الخميس، 11 أبريل 2013

الجزائر في الذاكرة العراقية' : الارتقاء إلى اسمى معاني الانتماء بقلم: عبدالرحمن جعفر الكناني

'الجزائر في الذاكرة العراقية' : الارتقاء إلى اسمى معاني الانتماء
بقلم: عبدالرحمن جعفر الكناني
8

لم تكن الذاكرة يوما ملأ فراغ راهن، فهي امتداد بديهي لتفاصيل زمن دونت احداثه التي اسست لحاضر جديد تمتد آفاقه المستقبلية بلا انقطاع، فرضت ضرورة التذكير احياءها من اجل ان تترسخ في ذهن جيل جديد بات يخضع لتقنيات عالم رقمي فتحت قنوات الاتصال فوق سماوات مفتوحة على مضامين استهلاكية تكاد تنسي القيم الأخلاقية للهوية وأسس بنائها والحفاظ على ديمومتها.
والذاكرة التي تنطوي على ذلك المعنى جسدها كتاب 'في ذكرى استقلال وطن يتجدد ـ الجزائر في الذاكرة العراقية' الذي صدر في الجزائر مؤخرا لمؤلفه عدي الخيرالله سفير العراق بالجزائر، وتخطى فيه متعمدا لغة الخطاب السياسي الدعائي، وارتقى صيغ الكتابة الأدبية لوقائع تاريخية، دونتها حصيلة كبيرة من الوثائق المحفوظة في رفوف المكتبات، ليتواصل مع جيل جديد عبر هذا القاسم الروحي المشترك بين شعبي العراق والجزائر في أزمنة مواجهة التحديات الكبرى.
جاء الكتاب بفصوله الأربعة مكملا لملحمة ثورة الجزائر الكبرى التي وجدت في العراق خندقا خلفيا لها، يغذي خنادق مواجهاتها الأمامية وفق ما يراه المجاهدون الكبار الذين عاشوا الحدث الأكبر، وقدموا شهاداتهم التاريخية حول الموقف العراقي الداعم لأكبر معارك تحريرية شهدها التاريخ السياسي المعاصر في العالم العربي والعالم الثالث.
وتناولت الفصول بمنهجيتها المتكاملة أحداثا كانت غائبة عن الذاكرة، وبعض تفاصيلها لم تدون من قبل، فحققت اضافات إلى المكتبة العربية، والمكتبة الجزائرية تحديدا، ادرك الباحثون والدارسون في مراكز ابحاث الثورة الجزائرية أهميتها في معرض تقييمهم لمحتويات الكتاب في رسائل رفعوها إلى المؤلف عدي الخيرالله.
ادرجت في الفصل الأول جملة من العناوين التي قدمت في محتويات نصوصها وقائع التلاقي الشعبي العراقي ـ الجزائري كان من بينها :
• الجزائر قلب ينبض في جسد عراقي.
• التبشير بثورة الجزائر في مساجد العراق بلسان جزائري.
• العراق اول دولة في العالم تعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة.
• استقلال الجزائر .. أعراس في بغداد.
فقد رأى العراقيون في ثورة الجزائر كما دون الكاتب انقلابا على الروح الاستسلامية التي عمت اقطار العالم العربي إثر نكبة ضياع فلسطين عام 1948، واعتبروا دعمها واجبا وطنيا وقوميا مقدسا ترتقي به الأمة العربية على طريق استعادة أمجادها العظام.
ويقدم الكتاب ذلك المشهد الشمولي في الموقف العراقي من الثورة الجزائرية، حين يبرز ما نالته هذه الثورة من نصيب كبير في الخطاب الديني، الذي عممته جوامع ومساجد العراق في جميع المدن والقرى دون استثناء، حتى ان جامع الأمام ابي حنيفة النعمان استقبل العلامة الجزائري الراحل البشير الإبراهيمي فاعتلى منبره مبشرا بقرب اندلاع معارك التحرير في الجزائر.
كما خصص القطاع الإعلامي العراقي مساحات واسعة لإعلام الثورة الذي يقدمه عبر إذاعة بغداد مكتب الاستعلامات الجزائري، بأصوات إعلاميين جزائريين كان اشهرهم الإعلامي الراحل عيسى مسعودي، وشاعر الثورة مفدي زكريا.
وتبقى الذاكرة التي يطلق تفاصيلها اول كتاب يؤرخ لوقع الثورة الجزائرية على الشعب العراقي، تنبض في زمن معاصر، نقرأ فيه ما قاله الراحل توفيق المدني وزير الشؤون الثقافية في الحكومة الجزائرية المؤقتة لحظة الإعلان عن قيامها في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية:
' وما كدت انتهي من قراءة النص العربي لإعلان الحكومة المؤقتة ومناهجها، حتى تقدم سفير العراق المحامي فائق السامرائي الثائر الغائر، فأعلن اعتراف العراق بالحكومة الجديدة'.


ويصف السفير عدي الخير الله كتابه بأنه فصل من فصول وقائع تاريخية معاصرة، تجسد ذلك التلاحم الروحي بين شعبي العراق والجزائر في مواجهة التحديات الكبرى، نفض عنها غبار النسيان، وفتحت اوراقها المدونة بتفاصيلها الدقيقة لتطلع عليها اجيال جديدة لم تعش الحدث.
الدبلوماسية كانت من اهم اسلحة العراق في دعم الثورة الجزائرية، مستندا إلى ثقله السياسي في منطقة الشرق الأوسط وانتفاضة جماهيره التي لم تهدأ حتى نالت الجزائر استقلالها، فقد اكد المؤلف ان الحكومات العراقية المتعاقبة رأت منذ البدء ضرورة ربط الدعم الدبلوماسي بالدعم العسكري باعتباره اختيارا حتميا لا بد منه في بلوغ اهداف معارك التحرير في الجزائر.
واستند الكتاب في شهاداته التاريخية على حضور ثلة من كبار المجاهدين في صفحاته، ويدون ما حملته ذاكرتهم ايام الثورة التي بلغ صداها جميع مدن وقرى العراق، فكانت المجاهدة جميلة بوحيرد التي قالت :
'أنا احمل للعراق حب الوطن، حب الانتماء للبلد الذي شرفني بالجنسية ومنحني حق الانتماء اليه ' .
فبغداد فرشت الأرض رملا في طريق تقطعها ثائرة جزائرية، جعلها المبدعون رمزا في روائع الأدب والفن، فكان اسمها صرخة توحدت في حناجر الشعوب التي ترفض الظلم والاستبداد.
ويرى المجاهد منسل الصديق خصوصية عراقية عاشها في بغداد تتمثل في حرص مؤسسات العلوم العسكرية العراقية التي تلقى علومه الأمنية فيها، على تزويد المجاهد الجزائري بما يحتاجه مقاتل يمتلك خصمه أحدث ادوات القتال، واكثرها تطورا.
أما الأديب والمؤرخ المجاهد عثمان السعدي الذي قدم كتابه الشهير الثورة 'الجزائرية في الشعر العراقي' فقد قال ان العراق مثلما احتضن الثورة بين ذراعيه وبدفء قلبه، قد احتضن رسالة الماجستير التي قدمتها في جامعة بغداد وضمنتها قصائد شعراء العراق عن ثورة الجزائر. والمرجعيات التاريخية التي استند عليها الكاتب لم تكن مجرد وثائق صياغات لحدث تحرري بلغ صداه كل مدينة وقرية وزقاق وبيت عراقي، فقد جعل من النصوص الأدبية والشعرية، دلائل مرجعية، تعطي للحدث بعدا أكبر وأشمل، جسدها في فصل 'الثورة الجزائرية في الأدب العراقي' الذي قال فيه :
' يحق لي أن أصف ابداعات الأدب العراقي التي افردت مضامينها للثورة الجزائرية الكبرى بالدعم الروحي والنفسي الذي يضخه الأديب او الشاعر في خضم المواجهات المصيرية، فهو اعتاد دوما ان يكون في قلب المواجهة، وأداة من ادواتها الفاعلة في محيط عالمه العربي.
وعاد بنا إلى إرث شاعر الفراتين محمد مهدي الجواهري والشاعرة نازك الملائكة وشاعر المطر بدر شاكر السياب والشاعر عبدالوهاب البياتي الذين تغنوا بالثورة الجزائرية، فبقي اسمهم حيا في ذاكرتها.
وحين يختتم السفير عدي الخير الله صفحات كتابه فانه يختار في وصفه ما يقول :
' ظلت ابواب البلدين مفتوحة على مصراعيها وهما يلتقيان منذ البدء في المواقف والمباديء تجاه القضايا العربية المصيرية وقضايا التحرر في العالم على امتداد مراحل التاريخ، كما التقيا في مواجهة المحن التي استهدفت وجودهما وامنهما واستقرارهما، فلم يكن هذا التلاقي محض صدفة طرأت على واقعنا، فهو تلاق عمقته تلك القواسم المشتركة بين الشعبين الشقيقين في موقفهما من قضايا الحياة الإنسانية والدفاع عن وجودهما أمام أية قوة عاتية'.
ولقي كتاب 'الجزائر في الذاكرة العراقية' الذي صدر احتفاءً بالذكرى الخمسين لإستقلال الجزائر، صدى واسعا لدى الاوساط الحكومية والسياسية والأكاديمية والإعلامية في الجزائر، حيث اعتبر اول كتاب من نوعه يؤرخ لصفحات أخرى في تاريخ الثورة الجزائرية التحررية تفتقر اليه المكتبة العربية.
*http://www.ahraraliraq.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...