نوري الراوي في صفحة من ذكريات بعيدة لي
ا.د. عبد الكاظم العبودي
ليسمح لي استاذنا الفاضل ضياء الراوي عبر صفحته في الفيسبوك ان اكتب
تعليقي اليوم بخصوص ذكرى خاصة بي عن الاستاذ نوري الراوي. منذ فترة وانا
احاول ان اكتب تعليقي هذا وانا ارى تباعا صور الفنان والاستاذ الرائد للفن
العراقي نوري الراوي. هذه المرة الاولى التي انتزع صفحة من مذكراتي الشخصية
المدونة لاعود الى نصف قرن مضت على حادثة ظلت مهمة في مسيرة حياتي العلمية
والثقافية التالية ، في منتصف عام 1960 أو 1961 قابلت الاستاذ نوري الراوي
بمقر وزارة الارشاد قبل ان تصبح وزارة الثقافة في بنايتها الجديدة آنذاك
وهي تطل على ساحة الباب الشرقي آنذاك عندما كان الوزير فيها الدكتور فيصل
السامر.
مقدما لا بد من التنويه هنا لست من اهل الفن ولم اكن رساما او
تشكيليا ولا توجد حتى اية صلة لاي من افراد عائلتي بالفنون كي احظ يومها
برعاية غير متوقعة واستقبال من قبل الاستاذ نوري الراوي. يومها كنا نحن
الفقراء من سكنة صرائف منطقة الوشاش حيث تقع صرائف المنكوبين بجوار مطار
بغداد "المثنى بعدها" . فلاحون ومهاجرون قادمون من الارياف العراقية
الجنوبية وخاصة من ريف العمارة . نتفاوت باعمارنا كان عمري وقتها 13 سنة
ومعي زميلي في المدرسة في مدينة الوشاش الصديق الدكتور كاظم جلوب السراج.
كنا نتطلع الى المشاركات والكتابة في صحف الحائط بمدرسة الخلد الابتدائية
في الوشاش وبعدها متوسطة العروبة بنفس البناية. وكانت تنقصنا الصور والكتب
والمجلات لاغناء محتويات النشرة الاسبوعية وصحيفة الحائط المدرسية . كان
احد جيراننا المرحوم الشاب حسين عودة من سكنة المنكوبين وكان يدرس في السنة
الاولى حقوق في جامعة بغداد، وكان يعمل في نفس الوقت موظفا مساعدا للاستاذ
نوري الراوي بوزارة الارشاد او الثقافة .
وبفضله حصل لي الشرف
ولزميلي الاخر كاظم جلوب السراج بمقابلة نوري الراوي فحصل حسين عودة على
موعد لزيارة الاستاذ الراوي بمكتبه والتعرف عليه، وفعلا تحققت تلك الزيارة
للاستاذ نوري الراوي الذي أغدق علينا بكرم لا انساه طوال حياتي بان عدنا من
مكتبه ونحن محملين بعشرات المجلات والالبومات والعديد من الكتب المصورة
الفخمة وبالالوان تتحدث عن تاريخ الفن العراقي والحضارات العراقية القديمة
والعصور الاسلامية في العراق. ومن دون وساطة صديقنا الراحل حسين عودة تكررت
زياراتنا للفنان نوري الراوي الذي اضحى لنا مثلا وقدوة ورعاية.
اتذكر
ان الشغل الشاغل كان للاستاذ نوري الراوي حينها اكتشافه لموهبة الفنان
الفطري العراقي المرحوم منعم فرات وتقديمه للتكريم من قبل الزعيم عبد
الكريم قاسم والعمل على اجراء دراسات عن ظاهرة الفن الفطري والنحت الفطري
في العراق .
في كل مرة كنا نجد منعم فرات ومنحوتاته الفطرية عند
الاستاذ الراوي حتى انه عمل على تعيينه موظفا على ملاك الوزارة واصدر كتابا
مصورا لاعماله ومنحوتاته ودراسات علمية عن مكنوناته الحضارية. احببت
الراوي وظل في ذاكرتي الى اليوم لانه اول من وضع بيدي البوما ومجلة وعاملني
مع زميلي بروح انسانية عالية القيمة رغم مظاهر فقرنا وعوزنا الواضحة. كان
يسألنا عن تطور نشرة الحائط وكنا نحمل له اخبار نجاحاتنا العلمية وهو يزداد
بمكافئتنا بما نحمل منه من مطبوعات الوزارة ونشريات قسم الفنون.
شاءت
الاقدار اننا انقطعنا عن زيارة الاستاذ الراوي عندما تعرض المرحوم حسين
عودة لعملية اغتيال بالرصاص من قبل احد رجال الامن في الوشاش عندما كان
المرحوم حسين عودة يوزع بيانا للحزب الشيوعي بمناسبة سياسية حينها . كانت
عملية اغتيال حسين عودة حدثا بارزا في تصاعد التوتر في منطقة الوشاش وصرائف
المنكوبين "قرية البيجية" وبلغنا ان الاستاذ نوري الراوي حضر مجلس الفاتحة
وتألم لفقد مساعده حسين عودة. بعدها كانت الامور تشير الى تأزم الاوضاع
مما استدعانا انا وصديقي كاظم جلوب السراج من الامتناع عن زيارة الاستاذ
نوري الراوي خوفا من المسائلات المرتبطة بالعلاقة مع المرحوم حسين عودة وما
رافقها من اعتقالات لعدد منى شباب المنكوبين وبعض طلبة الحقوق من زملاء
حسين عودة. تحية للفنان الرائد الاستاذ نوري الراوي واطال الله في عمره لقد
زرع فينا محبة العراق وتاريخه وفنونه وثقافته وحضارته. هذه امانة لذكرى
الحت علي الحالة ان اكتبها وادونها اليوم وانا ارى صورة الفنان نوري الراوي
مرارا على حائط ومقالات الاستاذ ضياء الراوي.
ا.د. عبد الكاظم العبودي
ليسمح لي استاذنا الفاضل ضياء الراوي عبر صفحته في الفيسبوك ان اكتب تعليقي اليوم بخصوص ذكرى خاصة بي عن الاستاذ نوري الراوي. منذ فترة وانا احاول ان اكتب تعليقي هذا وانا ارى تباعا صور الفنان والاستاذ الرائد للفن العراقي نوري الراوي. هذه المرة الاولى التي انتزع صفحة من مذكراتي الشخصية المدونة لاعود الى نصف قرن مضت على حادثة ظلت مهمة في مسيرة حياتي العلمية والثقافية التالية ، في منتصف عام 1960 أو 1961 قابلت الاستاذ نوري الراوي بمقر وزارة الارشاد قبل ان تصبح وزارة الثقافة في بنايتها الجديدة آنذاك وهي تطل على ساحة الباب الشرقي آنذاك عندما كان الوزير فيها الدكتور فيصل السامر.
مقدما لا بد من التنويه هنا لست من اهل الفن ولم اكن رساما او تشكيليا ولا توجد حتى اية صلة لاي من افراد عائلتي بالفنون كي احظ يومها برعاية غير متوقعة واستقبال من قبل الاستاذ نوري الراوي. يومها كنا نحن الفقراء من سكنة صرائف منطقة الوشاش حيث تقع صرائف المنكوبين بجوار مطار بغداد "المثنى بعدها" . فلاحون ومهاجرون قادمون من الارياف العراقية الجنوبية وخاصة من ريف العمارة . نتفاوت باعمارنا كان عمري وقتها 13 سنة ومعي زميلي في المدرسة في مدينة الوشاش الصديق الدكتور كاظم جلوب السراج. كنا نتطلع الى المشاركات والكتابة في صحف الحائط بمدرسة الخلد الابتدائية في الوشاش وبعدها متوسطة العروبة بنفس البناية. وكانت تنقصنا الصور والكتب والمجلات لاغناء محتويات النشرة الاسبوعية وصحيفة الحائط المدرسية . كان احد جيراننا المرحوم الشاب حسين عودة من سكنة المنكوبين وكان يدرس في السنة الاولى حقوق في جامعة بغداد، وكان يعمل في نفس الوقت موظفا مساعدا للاستاذ نوري الراوي بوزارة الارشاد او الثقافة .
وبفضله حصل لي الشرف ولزميلي الاخر كاظم جلوب السراج بمقابلة نوري الراوي فحصل حسين عودة على موعد لزيارة الاستاذ الراوي بمكتبه والتعرف عليه، وفعلا تحققت تلك الزيارة للاستاذ نوري الراوي الذي أغدق علينا بكرم لا انساه طوال حياتي بان عدنا من مكتبه ونحن محملين بعشرات المجلات والالبومات والعديد من الكتب المصورة الفخمة وبالالوان تتحدث عن تاريخ الفن العراقي والحضارات العراقية القديمة والعصور الاسلامية في العراق. ومن دون وساطة صديقنا الراحل حسين عودة تكررت زياراتنا للفنان نوري الراوي الذي اضحى لنا مثلا وقدوة ورعاية.
اتذكر ان الشغل الشاغل كان للاستاذ نوري الراوي حينها اكتشافه لموهبة الفنان الفطري العراقي المرحوم منعم فرات وتقديمه للتكريم من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم والعمل على اجراء دراسات عن ظاهرة الفن الفطري والنحت الفطري في العراق .
في كل مرة كنا نجد منعم فرات ومنحوتاته الفطرية عند الاستاذ الراوي حتى انه عمل على تعيينه موظفا على ملاك الوزارة واصدر كتابا مصورا لاعماله ومنحوتاته ودراسات علمية عن مكنوناته الحضارية. احببت الراوي وظل في ذاكرتي الى اليوم لانه اول من وضع بيدي البوما ومجلة وعاملني مع زميلي بروح انسانية عالية القيمة رغم مظاهر فقرنا وعوزنا الواضحة. كان يسألنا عن تطور نشرة الحائط وكنا نحمل له اخبار نجاحاتنا العلمية وهو يزداد بمكافئتنا بما نحمل منه من مطبوعات الوزارة ونشريات قسم الفنون.
شاءت الاقدار اننا انقطعنا عن زيارة الاستاذ الراوي عندما تعرض المرحوم حسين عودة لعملية اغتيال بالرصاص من قبل احد رجال الامن في الوشاش عندما كان المرحوم حسين عودة يوزع بيانا للحزب الشيوعي بمناسبة سياسية حينها . كانت عملية اغتيال حسين عودة حدثا بارزا في تصاعد التوتر في منطقة الوشاش وصرائف المنكوبين "قرية البيجية" وبلغنا ان الاستاذ نوري الراوي حضر مجلس الفاتحة وتألم لفقد مساعده حسين عودة. بعدها كانت الامور تشير الى تأزم الاوضاع مما استدعانا انا وصديقي كاظم جلوب السراج من الامتناع عن زيارة الاستاذ نوري الراوي خوفا من المسائلات المرتبطة بالعلاقة مع المرحوم حسين عودة وما رافقها من اعتقالات لعدد منى شباب المنكوبين وبعض طلبة الحقوق من زملاء حسين عودة. تحية للفنان الرائد الاستاذ نوري الراوي واطال الله في عمره لقد زرع فينا محبة العراق وتاريخه وفنونه وثقافته وحضارته. هذه امانة لذكرى الحت علي الحالة ان اكتبها وادونها اليوم وانا ارى صورة الفنان نوري الراوي مرارا على حائط ومقالات الاستاذ ضياء الراوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق