الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964
أ.د إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
-1-
عرف العراق الطبقة البرجوازية او القطاع الخاص كما سميت فيما بعد بمفهومها الحديث منذ اواخر القرن التاسع عشر ، ففي أعقاب انتهاج الدولة العثمانية سياسة الإصلاح لمؤسساتها العسكرية والاقتصادية و الإدارية استفاد العراق من تلك الإصلاحات ، خاصة عندما تولى مدحت باشا 1869-1872 ولاية بغداد ، ومنح صلاحيات واسعة لتنفيذ الإصلاحات في كل من ولايتي الموصل والبصرة . وقد تجلت إجراءاته في حل مشاكل الأراضي الزراعية ، وتأسيس إدارة حديثة و إقامة مدارس ومستشفيات ومطابع وصحافة حديثة وتزامن ذلك مع بعض المتغيرات العالمية و أبرزها افتتاح قناة السويس سنة 1869 ، ونمو واتساع تجارة التصدير الى أوروبا بعد ان اصبح في مقدور الملاكين العراقيين زيادة الإنتاج الزراعي . وتحت تأثير هذا التحول اتجه الاقتصاد العراقي لكي يصبح اقتصاد السوق بعد ان كان اقتصاداً طبيعياً ومهد هذا التطور لتراكم رأس المال بأيدي التجار وبالتالي كان ذلك إيذانا بمولد ( الطبقة البرجوازية العراقية ) الذي كان لها دورها في ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد العالمي ، وساعد على ذلك إنشاء مجموعة من البنوك برؤوس أموال أجنبية .
وقد اتسعت حركة التصدير والاستيراد وتأسست شركات أجنبية في العراق ، وانتظم التجار في غرف خاصة ، وفي المجال الصناعي أصدرت الحكومة العثمانية قانون تشجيع ( تشويق) الصنائع سنة 1913 .
-2-
في عهد الاحتلال البريطاني و أوائل عهد الانتداب 1914-1920 ، انتهجت سياسة مزدوجة يتجه محورها الأول نحو دعم شيوخ العشائر والملاكين في حين اتجه المحور الثاني نحو تنمية فئات اقتصادية داخل المجتمع العراقي والارتكاز عليها لمنع قيام صناعة حقيقية و إبقاء سوق العراق مفتوحاً أمام البضائع الإنكليزية.
ومع هذا فقد شهد العراق مشاريع استثمارية في الزراعة فتأسست شركة مزارع الموصل المحدودة (Mosul Farms Limited) سنة 1920 ومشروع الاستثمار الزراعي الحديث الذي أسسه نجيب اصفر في بغداد سنة 1924 .
بعد تشكيل الدولة العراقية سنة 1921 اتجهت جهود الوطنيين الاقتصاديين أمثال مصطفى الصابونجي في الموصل وفتاح باشا في بغداد ، لإنشاء صناعة وطنية حديثة ، وصدر قانون تشجيع المشاريع الصناعية لسنة 1929 ، وأخذ العراق يشهد تأسيس قطاع خاص في صناعات المنسوجات الصوفية والسيكاير والشخاط والجلود والأحذية والصابون والمشروبات الكحولية والصناعات الغذائية والإنشائية .
-4-
وخلال الثلاثينات من القرن العشرين تأسست مشاريع صناعية خاصة جديدة وجاء ذلك انسجاماً مع تنامي الوعي القومي وتعاظم التيار الليبرالي واتساع المبادرات الفردية واهتمام الملك فيصل الأول 1921 –1933 والوزارات التي تشكلت آنذاك بالاقتصاد وتنمية الصناعات الأساسية وابرز المشاريع معمل الطابوق 1931 ، وشركة الدخان الشرقية 1932 ، ومعمل الأحذية العراقي 1933 ، ومعمل البيرة 1935 ، ومعمل الحلويات 1937 .
-5-
وما ان بدأت الحرب العالمية الثانية 1939 –1945 حتى كانت البرجوازية الوطنية في العراق قد أصبحت قوة اجتماعية ذات وزن اقتصادي ملموس وازداد عدد المشاريع الصناعية المتمتعة بامتيازات قانون تشجيع المشاريع الصناعية ليصبح سنة 1945 ( 96) مشروعاً بعد ان كان سنة 1939 لا يزيد عن (71) مشروعاً واقبل المستثمرون العراقيون على إنشاء شركات ومشاريع مختلطة كان للمصرف الصناعي حصة في رأس مالها ومنها على سبيل المثال شركة الزيوت النباتية التي تأسست سنة 1939 ومن مؤسسيها محمد حديد ومصطفى الصابونجي وكامل الخضيري وعبد الهادي الجلبي.
-6-
وقام المصرف الزراعي الصناعي الذي تأسس سنة 1940 ، ومجلس الاعمار الذي تأسس سنة 1953 بدور كبير في دفع حركة النشاط الخاص في العراق إلى أمام . وساعد على ذلك تأسيس اتحاد الصناعات العراقي بموجب القانون رقم 52 لسنة 1956 الذي قام بدور ملموس في حماية وتشجيع المشاريع الصناعية .
-7-
وخلال الخمسينات من القرن العشرين اضطربت الأحوال السياسية وعجز البرجوازيون العراقيون عن فهم محركات الواقع السياسي الأمر الذي أفسح المجال أمام الضباط الأحرار لتغيير النظام السياسي باعلان قيام جمهورية العراق وسقوط النظام الملكي يوم 14 تموز 1958 والبدء باتخاذ إجراءات القصد منها تقييد حركة القطاع الخاص وتوجيه مسار الاقتصاد العراقي نحو الاشتراكية وابتدأت تلك الإجراءات بإصدار قانون الإصلاح الزراعي في أيلول 1959 ، وتأسيس مصلحة المبايعات الحكومية في كانون الأول 1959 ، وانتهت بصدور قرارات التأميم في 14 تموز 1964.
ومنذ ذلك الوقت وحتى ألان ( 2004 )يعاني القطاع الخاص من محنة حقيقية وهو بحاجة لمن يمد إليه يده ليأخذ دوره في إعادة بناء الاقتصاد العراقي .
*2004
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق