ذكريات الاستاذ سامي مهدي (46)
دعوة عجيبة الى الكويت 1989
لم أزر الكويت إلا مرة واحدة وأظنها هي الأخيرة ما امتد بي العمر . ففي شباط 1989 تلقى رؤساء تحرير الصحف العراقية دعوة من الحكومة الكويتية لزيارة الكويت . جاءت هذه الدعوة عبر وزارة الثقافة والإعلام ، وحرص الوزير على أن يلبي هذه الدعوة كل رؤساء التحرير ، بناء على إلحاح الجانب الكويتي .
كنت يومئذ رئيس تحرير جريدة الجمهورية . لم تكن هذه الزيارة متوقعة ، من جانبي في الأقل ، ولا محسوبة . وكان زملائي في السفر كل من رئيس تحرير جريدة الثورة ، , ورئيس تحر ير جر يدة القادسية ، ورئيس تحرير جريدة العراق ، ورئيس تحرير مجلة ألف باء ، ونائب عن رئيس تحرير جريدة بغداد أوزيرفر .
أنزلنا مضبفونا في فندق مكتظ لا أتذكر إسمه ، وربما كان هذا الفندق من الدرجة الثانية . فليس فيه ما يوحي بغير ذلك . ولم يكن ثمة برنامج واضح للزيارة ، ولا لقاءات مع المسؤولين الكويتيين ، وكان من انتدب لمرافقتنا لا يفقه شيئاً من واجبات مرافقي الوفود ، ولا يطل علينا إلا إطلالات قصيرة وسريعة . وحين طلبنا منه مقابلة بعض المسؤولين ( وزير الخارجية مثلاً ) لم يستجب أحد لطلبنا ، فهؤلاء المسؤولون مشغولون ، كان الله في عونهم ، ولا وقت لديهم لتخصيص ساعتين ، أو ساعة ، للإلتقاء بوفد صحفي من رؤاساء التحرير هم من دعاه وألحوا على أن يلبي الدعوة . ولما ألح بعضنا على إجراء اللقاءات حدد لنا موعد مع وزير من خارج العائلة الحاكمة معني في ما هو معني به بالزراعة ، فراح يتحدث لنا عن الزراعة في الكويت واهتمام الحكومة بها ! ولكن ، والحق يقال ، أخذنا في صباح أحد الأيام إلى مزرعة ، أو شبه مزرعة ، تقع جنوب مدينة الكويت ، تناولنا فيها طعام الغداء وعدنا بعد الغداء من حيث أتينا سالمين غانمين . وفي إحدى الأمسيات دعينا إلى عشاء في أحد المطاعم ، وحضر الدعوة بعض رؤساء تحرير الصحف المحلية ، وفي طليعتهم أحمد جار الله ، صديق العراق الأثير ! ولست أذكر ما إذا كان الرجل هو صاحب الدعوة أم غيره .
ولكننا زرنا صديقنا الشاعر الكويتي أحمد السقاف في بيته زيارة قصيرة ، وتلقينا من الأستاذ وليد ابو بكر ، الصحفي والأديب الفلسطيني ، والسيدة عقيلته ليلى العثمان ، دعوة عشاء في منزله ، وكانت تلك الزيارة وتلك الدعوة خير ما حصل لنا هناك في رأيي .
كنت أشعر بالضجر طوال مدة إقامتنا . فالفراغ كثير ، والأجواء مملة ، وحين أنزل من غرفتي في الفندق لا أجد مكاناً للجلوس ، إذ ليس فيه صالة فسيحة يمكن أن تقضي فيها بعض الوقت ، وأنت تتفرج على الآتين والغادين وتحتسي فنجان قهوة . ولذا كنت أضطر للخروج من الفندق ، والتجوال على غير هدى في المناطق القريبة منه ، وأرى عباد الله في ذهابهم وإيابهم ، ثم لا ألبث أن أعود من حيث أتيت ، وأنا أكثر ضجراً مما كنت .
في ختام هذه السفرة الجديبة اكتشفت مع حقيبتي في المطار صندوقين لم يتسنّ لي الإطلاع على محتوياتهما إلا في بغداد ، فإذا بأحدهما يحتوي طاقماً كاملاً من الصحون الصينية ( الفرفوري ) وإذا بالآخر يحتوي قطعة قماش تكفي لـ ( بدلة ) كاملة ، ومع كل منهما بطاقة كتب عليها ( هدية من وزارة الإعلام ) وهي وزارة لم نزرها ولم نقابل مسؤولاً فيها . أما طاقم الصحون فوضعته أم نوار قيد الإستعمال اليومي فوراً ، وأما قطعة القماش فلم ألبث ان أهديتها لقريب ، لأن لونها وقماشها مما لا يلائم ذوقي ، وحمدت الله على نعمائه ! ولكنني لم أكتب كلمة واحدة عن السفرة وما رافقها وحدث خلالها في حينها ، لكي ( لا يزعل ) أخواننا في الحكومة الكويتية !
بعد كل السنوات التي مرت ، ما زلت أتساءل : لماذا دعينا ؟!
كنت يومئذ رئيس تحرير جريدة الجمهورية . لم تكن هذه الزيارة متوقعة ، من جانبي في الأقل ، ولا محسوبة . وكان زملائي في السفر كل من رئيس تحرير جريدة الثورة ، , ورئيس تحر ير جر يدة القادسية ، ورئيس تحرير جريدة العراق ، ورئيس تحرير مجلة ألف باء ، ونائب عن رئيس تحرير جريدة بغداد أوزيرفر .
أنزلنا مضبفونا في فندق مكتظ لا أتذكر إسمه ، وربما كان هذا الفندق من الدرجة الثانية . فليس فيه ما يوحي بغير ذلك . ولم يكن ثمة برنامج واضح للزيارة ، ولا لقاءات مع المسؤولين الكويتيين ، وكان من انتدب لمرافقتنا لا يفقه شيئاً من واجبات مرافقي الوفود ، ولا يطل علينا إلا إطلالات قصيرة وسريعة . وحين طلبنا منه مقابلة بعض المسؤولين ( وزير الخارجية مثلاً ) لم يستجب أحد لطلبنا ، فهؤلاء المسؤولون مشغولون ، كان الله في عونهم ، ولا وقت لديهم لتخصيص ساعتين ، أو ساعة ، للإلتقاء بوفد صحفي من رؤاساء التحرير هم من دعاه وألحوا على أن يلبي الدعوة . ولما ألح بعضنا على إجراء اللقاءات حدد لنا موعد مع وزير من خارج العائلة الحاكمة معني في ما هو معني به بالزراعة ، فراح يتحدث لنا عن الزراعة في الكويت واهتمام الحكومة بها ! ولكن ، والحق يقال ، أخذنا في صباح أحد الأيام إلى مزرعة ، أو شبه مزرعة ، تقع جنوب مدينة الكويت ، تناولنا فيها طعام الغداء وعدنا بعد الغداء من حيث أتينا سالمين غانمين . وفي إحدى الأمسيات دعينا إلى عشاء في أحد المطاعم ، وحضر الدعوة بعض رؤساء تحرير الصحف المحلية ، وفي طليعتهم أحمد جار الله ، صديق العراق الأثير ! ولست أذكر ما إذا كان الرجل هو صاحب الدعوة أم غيره .
ولكننا زرنا صديقنا الشاعر الكويتي أحمد السقاف في بيته زيارة قصيرة ، وتلقينا من الأستاذ وليد ابو بكر ، الصحفي والأديب الفلسطيني ، والسيدة عقيلته ليلى العثمان ، دعوة عشاء في منزله ، وكانت تلك الزيارة وتلك الدعوة خير ما حصل لنا هناك في رأيي .
كنت أشعر بالضجر طوال مدة إقامتنا . فالفراغ كثير ، والأجواء مملة ، وحين أنزل من غرفتي في الفندق لا أجد مكاناً للجلوس ، إذ ليس فيه صالة فسيحة يمكن أن تقضي فيها بعض الوقت ، وأنت تتفرج على الآتين والغادين وتحتسي فنجان قهوة . ولذا كنت أضطر للخروج من الفندق ، والتجوال على غير هدى في المناطق القريبة منه ، وأرى عباد الله في ذهابهم وإيابهم ، ثم لا ألبث أن أعود من حيث أتيت ، وأنا أكثر ضجراً مما كنت .
في ختام هذه السفرة الجديبة اكتشفت مع حقيبتي في المطار صندوقين لم يتسنّ لي الإطلاع على محتوياتهما إلا في بغداد ، فإذا بأحدهما يحتوي طاقماً كاملاً من الصحون الصينية ( الفرفوري ) وإذا بالآخر يحتوي قطعة قماش تكفي لـ ( بدلة ) كاملة ، ومع كل منهما بطاقة كتب عليها ( هدية من وزارة الإعلام ) وهي وزارة لم نزرها ولم نقابل مسؤولاً فيها . أما طاقم الصحون فوضعته أم نوار قيد الإستعمال اليومي فوراً ، وأما قطعة القماش فلم ألبث ان أهديتها لقريب ، لأن لونها وقماشها مما لا يلائم ذوقي ، وحمدت الله على نعمائه ! ولكنني لم أكتب كلمة واحدة عن السفرة وما رافقها وحدث خلالها في حينها ، لكي ( لا يزعل ) أخواننا في الحكومة الكويتية !
بعد كل السنوات التي مرت ، ما زلت أتساءل : لماذا دعينا ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق