الاثنين، 22 أبريل 2013

ولدار الاخرة خير وابقى : مرثية لأم حنون .. ولمربية فاضلة

ولدار الاخرة خير وابقى :
مرثية لأم حنون .. ولمربية فاضلة
أ.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -العراق
انفض الجمع.. وتفرق المعزون، وذهب كل الى سبيله، وعدت اسأل نفسي .. بعد كل هذه الـ (40) سنة التي قضيتها مع هذه الانسانة العظيمة .. زوجتي الوفية وأم اولادي الحاجة المربية السيدة لطفية طه محمد عبد الرحمن العبيدي .. ما الذي حصل ؟ وكيف انتهت هذه السنوات .. واصبح كل منا في واد .. كيف عشنا الحياة بحلوها ومرها .. ثم كيف تحملنا ما تحملنا من مصاعب الدنيا، ومشاكل العيش .. أتذكر انني قلت لها قبل بضع سنين .. وعندما انصرف اولادنا، بنين وبنات، الى حياتهم الخاصة المستقلة .. وكان ذلك بأرادتنا .. يا حاجة لنبدأ من حيث انتهينا .. لنبدأ يا أم نشوان .. من جديد مسيرة الحياة، كما كنا نحلم بها من قبل، حيث لا هموم ولا مشاكل ولا التزامات تجاه الاخرين. ولكن الموت .. وهو حق علينا جميعا .. جاء ليبدد الحلم وليضع حدا لأمنياتنا تلك .. ربنا لا اعتراض على حكمك .. ((ولكل أجل كتاب)) ((يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)) صدق الله العظيم .
في ليلة الخميس على الجمعة الـ (27) من رجب 1428 هـ، العاشر من آب 2007 توقف قلبها الضعيف عن النبض .. لقد خذلها قلبها، أو انها اصيبت، كما كان يقول الاستاذ الدكتور مصطفى جواد رحمه الله، بخذلان القلب .. ولم تعد تقوى على المواصلة، فتسارعنا وتسارع الاخوة والاخوات والابناء والاصدقاء والمحبين ليشاركوننا في ايصالها الى دار حقها .. وتمت الصلاة على روحها الطاهرة في جامع ذو النورين عقب انتهاء صلاة الجمعة .. واحسب ان لا احدا في الجامع قد تأخر عن الصلاة عليها، أو خرج من الجامع ..
لقد رأيت المئات من الايدي تمتد، بتزاحم شديد لكي ترفع جثمانها .. بعد الصلاة .. وعلى قبرها في مدفن الكرامة ، اطلق اخي العزيز الشيخ الفاضل أبا معاذ (الشيخ نافع عبد الله ) حفظه الله واعطاه الصحة والايمان، دعاءه في تأبينها، وكذلك فعل اخي العزيز الاستاذ ابا عمر (موفق السبعاوي) وكان مما ركزا عليه انها كانت انسانة مؤمنة، تقية، صابرة، معطاءة .. تحملت مسؤوليتها في الحياة بكل شجاعة .. كانت مربية ناجحة، عملت في حقل التعليم اكثر من (28) عاما، وتنقلت بين مدارس سره رش وصلاح الدين، والحدباء، ودجلة، والقاضية، واخيرا في الشهباء في حي النور .. وكم كانت سعادة احد الاخوان .. وهو ينقل لي ما سمعه ، باننا ونحن نخرج من الجامع متوجهين الى المقبرة، قد عرف ان العديد من تلاميذها، وقد اصبحوا رجالا، اصروا على المشاركة في دفنها وفاءا منهم لما بذلته من جهود في تعليمهم واعدادهم.وللتأريخ فانني احتفظ بالكثير من تقارير المشرفين التربويين عن اداءها التعليمي والتربوي واقتبس الان من واحد من هذه التقارير والذي يعود للعام الدراسي 1982-1983 وجاء فيه بالنص انها: ((معلمة لها رغبة وقابلية على تدريس المواد الاجتماعية ،نشيطة لها قدرة على التتبع والنمو في ميدان اختصاصها ،تحفز التلميذات على التفكير ،وتهتم بالتربية الدينية والوطنية والقومية والاخلاقية ،تتبع طريقة الحوار والمناقشة في عرض المادة ،تعمل على ربط المادة بحياة التلميذات وبيئتهن ،تهتم بتصحيح الخرائط ،وتعود التلميذات على الرسم المتقن ووضع المدن والانهار والحدود على مواقعها الصحيحة ... )) .
قلت لابي معاذ أنها ماتت، رحمها الله، واقفة .. ماتت بدون سابق انذار، كانت تدعو من الله صباح ومساء ان يميتها هكذا .. دون ان تثقل على أحد .. واضفت : لقد كان لها 70% من الجهد تجاه البيت والاولاد، ولم يكن لي سوى الـ 30%.. ولدين طبيبين وبنت طبيبة (تدريسية في كلية الطب) ومهندسة في الكلية التقنية .. فضلا عن رعايتها لاخوانها واخواتها عندما كانوا صغارا وفقدوا امهم قبل سنوات ناهيك عن المئات من التلاميذ والتلميذات الذين رعتهم طيلة سنين خدمتها في التعليم .. تلك كانت حصيلتها .. وذلك كان انتاجها ..
كانت تقرأ القرآن الكريم، اكثر من مرة في اليوم .. وكانت تستيقظ فجرا لتؤدي صلاة التهجد وقرأن الفجر كان مشهودا .. تتساءل في اللحظات الاخيرة، وهي فرحة، متى يأتي رمضان ؟ هل نستطيع اداء العمرة بعد ان يسر الله لنا أداء فريضة الحج قبل سنوات ..
أم نشوان .. نامي قريرة العين .. ها، وقد غادرت هذه الدنيا الفانية، لكنني لا أزال أراك حية .. فلقد تركت الولد الصالح الذي يدعو لك .. كما تركت الكثير من اعمال الخير والتي لا يعرفها الا الله .. كنت تؤكدين ان العطاء شجاعة .. سألتك مرة وانت تعطين ما ييسره الله لك من مال ومواد عينية .. هل تحسين بالسعادة .. قلت نعم انني انتظر الفرصة لكي اقدم لاخواتي واخواني وهم يقصدونني ، واحزن عندما يتأخرون في موعد مجيئهم .. لم تكن زخارف الدنيا تهمك .. ولا اتذكر انك شكوت لاحد .. مع انك اصبت ببعض امراض العصر كالسكري .. فالشكوى، كما كنت ترددين، لغير الله مذلة.. لقد تحملت الالم بصبر .. كان بعض الاخوان يتعجب من انصرافي للكتابة والتأليف والعمل ويقول اين لك الوقت والفرصة .. واقول لهم .. ان الراحلة العزيزة هي من كانت وراء ذلك .. كانت تخفف عني وتحرص على عدم اشغالي بامور يومية، تتحملها وحدها .. رحمك الله ورضي الله عنك يا ام نشوان .. وعزاءي انني أراك في كل زاوية من زوايا حياتي .. وحياة اولادي وبناتي وجيراني ومعارفي ومعارفك من الاخوة والاخوات والاقارب .. ومثلما قال الاستاذ مصطفى صادق الرافعي، الكاتب المصري المعروف عندما فقد زوجته (( أن قلبي يفيض دموعا )).ومن المؤكد ان الزمن لن يستطيع ان يمحو ذكريات عيشتنا المشتركة والعزيزة.
لقد رحلت عن دنيانا الفانية والمتعبة هذه ..وذهبت الى دار الحق والبقاء .. انها والله
خير وابقى وكل ما يمكن ان نفعله هو ان نترحم عليك وندعو الله عزوجل ان يتغمدك برحمته الواسعة كما يجب ان نتذكرك ونذكرك ، ونتمثل بالقيم والمبادىء التي كنت تحملينها .. وليس من شيمتنا كمسلمين مؤمنين. ان نتفجع ، ونشق الجيوب، ونلطم الخدود ، بل نسير على هدى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .. عندما قال بعيد وفاة ابنه ابراهيم : ((ان العين تدمع، وان القلب يحزن، وانا عليك يا ابراهيم لمحزونون ))، ويقينا ان ذكرك لسوف يبقى ويتردد في اصداء بيتنا المتواضع ورحم الله امير الشعراء احمد شوقي حين قال :
دقات قلب المرء قائلة له
ان الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للانسان عمر ثان
* *http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2007/09
 /25/105062.

صورتي مع المرحومة زوجتي الاولى ونحن على جبل عرفات 2000 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...