شهادات ومذكرات
عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو (10) الدكتور حسين قاسم العزيز
هذه هي الحلقة العاشرة في سلسلة مقالاتنا حول العراقيين الذين مرٌوا بموسكو، والتي أكتبها لمناسبة الذكرى السبعين لاقامة العلاقات العراقية – الروسية في ايلول / سبتمبر 2014، والحلقة هذه مكرٌسة لواحد من أعلام العراق المعاصر من خريجي الجامعات السوفيتية وهو الدكتور المرحوم الدكتور حسين قاسم العزيز.
__________________________________________________
الدكتور حسين قاسم العزيز (1922– 1995) – واحد من الاسماء الشهيرة جدا والمعروفة في العراق المعاصر وعلم من اعلامه الكبار، فهو مؤرخ شهير واستاذ لامع في قسم التاريخ بكلية الاداب في جامعة بغداد، وصحفي بارز في دنيا الصحافة العراقية، اذ كان رئيس تحرير صحيفة (الفكر الجديد) الاسبوعية، التي كان يصدرها الحزب الشيوعي العراقي آنذاك في السبعينات من القرن العشرين . التقيته في جامعة موسكو بداية الستينات من ذلك القرن، وكان بالنسبة لنا – نحن طلبة الدراسات الاولية آنذاك – يبدو مهيبا ومتقدما بالسن مقارنة معنا ولا يمكن ان يكون بالطبع زميلا او صديقا لنا، وكنا نعامله باحترام وتقدير كبيرين، وكان هو يقابلنا بنفس ذلك الاحترام و الشعور، وكان هادئا ومحترما بتصرفاته وطريقة حياته وبعيدا جدا جدا عن الثرثرة التافهة والقيل والقال التي كانت تسود – مع الاسف - الاوساط العراقية الطلابية عندها ، وكنا نعرف انه كان مدرسا في المدارس العراقية لمادة التاريخ العربي الاسلامي، وانه كان حتى مديرا لاحدى تلك المدارس، وانه خريج دار المعلمين العالية المعروفة بمستواها العلمي الرفيع في اواسط الاربعينات من القرن العشرين، ولم تكن معرفته باللغة الروسية عندما كان في موسكو واسعة وعميقة، وربما كان هذا نتيجة تقدمه بالعمرنسبيا وعدم اختلاطه الواسع بالطلبة الروس من حولنا كما هو الحال بالنسبة لنا في مرحلة الشباب، ونتيجة ايضا لطبيعة دراسته في قسم الدراسات العليا و المرتبطة بالتاريخ العربي بلا شك، ولكنه – مع ذلك – استطاع ان يستخدم المصادر الروسية بدراسته وكتابة اطروحته حول التاريخ العربي آنذاك ، وحتى ان يترجم وينشر بعض المصادر الروسية الخاصة بذلك الاختصاص بعد عودته الى العراق، وابرز نقطة في مسيرة حسين قاسم العزيز واكبرها بلا ادنى شك تكمن في انه كان واحدا من القلائل جدا، بل المعدودين على اصابع اليد كما يقال، بين خريجي الاتحاد السوفيتي الذي نشر اطروحته بالعربية بعد عودته الى العراق، وكان عنوانها – (البابكية او انتفاضة الشعب الاذربيجاني ضد الخلافة العباسية) (تم طبعها عدة مرات وظهرت بطبعات مختلفة حتى بعد وفاته)، والتي أثارت ضجة هائلة جدا في اوساط المؤرخين والمثقفين العراقيين آنذاك ونقاشات واسعة ومثيرة وصاخبة حولها، ويمكن القول ان هذه الضجة لم تهدأ لحد الآن، ولا مجال هنا بالطبع لعرض الآراء المختلفة والمتناقضة بل و حتى المتصارعة – ان صحٌ هذا التعبير - حول موضوعة هذه الاطروحة، بما فيها كتاب الاستاذ حسن العلوي حول ذلك في مؤلفه الشهير – (دماء على نهر الكرخا)، و قد أخبرني أحد زملائي مرة، ان كتاب حسين قاسم العزيز هذا حول البابكية أصبح مرجعا معتمدا ومصدرا مهما جدا في جامعات الغرب الكبرى التي تدرس تاريخ العرب و المسلمين في العالم، ولكني لست متأكدا من ذلك ولا استطيع ان اتحدث حول هذا الموضوع بشكل دقيق وتفصيلي ، رغم ان زميلي ذاك علٌق على هذا الخبر آنذاك قائلا، ان تلك الجامعات كانت سعيدة بهذا الكتاب لأنه جاء من باحث عراقي بالذات، ولكني أذكر مرة، اننا كنا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد، عندما كنا نحاول ان نضع قاموسا روسيا – عربيا وجيزا يتضمن المصطلحات السياسية للطلبة، وتوقفنا عند مصطلح – (شعب)، وطرحنا صفات عديدة لهذا الاسم، ومنها طبعا – الشعب العراقي، فاعترض البعض وقال انه يجب كتابة مصطلح (الشعب العربي في العراق) انسجاما مع المفهوم السياسي للدولة العراقية وحزب البعث الحاكم آنذاك، وتشعب النقاش طبعا، فقال أحد الزملاء – لماذا نسمح للدكتورحسين قاسم العزيز ان يطرح مصطلح (الشعب الاذربيجاني) في زمن الخلافة العباسية، عندما لم يكن هناك مثل هذه التسمية اصلا في ذلك الزمان البعيد، ولا نسمح بمصطلح الشعب العراقي في الوقت الحاضر؟ وقد أثار هذه التساؤل ردود فعل كبيرة فعلا، وانعكس هذا الطرح طبعا في تصرفاتنا واعمالنا في قسم اللغة الروسية آنذاك، وكل ذلك ارتباطا بذلك الكتاب المهم طبعا.
لقد نشر الدكتور حسين قاسم العزيز العديد من الكتب المهمة في اختصاصه، و منها على سبيل المثال وليس الحصر - موجز تار يخ العرب والاسلام // التطورات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية لعرب شبه الجزيرة قبل الاسلام // دور المراكز الثقافية في تفاعل العرب والمسلمين الحضاري // المفصل في نشأة نوروز الذهنية الابداعية //، وهناك طبعا الكثير من البحوث العلمية التي نشرها الدكتور حسين قاسم العزيز، ومنها بحثه المهم والكبير الذي نشره عندما كان طالبا في قسم الدراسات العليا بجامعة موسكو (وكان هناك الكثير من المعجبين بالبحث وبطرحه الشجاع في حينه) في مجلة (الغد) (العدد 3 / تموز 1964 و كانت تصدرها حركة الدفاع عن الشعب العراقي برئاسة الشاعر الكبير الجواهري، والتي تأسست بعد انقلاب 8 شباط 1963 الاسود، وساهم في ذلك العدد الدكتور صلاح خالص والدكتور فيصل السامر وغائب طعمه فرمان ومحمود صبري وصادق الصايغ وغيرهم) وعنوان البحث هو – (الشعوبية)، حيث ناقش فيها آراء المؤرخ الكبير المرحوم الاستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري حول هذا المصطلح التاريخي والسياسي، والذي لازال مطروحا بشكل حاد جدا – و بكل معنى الكلمة - في الاوساط الفكرية والسياسية العراقية خصوصا و العربية عموما و لحد الان.
ختاما أود الاشارة و الاشادة ايضا بما كتبه الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف – الشخصية العراقية العلمية المعروفة في مساهماتها برصد وتسجيل ودراسة اعلام المؤرخين في العراق - حول الدكتور حسين قاسم العزيز، و الذي حدد – وبموضوعية عالية ورائعة جدا – دوره وافكاره في مسيرة الدراسات التاريخية في العراق آنذاك ، اذ ان الدكتور حسين قاسم العزيز كان ينطلق فعلا – كما كتب الدكتور العلاف وهو على حق - في كل طروحاته العلمية من موقفه الماركسي الواضح والصريح والذي كان يؤمن به وباخلاص (يسميه العلاف – المادية الديالكتيكية)، بل يمكن القول ان الدكتور حسين قاسم العزيز كان ماركسيا صريحا وعلنيا في كل كتاباته، ولم يكن يحاول ابدا - بشكل او بآخر – ان يخفي ذلك بتاتا، كما فعل الآخرون ..، وقد اعتقلته السلطات العراقية البعثية نتيجة لذلك في اواخر حياته وأخذوه مباشرة من قسم التاريخ في كلية الاداب بجامعة بغداد، وأثار اعتقاله ذلك ضجة هائلة آنذاك في اوساط الكلية – اساتذة وطلبة ، وعندما عاد بعد أيام الى قسم التاريخ بالكلية المذكورة، حاول الدكتور حسين قاسم العزيز ان يعلن ان الامور كانت طبيعية جدا (وكنت أنا شخصيا من ضمن الذين زاروه في قسم التاريخ للتهنئة بعودته سالما بعد حادثة اعتقاله الرهيبة من قبل قوات الامن العراقية، وقد سألته بشكل مباشر – هل تعرض للتعذيب او شئ من هذا القبيل، فأخبرني ان كل الامور طبيعية وانه لم يتعرض لاي شئ اثناء اعتقاله، واطلقوا سراحه بعد حوار طويل معه)، لكن البعض أشار الى ان ذلك لا يتطابق ولا ينسجم ابدا مع الواقع العملي والتطبيقي للسلطة البعثية آنذاك واجهزتها الامنية تجاه هذا الامر بتاتا، وان الدكتور حسين كان مجبرا ان يعلن ذلك، وقد أخبرتني المرحومة الاستاذة الدكتورة حياة شرارة (زميلتي في قسم اللغة الروسية في كلية الاداب بجامعة بغداد) ان أحد أقرب الاصدقاء طلب منها ان تكون حذرة جدا، لأن الدكتور حسين كان مجبرا ان يقول لاجهزة الامن تلك كل ما يعرفه حول الجميع في الكلية، بما فيهم طبعا الدكتورة حياة، واذكر انها كانت مرعوبة جدا آنذاك، وكانت تحدثني همسا تقريبا، وقد حاولت ان أغيٌر جدول دروسها الاسبوعي في قسم اللغة الروسية كي تستطيع التحرك بشكل افضل واكثر امانا وحيطة.
*عن المصدر :http://95.211.218.232/index.php/memoir/882728.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق