبلوم " مركز التربية الأساسية في العالم العربي "بسرس الليان في القاهرة في شهر يونيه –حزيران سنة 1957 وقد كانت أول فتاة ليبية توفد في بعثة دراسية خارج ليبيا .كما أنها مثلت بلادها في الحلقة الدراسية التي عقدتها منظمة اليونسكو بالتعاون مع مركز التربية الأساسية في العالم العربي سنة 1959 لبحث موضوع "المرأة واشتراكها في برنامج تنمية المجتمع " . وعن رسالتها التي قدمتها لنيل الدبلوم قالت لجنة المناقشة التي ناقشتها في مصر : "إنها خير عينة يمكن أن تقدمها (ليبية ) في شكل أطروحة وفي شكل أخلاق " .
   أصدرت خديجة عبد القادر كتابها في 16 تموز سنة 1961، وأهدته إلى "حبات رمل ليبيا التي انتفضت بكبرياء ... إلى المرأة الليبية التي حملت جرة الماء ،وقطرة الدواء لجرحى معارك ليبيا الرهيبة  عبر التاريخ ،والتي كثيرا ما اختلط دمعها بالماء والدواء وهي تطلق النار ..إلى أبي الذي كان قبضة من هذا الرمل ،فأحببت الوطن " .
    دعت في أواخر الخمسينات من القرن الماضي إلى تأسيس أول جمعية نسائية في طرابلس بليبيا بأسم "جمعية النهضة النسائية " .وعقدت اجتماعا تأسيسيا في منزلها  الذي شهد اجتماعات الجمعية الأولى وصياغة نظامها الأساسي .وقد تشكلت الجمعية وكان لها دور مهم في تطوير العمل النسائي في ليبيا وتوسيع قاعدة الاهتمام في المجتمع الليبي بحقوق المرأة ودورها  السياسي والاجتماعي والثقافي والمهني . كان من أهداف الجمعية "النهوض بمستوى المرأة ثقافيا وصحيا واجتماعيا وتقوية أواصر التعاون والتفاهم وتوحيد الجهود بين النساء العربيات والإسهام في أوجه النشاط الثقافي والصحي والاجتماعي.  
   كتاب "المرأة والريف في ليبيا " فيه من الانطباعات ، والملاحظات والذكريات الشيئ الكثير .فمن خلال الكتاب تسلط "خديجة عبد القادر " الضوء على تجربتها في الحياة ، وانغماسها في مشكلات المجتمع الليبي،  فهي تقر بأن المرأة الليبية –في زمانها –  كانت محرومة من المعرفة بسبب السيطرة الأجنبية التي عوقت ملكات  الإبداع لكن ما أن انتهت هذه المرحلة حتى رأينا المرأة الليبية تقتحم الصعاب وتنطلق مع المنطلقات من شقيقاتها العربيات في مصر وغيرها من البلاد العربية .تقول " إن الفتاة الليبية أحست بالحاجة إلى الاتصال بقافلة المرأة الصاعدة ، ووجدت إنها في حاجة إلى عملية تعويض ولم تجد بدا من الإلحاح والإصرار على إيجاد معهد المعلمات بطرابلس وكنت خريجة الفوج سنة 1954 ويضم 27 طالبة ،واشتغلت أكثرهن بالتدريس بالمدارس الابتدائية ، وكنت إحدى معلمات الصف السادس " .
   وأضافت : " لم يكن طموحي يقف عند هذا الحد ، فصرت ألاحق ما تخرجه المطابع من كتب ، وأعكف على القراءة والدرس لأعمل على أغناء ثقافي ...ولازمتني فكرة الدراسة المنهجية المنتظمة .ولكن أين ؟ أفي الخارج ؟ وهل تستطيع الفتاة الليبية أن تخرج وتسافر ؟ الفتاة الليبية التي لم تختلط بالرجل ...ولكن شقيقي الأكبر علي(هو الشاعر والحقوقي علي صدقي )  ...استطاع أن يبدد كل ما كنت أعانيه من تمزق وتوهم فكان خير مشجع ، وحافز لتعليمي ،وبذلك استطعت أن ارفع الخمار الأسود عن عيني ..." .سافرت بالطائرة ، وتعرفت على نسوة من جنسيات مختلفة ...كانت تجربة الاختلاط الأولى في حياتها هي ركوب الطائرة بمفردها بين مجموعة من الناس مختلفين لونا وجنسا ولغة .وصلت القاهرة بعد مضي خمس ساعات من انطلاقها من مطار طرابلس في ليبيا وسجلت آلة التصوير التي كانت تحملها في الكمارك .كانت تشعر أن ألف عين تنظر إليها تراقب تحركاتها وتحصي أنفاسها لأنها كانت أول فتاة ليبية توفد للدراسة في الخارج  . دخلت " مركز تنمية المجتمع " ، والتقت مديره الأستاذ سعيد قدري وهو رجل وقور استقبلها في المطار مما ادخل في نفسها الشعور بالاطمئنان .وأدرج اسمها في " قسم التدريب العالي لخريجي الجامعات" ، واندمجت مع الطالبات اللائي كن من جميع الدول العربية بأسرها .تقول: "عندئذ أيقنت بأن امتنا واحدة وأهدافها واحدة ،واستطعنا أن نتغلب على الحدود الوهمية ونعيش أسرة واحدة " .
   تحدثت عن الدراسة في المعهد  ، وقالت أنها كانت ذات شقين نظري وعملي ..نظري وتنطوي على المحاضرات ، والنشاطات الاجتماعية الأخرى وعملي كالزيارات لمؤسسات الخدمة الاجتماعية والمصانع والقرى النموذجية ، والمعالم العلمية ، وإتباع  احدث الوسائل السمعية والبصرية وتنمية الهوايات المختلفة كالصحافة والموسيقى والرياضة .
   لقد جعلت " أطروحتها " في المعهد –كما قالت – والتي قدمتها في السنة النهائية سنة 1957 تدور حول "المرأة الليبية والتربية الأساسية " وقد نوقشت طويلا ، وعدت ضمن المراجع عن المرأة الليبية .ومن الطريف أنها عاشت تجربة الشعب المصري ، وهو يواجه العدوان الثلاثي سنة 1956 وارتدت بدلة "الكاكي " العسكرية وتدربت على حمل السلاح من قبل العسكريين الذين جاؤوا المعهد ليدربوا طالباته على حمل السلاح .تقول " وجدتني ضمن الطابور الواقف ...استلم  بدلتي العسكرية وسلاحي ...ومضيت في التدريب على الأسلحة الخفيفة المختلفة ، وانقلب المركز من معهد علمي هادئ إلى ساحة نار يرتفع فيها كل صوت أجش بالأوامر العسكرية وتتجاوب فيها الطلقات النارية .
     ومما سجلته رائدة النهضة النسائية في ليبيا أن المعهد الذي كانت تدرس فيه بالقاهرة ، نظم لها ولزميلاتها الطالبات زيارات مختلفة لمعالم مصر . كما حظيت طالبات المعهد بمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر(1952-1970 )  بقصر الجمهورية .كما هيأ لهن  المعهد رحلة بحرية ممتعة إلى أوربا.. زرن خلالها اليونان ، ويوغوسلافيا ، وايطاليا وهناك نظم لهن لقاءات مع الهيئات العلمية والاجتماعية .كما تعرفن على الأكلات ، والتمثيليات الشعبية بالألبسة المحلية ذات الألوان الزاهية .
   عادت إلى ليبيا بعد انتهاء دراستها في مصر، وفكرت في إنشاء جمعية نسائية في طرابلس ودعت "كرام الأوانس والسيدات" ، للاجتماع في بيتها وعرضت عليهن الفكرة وتلقتها الحاضرات بالقبول وتكرر الاجتماع في بيتها ثم  اسند اليها وضع النظام الأساسي للجمعية وهكذا ولدت أول "جمعية للنهضة النسائية في ليبيا " ، ووافقت الحكومة على جميع بنود النظام وبدأ العمل في نشر الثقافة بين النساء وتشجيع الفتاة على التعلم .
   كتاب " المرأة والريف في ليبيا " –كما قالت خديجة عبد القادر – هو الأطروحة التي تقدمت بها عند نهاية دراستها في معهد التربية الأساسية في القاهرة سنة 1957 "معهد تنمية المجتمع " ويضم نصوص  نظام "جمعية النهضة النسائية بطرابلس " وقانون رقم 6 لسنة 1959 بشأن حماية حق النساء في الإرث لعلاقتهما بموضوع المرأة والمجتمع .
  في الكتاب وقفت –عبر ثلاثة أبواب –عند "البيئة التي تعيش بها المرأة الليبية "و"أطوار حياة المرأة الليبية وما تخضع له من تقاليد وعادات" ، و" دور التربية الأساسية في النهضة بالمرأة الليبية الريفية " .وختمت كتابها بعدد من المقترحات تحت عنوان "ماارجوه للريف والريفيين وما اقترحه لرفع شأنها " .ومما قالته : ماارجوه للريف والريفيين نشر الثقافة بجميع أنواعها المختلفة بين المجتمع الريفي بما فيها العلمية والأدبية والزراعية والصحية والتربوية والفنية والاقتصادية حتى يكون الوعي الاجتماعي على مستوى عال فيعرف المواطن حقوقه وواجباته ويسهم في بناء بلاده .." .. ما ارجوه أن أرى المجتمع الريفي بالمدرسة وبالحقل وبالورشة أمنا من المرض والفقر مستغلا المخترعات العلمية الحديثة في عمله ""ما ارجوه الأم المثالية والأب الصالح ...ما ارجوه المعرفة أولا والمعرفة أخيرا للمرأة في بيتها وللرجل في عمله وللناشئ في مدرسته " .ومن مقترحاتها أهمية الاعتماد على التربية الأساسية في مدارس البنات الريفية ولابد أن يقدم التعليم عمليا لتطبيق النظريات العلمية ولتستخدم فيه الأيدي مع استخدام العقول ...لتنتقل تلقائيا المهرة والخبرة الى الفتاة ولابد من إيجاد صلات وثيقة بين المدرسة والمرأة الريفية بالقرى لتكوين مجتمع أكبر بنشر التربية الأساسية عن طريق طالبات المدرسة التي تتخذ من نساء القرية مختبرا لما تلقين من معلومات ومنها ما يتصل بحلب الأبقار ، وصناعة الجبن ،وتربية الدواجن ، وتحسن الإنتاج ، والتعريف بوسائل الإسعافات الأولية،  والحماية من الحريق ، وربط الضمادات ، والتخلص من الذباب والصراصير ، ونشر المعلومات الخاصة بالعناية بالحوامل وبالأولاد وبالأطفال وبالتغذية الصحية وخلق المناسبات للاجتماعات لبث التربية الأساسية بطرق العرض السينمائي وإلقاء المحاضرات والإرشادات وبذلك تنو الروح الاجتماعية عند المرأة ويرتفع مستوى السكان .
    إن أية نظرة  متقدمة إلى المرأة في الريف قدمتها الرائدة الليبية خديجة عبد القادر ، وأية برامج  متطورة أعدتها مؤسسات التعمية الريفية في مجتمعنا العربي قبل 50 سنة ، تدل على أننا كنا نسير في الاتجاه الصحيح في تحديث المجتمعات العربية .. ولكن سرعان ما بدأ النكوص ، وانتشرت اللاابالية ، وشاعت الفوضى  والعشوائية في رؤانا وتصرفاتنا ،  بسبب أنظمة الاستبداد والتسلط التي جثمت على صدور الناس قرابة النصف قرن من الزمان . أين نحن - الآن - من ذلك كله ..؟ .إن ما دبجه يراع هذه الإنسانة الرائعة  (خديجة عبد القادر)  في كتابها الرائد  يعبر عن الوعي المتقدم للمرأة العربية عموما والليبية  خصوصا  في سنوات الخمسينات من القرن الماضي فما  أحوجنا للعودة إلى مثل هذه الينابيع الأصيلة في الفكر التحديثي العربي ، ونحن نواجه استحقاقات مرحلة جديدة من تاريخنا المعاصر .
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف

  بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف وكما وعدتكم في ان اتحدث لكم في كل يوم عن شاعر ، واقول انني اعود الى كتب تاريخ الادب العربي ...