إحياء وتطوير جامع النبي يونس (عليه السلام ) في الموصل :درس في البناء والاعمار
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
بين آذار سنة 1989 وكانون الثاني سنة 1993 تداعت جهات عديدة من أجل إحياء وتطوير جامع النبي يونس عليه السلام في أيسر الموصل وهي دائرة الشؤون الهندسية في ديوان رئاسة الجمهورية وشركة المنصور للمقاولات وشركة آشور للمقاولات والمكتب الاستشاري الهندسي في جامعة الموصل ومديرية التخطيط والهندسة في وزارة الأوقاف ودار الآثار والتراث ومحافظة نينوى والدوائر التابعة لها .
أعدت الدراسة المتكاملة لتطوير الجامع والمنطقة المحيطة وقد ظهر كما ترونه في الصورة المرفقة يوم افتتح رسميا بعون الله في رجب سنة 1413 الموافق لشهر كانون الثاني سنة 1993 .
في المرحلة الأولى من برنامج العمل المقرر والتي نفذتها الدائرة الهندسية في ديوان الرئاسة تمت صيانة وتصليح التشققات الحاصلة في الهيكل من جراء الهبوط غير المتوازن في كتل المبنى وإعادة إظهار الفضاءات المختلفة بشكل جميل ورفيع المستوى من خلال أعمال التبطين لكافة الأقواس وتقويتها بالهياكل الحديدية مع الحقن بالاسمنت واجراء تبديل شامل على مواد الانهاء واضافة زخارف و مقرنصات ونقوشات جبسية طليت بألوان زاهية وزينت بآيات قرآنية كريمة .
ويشير بوستر وزع عند افتتاح الجامع بعد تطويره الى انه تم ايضا تطبيق الأرضيات وتغليف الجدران بالمرمر والتسقيف بالقرميد لبعض المسقفات .كذلك تضمنت إعادة التسطيح اضافة الى تجهيز الجامع بأحدث منظومات التكييف والإنارة .
اما المرحلة الثانية فقد قامت بتنفيذها شركة المنصور للمقاولات وتضمن أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالجامع وأهمها :
- إضافة ساحة مكشوفة محاطة بأروقة تزينها أقواس إسلامية وعلى مستويين يؤديان الى صحن الجامع مع طريق حولي يفصل المنطقة المحيطة به ويخدم موقف السيارات ومداخل الجامع في الأعلى وموقف الباصات في أسفل التلة وقد روعي الانحدار في التلة من خلال عمل ستة مصاطب مدرجة بإرتفاع (3) أمتار لكل منها وعرض (10 ) امتار تتخللها مماشي للسابلة ومناطق استراحة مع مساحات شريطية خضراء .
-ربط الشوارع المحيطة ومواقف السيارات بمماشي رئيسية وثانوية تتخلل المصاطب المائلة بواسطة محاور رئيسية الى مدخل الجامع .
-تشييد أربعة دور اسفل التلة للعاملين في الجامع وعلى الجانب الأيمن من الطريق الدائري للموقع .
-انشاء ابنية خدمية (حمامات ومحلات للوضوء ومرافق صحية للزوار الرجال والنساء وبصورة مخفية لغرض تقديم الخدمات اللائقة للزوار .
بقي ان نقول ان جامع النبي يونس عليه السلام من اهم المواقع الاثرية والاماكن الدينية المقدسة التي تقع في محافظة نينوى يزوره أعداد كبيرة من المصلين والحجاج من جميع أنحاء العالم ويعود تاريخ أول اشارة الى بناء الجامع إلى ماذكره المؤرخ الموصلي الأزدي في حوادث سنة 183 هجرية -799 ميلادية عن وجود محل يأوي اليه الزهاد فوق تل التوبة وفي أواخر القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي توسع المبنى وصار يضم رباطا يضم دورا وسقايات وذكره ابن جبير في رحلته سنة 580 هجرية -1185 ميلادية وأشار إلى وجود عين مباركة يشرب منها الناس ويتطهر بها أهل الموصل الذين وصفهم ابن جبير وقال :" بأنهم يستعملون أعمال البر فلا تلقى منهم إلا ذا وجه طلق وكلمة لينة ولهم كرامة للغرباء وإقبال عليهم "
وذكر ياقوت الحموي في أوائل القرن 7 الهجري ال133 الميلادي بأن اهل الموصل كانوا يخرجون كل ليلة إلى مشهد النبي يونس عليه السلام للزيارة والتبرك وبالقرب منه مشهد يسمى مشهد الرماد الذي تاب به أهل نينوى واحرقوا العجل .
وفي سنة 767 هجرية- 1366 ميلادية قام جلال الدين الختني بتجديد مبنى المشهد وأثناء العمل عثر على قبر نبي الله يونس عليه السلام داخل حضرة ويعلوه صندوق فصار يعرف من ذلك الوقت بجامع النبي يونس عليه السلام .
وخلال مراحل تاريخية مختلفة أضيفت أبنية متعددة على مبنى الجامع منها (المنارة ) التي يعود تاريخ أول إشارة إليها سنة 1228 هجرية -1813 ميلادية وكانت مبنية من الآجر المزجج الأزرق وأعيد بناؤها من قبل الأستاذ عبد الله باشعالم العمري سنة 1271 هجرية -1854 ميلادية عندما كان متوليا على أوقاف النبي يونس عليه السلام واحدثها المنارة التي شيدت سنة 1341 هجرية -1826 ميلادية من الحلان الاسمر .
آخر من تولى الإمامة والخطابة والسكن في الجامع الشيخ عبد الوهاب الشماع ثم ولده الشيخ محمد عبد الوهاب الشماع (حفظهما الله ) .كما يجب ان نذكر ان من تولى كتابة الخطوط الخطاط الفنان الدكتور إياد الحسيني .
بسم الله الرحمن الرحيم :" فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين " صدق الله العظيم .
وينبغي في الختام أن أشير إلى أن أفضل من كتب عن تاريخ الجامع من المحدثين الدكتور عبد المحسن الحاج حمو في أطروحته التي قدمها الى جامعة الازهر قبل سنوات بعنوان ( النبي يونس في التاريخ والتراث ) وقد اطلعت عليها وللاسف فهي غير منشورة .كما ان لي عن تاريخ الجامع مقال متوفر في مدونتي مدونة الدكتور ابراهيم العلاف وفي الانترنت .
درس البناء والاعمار هذا يمكن أن يكون خارطة طريق لمن يريد ان يعيد جامع النبي يونس (عليه السلام ) الى ما كان عليه بعد ان دمر وفجر من قبل الظلاميين الذين دخلوا الموصل يوم 9 حزيران 2014 بحجة وجود قبور فيه .
درس البناء والاعمار هذا يمكن أن يكون خارطة طريق لمن يريد ان يعيد جامع النبي يونس (عليه السلام ) الى ما كان عليه بعد ان دمر وفجر من قبل الظلاميين الذين دخلوا الموصل يوم 9 حزيران 2014 بحجة وجود قبور فيه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق