دجلة
شعر : د. وليد الصراف
(حييت سفحك )عن قرب ( فحييني)
(يادجلة الخير يا أم البساتين)
يادمعة قد جرت منذ المغول على
خدّ العراق وما جفّت الى الحين
تبدي النخيل وتخفي الدرّ بردتها
عشب وأنفاسها عطر الرياحين
تشيع حزنا عراقيا به مزجت
سوط الطغاة بأنّات المساكين
خريرها اللؤلؤ المسموع شهقته
تنشقّ عن لؤلؤ في القلب مكنون
اني وردت كؤوس الخمر مترعة
من كل دن فما كانت لترويني
ورحت أنهل شهد الارض اجمعها
فلم تكن عنك لاوالله تغنيني
وخلت حين سألت الموج عن سبب
أني تدخلت فيما ليس يعنيني
جاء المغول يجرّون الحديد لنا
وعبس ما لوّحت حتى بسكين
هل الجيوش على دين الشعوب بها
أم ما تزال على دين السلاطين
جاء المغول وزرقاء اليمامة ما
زالت تقول أرى أغصان زيتون
والسائرون الى حطّين ما تركت
حرب البسوس بهم شيئا لحطين
والمسرح اليوم أبطال مزوّقة
لاتلعب الدور الا بعد تلقين
جاء المغول ودون كيشوت منتفضا
مازال يضرب أعناق الطواحين
زلفى الى اللات راح الذئب يسلمنا
ولات من يفتدينا بالقرابين
زلفى الى اللات كانت كل مذبحة
نساق فيها خرافا بالملايين
فاللات قد كان قبل اليوم من حجر
وأصبح اليوم من ماء ومن طين
ياليل دجلة ياشمسا قد اختبأت
في الذكريات وفي جيب التلاحين
ياثلج تنشرين في طيات ذاكرتي
لوزارني طيفه في الليل يكويني
ظمآن، كالشوك في قفر وبئرهمو
لوجئتُها من كؤوس الذلّ تسقيني
عارٍ وأحداقهم شزراً تحدّق بي
وليس غير جراحاتي تغطيني
كيف السبيل إلى نفسي وقد وقفت
بيني وبينيَ أنياب الثعابين
وكيف أسترسوؤاتي وقد قلعت
رياحهم من جناني دوحة التين
من الطفولة مطروداً خرجت إلى
قفر بكل وحوش الأرض مسكون
تكتظّ بالأسد الغضبى أباطحه
وبالنسور سماه والشواهين
أفرّ نحو ديار الشعر منه ولا
بيت من الشعر مفتوح فيأويني
وأرتقي جبل الذكرى ليعصمني
من وحشه ورياحي منه تلقيني
كلّ البحار التي جفّت وغادرها
عهد السفائن تجري في شراييني
أشلاء غرقى وأصداف تؤنبني
ومركب ضاع من عهد الفراعينِ
كلّ النوائب من كل الفجاج أتت
تسعى لقلبي ومن كلّ الأحايينِ
دريئة الدهر قلبي وجه مقبرة
توعّد الله موتاها بغسلين
أرض عجوز جفاها الغيم فانشغلت
بحرفة الدفن عن نسج البساتين
ينام أموات هذي الأرض أجمعهم
بصحبة الدود فيها والثعابين
ما إن يبدّد مدفون بظلمتها
حتى توافى أفاعيها بمدفون
بانت تجاعيد هذا الدهر أجمعه
في لحظتي وأنا لم أعد عشريني
أنا البعيد يغار الدهر من عمري
والنهر والروض من مائي ومن طيني
هل يدلّهم الدجى إلا ليحجبني
وهل يلوح الضحى إلا ليبديني
وهل تهبّ الصبا إلا لتذبحني
وهل يسحّ الحيا إلا ليبكيني
أنا عدوّي فمن منّي إذا صرخت
قبائلي يالثاراتي سيحميني
أنا قتيلٌ ونسر شمّ جثته
فمن ببطن الثرى منّي يواريني
درستُ مثل طلول البدو وانقرضتْ
طفولتي وعفا كالرسم تكويني
قف بي وسائل عيوني إنّها ظُلَمٌ
ينامُ ماضاع فيها من عناويني
تخبرك أنّ الصحارى بعض أخيلتي
وصيحة البحر من نظمي وتلحيني
والليل من أرقي والرّيح من قلقي
والبرق ومضة ظنّ من أظانيني
والرعد شعري الذي راحت تردّده
هذي السماوات بين الحين والحين
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق