عبد الله بن مالك بن المعتم العبسي فاتح الموصل ايام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
- ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وحين نتحدث عن تحرير الموصل ، وفتحها وكانت قاعدة ومركز للجزيرة الفراتية ، يتوارد اسم القائد العربي الكبير الذي ارسله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى المناطق الوسطى و الشمالية من العراق ومنها منطقة تكريت ومنطقة الموصل .
طبعا القائد العام لجيش الفاتحين كان عبد الله بن المعتم العبسي ، وهو من ارسل القائد ربعي بن الافكل العنزي لفتح الموصل وتم الفتح سنة 16 هجرية - 637 ميلادية صلحا وكانت تزخر بالقبائل العربية لكنها كانت تحت حكم الفرس .
وكما يشير المؤرخون العرب ، فإن القائد عبد الله بن المعتم امر القائد ربعي بن الافكل العنزي ان يتعاون مع القبائل العربية القاطنة ضمن منطقة الموصل او اقليم الموصل وخاصة من نمر وتغلب واياد وهم من سبقوا الجيش واتصلوا بأهالي الحصن الغربي وهو الموصل واهالي الحصن الشرقي وهم اهالي نينوى وهيأوا أذهانهم لتقبل دخول القوات العسكرية لتحريرهم من الفرس .
دخل القائد عبد الله بن المعتم العبسي (توفي بعد سنة 37 هجرية -657 ميلادية ) الموصل صلحا ، ودبر امور المدينة وجوارها فمن هو عبد الله بن المُعتم العبسي القائد العام للجيش العربي الاسلامي المكلف بتحرير الموصل ؟
انه صحابي ومن المهاجرين الاوائل ، وكما جاء في انسكلوبيديا ويكيبيديا الالكترونية ورابطها التالي : https://ar.wikipedia.org/ هو من قادة قبيلة غطفان ، ومن اشرافها وقد سبق للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ان كلفه بقيادة احدى السرايا في السنة السادسة للهجرة ، وكان معروفا بالإخلاص والشجاعة .
وفي عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كُلف بأن يكون الى جانب القائد الكبير سعد بن ابي وقاص في فتح العراق بأقاليمه الكبيرة وحتى فتح المدائن ، كان مع القائد سعد وشارك في معركة القادسية .كان على ميمنة الجيش وهو من فتح تكريت وبعد كل هذه الانتصارات استقر في الكوفة وكان يعد من رموزها لكنه اعتزل في ايام معركة صفين مع انه كان من المسلمين الاوائل وقد كتب عنه المؤرخ ابن الكلبي ومما قاله :" وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة رهط من بني عبس فكانوا من المهاجرين الأولين منهم : ميسرة بن مسروق ، والحارث بن الربيع، وقنان بن دارم ، وبشر بن الحارث بن عبادة ، وهدم بن مسعدة ، وسباع بن زيد ، وأبو الحصن بن لقمان ، وعبد الله بن مالك بن المعتم العبسي ، وفروة بن الحصين بن فضالة ، فأسلموا فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ، وقال : " ابغوني رجلا بعشركم أعقد لكم لواء " ، فدخل طلحة بن عبيد الله فعقد لهم لواء وجعل شعارهم : يا عشرة" .
ولما بلغ رسول الله، أن عيرًا لقريش أقبلت من الشام، فبعث هؤلاء الجماعة من بني عبس في سرية على رأسهم عبد الله بن المعتم العبسي ، وعقد لهم لواء أبيض، قال الواقدي: " بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش أقبلت من الشام فبعث بني عبس في سرية وعقد لهم لواء، وقال ابن منده: « عقد له النبي صَلَّى الله عليه وسلم لواءً أَبيض في رَهْط بعثهم" وهذا دليل واضح على أن عبد الله بن المعتم العبسي وفد مع جماعته ، قبل صلح الحديبية، لذلك فهو من المهاجرين الأولين.
برز اسمه لأول مرة في فتح الحيرة . وقد قاتل عبد الله بن المعتم وقومه تحت راية القائد الكبير المثنى بن حارثة الشيباني القوات الفارسية في معركة البويب أول معركة حاسمة من معارك المسلمين في العراق، والتي تعد من أهم معارك المسلمين حيث كان لها تأثير كبير في فتوح العراق، ولقد عدَها المفسر والمؤرخ ابن كثير ، نظيرَ معركة اليرموك مع البيزنطيين. وكان انتصار البويب في أواخر شهر رمضان سنة 13 هجرية – 634 ميلادية . وبعد وفاة المثنى بن حارثة الشيباني ، تولى سعد بن أبي وقاص قيادة المسلمين في العراق، فقاتل ابن المعتم تحت رايته في القادسية . قال المؤرخ عز الدين ابن الأثير:" وجمع سعد من كان بالعراق من المسلمين من عسكر المثنى، فاجتمع بالاشراف فعبأهم وأمر الأمراء، وعرف على كل عشرة عريفا، وجعل على الرايات رجالا من أهل السابقة، وولى الحروب رجالا على ساقتها ومقدمتها ورجلها وطلائعها ، ومجنباتها، ولم يفصل إلا بكتاب عمر، فجعل على المقدمة زهرة بن عبد الله بن قتادة بن الحوية فانتهى إلى العذيب، وكان من أصحاب رسول الله ﷺ، وجعل على الميمنة عبد الله بن المعتم العبسي ، وكان من الصحابة أيضًا" .
وبقي ابن المعتم في القادسية على ميمنة الجيش، كما ذكر أَبُو عُبَيْدَةَ أنه كان على إحدى المجنّبتين يوم القادسية، وكان لقيادته الحكيمة أثر كبير في انتصار المسلمين في معركة القادسية، وفي ذلك يقول المدائني: «عبر رستم إلى المسلمين بجنوده وفيلته من حين طلعت الشمس إلى قريب من نصف النهار، وأخذوا عدة الحرب، وصافهم المسلمون، وعلى الميمنة عبد الله بن المعتم، وعلى الميسرة هاشم بن عتبة، وعلى الخيل المغيرة بن شعبة، وعلى الرجالة سلمة بن حديم" .
وبعد معركة القادسية بشهرين، وصل أمر الخليفة عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص بالمسير إلى المدائن، فقَدَّم سعد بن أبي وقاص زهرة بن الحوية، ثم اتبعه بعبد الله بن المعتم ، وفي ذلك يقول ابن الأثير:" لَمَّا فَرَغَ سَعْدٌ مِنْ أَمْرِ الْقَادِسِيَّةِ ، أَقَامَ بِهَا بَعْدَ الْفَتْحِ شَهْرَيْنِ، وَكَاتَبَ عُمَرَ فِيمَا يَفْعَلُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْمَدَائِنِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَسَارَ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ لِأَيَّامٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ، وَكُلُّ النَّاسِ مُؤَدٍّ مُذْ نَقَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَا كَانَ فِي عَسْكَرِ الْفُرْسِ. فَلَمَّا وَصَلَتْ مُقَدَّمَةُ الْمُسْلِمِينَ بُرْسَ وَعَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَمِّ ، وَزُهْرَةُ بْنُ حَوِيَّةَ ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ لَقِيَهُمْ بِهَا بَصْبُهْرَا فِي جَمْعٍ مِنَ الْفُرْسِ، فَهَزَمَهُ الْمُسْلِمُونَ" .
في سنة 16 هجرية - 637 ميلادية ، لما افتتح سعد بن أبي وقاص المدائن، سَيَّره سعد بن أبي وقاص من العراق إِلى تكْرِيت أي سير القائد عبد الله بن المعتم العبسي ، ومعه عَرْفَجَة بن هَرْثَمَة، ورِبْعِي بن الأَفْكَل، وفيها جمع من الروم والعرب، ففتح تِكْرِيت ، وأَرسل عبد اللّه بن المعتمِّ ، رِبْعيّ بن الأَفْكَل إِلى نِينَوى والمَوْصِل، ففتحهما. وجعل عبدُ اللّه على المَوْصل رِبْعِي بن الأَفْكَل، وعلى الخراج عَرْفَجَة بن هَرْثَمَة" .
ثم ارسل عبد الله بن معتم سرية كبيرة إلى الحصنين وهما : حصن نينوى (الحصن الشرقي) وحصن الموصل (الحصن الغربي ) . وفي جمادى الأول سنة 16 هجرية – 637 ميلادية صالح المسلمون أهل الموصل على الجزية، فولى عبد الله بن المعتم شؤون الحرب في الموصل لربعي بن الأفكل، كما عهد إلى عرفجة بن هرثمة أمور جباية الخراج في الشؤون المالية، قال ابن إسحاق: «وجعل عبد الله بن المعتم العبسي على الموصل ربعي ابن الأفكل، وعلى الخراج عرفجة بن هرثمة" . وكانت شؤون الموصل العامة لعبدالله بن المعتم، قال ابن الأثير: " وحج بالناس في هذه السنة –سنة ست عشرة – عمر بن الخطاب، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت. وكان عماله على البلاد الذين كانوا في السنة قبلها، وكان على حرب الموصل ربعي بن الأفكل، وعلى خراجها عرفجة بن هرثمة ..وكان ذلك كله إلى عبد الله بن المعتم ، وعلى الجزيرة عياض بن غنم".
بقي عبد الله بن المعتم العبسي على رأس جيشه في تكريت حتى استدعاه سعد للحضور مع قواته إلى الكوفة ، وساهم في تمصير الكوفة، وكان تمصير الكوفة في محرم سنة 17 هجرية – 638 ميلادية وأنَابَ عبد الله بن المعتم على تكريت والموصل مسلم بن عبد الله . قال الطبري: " وَكَتَبَ سَعْدٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعْتَمِّ: أَنْ خَلِّفْ عَلَى الْمَوْصِلِ مُسْلِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ " .
وفي سنة 18 هجرية 639 ميلادية ، وقيل: 20 هجرية نقض أهل تكريت والموصل العهد الذي اعطوه لعبد الله بن المعتم وصحبه في منتصف سنة 16 هجرية وذلك بعد ان انسحبت معظم قواته إلى الكوفة والبصرة سنة 17 هجرية - 638 ميلادية ، وكانت الجبهة الشرقية من العراق مشغولة في حرب الهرمزان، فكاتب عمر بن الخطاب عياض بن غنم والي الجزيرة المجاورة للموصل من ناحية الشام، بتوجيه قوه إلى الموصل، وفي ذلك يقول خليفة بن خياط: " أَن عُمَر وَجه عياضا ، فَافْتتحَ الْموصل ، وَخلف عتبَة بْن فرقد عَلَى أحد الحصنين وافتتح الأَرْض كلهَا عَنوة غير الْحصن فَصَالحه أَهله وَذَلِكَ سنة ثَمَان عشرَة للهجرة . بينما قال البلاذري: " ولى عُمَر بْن الخطاب عتبة بْن فرقد السلمي سنة عشرين ، فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها، وهو الشرقي عنوة، وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر عَلَى الجزية والإذن لمن أراد الجلاء في الجلاء" . ومن النصوص الآنفة يتضح أن عياض بن غُنم ، وعامله عتبة بن فرقد اضطرا إلى استعمال القوة من أجل بسط السلطة والنظام على الموصل بعد تمرد أهلها .
كان عبد الله بن المعتم العبسي شاعرا ، وكان له في كل موقعة يخوضها شعر، لكن لم يصلنا من شعره الا القليل ؛ إذ لم ينقل الرواة من أخبار شعراء الفتوح إلا القليل القليل . وفي فتح الموصل قال:
وغارة مثل الحريق المشعل نبثها *** أكناف أرض الموصل
يشقي بها الله العدو المصطلي
عاش القائد عبد الله بن المعتم في الكوفة بقية حياته وحرص على ان يكون بعيدا عن الاحداث التي وقعت ومنها معركتي الجمل وصفين معتزلا ولربما لكبر سنه الى ان توفي رحمه الله بعد 37 هـجرية - 657 ميلادية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق