تناقضات السياسة الخارجية القطرية الى أين ؟
بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
كان من مهمات مركز الدراسات الاقليمية في
جامعة الموصل والذي تشرفت برئاسته ربع قرن وبثلاث مرات من سنة 19785 ، وحتى 2013
تقديم دراسات عن العراق ، ومحيطه الاقليمي ودول الجوار القريبة والبعيدة .
وأتذكر اننا في المركز أنجزنا دراستين مهمتين
نشرتا في مجلة المركز (دراسات اقليمية ) ، وكلتا الدراستين متوفرتان على الانترنت
من خلال موقع المجلات الاكاديمية العراقية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
العراقية .
الاولى بعنوان : (دبلوماسية (المخادنة ) في
السياسة الخارجية القطرية للاستاذين مشرف وسمي الشمري واضخوي جفال الصعيب (السنة 6
العدد 17 كانون الثاني 2010 ).
والثانية بعنوان : (صناعة القرار السياسي في
دولة قطر ) للاستاذ ميثاق خير الله جلود (السنة 7 العدد 22 نيسان 2011 ) .
كانت سياسة قطر الخارجية ، وقناة الجزيرة الفضائية وتأثيراتهما
تشغلنا في مركز الدراسات الاقليمية فقطر دولة صغيرة جدا لايتجاوز عدد من يسكن فيها
من حملة الجنسية القطرية عن (400 الف مواطن ) لكن ما كانت تحدثه من تأثيرات في
المنطقة أكبر بكثير من حجمها ووزنها كدولة خليجية صغيرة .
سألت الزميل والاخ الاستاذ مشرف وسمي الشمري ،
وكان يعمل مدرسا في كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل ويعمل باحثا عندنا في مركز الدراسات
الاقليمية ، عن المصطلح الذي استخدمه في
بحثه مع زميله وهو مصطلح ( المخادنة ) فقال انه المصاحبة غير الشرعية ( والاخدان مصطلح قرآني يعني الخلان ) . وقد
اعتمد الباحثان هذا المصطلح ليدلا على
سياسة قطر الخارجية وعداه اسلوبا في العمل السياسي والدبلوماسي جديدا ؛ فقطر
لاتعطيها عناصر قوتها الذاتية دورا مؤثرا على المستويين الاقليمي والدولي لذلك سعت
الى لعب دور اقليمي بإتباعها اسلوب العمل على مستوى الوساطات في حل الصراعات
والمتناقضات ليس بين دول فقط وانما بين حركات سياسية ودينية وعسكرية معارضة لانظمة
الحكم في دول اخرى .
كانت تمارس هذا الاسلوب سياسيا واعلاميا من
خلال قناة (الجزيرة ) ، وتحرص بإستمرار على ان تشعر الاخرين بأنها لاتسير في الفلك
السعودي ، وتحاول الخروج من الدائرة السعودية والنفوذ السعودي الذي كان يمارس تجاه
دول الخليج العربي الاخرى خاصة في ظل الخلافات الحدودية بين قطر والسعودية وكانت
احيانا واحيانا كثيرة تستعين بالاميركان وعلاقاتها القوية معهم وهم من يمتلكون
قواعد عسكرية استراتيجية منها ( قاعدة السيلية ) التي كان لها دورها في العدوان
على العراق .كما كان لقطر علاقات متميزة مع ايران واسرائيل وسوريا تستفيد منها في
اللحظة التي تريد . ويقينا ان مما ساعدها ان تلعب هذا الدور المتناقض والعلاقات
غير الشرعية ، والوساطات المعلنة والمستترة ، قدرتها المالية ، وقدرة ماكنتها
الدعائية .
من يصنع القرار السياسي في قطر ؟ وهنا نأتي الى بحث الاستاذ ميثاق خير الله جلود
لننكتشف انه ومنذ اعلان استقلال دولة قطر في الثاني من ايلول –سبتمبر سنة 1971
بقيت السلطة بيد الامير أقصد أمير قطر حتى بعد تولي الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني
للسلطة في سنة 1995؛ فالمواطن القطري
منشغل بثراءه ، وغير معني بالشأن السياسي والدولة صغيرة وعدد السكان قليل
والتركيبة الاجتماعية بسيطة وكل هذا اتاح لصانع القرار القطري أن يمارس دوره
بأريحية شديدة سواء من خلال مجلس الوزراء أو مجلس الشورى أو المجلس البلدي المركزي
أو من خلال قناة الجزيرة التي تعد من مصادر المعلومات المهمة لصانع القرار القطري
.
وهكذا باتت السياسة الخارجية القطرية تمارس
دورا كبيرا ، وتمتلك خيارات تعجز دول تتجاوز حجم قطر بأضعاف عن امتلاكها .
قطر كانت قضاءا تابعا لولاية البصرة في عهد العثمانيين ، وكانت تحكم من قبل شيوخها من أسرة ال ثاني .لكن
الانكليز بعد احتلالهم لها تمكنوا من ابعادها عن العراق ، ووقعوا مع الشيخ أحمد بن
قاسم ال ثاني معاهدة وكانت اجهزة الحكومة
المركزية ترتبط اداريا بالمستشار البريطاني هان كوك حتى اوائل سنة 1960 . وقد انشأ
الشيخ احمد بن علي الذي حكم الامارة بعد تنازل ابيه وزارة المالية وعين الشيخ
خليفة بن احمد وزيرا للمالية وفي سنة 1967 تم إنشاء اول ادارة لشؤون الموظفين .
وبعد قرار بريطانيا الانسحاب من شرق السويس
وفي الثاني من ايلول –سبتمبر سنة 1971 اعلن عن قيام دولة قطر وتم تشكيل أول وزارة
قطرية ومجلس شورى وكتابة دستور تحول سنة
2003 الى دائم بعد ان كان مؤقتا وهذا الدستور رسخ السلطة للامير ومن بعده شيوخ ال
ثاني
وقد مثل وصول الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني الى
السلطة بإنقلاب على والده سنة 1995 ، محطة
مفصلية في تاريخ قطر الحديث حيث دخلت قطر عالم الدبلوماسية النشطة ، والاعلام الحر
، والاقتصاد الرأسمالي واصبح تأثير قطر في المنطقة يتجاوز حجمها وثقلها بكثير .
في تاريخ قطر أمورا غامضة تتعلق بتنازل بعض
الشيوخ أو اجبارهم عن التنازل اما عن العرش او عن ولاية العهد ( عقدة التمرد على
الاب ) .فالشيخ عبد الله بن جاسم ال ثاني 1913-1949 تنازل للشيخ علي بن عبد الله
ال ثاني والذي حكم من سنة 1949 الى سنة 1960 والشيخ احمد بن علي ال ثاني والذي حكم
من 1960 الى سنة 1972 خلع من قبل ابن عمه الشيخ خليفة الذي توفي 25 تشرين الثاتي
سنة 1977 والشيخ خليفة بن حمد ال ثاني 1972-1995 خلع من قبل ابنه حمد الذي توفي
يوم 23 تشرين الاول –اكتوبر سنة 2016 والشيخ حمد بن خليفة ال ثاني 1995-2013 اجبر
ابنه الاكبر الشيخ جاسم بن حمد ال ثاني عن التنازل عن ولاية العهد ( شغلها من 1996-2003 ) لولده الرابع الشيخ تميم
بن حمد ال ثاني في 8 اب –اغسطس سنة 2003.
وفي 25 حزيران –يونيو سنة 2013 تولى
الحكم الشيخ تميم بن حمد ال ثاني وهو لما
يزل حتى كتابة هذه السطور في السلطة بعد ان تنازل والده الشيخ حمد
وبتأثير من زوجته الشيخة موزة كما قيل في حينه لولده الشيخ تميم .
طبعا مسألة وراثة العرش والتنازل او الخلع
وحتى القتل ظاهرة موجودة بين شيوخ الخليج العربي ومنذ زمن بعيد وتحتاج الى دراسة
لكنها ظاهرة تلفت النظر في ظل تدخلات من داخل الاسرة وغالبا ما تلعب النساء الدور أو
حتى قوى اقليمية ودولية يكون لها دورها في هذا الامر .
ان هذه الظاهرة الاجتماعية إنعكست على
سلوكيات حكام قطر ، وجعلتهم يعانون من عقد نفسية ثلاث تتمثل ب (جنون العظمة ، والنرجسية
المفرطة والتمرد على سلطة الاب) . وهذا ما
وقف عنده الدكتور جمال عبد الجواد في مقالته المنشورة في جريدة (الاهرام )
القاهرية عدد 8 حزيران –يونيو 2017 وعنوان ( العقد النفسية الحاكمة في الدوحة )
وفيها قال ايضا : " إن سياسة قطر فيها الكثير من المتناقضات التى تجعل من الصعب
تصديق أى شيء يصدر عن حكومة هذا البلد. الفجوة بين المتناقضات التى تحاول الحكومة
القطرية الجمع بينها كبير جدا، لدرجة تشعرك بأن حكام الدوحة مصابون بنوع من اضطراب
الهوية الفصامي، فلا تكاد تعرف مع أي دوحة تتحدث" .
نعم ان دولة قطر ، كان ينبغي
ان تكون دولة محافظة في توجهاتها وسياساتها انطلاقا من حجمها ، ووزنها الديموغرافي
والجغرافي لكنها بدلا من ذلك كانت دولة عدوانية تحرص على اشاعة عدم الاستقرار في
المنطقة . ايدت الاميركان في غزوهم وتدميرهم للعراق ووضعت قاعدتها السيلية تحت
تصرفهم لكنها راحت في قناة الجزيرة تهاجمهم وترفض سياساتهم لابل تدعو لكل من يقف
ضدهم وتموله وتدعمه ، وهكذا فعلت مع مصر
في احتضانها لقيادات الاخوان المسلمين وفي دفاعها عن الرئيس الاسبق الدكتور محمد
مرسي وفي تكريسها لاعلامها ومراكز البحوث التي ترعاها وتمولها الى درجة اصبحت تدعم
كل من يروم تخريب مصر وتخريب العراق وتخريب سوريا وتخريب ليبيا .وثمة مسألة اخرى وهي انها بلد
يحكمه امير وليس ثمة مؤسسات ديموقراطية لكنها تدعو صباح مساء الى إقامة انظمة
ديموقراطية وتدافع عن حقوق الانسان وتشاكس كل دول المنطقة وتدعم كل من يعارض دولته
وتحتضن كل من يشعر انه قادر على تغيير نظام الحكم في بلده .
ومن المتناقضات التي كنا وما زلنا نشعر بها ، انها وهي
التي تحتفظ بعلاقات قوية مع اسرائيل، لكنها ومن الطرف الاخر تدعم الفلسطينيين وخاصة قادة حماس واحتضنت الدكتور عزمي بشارة
النائب الفلسطيني في الكنيست الاسرائيلي واوسدت له مركز البحوث في الدوحة واتاحت
له التظير بالشكل الذي يريده كما فعلت من
قبل مع القيادي في جماعة الاخوان المسلمين في مصر الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي .
التناقضات المتضادة هذه ، والتي تسم الموقف القطري والسياسة القطرية
المتناقضة تريد ان تجمع الصيف والشتاء على سطح واحد وقد باتت هذه السياسة اليوم على المحك وأمام الانظار . هي تريد ان تكون مع الولايات المتحدة
الاميركية ومع ايران في الوقت نفسه .هي تريد ان تكون مع التيار الليبرالي والتيار
الديني الاسلامي في الوقت نفسه .هي تريد ان تكون مع المعتدلين من الاسلاميين ومع المتشددين في
الوقت نفسه .
من هي القوة الحقيقية وراء قادة قطر ؟ من يحرك كل هذه
الخطوط المتناقضة ؟ من المستفيد من سياسة المخادنة القطرية ؟ الى ماذا ستؤدي هذه
السياسة ؟ اسئلة تحتاج الى اجابة والاجابة تحتاج الى معطيات والمعطيات غير متوفرة
وتوفرها يحتاج الى جهد ووقت لايعلمه الا الله والراسخون في العلم .
اعتقد ان على قطر ، وبالاخص قيادتها ان تقف لتجري عملية جرد
حساب لما قامت وتقوم به فالنيران التي أشعلتها
، والتي تريد اشعالها في بيوت اهلها وجيرانها ستقترب منها ، وليس بالدولار وحده
يحيا الانسان وليس كل مرة تسلم الجرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق