الجمعة، 23 يونيو 2017

من الوركاء إلى ساو باولو المدن العالمية الكبرى: هل تمثل مستقبل البشرية؟ إعداد: صباح صدّيق الدملوجي


من الوركاء إلى ساو باولو
المدن العالمية الكبرى: هل تمثل مستقبل البشرية؟
                                                                    إعداد: صباح صدّيق الدملوجي*

ستشكل المدن النمط المهيمن للحضارة في القرن الحادي والعشرين وهي الموضع الذي سيرى كفاح الإنسانية من أجل البقاء.
لن يكون القرن الحادي والعشرين قرنا أمريكيا أو صينيا أو برازيليا بل سيكون قرن المدن بامتياز.
لماذا الوركاء ولماذا ساو باولو؟ الوركاء هي أول مدينة في تاريخ الوجود الإنساني تستحق هذه التسمية أي (المدينة) بإجماع آراء علماء الآركيولوجيا. أما ساوباولو فهي ليست المدينة الكبرى الوحيدة ولا هي ألتي تحوي أكبر عدد من البشر بل لأن أول مرة قرأت فيها تعبير المدينة العالمية الكبرى (World Megapolis) كان سنة 1980 لوصف ساو باولو في جريدة تصدر بالإنكليزية في البرازيل أثناء زيارة عمل لي هناك.
سؤال آخر: لماذا المدن العالمية الكبرى؟
السبب هو آن أكثر من نصف البشر اليوم يعيشون في المدن وأن العديد من المدن توسعت بدرجة أصبحت الواحدة منها تستوعب عشرات الملايين من السكان وبذلك تستحق أن تدعى بهذه التسمية أي المدن العالمية الكبرى أو (ميغابوليس) وأن هذا التوجه في ازدياد.
تقول الباحثة الكندية فيرونيك سانت أونج[1]" أن القرن الحادي والعشرين يشهد تحولا لا يصدق لمواقع القوى يصاحبه على مسرح الأحداث القومي والدولي بروز المدن كعوامل اجتماعية-اقتصادية وسياسية فاعلة". وتضيف قائلة
 "أن أسلوب الحكم المديني(municipal) سيكون إحدى السمات المميزة للقرن الحادي والعشرين".
هل هناك من نفع لهذه المدن العملاقة وهل يمكن للعالم أن يعيش من دونها ومن دون المشاكل الكبرى التي تعشش فيها؟ لا أدعي أن العالم يستطيع العيش بدونها لكنها في الواقع تخدم كمراكز للإقتصاد العالمي وللبورصات المالية وبورصات المعادن والمواد الغذائية والطاقة كما تمثل بؤرا لخدمات المعلوماتية المتخصصة التي لا يمكن إداء أي من الفعاليات التجارية والمالية وفعاليات النقل العالمية وغير ذلك من الأمور الخدمية بدونها. أضافة تخدم هذه المدن كمراكز للخدملت الطبية والعلاجية وكمراكز للابتكار العلمي والفني والثقافي وتصبح بفضل كل هذا الواقع مراكز اجتذاب سياحية. لذا نرى أن الفائدة المرجوة منها أو التي تقدمها ليست بالهينة أو المقتضبة وأنها لو توزعت على مدن أصغر لتسبب ذلك بتباطؤ في كل هذه الفعاليات مما يضيف إلى الوقت اللازم لتنفيذ هذه المهام وبذلك سترتفع كلف البضائع والخدملت التي سيتحملها المستهلك في النهاية وهو ما سيؤثر على مستوى حياة البشر في كافة اصقاع الأرض.
من أدلة اهتمام العالم بقضية المدن الكبرى ما سيلاحظه من دون شك من يتصفح النسخة الألكترونية لجريدة الغارديان مثلي وهو الجزء اليومي المخصص لبحث أمور المدن تحت عنوان (cities) وسيلاحظ أن هذه الصفحة مدعومة من قبل مؤسسة روكفيلر, فالغارديان كجريدة رصينة ومؤسسة روكفيلر بدورها قد ارتأيتا أهمية تكريس صفحة خاصة لبحث أمور المدن. ومن الأدلة الأخرى على الأهمية التي يوليها العالم لواقع المدن الكبرى ومستقبلها وأثرها على حياة البشر وعلى كوكب الأرض أن ثلاث موتمرات علمية على مستوى دولي عقدت خلال سنة  2016 فقط لبحث هذه الأمور وللتداول بين الآراء الخبيرة. أول المؤتمرات كان في بوينس آيريس وثانبها في الصين وثاثها في كراتشي.
 لذا رأيت من المناسب أن نكرس بعض الوقت لموضوع المدن الكبرى بدأ بما يخص التغيير الذي طرأ على توزع الجهد البشري بسببها (أو ربما كان العكس هو الصحيح) وفيما يخص تأثير هذا النوع من التعايش المديني –بخلاف التعايش الريفي- والتأثيرات الناجمة عنه على العالم بصورة عامة وعلى البيئة والعلاقات بين المجاميع البشرية ومن حيث مفاهيم أخرى مرتبطة بهذا التغير الذي برز ولا زال يتعاظم.
الإنسان كائن اجتماعي بالطبع فأرسطو يدافع عن اطروحتة التي مفادها أن الانسان حيوان مدني بطبعه، اي أن قَدَره ان يعيش داخل مجتمع، لذا تراه ينزع بشكل طبيعي الى التكتل داخل تجمعات عمرانية[2]. يعزو علماء الأجناس البشرية هذا الميل إلى أن الكائنات البشرية الأولى وجدت أنفسها ضعيفة إزاء الحيوانات الأخرى الضارية فواحدها لا يتمتع بقوة وشراسة الأسد أو النمر كما لا يتمتع بسرعة الفهد أو الذئب. لذا وجد ذلك الكائن نفسه فريسة لهذه الضواري كلما كان منفردا إزاءها تعوزه الحيلة والقوة لكي يذب عن نفسه وعن أطفاله. وهكذا هلك من كانت جيناته تميل بصاحبها للعيش المنعزل تبعا لنظرية الارتقاء والتطور.أما الذين بقوا من تلك الأجيال فكانوا أجدادنا الموغلين في القدم الذين تميزوا بجينات تدفعهم للتكتل وهكذا برزت مجموعات تدرأ عن نفسها الأخطار المحيطة بها. لذا يمكننا القول أن العيش في مجتمعات هي ميزة متأصلة في الكائن البشري كما يمكن لأي منا ملاحظته دون العودة إلى أطروحة أرسطو. من ناحيتها تؤيد البحوث العلمية الحديثة كون الميل البشري للارتباط حقيقة عضوية وليست خاصية مكتسبة فالباحث الآمريكي(ماتيو ليبرمان Matthew Lieberman ) يخبرنا في مقابلة معه نشرتها مجلة ( ٍScientific American) الرصينة بعنوان(لماذا نحن مسلّكون لنرتبط Why We Are Wired to Connect)[3] أن بحوثه تؤكد له أن هناك ارتباطا داخليا في تركيبة الدماغ البشري تجعله في حاجة للعيش المشترك والارتباط مع أبناء جنسه.
من هذا المنطلق نرى أثاراً للتجمعات البشرية الأولى في الكهوف والمغاور تعود إلى عهود العصر الحجري القديم أي لنحو مليون سنة خلت حيث كانت المجموعات التي سكنتها تتعاون في صيد الأسماك أو صيد الحيوانات البرية او ما يتبقى من فرائس الحيوانات الضارية أو حتى في جمع النباتات والجذورالصالحة للأكل. كل هذه المهمات (ما عدا جمع النباتات) كانت تتطلب جهدا جماعيا إضافة لمهمة الدفاع عن النفس وعن الأتباع ضد الحيوانات الضارية الأخرى. هذا هو السبب الذي رسّخ خاصية الارتباط والعيش المشترك لدى البشر.
بعد مئات آلاف السنين حدث ما ندعوه بالثورة الزراعية. تغيب هذه الثورة وأثارها عن أفكارنا في حين لا زلنا وسنبقى لقرون قادمة نتكلم عن الأثرالذي تركته الثورة الصناعية التي برزت قبل قرنين وحسب في حياة البشر. إلا أن الثورة الزراعية لها أهمية ربما تفوق الثورة الصناعسة. حدثت تلك الثورة عندما تعقدت الحياة وبدء إنسان الحقب التي تلت العصر الحجري القديم باستخدام الألات الحجرية والخشبية وعند قيامه ببناء مساكن من الحجر أو الخشب بدل العيش في الكهوف وتزامن ذلك مع تدجينه لبعض الحيوانات وتعلمه كيفية استنبات بذور المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها في غذاءه. أوجدت تلك الثورة لدي إنسان ذلك العصر نوعا من قسمة العمل والتخصص وهكذا  برزت مهام (مركزية) يقوم بها أناس يسكنون التجمع السكني ويبادلون مهاراتهم بالمواد الغذائية التي تتوفر لدى الصيادين وزراع الغذاء. هذا النوع من العيش جعل بعض البشر يعتمد على الآخرين وساهم في تعزيز خصلة العيش المشترك.
أما أولى التجمعات التي يمكن أن نسميها (بلدات) لكنها بمقياس يومنا هذا ليست سوى قرى بسيطة فقد اكتشفت في منطقة تدعر (غوبكلي تبة) في الجزيرة الفراتية على بعد 12 كم من بلدة أورفا جنوب تركيا ويعود تاريخها إلى 9000 سنة ق.م. كما تنافسها في القدم آثار السكن في منطقة أريحا في غور الأردن. مثلت هذه التجمعات أول قسمة للعمل بين البشر الذين كان إي واحد منهم فيما سبق يقوم بكل الأعمال اللازمة للبقاء على قيد الحياة من جمع وصيد ما يقتات به هو وعائلته أو من تربية الحيوان وزراعة الأرض. أدى ذلك بدوره إلى تخصص البعض للقيام بواجبات أخرى (مثل صنع أدوات الصيد أو الملابس) ومقايضة بضائعهم مقابل الغذاء الذي يحصلون عليه من الآخرين الذين استمروا في جمعه. ما يسّر ذلك هو الثورة الزراعية أي قيام الإنسان يزراعة المحاصيل التي تنفعه كغذاء وتوفر فائض لديه من تلك المحاصيل التي كان يعرضها للمقايضة.
من هذه البدايات الخجلة تعلم البشر منفعة العيش المشترك والتخصص في العمل وهو عامل حسّن كفاءة الأنتاج. مع مرور الأزمنة نمت هذه التجمعات البشرية لتصبح قرى ثم لتصبح بلدات بسيطة واستمرت بالنمو حتى رأيناها مدنا عامرة. لا أهدف هنا لمتابعة مراحل التطور هذه عبر التاريخ الإنساني لكن من المناسب أن نقف لنفكر ما هو الفرق بين (بلدة) و (مدينة) ولماذا التسميتين؟
في البدء كلاهما تجمع سكاني فهل أن تسمية (مدينة) تشير إلى السعة الجغرافية الممتدة التي تشغلهاعلى سطح  الأرض وحسب؟ لا ليس ذلك فقط فالمدينة كيان له امتداد حضاري وتاريخ يجمع بين ساكنيه وله سلوكيات وقيم وأخلاقيات خاصة به تجعل منه بؤرة تبرز بين القرى والأرياف والبلدات الأصغر والتي تحيط بها. ومن خصائص المدن أن ما تمتلكه من قيم وأخلاقيات وسمات حضارية وثقافية تشع أوتفيض لتغطي ما حولها. إلا أن الأمر لا ينتهي عند العطاء  فالمصادر التاريخية تتهم المدن في العهود المنصرمة باستغلال الريف حواليها من حيث السيطرة على منتوجه الزراعي بثمن بخس فالمدينة قد اعطت لنفسها سلطة سن القوانين ووضع أسس استثمار الأرض الزراعية واحتكرت مهمة فرض تلك القوانين وتأمين السلم الأهلي  بحيث أمنت لنفسها السيطرة على الجزء الأعظم من فائض قيمة الإنتاج الزراعي الذي يمثل في الأساس مجمل جهد سكان الريف. تظهر خصوصية المدينة مقارنة بسكان الريف بشكل ملحوظ عندما يكون هذا الريف ذا اساس قبلي عشائري. نلاحظ أيضا أن لكل مدينة مميزات تتفرد بها دون غيرها من الكيانات المدينية وتجعل منها  بؤرة لوحدة حضارية مصغرة (mini-culture) تشابه بدون شك  الخصوصية المجاورة لكنها تمتلك مميزات تنفرد بها. هناك عبر التاريخ العديد من الأمثلة على حضارات ولدت ونمت على أساس مديني مثل الحضارة السومرية الرافدينية وحضارة المدن الإغريقية (أثينا وسبارطة وطروادة وطيبة...الخ) وأيضا حضارة المدن الفينيقية. في هذه الحالات يدمج التطور التاريخي هكذا مدن عادة لتصبح قوة لا يستهان بها تفرض ثقافتها ومثلها على مساحة أوسع من الريف المجاور وقد تصبح دولة كبرى يخشى جانبها. هناك أيضا حضارات تمثل إرثا قبليا مثل حضارة الفرس الأخمينيين والعرب (رغم تغطية الجلباب الديني الإسلامي للكنان القبلي في هذه الحالة).
نعود إلى موضوع نمو هذه المدن. كان عدد السكان في الدول المختلفة قبل الثورة الصناعية شبه مستقر (ما لم تحدث جائحات وبائية أو حروب مدمرة) وكانت نسبة سكان المدن إلى مجمل السكان كذلك شبه ثابتة. لا توجد إحصائيات معتمدة لتلك النسبة وأفضل ما لدينا هو تقدير لعدد ساكني المدن في إنكلترا سنة 1800[4] أي قبل أن يظهر تأثير الثورة الصناعية يصورة واضحة حيث بلغت النسبة 17% من مجمل سكان القطر. أما تقديرات الأمم المتحدة[5]فتتحدث عن كون النسبة 5.1% سنة 1800 على مستوى العالم لترتفع إلى 20.5% سنة 1925 ثم إلى 29% فحسب سنة 1950 لكنها تقفز إلى 52% سنة 2000. هذا يؤكد التسارع في التحول من الريف إلى المدينة على المستوى العالمي بصورة عامة. تتباين أسباب هذا التحول حسب طبيعة كل دولة إذ توجد أسباب دافعة تجعل السكان يتركون الريف كما توجد أسباب جاذبة تجغلهم يتوجهون نحو المدينة. النتيجة هي هذا التوسع الكبير والسريع في حجم وعدد سكان المدن.
كانت نسبة نمو سكان المدينة المعقولة بسبب الهجرة من الريف في العقود السابقة تمثل واقعا يمكن للمؤسسات المدينية كما للمجتمع الشعبي المديني استيعابه بسهولة, إذ لا يمضي جيل واحد على هؤلاء المهاجرين حتى يتأقلموا مع أسلوب العيش المديني ومع القيم والأعراف السائدة دون الإخلال به وذلك بسبب قلة عددهم واندامجهم بالمجتمع المديني حواليهم. غير أن الملاحظ أن التسارع الذي حدث منذ منتصف القرن العشرين أدى إلى برور بؤر ريفية داخل المدن(ghettos) وغيّر النمط الاجتماعي السائد. لا بل أن هؤلاء القا\دمين الجدد إلى المدينة افتقدوا بعد تركهم الريف (على الأقل في حالة مجتمع زراعي عشائري كالمجتمع الريفي العراقي) القيم والأعراف القبلية التي كانت تشكل سلوكياتهم في حين صعب عليهم اكتساب القيم والأعراف المدينية (او الحضرية). هذا الوضع ولّد ما نستطيع تسميته بالـ(شيزوفرينيا) المجتمعية. يدعي أحد من أولو الموضوع اهتمامهم أن الأمر يحتاج إلى ثلاث أجيال لكي يتأقلم أبناء هؤلاء المواطنين مع واقعهم الجديد.
المشكلة التي يواجهها العالم اليوم تتمثل في النمو الإنفجاري للمدن وتحول المجتمع العالي إلى مجتمع (مديني) بشكل عام بعد أن كان مجتمعا زراعيا منذ الثورة الزراعية التي مضى عليها بضعة آلاف سنة. يقول إحدى المصادر[6] أن العالم سيضم سنة 2015 أكثر من 600 مدينة يربو سكان كل منها يربو عن مليون نسمة منها 58 مدينة يتجاوز سكان الواحدة 5 ملايين نسمة وسيبلغ سكان 27 من هذه المدن حد العشرة ملايين (وهو الحد الذي تصنف المدن بموجبه ضمن مدن  World Megapolis) سنة 2025 والعدد قابل للزيادة مع مرور الزمن.
تقع هذه المدن الكبرى الجديدة دون استثناء في دول فقيرة  مثل بنغلاديش ونيجيريا لا تستطيع السلطات فيها توفير البنى الإرتكازية والمتطلبات الضرورية للعيش المريح لساكنيها. كما أن تخصيص قدر كبير من موارد هذه الدول الفقيرة أصلا لتوفير البنى الإرتكازية في المدن النامية معناه حرمان المناطق الريفية النائية مما تستحقه من ميزانية الدولة. هذا بدوره سيفاقم الحالة في الأرياف ويدفع بأعداد جديدة من النازجين نحو المدن. إنها حلقة مفرغة خطرة يصعب التخلص منها.
الإكتضاض وسوء الخدمات الأساسية أو افتقادها بصورة كلية في المناطق التي تسكنها هذه الجموع من النازحين إلى المدينة سيولد بدون شك قدرا كبيرا لدى ساكنيها من التذمر والإحباط لا بل اليأس. لذا يتوقع أن تكون هذه المدن منبعا للمشاكل ووكرا لتعاطي وانتشار المخدرات ومسرحا للجريمة لا بل يتوقع أن تصبح (معامل تفريخ) طبيعية عجيبة تَولّد الإرهابيين. تزايد اكتضاض هذه الضواحي مع تناسل ساكنيها بعد جيل أو جيلين سيفاقم غضب ويأس جماهيرها المحشورة في بيوت من الصفيح والكارتون والطين وربما يصل الأمر إلى جوعهم بحيث يطفح فيه الكيل ليصل حد الفوران أو الثورة. وإذا ما حدث ذلك فمن المتوقع أن يتجاوز في بعض الحالات حدود المدينة وحتى الحدود القومية.  
لا شك أن هذا التفكير لم يكن غائبا عن ذهنية أولي الأمر في الهند حين قاموا ببناء سياج يبلغ طوله 3286 كم يفصل الهند الغنية نسبيا عن بنغلاديش الموبؤة بالمشاكل والتي تحوي واحدة من أضخم المدن الكبرى وهي العاصمة (داكا) فقد نمى عدد ساكنيها من 3.440 مليون سنة 1983 ليبلغ 15 مليون سنة 2013 وتتوقع الأمم المتحدة تجاوز عدهم 20 مليون سنة 2025. كما أن سعي الرئيس الأميركي الجديد (سنة2017) لبناء سياج من هذا النوع مع المكسيك يقع ضمن ذات طريقة التفكير.
المشكلة الأخرى التي تتعاظم دون وجود حل شافي وخاصة للمدن في العالم النامي هي التخلص من النفايات. كانت مدينة نيويورك[7] تمتلك أكبر تل من النفايات على جزيرة ستاتن يتجاوز ارتفاعه مئات الأمتارلكنها تخلصت منه وحولته إلى منتزه قبل ثمانية سنوات. أما حاليا فهي تولد ما يبلغ 14 مليون طن من النفايات في السنة الواحدة وتصرف نحو 2,3 مليار دولار للتخلص منها في مجالات مختلفة اعتمادا على صنف المواد حيث ينتهي البعض منها في الصين على بعد أكثر من عشرة آلاف ميل. لكن مدن العالم الثالث لا تمتلك مثل هذه الموارد لكي تعالج مشكلة النفايات. تبرز كذلك الخلافات الحاصلة على إيجاد مواقع الطمر الصحي حيث تعارض اي بلدية محليه صغيرة مجاورة قبول استحداث مطمر ضمن حدودها ومشكلة مدينة بيروت المعروفة في هذا المجال لا زالت غير مكتملة الحل بعد يضعة سنوات من إثارتها.
من المشاكل الأخرى المتوقعة ضمن هذه المدن التي تتوسع حديثا ذلك التلوث الهائل الذي تسببه وسائط النقل القديمة حتى في المدن الواقعة في أقطار متمكنة ماليا وتتوفر فيها وسائل نقل عام ممتازة فمدينة باريس مثلا إضظرت منذ بداية تموز 2016 إلى منع أي سيارة مسجلة قبل عشرين سنه من دخول مركز المدينة وسيقلص السماح تدريجا إلى عشر سنوات في سنة 2020[8] وذلك للتقليل من التلوث. أما في غالبية المدن الواقعة في الدول الأقل تمكنا حيث يصعب توفير نظام نقل عام كفوء ومناسب لمستوى دخل الفرد فالحالة اسوأ. من أمثلة ذلك مدن مثل طهران[9] وبكين[10] اللتين تضطر السلطات فيهما لإيقاف العمل لبضعة أيام أحيانا بسبب التلوث.    
فيما عدا السيطرة على تلوث الهواء والتخلص من النفايات تواجه هذه المدن عشرات المشاكل تبدأ بوقوع غالبية منها في مستويات ساحلية أو منخفضة مثل مومباي وكالوكاتا وكينشاسا وستكون عرضة للغرق في حالة التغير المناخي أي الاحترار الكوني المحتمل وما ينجم عنه من زيادة في مستوى البحار, ولا تنتهي بتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء والمدارس لأطفالها والسكن المقبول لعامة ساكنيها.
مع كل هذه المشاكل يتوقع البعض أن يكون للمدن الكبرى أثر أقل ما يقال عنه أنه غير متوقع أو محتسب له.  فالبعض يتوقع أن تحكم المدن العالم (في المستقبل افتراضيا) وقد أعد أحد المراكز البحثية تقريرا عن هذا التوقع[11]. لكن غيره يذهب أبعد من ذلك فيتساءل (لماذا تحكم المدن العالم)[12] مفترضا أنها فعلا تحكمه الآن فيما يعطنا الثالث قائمة بتسعة عشر من المدن الكبرى التي يقول أنها تحكم العالم[13]. أما المنظّر السياسي الاميركي بينيامين باربر(Benjamin Barber ) وهو داعية صلب للديمقراطية التي يجب حسب رأيه أن تبدأ عند القاعدة لتنمو إلى الأعلى وليس العكس فيرى أن الليبرالية الجديدة والعولمة أصابا الديمقراطية في الصميم ويطالب بإعطاء القيادة السياسية لرؤساء البلديات المنتخبين بدل الساسة في الحكومات المركزية[14]. وتلك حسب رأيه طريقة أسلم لتوفير حكم ديمقراطي. من جانبي أود أن أضيف إلى أطروحة باربر مذكرا أن بذرة الديمقراطية (حسب ما يدعي حملة الفكر التمركزي الأوروبي) استَنبتت ونمت في أثينا الإغريقية. غير أن المنصفين من المفكرين الأوروبيين يقولون أن المدن الفينيقية (صور وصيدا وأرواد وغيرها) كانت تتمتع بنظام سياسي أكثر ديمقراطية من نظام أثينا الأوليغاركي الذي تقتصر ديمقراطيته على نخبة متميزة فقط.[15]. وفي كلتا الحالتين كانت التربة التي احتوت الديمقراطية تربة مدينية وليست قبلية أو قومية. حتى دولة روما العظمى علينا أن نذكر أنها نشأت في مدينة ونمت وحافظت على نوع من الديمقراطية في مجلس شيوخها بحيث أدى ذلك إلى اغتيال أحد ألمع قادتها (يوليوس قيصر) الذي وسع دولتها أضعاف ما كانت عليه لمجرد شكهم في امتلاكه نوايا دكتاتورية.
اقتبس من كلمة للبروفيسور باربر يدافع فيها عن نظريته:
الديمقراطية في مأزق ولا جدال في ذلك. أحد أسباب تلك الحالة هي المعضلة التي تحتضنها (يقصد بذلك الدولة) فهي تفقد اهتمامها بالمشكلات التي تواحهها مثل الأوبئة المرضية التي تجتاح العالم كفقدان المناعة والمشاكل العابرة للحدود كالإرهاب.
ويضيف باربر:
إننا نعيش في عالم القرن الحادي والعشرين الترابطي وما يعتريه من مشاكل الترابط. إلا أننا عندما نبحث عن الحلول لهذه المشكلات فنحن نبحث في مؤسسات صممت قبل اربعمائة عام وهي دول مستقلة ذات سيادة تمتلك سلطات قضائية حصرية ضمن حدودها وتدّعي كل منها بقدرتها على حل مشكلات مواطنيها .......... ................................ونحن لا زلنا نعيش في عالم من الحدود ومن الجدران وهو عالم ترفض فيه الدول العمل المشترك. غير أننا نعرف رغم ذلك أن واقعنا الذي نعيشه هو عالم بلا حدود, عالم أمراض بلا حدود وعالم أطباء بلا حدود (medcins sans forntieres) وتكنولوجيا تجاوزت الحدود وثقافة لا تعترف بالحدود وإرهاب كذلك لا يعترف بالحدود. هذا هو العالم الحقيقي وما لم نجد طريقة لعولمة الديمقراطية أو لنفخ روح ديمقراطية في مسار العولمة فذلك لن يقتصر على مجازفة قد تؤدي إلى الفشل في معالجة كل هذه المشاكل العابرة للحدود با إننا سنجازف في فقدان الديمقراطية ذاتها التي ستبقى مقيدة داخل حدود الدولة القومية غير قادرة على مجابهة هذه المشاكلات العالمية.
إلا أن ما يراه باربر حول أخذ المدن موقع الدول القومية وإسناد الحكم إلى رؤساء البلديات بدل ساسة الدولة المركزية لا يحل حسب ما أراه أيا من مشاكل العالم العابرة للحدود في عصرنا الترابطي هذا فهذه المدن ستكون مركزا لبقعة من الأرض تشمل جوار المدينة الريفي الذي تحتاجه ليجهزها بحاجاتها من الغذاء وهي بهذا ستصبح دولة مصغرة. أما الموارد الأخرى الثمينة كالمعادن ومصادر الطاقة فستكون مصادر نزاعات لا تنتهي بين دول المدن المقترحة. لا ارى صراحة كيف يتسنى في هكذا مشهد ضمان ديمقراطية جماهيرية من نوع أفضل وهو بيت القصيد لأطروحة باربر.
لا شك أن المدن وخاصة الكبرى منها ستزداد أهمية وسيكون لها ثقل غير ما هو عليه اليوم. اما كيف؟  فلا اعتقد أن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن مثلا أو حتى أي اجتماع دولي يعقد خصيصا لبحث الأمر سيستطيع وضع أسس لهذا الأمر. لقد أدرك العديد من ذوي الشأن أهمية المدن وخاصة المدن الكبرى في مستقبل البشرية.  ما أراه هو أن كل واحدة من هذه المدن ستكتسب لنفسها مقاما يعتمد على خلفيتها التاريخية وعلى عناصر القوة التي تمتلكها وعلى طبيعة الحكم والتقاليد في الدولة التي تنتمي إليها.
لكن ما هي عناصر القوة التي تعتبر المحرك الفاعل في دفع المدينة لتأخذ موقعا ذا اهمية متميزة؟ ربما تكون العناصر التالية  الأهم في هذا الخصوص:
1 --الموقع الجغرافي والبيئي والأرتباطية التي يوفرها  ذلك الموقع. 2 – الموارد الطبيعية. 3 – الموارد والمهارات البشرية بما في ذلك المهارة المهنية والمستوى الثقافي والعلمي.  4 –الخبرة التجارية المتوفرة. 5 – الاستقرار والأمان. وأخيرا 6 – العقلية السائدة لدى جماهير المدينة.
لم نضف رأس المال لأن توفر مثل هذه العناصر سيجتذب رأس المال الضروري للبنى الإرتكازية ولتطوير المدينة.
لو أخذنا أمثلة على اثر هذه العناصر أكانت قد استغلت عن قصد أو أنها تُركت لتأخذ تاثيرها دونما سابق تصميم.  خذ لندن مثلا فهي تعود تاريخيا إلى زمن سيطرة الرومان على بريطانيا حيث تأسست لندن ونمت لأنها كانت أول نقطة على نهر التيمس توفر معبرا سهلا للنهر. كانت تلك هي البداية لأخذها أهمية متميزة بنت عليها مع مر العصور واستغلت توفر ميناء جيد وآمن وفي القرنين الماضيين ساعد كونها مركزا ماليا وامتلاكها خلفية علمية وثقافية متميزة في تميزها وجعلها واحدة من إن لم تكن أهم المدن العالمية الكبرى. كل تلك العوامل توفرت عن غير سابق قصد يهدف لجعلها  في هذا المقام. أما سنغافورة فقد رأى حكامها أنها تمتلك موقعا جغرافيا فريدا على الطريق البحري الرئيسي بين المحيط الهادي وشرق آسيا من حهة وبين جنوب أسيا والشرق الأوسط وأوروبا من الجهة الثانية  يضاف إلى ذلك امتلاكها ميناء بحريا جيدا جدا فأصبحت نقطة التجميع الرئيسية للبضائع المجهزة من دول شرق آسيا الصناعية وكذلك نقطة التفريق الريئسية أيضا إلى الأسواق التي ذكرت إلى غربها. أضيف إلى ذلك اتخاذها مركزا ماليا من قبل دور التمويل والبنوك العالمية وأكملت السياحة التي أحسن استغلالها تلك المميزات لتصبح سنغافورة واحدة من المدن العالمية الكبرى رغم أنها تقف وحيدة كدولة- مدينية دون خلفية عمرانية غيرذاتها ودون أي قوة أو نفوذ سياسي يدعمها.
ماذا عن سيئول التي بدأت المراجع تُدرجها كواحدة من المدن العالمية الكبرى؟ لا تمتلك سيئول موقعا جغرافيا أو بيئيا متمبزا كما أنها فقيرة في الموارد الطبيعية ولا خبرة تجارية سابقة ذات شأن لديها وكانت بالكاد قد أبلّت من حرب مدمرة دامت  ثلاث سنوات (1950 – 1953) لكنها بعد نصف قرن أصبحت تضاهي مدنا سبقتها في حلبة التنافس العالمية بعقود عديدة. من زار كوريا أو عمل مع الكوريين سيقول لك أن عقلية الشعب ورغبته الجامحة في التقدم كانت العامل الأول الذي حرك هكذا انطلاقة يضاف إلى ذلك تلك المهارات المهنية التي يبدو للناظر كأنها متاصلة لدى الشعب الكوري وذلك النظام التربوي المتميز جدا الذي حقق مستوى ثقافي صُنف على أنه الأفضل في العالم.
المثال الأخير الذي نعرضه هو مدينة بنغالور في جنوب الهند التي كانت حتى بضعة عقود مضت مدينة منسية لا يكاد يّذكر لها من ميزة بل لا تذكر بالأحرى عندما تذكر كبرى مدن الهند.  لكنها اليوم تستوعب نحو تسعة ملايين من السكان وتضم أعلى نسبة من الخريجين في الهند وهي مركز شركات المعلوماتية التي تضاهي (سيليكون فالي) في كاليفورنيا. لا بل نرى معظم شركات سيليكون فالي ذاتها قد أقامت لها فروعا في المدينة. لا يقتصر الأمر على ذلك فهي مقر لعشرات المعاهد العلمية والبحثية العاملة على مستوى الهند وحتى على المستوى العالمي وتغذي عشرات من الجامعات والمعاهد التدريسية التخصصية في المدينة هذه الشركات والمعاهد البحثية بالخريجين. من المؤكد أن بنغالور ستحتل عما قريب وقريب جدا موقعا مرموقا بين المدن العالمية الكبرى.
      ماذا ينتظرنا في المستقيل؟ أولاً لم اتفق مع التوقع القائل أن ادارت المدن الكبرى ستأحذ دور الدول القومية. لكن هذا لا ينفي أنها ستتبوأ موقعا أكثر أهمية وأكثر نفوذا وسيُسمع صوتها لأنها تمثل عشرات ملايين البشر ومع الزيادة التي لا زالت تتوالى بخاصة في الدول النامية سيربو عدد سكانها في عديد من الحالات على سكان أقطار بكاملها تحتل مقعدا في الأمم المتحدة.  وإذا ما كانت أعداد مواطني دول العالم الصناعي قد بدات تتناقص فإن الفيض الذي يردها من دول العالم النامي لا زال يرفد عدد ساكني مدنها الكبرى مثل لندن وباريس ونيويورك.
ليس من المستبعد أن تتمرد هذه المدن الكبرى على حكوماتها وبوادر ذلك ليست في الأفق بل أنها هنا معنا اليوم. لندن لمّحت بالسعي للبقاء في الأتحاد الأوروبي عنددما قرر المصوتون في عموم بريطانيا ترك الاتحاد. أما نيويورك فقد تزعمت 61 مدينة أميركية في أعلانها التمسك بمقررات مؤتمر باريس للحد من الاحترار الكوني مخالفين بذلك قرار الحكومة الأميركية المركزي بعدم التقيد بتلك المقررات. هذه السلوكية من مدن في دول تتمسك بالديمقراطية البرلمانية ونجاحها فيها سيفتح الباب على مصراعبه لمدن مثل برشلونة التي تتململ من الحكم المركزي في مدريد في حالة فشل اقليم قطالونيا في نيل استقلاله في سن تشريعات محلية لا يحبذها الحكم المركزي لخدمتها ذاتيا من الناحية الاقتصادية أو الثقافية المحلية ومثل جيناي (مدراس) في حالة جعل اللغة الهندية لغة جمهورية الهند الرسمية الوحيدة وإلغاء اللغة الإنكليزية.
من هذا المنطلق أيضا لا استبعد أن تطالب بعض التجمعات التي تمثل المدن الكبرى وهتاك أكثر من واحدة منها بأن يكون لها نوع من التمثيل الأممي[16] إذا ما أجرى أي تعديل على ميثاق وأسس عمل الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن  أو حتى بدون الجاجة لتعديل الميثاق.
يتوقع في العديد من الحالات تكوّن امتدامات حضرية(conurbations)  حول بعض من هذه المدن الكبرى كما هي الحال في امتداد طوكيو- يوكوهاما الذي يعد الآن نحو 38 مليون من السكان ويغطي مساحة 13800 كم2[17]. أما في حالة مومباي فيتوقع البعض أن يشمل الامتداد الحضري نحو مائة مبون من البشر. في كلتا الحالتين هناك بؤرة كبرى للتمدد وهما طوكيو(مع بؤرة ثانية أصغر وهي ميناء يويكوهاما) ومومباي. هناك أيضا امتدادات حضرية قائمة حاليا متعددة البؤر وربما تنشأ امتدادات مشابهة في المستقبل. من تيسرت له فرصة الطيران عبر امتداد الراين – الروهر الألماني الذي يغطي ما يزيد على 100 كم عرضا ونحو 60 كم من الشمال إلى الجنوب وتبلغ مساحته 7110 كم2, أي أنه يبلغ نحو ثلاثة أرباع مساحة دولة لبنان ويضم عشرات المدن المتصل عمارها وكان ذلك الطيران ليلا لتوضحت له صورة الامتداد المستقبلي الممكن نشوءه في العديد من المناطق الصناعية أو كثيفة السكان وحسب. ترى وانت في الطائرة امتدادا لا فاصلة فيه من النور الذي يمثل مناطق مسكونة بكثافة مع وجود عشرات البؤر المتلألأة اكثر من جوارها. إنها المراكز التجارية لأيسن ودورتموند وفوبرتال وبوخم ودوايسبرغ والعشرات من المدن والبلدات الأخرى الأصغر التي اتصلت بعضها بالبعض الآخر وجمعت أكثر من 11 مليون ساكن في ذلك الامتداد الواسع. الأمتداد الآخر من هذا النوع هو التجمع الذي بدء يأخذ هيئته الحالية خلال العقدين او الثلاثة الأخيرة حول دلتا ما يدعى نهر اللؤلؤ (Pearl River Delta or Golden Delta of Guangdong,) في جنوب الصين مجاورا لهونغ كونغ ويضم أربع مدن رئيسية وحفنة أخرى من المدن الأصغر ويقدر عدد ساكني هذا التجمع بـما يربو على 67 مليون وذلك ما يجعله أكبر تجمع حضري على كوكبنا اليوم وتخدمه سبع مطارات كما يمثل انتاجه الصناعي 5% من الانتاج الصناعي في العالم أجمع وكانت قيمة صادراته الصناعية 289 مليار دولار في سنة 2001[18].
التطور الآخر المطلوب اكتسابه من قبل هذه التجمعات البشرية هائلة الامتداد وهائلة عدد السكان هو ما تدعوه إحدى المصادر المرونة الحضرية (urban resilience)[19]وتعرفه كالتالي:  "قابلية الأفراد والمجتمعات والمؤسسات والنشاطات التجارية والصناعية والأنظمة ضمن المدن على البقاء والتكيف والنمو مهما تعرضت له من ضغوط مستمرة أو صدمات حادة". سبب ذلك أن تطور الحياة الحديثة السريع الوقع قد يصيب هذه المدن بصدمات شديدة لذا يجب ان تمتلك المدن المرونة المطلوبة لتتجاوز هكذا صدمات. مثال ذلد ما أصاب مدن ولاية ميشيغان وأوهيو الصناعية خلال العقود القليلة المنصرمة وأدى إلى تقوض اقتصادها وإصابتها بالكساد حتى اخترعوا لها تسمية (حزام الصدأ  The Rust Belt) لتوقف معاملها التي كانت حتى سبعنيات القرن الماضي عامرة وتزخر بالفعالية.
من كل ما سبق يتبين أن العالم خلال هذا القرن سيصبح عالما مدينيا يتضاءل الجزء الريفي فيه باستمرار. ما سيسرع في ذلك هو المكننة المستمرة للنشاط الزراعي الذي يمكّن المزارع الذي  يملك الأرض من تفويض شركات متخصصة تقوم مقايل أجور بحراثة أو إعداد الأرض وبذار الحقول وتنظيم ري المحصول ومكافحة الآفات فيه وجني المحصول وتسويقه دون الحاجة لتدخل الفلاح وبذلك سيتيسر له في هكذا ظروف السكن في المدينة القريبة والتمتع بمغريات الحياة المدينية مثل ما يفعل مدراء ومنتسبو الشركات الاختصاصية التي تنفذ الأعمال الزراعية المطلوبة. بذلك ستتقلص المجتمعات الريفية وستنمو المدن باستمرار ولا استطيع التكهن بالحد الذي ستتوقف عنده هذه العملية. إلا أن ما نستطيع قوله هو أن المدن ستزداد توسعا وسيخلق ذلك واقعا جديدا وسلوكية جديدة يلغى فيها التأثير القبلي العشائري في مناطق مثل العراق ونجد أو رواندا وجنوب السودان وأمثالها من الدول. كل ذلك ليس إلا جزء من المسيرة البشرية في ظل التطور الذي تفرضه التكنولوجيا بصورة لا ترحم.
نص المحاضرة التي ستلقى في ندوة الثلاثاء للمثقفين العراقيين في عمان بعد عيد الفطر ان شاء 

                                                                                 عمان في 22 حزيران 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....