المسرح في العراق القديم
د. باسم محمد حبيب
نائب رئيس إتحاد كتاب الانترنت العراقيين
اختلف الباحثون حول وجود المسرح في العراق القديم ، بين من يرى عدم وجوده ، وأصحاب هذا الرأي طائفة كبيرة من الباحثين على رأسهم عالم المسماريات الشهير ( صوموئيل كريمر )، الذي لم يشر - على حد علمي - إلى وجود المسرح في العراق القديم في أي بحث من بحوثه ( حول ذلك أنظر مؤلفاته المهمة : السومريون أحوالهم _ عاداتهم - تقاليدهم و من ألواح سومر ) ، ومن هؤلاء أيضا كثير من الباحثين العراقيين على رأسهم طه باقر ( حول ذلك أنظر مؤلفاته المهمة : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، ج1 و مقدمة في أدب العراق القديم ) ، وبين من يعتقد بوجوده ، وأبرزهم الدكتور فوزي رشيد ، الذي أستند في إثبات رأيه على أدلة عدة من بينها : العثور على مدخل في مدينة الوركاء يعتقد بإنه من المداخل التي تؤدي إلى العالم الأسفل ، وهذا المدخل - بحسب رأيه - كان يستخدم في تمثيل مشاهد نزول ( إنانا ) (عشتار) إلى العالم الأسفل ( فوزي رشيد ، المسرح عراقي الأصل ، مجلة الإستشراق ، العدد 5 ، بغداد ، 1991 ، ص 272 ) ، ومن أدلته أيضا : وجود ألفاظ تدل على ممارسة التمثيل ، منها اللفظة الأكدية ( موميلو ) ومؤنثها ( موميلتو ) ، تقابلها في اللغة السومرية لفظة ( إينة دودو ) وتعني التحدث إلى الجمهور ، أما المصدر ( ميلولو ) التي جاءت منه اللفظة الأكدية -
ففي نظره - لايعد دليلا على وجود مسرح عراقي قديم وحسب ، وإنما أيضا على أن هذا المسرح هو الأصل الذي تطورت منه المسارح الأخرى ، وبالذات الأوربية ، لأنه يشير إلى معنى ( يلعب ) الذي هو المعنى ذاته الذي تشير إليه لفظة تمثيل الأوربية ( المصدر السابق ، ص 276 ) .
أما نحن فنرى أن نفي وجود مسرح عراقي قديم إستنادا لعدم تطرق بعض الباحثين إليه أمر يتنافى مع أصول وقواعد البحث العلمي ، لإن هؤلاء ربما لم يهتموا بهذا النوع من الدراسات ، أما الذين نفوا وجوده إنطلاقا من عدم توافر مستلزمات المسرح من صالة عرض ونصوص مسرحية وممثلين ، فهؤلاء يتجاهلون أننا نتحدث عن عصور قديمة لم تكن هذه المستلزمات فيها من الشروط الأساسية للمسرح على الرغم من أهميتها للمسرح الحديث ، في المقابل لانجد أن الأدلة التي قدمها الدكتور فوزي رشيد كافية لحسم هذا الأمر والإقرار بمعرفة العراقيين القدماء بهذا اللون من الفن ، لإن وجود مدخل إلى العالم الأسفل لا يعني بالضرورة أنه مخصص لتمثيل مشاهد مسرحية ، بل ربما لإقامة طقوس وفاعليات دينية لا أكثر ، والشيء نفسه فيما يخص الألفاظ التي أشير إلى صلتها بمعنى التمثيل ، فهي ربما لم تكن آنذاك تحمل دلالات لها علاقة بالمسرح ، بل بأمور أخرى مختلفة .
ونضيف إلى ذلك بعض الجوانب التي لها علاقة بحضارة بلاد الرافدين ، كغلبة الطابع العملي على مسار هذه الحضارة ، وما تتسم به ذهنيتها من التشاؤم الذي يجعلها زاهدة بالجوانب الترفيهية .
لذا نحن بحاجة إلى دراسات أوسع وأعمق حتى نستطيع أن نبت في صحة أيا من هذين الرأيين ، وإلى أن يحين ذلك نحن مضطرون إلى عد هذه القضية قضية إشكالية كما هو الحال مع المشكلة السومرية وغيرها ، ولنتأمل خيرا من مستقبل الدراسات المسمارية ، فمئات الآلاف من النصوص المسمارية التي تنتظر الدراسة ، وآلاف المواقع الأثرية التي تنتظر التنقيب ، ربما تستبطن مفاجآت كبيرة قد يكون من بينها تغيير نظرتنا إلى المسرح العراقي القديم ، لذا فلننتظر ونرى ..
مقال مهم واصيل في فكرته وعرضه وفي استنتاجاته بارك الله بك اخي الدكتو باسم محمد حبيب
ردحذف