حوار مع رائد من رواد البحث العلمي والتاريخي الدكتور ابراهيم خليل
العلاف
حاوره
: ذنون قره باش
الدكتور العلاف أستاذ جامعي متمرس في التاريخ الحديث والمعاصر ،
وفي هذا الحوار كشف لنا الكثير من دفاتر التاريخ من خلال بحوثه ودراساته وتجربته في
اختصاصه ، واليكم تفاصيل الحوار .
س1_ من من الشخصيات التاريخية والسياسية المعاصرة قريبة الى نفسك
وتعجبك ؟
*_ من الشخصيات القريبة الى نفسي وتعجبني شخصية الرئيس الخالد جمال
عبدالناصر(1952- 1970م) هذا الرجل الذي أيقظ الأمة العربية من سباتها ، وخلق فيها
روحا جديدة من النهوض والاعتزاز بالكرامة والنفس وذلك من خلال قيادته للتغير في
مصر الذي ابتدأ بثورة 23 يوليو/ تموز 1952م ، وبناء قاعدة صناعية كبيرة في مصر
وإشاعته للثقافة وتيسير الصحف والمجلات والكتب باثمان زهيدة جدا ، وكذلك مقاومته
للاستعمار ليس في مصر وإنما في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وتأمين قناة
السويس ، واجتماعه بالمفكرين والمثقفين وافساحه المجال لهم لكي يكتبوا ، وهكذا كان
عصر عبدالناصر هو عصر نجيب محفوظ الروائي الكبير الذي حصل على جائرة نوبل وعصر
توفيق الحكيم ( عودة الروح) وعصر كاتب العبقريات عباس محمود العقاد ، كان عصر أم
كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.
س2 _ من يكتب التاريخ تحديدا المنتصرون أم المؤرخون أم الأكاديميين
أم المشاهيرالعظماء ؟
*_ التاريخ يكتبه المنتصرون مقولة شائعة ، لكنها ليست دقيقة مع إنها
صحيحة في بعض جوانبها حيث أن المنتصر يفرض نفسه ، ويعمل من أجل أن يكتب المؤرخون
ما قام به، لكن التاريخ الحقيقي هو من يكتبه المؤرخون الثقاة المؤمنين بالحقيقة ،
وعندما يكتب هؤلاء التاريخ فإنهم يلتزمون بما يسمى المنهج التاريخي وهو مجموعة
الخطوات العلمية التي توصل الباحث الى حقيقة من خلال التنصيص والتهميش ، والعودة
الى الأصول أي إلى المصادر المعتمدة وإنا شخصيا مع المؤرخ الألماني ليوبود رانكة
أي الذي يقول إن على المؤرخ أن يعيد تشكيل الحدث كما وقع أي بدون أي تزييف أو
ترتيش وهكذا هي المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة التي لاتزال محافظة على
تقاليد الكتابة التاريخية من خلال إعتماد المصادر الرئيسية ، وعدم الإلتزام بتظرية
أحادية في التفسير ، وإنما الأخذ بتعدد الأسباب والعوامل.
س 3_ هل هناك قيود على الحريات في المجتمعات العربية ولاسيما على
كتابة التاريخ ؟
طبعا هناك قيود سياسية وهناك قيود دينية وهناك قيود إجتماعية ،
ولكن قوة هذه القيود أو ضعفها تتراوح بين فترة زمنية وفترة زمنية أخرى. عندما يكون
الحاكم في السلطة لا يسمح لأحد أن يكتب تاريخه وإذا سمح فيجب أن تكون الكتابة وفق
ما يشتهي لذلك لا بد من إنتظار انتهاء الحدث ومرور فترة زمنية وتوفر المصادر
والمظان الرئيسة حتى يستطيع المؤرخ الموضوعي أن يكتب تاريخا حقيقيا بعيدا عن
تدخلات الحكام أو الطبقة الحاكمة أو المتنفذون في السلطة.
س4_ هل التاريخ يحتمل التزوير من قبل المؤرخين والمعنيين بتاريخ
البلدان العربية ؟ وكيف يتم حمايته من التزوير وخصوصا في الظروف السياسية المتغيرة
؟
*_
نعم كما يقول المؤرخ العربي الاسلامي عبدالرحمن بن خلدون فإن
التاريخ( مطية ) يسهل ركوبها. أنت لا تستطيع أن تمنع أحدا من أن يكتب تاريخا وليس
كل من كتب التاريخ يمكن أن نسميه مؤرخا.. وهناك مؤرخين ارتبطوا بالسلطة وزوروا
التاريخ ، وهناك مؤرخين ارتبطوا بحزب معين فزوروا التاريخ لهذا نرى في المكتبة
العالمية ومنها العربية كتبا تايخيا رصينة وأخرى مزيفة ولابد للقاريء أن يميز الغث
من السمين وهذا يعتمد على ثقافته ومرجعيته الفكرية والسياسية والاجتماعية.
س5_ هل المؤرخون طبقيون قوميون يكتبون التاريخ وفق مزاجهم أم
يستندون الى أدلة ومعطيات تاريخية من واقع الأمة ؟
*_ المؤرخ الحقيقي الذي تلقى تدريبا أكاديميا لا يمكن إلا أن يكون
متنورا وتقدميا ومهموما بالمظلومين ولا يمكن أن يكون طبقيا ولا طائفيا بل منحازا
الى الحقيقة والى الناس وليس الى الحاكم أو الطبقة التي ينتمي إليها ، ولكن هذا لا
يمنع من أن يكون هناك مؤرخون طائفيون أو قوميون أو عنصريون أو طبقيون ، المؤرخ
الحقيقي لابد أن يستند إلى معطيات حقيقية والى أدلة للحكم فلا تاريخ بلا مصادر
والمصادر لابد أن تطبق عليها قواعد الجرح والتعديل أي ما نسمية اليوم بالنقد
الداخلي والنقد الخارجي أي نقد المتن ونقد السند
س6_ هل هناك خطوط حمراء أمام المؤرخون ؟
*_ نعم في بعض البلدان هناك قيود حمراء وهناك بلدان ليس ثمة قيود أو
خطوط حمراء وهناك في بلداننا مشكلة التاريخ الإسلامي هو الدين ومشكلة التاريخ
الحديث هو الايديولوجية ، طبعا لايمكن المس بالمقدسات ولايمكن المس بالاعراف
ولايمكن المس بالطبقات الحاكمة ، لكن إذا زالت القيود أصبح بإمكان المؤرخ ان يكتب
تاريخا حقيقيا موضوعيا قدر الإمكان.
سعد7_ هل التاريخ حقيقة يراد فيها نتائج على أم مجرد تدوين في بطون
الكتب ؟
*_ كما أن للطبيعة قوانين تتحكم فيها فإن للتاريخ قوانين تتحكم في
أحداثه وقد أشار الى ذلك كثيرون منهم المؤرخ البريطاني كولنجوود( فكرة الطبيعة ) و
( فكرة التاريخ ) . التاريخ ليس عبثا إنه كالقدر هناك عوامل وراء كل حدث وهذه
العوامل تتفاعل مع بعضها لتخلق تاريخا.
س8_
هناك من يحكم التاريخ من منظور قومي أو إيديولوجي أو شخصي أو فئوي وعلما أن
التاريخ طويل لا يمكن إزالته من الأذهان بسهولة ، فماهي مقومات الحكم على التاريخ
؟
*_ نعم
هناك مدارس، هناك رؤى.. هناك نوافذ يطل منها المؤرخ وهذه المدارس والرؤى والنوافذ
تتاثر بخلغية المؤرخ السياسية والدينية والإجتماعية والثقافية ، قد يتأثر المؤرخ
بقوميته أو مذهبه أو ايديلوجيته لكن المؤرخ الحقيقي يجب أن لا يضع ذلك بالحسبان
ويحاول أن يكون موضوعيا ، ومع هذا ليس من الصحيح أن يكتب مؤرخ بعثي عن حزب البعث
أو مؤرخ شيوعي عن الحزب الشيوعي أو مؤرخ له صلة بتنظيم إخوان المسلمين عن الإخوان
المسلمين لأنه سوف يتأثر حتما ، من مقومات الحكم على التاريخ أن يكون المؤرخ
موضوعيا ومنسجما مع ما يكتب وأن يعود إلى المصادر الأساسية وأن تكون الحقيقة هدفه
وديدنه ولا شيء غير الحقيقة.
س9_
هل اختلال فلسطين من قبل الصهاينة واسرائيل تمثل تاريخ جديد في حياة الأمة العربية
والإسلامية ؟
*_ طبعا
القضية الفلسطينية هي القضية التي تشغل العرب والمسلمين منذ 100سنة إنها قضيتهم
المركزية والرئيسية لأنها قضية أثرت على حياتهم ومستقبلهم وما نشاهده اليوم ليس
إلا انعكاسا للصراع العربي _ الصهيوني ، والصهيونية اغتصبت فلسطين واقامت دولة
إسرائيل. وإسرائيل ليس لها حدود رسمية وهي تطمح أن تتوسع لتشمل المناطق الواقعة
بين نهري النيل والفرات. التاريخ هو تاريخ الصراع وديمومته وصيرورته واستمراريته
وهو من يؤثر على مستقبل الأمة ، اقول لك وبصراحة مثلا أن مشاكل العراق يمكن أن
تنتهي اذا أعترف بإسرائيل وازال حالة الحرب معها فالعراق هو الوحيد الذي لم يعترف
باسرائيل لا تزال حالة الحرب قائمة بينه وبين الصهيونية ودولة إسرائيل.
س10_
هناك آراء مختلفة حول اعادة التاريخ وعدمها في رأيك أي الرأي أقرب الى الصواب ؟
التاريخ
دائما وابدا بحاجة الى إعادة كتابة ولكن بشرطين أما الظهور مصادر جديدة أو لظهور
رؤى وتفسيرات جديدة وهكذا كل أمة تكتب تاريخيها وتعيد كتابته وفق هذين الشرطين
ولدينا البوم مئات من الكتب عن الثورة الفرنسية وكل كتاب ينظر للثورة من منظار
وتفسير معين.
س11
_ هل ترى إنه توجد أزمة قراءة في المجتمعات العربية بشكل عام وخصوصا في قراءة
التاريخ .
*_ نعم
والسبب هو ابتعاد الناس عن القراءة وضعف في البنية الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية العربية المعاصرة وظهور قوى ظلامية متقنعة بالدين ظهور صراعات وعرقية
فرعية.
س12_
لماذا تتقدم شعوب العالم الى التطور والنهوض في الوقت الذي اخذت الشعوب العربية في
الانتكاس وإلى الخلف ماهو تحليلك من منظور تاريخي ؟
*_ السبب
أن المجتمعات العربية تعرضت وتتعرض لاطماع الدول الغربية بسبب موقعها الاستراتيجي
وثراها الاقتصادي والبشري وانعكاس الصراع العربي _ الصهيوني على مستقبلها. المنطقة
العربية هي قلب العالم وملتقى الأديان الثلاث وبؤرة الصراع منذ العصور القديمة حتى
يومنا هذا بين الشرق والغرب ومن المؤكد أن هذا الصراع مستمر ودائم وما نلاحظه في
سوريا والعراق يثبت ذلك. كان صراعا بين الساسانيين والبيزنطيين وكانت ساحته ارضنا
ومنطقتنا وكان صراعا بين العرب والصليبيين وكانت ساحته أرضنا ومنطقتنا وكان صراعا
بين الروس والغرب وها نحن نشهده في سوريا عيانيا أن منطقتنا العربية منطقة صراع stragglt ابدي ودائم وهذا هو قدرنا ،
أرضنا مهد الأديان وارضنا أرض اللبن والعسل وارضنا أرض الفكر والثقافة وارضنا أرض
النفط وارضنا أرض دجلة والفرات والنيل والأردن وبردي والعاصى .
س13
_هناك من يؤمن بمقولة التاريخ يعيد نفسه ، وهناك من لا يؤمن بأن التاريخ لا يعيد
نفسه في رأيك أي الرايين أرجح ؟
*_
التاريخ
لا يعيد نفسه.. قد تتشابه الأحداث ، وقد تتكرر الأحداث لكنها لايمكن أن تكون
مشابهة ابدا. وهذا ما دعا المفكر كارل ماركس أن يقول الأحداث قد تتكرر مرة بشكل
ملهاة ومرة بشكل مأساة ، وانا اكرر ان المياه هي ليست نفسها التي تمر من تحت
الجسر.. نعم هي مياه لكنها تختلف في ذراتها ومواصفاتها عن تلك التي مرت قبلها
وستمر بعدها.
س14_
من أين يبدأ التاريخ الإسلامي ، والتاريخ المعاصر ؟
*_ صور
التاريخ تسهيلات لدراسة التاريخ. سنة وعندئذ ابتدأت العصور التاريخية. وهو الذي
يبدأ بسنة 1914 حين اندلعت الحرب العظمى great_ war هي التي سميت فيما بعد ب( الحرب
العالمية الأولى 1914_ 1918) تمييزا لها عن الحرب التي اندلعت وهي الحرب العالمية
الثانية( 1939_ 1945(.
س15_هل من كلمة تاريخية تود تضيفها ؟
*_ أود
أن أقول لمن لا يؤمن بحقيقة التاريخ ولايؤمن بأهمية الدرس التاريخي ولايؤمن بوظيفة
التاريخ ، أن التاريخ ليس كما يقول البعض مجرد أحداث التاريخ هو الماضي البشري
ودراسته واجبة ومهمة والتاريخ ذاكرة الأمة والتاريخ مفيد في شحذ همم الشباب لحب
الوطن والأمة ولكن في الوقت نفسه فإن للتاريخ مضار ويكون ذلك عندما نغلب التاريخ
العبء على التاريخ الحافز وعندما نتخذ من التاريخ متكأ للاحقاد والفتن وعندما نعد
إليه لا لكي نتخذه أساسا ومرتكزا للنهوض بل وسيلة للهدم وعندما ندع الأموات
يحكموننا من وراء القبور .
___________________________________________
https://www.facebook.com