تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف لكتاب (زكي عبد الوهاب 1919-1970 من رواد الحركة الديموقراطية في العراق ) تأليف الدكتور حميد حسون نهاي
تقديم
بقلم:
الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ
الحديث المتمرس – جامعة الموصل
حين كلفني الأخ الدكتور
حميد حسون نهاي بكتابة تقديم كتابه الموسوم (زكي عبد الوهاب 1919-1970 من رواد
الحركة الديموقراطية في العراق) ، شكرته وتمنيت له دوام التألق والنجاح ، وهو يغذ
السير ، ويحث الخطى نحو الطريق الطويل باتجاه مسيرة التاريخ العراقي المعاصر .ومن
المؤكد انني اعرفه ، واعرف قابلياته ، وذكائه ، وحرصه ، ودأبه في الكتابة والبحث ؛
خاصة بعد ان انجز مشروعه البحثي الجاد والجميل عن المصاهرات والقرابات والعلاقات
العائلية في العراق المعاصر .
ويوما بعد آخر اجد
الأخ الدكتور نهاي وهو اليوم أستاذ مساعد في التاريخ الحديث ، يمسك بتلابيب ومفاصل
تاريخ العراق المعاصر ، خاصة من حيث رموزه وشخوصه وانا ادرك كم هي صعوبة الكتابة
عن الرموز ، والشخصيات ، والاعلام في ظل كثير من المقدسات ، والمحرمات ، واللاءات ،
والاعتراضات التي نجدها ، ونحن نريد الكتابة عن هذه الشخصية او تلك .
وتتعاظم المسؤولية
مسؤولية الكتابة حين نكتب عن رموز أثيرت حولهم بعض الاتهامات ، او قام حولهم جدل
او تعرضوا لعنت السلطة ، او واجهوا الاحابيل والمؤامرات او تعرضوا للموت. المؤرخ وخاصة
من يمتلك فكرا راجحا، ويحرص ان يكون موضوعيا، يعاني من صعوبات في وضع من يكتب عنه
بتجرد في مكانه الصحيح ضمن حركة التاريخ المعاصرة.
ونحن في العراق ، وعبر
ال (100) سنة الماضية واجهنا ما واجهنا من تحديات ، واحداث ، وانقلابات ، وانتفاضات
، وغزوات وحركات حزبية وفكرية وتيارات سياسية وحروب ، وهذا شيء طبيعي لو استقامت أمور السلطة
فكيف ونحن إزاء صراعات سياسية بين تيارات متضاربة في الأهداف والوسائل ووفق قاعدة
(كلما دخلت امة لعنت اختها ) .هنا تتعاظم مسؤولية المؤرخ والكاتب ابتداء من عنوان
ما يكتب ، لذلك وجدتُ عنوانا لهذا الكتاب ، واقترحت عنوانا آخر كي اخفف من وطأة ما يمكن ان يثيره الكتاب من
نقاش ، او جدل وحرصا مني على ان يظل المؤلف بمنأى عن ما وقع ؛ فهو يريد ان يؤرخ ، وحتى
يكون موضوعيا وحياديا عليه ان لا يستفز القارئ من اول سطر يكتبه بل عليه ان يسير
مع القارئ وهو يتحرك باتجاه الوصول الى النتائج المرجوة ، وتلك وظيفة المؤرخ التي
انتهجها وهي :" ان على المؤرخ ان يعيد تشكيل الحدث كما وقع وبالضبط " .
زكي عبد الوهاب 1919-1970 ، من اسرة عراقية عربية ترجع الى عشيرة القيسية ، وهو وطني عراقي مؤمن بالفكر الديموقراطي الليبرالي ، وكان لفترة امتدت من سنة 1959 الى 1966 مديرا لمصرف الرافدين والكل يشهد له بالكفاءة والنزاهة والاقتدار، لكن حظه العاثر دفعه ان يكون وراء قضبان قصر النهاية في عهد إدارة ناظم كزار بتهمة معاداة السلطة التي قامت بانقلاب 17 من تموز 1968 و، عدم انسجامه مع توجهاتها الاقتصادية .والغريب انه اتهم بكونه يعمل مع وكالة المخابرات الامريكية CIA ، ويشير ابن أخيه الأستاذ لهيب عطا عبد الوهاب في مقاله المنشور في موقع مجلة الكاردينيا الالكترونية ورابطها التالي :
https://www.algardenia.com/maqalat/46288-2020-10-07-06-39-48.html
الى إنتزاع اعترافات وامام محكمة عرفت بأنها من محاكم الثورة التي أقيمت آنذاك في
عهد مدير الامن العام ناظم كزار1940 -1973 .ولم يتم الاكتفاء بذلك ، بل اقتيد ليكون امام
المواطنين في تلفزيون العراق مساء يوم من أيام شهر حزيران سنة 1969 وليسأله مدير الإذاعة والتلفزيون نفسه وكان
محمد سعيد الصحاف وزير الاعلام بعدئذ :" أستاذ زكي ! كيف تم تجنيدك للعمل في
وكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA ، و" ظهر الرجل شاحب الوجه هزيل الجسم "
، وقال انه قد تعاون مع المخابرات الامريكية لقاء مبالغ مالية “. وكانت النتيجة أن
أعدم الرجل رحمه الله ، وارتفعت روحه تشكو الى بارئها ظلم الانسان للإنسان.
أعود الى ما لدي
من أرشيف عن الأستاذ زكي عبد الوهاب ، لأقول انه من اسرة ال عبد الوهاب القيسية
البغدادية المعروفة التي قدّمت للعراق
الكثير ممن خدموها في ميادين الدبلوماسية والسياسة والاقتصاد ، وانه كان وطنيا
ديموقراطيا بمعنى انه كان من قيادات الحزب الوطني الديموقراطي بزعامة الأستاذ كامل
الجادرجي وقد ارخ لهذا الحزب استاذي وشيخي والمشرف على اطروحتي للدكتوراه عن
السياسة التعليمية في العراق 1914-1932 المرحوم الأستاذ الدكتور فاضل حسين.
وما زلت أتذكر ان الأستاذ
الدكتور فاضل حسين كان يمتدح الأستاذ زكي عبد الوهاب ، وقال انه كان مديرا لتحرير جريدة
(صوت الأهالي ) لسان حال الحزب الوطني الديموقراطي ، وان المرحوم الأستاذ زكي عبد
الوهاب احد مؤسسي الحزب سنة 1946 ، وعضوا في هيئته المركزية لكنه سرعان ما اختلف
هو وصديقه المرحوم الأستاذ طلعت الشيباني (1917-1992 ) ، والذي اصبح في عهد الزعيم عبد
الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958-1963 وزيرا للتخطيط ،
فخرجا من الحزب وسبب الاختلاف والانسحاب من الحزب هو أن الجادرجي كان يريد ان
يتوجه بالحزب نحو (الفابية) وهي الاشتراكية الخاصة التي كان ينتهجها حزب العمال
البريطاني ، لكن الأستاذ زكي عبد الوهاب والدكتور طلعت الشيباني كانا يريان ان
ظروف العراق الاقتصادية وتخلفه وفقر شعبه لا يسمحان بذلك والاولوية يجب ان تكون
للنضال السياسي والتخلص من النفوذ البريطاني المتفاقم بعد الاحتلال الثاني سنة
1941.
مما تختزنه
الذاكرة التاريخية العراقية المعاصرة ان الأستاذ محمد حديد والأستاذ حسين جميل
وهما من قادة الحزب الوطني الديموقراطي ، ومن رموزه الكبار ومن مفكريه هالهم الامر
، ولم يصدقوا ما حدث فالتقيا السيد رئيس الجمهورية آنذاك المهيب احمد حسن البكر 1968-1979
، فقال لهم انه هو الاخر اندهش من الموقف ، وانه كان يفكر في ان يعهد له منصب وزير المالية ،
وانه وانهما يعدانه من رموز الوطنية
والديموقراطية في العراق ، وان لا علاقة له بأي طرف خارجي.
لكن كما يقال سبق
السيف العذل كما يقال، والرجل اعترف من خلال ما ادلى به من حديث عبر التلفزيون. ويبدو
ان السلطة الأمنية آنذاك ارادت ان يكون الأستاذ زكي عبد الوهاب كبش فداء، ووسيلة لإخافة
الاخرين، ومحاولة لتثبيت الحكم ليس الا.
الكتاب ، يعد
وثيقة تاريخية مهمة ، وكشفا لحقائق لم تكن متاحة من قبل ، ودرسا لمن يريد ان يتعلم
. والمؤلف حرص على ان يعود الى اضبارة المرحوم الأستاذ زكي عبد الوهاب في كلية
الحقوق بجامعة بغداد ، والى ما كتبه شقيقه المرحوم الأستاذ عطا عبد الوهاب ، والى
كل من كانت له صلة بالموضوع لذلك نجده قد قسم كتابه الى مقدمة وثلاثة فصول تحدث في
الفصل الأول عن نسب الأستاذ زكي عبد الوهاب واسرته وولادته ونشأته وتكوينه
التعليمي والثقافي. في حين وقف في الفصل الثاني عند دوره السياسي ، وانضمامه الى
الحزب الوطني الديموقراطي ، وما كتبه في صحف الحزب من مقالات . وفي الفصل الثالث
تابع مسيرته ودوره بعد ثورة 14 تموز 1958 حتى إعدامه سنة 1970.
في الكتاب معلومات
جمة عن المرحوم الأستاذ زكي عبد الوهاب ، وعن مقالاته التي كان يكتبها في جريدة
(صوت الأهالي). كان صاحب قلم وصاحب فكر وكثيرا ما اكدفي مقالاته على وجود تعميق
الوعي بأهمية الديموقراطية وإرساء أسس قواعدها في العراق. كان متزوجا من السيدة
عفيفة محمد الاثري ابنة أخ العلامة اللغوي والمجمعي العلمي الأستاذ الشيخ محمد بهجت الاثري وله ولد منها اسمه عمر.
وفي بدايات حياته ، وبعد تخرجه في كلية الحقوق سنة 1941 ، وخدمته العسكرية ضابطا
احتياطا وعمله كمعاون للمدير العام للاستيراد ومديرا لجمعية التموين أصبح مديرا
لمصرف الرافدين. والمؤلف تابع في كتابه كل هذا واستنادا لما حصل عليه من مصادر
ووثائق ومراجع.
أتمنى للأخ
والصديق الدكتور حميد حسون نهاي كل تقدم ونجاح.
*الموصل المحروسة 26 تموز - يوليو 2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق