قصر محمد نجيب الجادر
قصر محمد نجيب الجادر في
محلة النبي يونس في الموصل
ا.د.
ابراهيم خليل العلاف
استاذ
التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
والمرحوم
محمد نجيب الجادر من الوطنيين الاقتصاديين الذين قدموا الكثير للموصل وللعراق من
خلال الاعمال التي قام بها وخاصة في مجال الاقتصاد والعمران وقد كتبت عنه كثيرا
ولي عنه مقالات متوفرة في شبكة المعلومات العالمية – الانترنت .كتبت عن رئاسته
لغرفة تجارة الموصل سنة 1926 وهو اول رئيس لها منذ تشكلت سنة 1926 كما كتبت عن
جامعه جامع محمد نجيب الجادر في محلة النعمانية القريبة من محلة الفيصلية – الجانب
الايسر من مدينة الموصل وكتبت عن معمل الغزل والنسيج الذي اسسه وعن مواقفه من
القضايا الوطنية العراقية وقضية فلسطين وتبرعاته السخية للمجاهدين الفلسطينيين .
اليوم
اريد ان اتحدث عن قصره وهو قصر محمد نجيب الجادر المقابل لجامع النبي يونس والذي
يعتبر ولايزال من افخم القصور التي عرفتها مدينة الموصل من حيث السعة ومن حيث
الطراز المعماري . واقول ان القصر غير معروف لكثير من الناس ولم يسبق لقناة
تلفزيونية موصلية ان دخلت اليه مع اننا نمر من امامه صباح مساء وتاريخ القصر يعود
الى سنة 1920 ومساحته تزيد عن ال 3000 متر مربع وموقعه فريد ومهم ولايزال شاخصا
حتى يومنا هذا والحمد لله .
انا
اقصد كاتب هذه السطور لم ادخل اليه ولكنني اطلعت على بعض ما لدي من ارشيفات عنه
وهي قليلة وقلية جدا واقول ان قصر محمد نجيب
الجادر يشبه (قصر المنتزه ) في الاسكندرية للملك فاروق ملك مصر السابق وقصر
المنتزه هو احد ابرز القصور الملكية في مصر بناه الخديوي عباس حلمي سنة 1892
بمدينة الاسكندرية ومما يميز هذا القصر انه وسط حدائق المنتزه لهذا حمل القصر اسم
هذا المنتزه وسمي بقصر المنتزه واذا نظرنا الى قصر محمد نجيب الجادر وجدناه ايضا
يقع وسط منتزه فالأشجار والحدائق تحيط به من كل جانب واقول ان عمارة قصر محمد نجيب
الجادر ترجع الى ما يسميه المعماريون او مؤرخي العمارة المعاصرة (عمارة عصر النهضة
الجديدة ) وهذا المصطلح يشير الى الطراز المعماري الاحيائي الذي يعود الى القرن 19
الميلادي ويقينا ان هذه الطرز المعمارية ظهرت في مدينة فلورنسا الايطالية وتحت هذا
المسمى الذي ذكرته وهو (عمارة عصر النهضة) وللقصر بوابة كبيرة رئيسية من المرمر
الموصلي –الحلان ويدخل المرء اليه منها
واستطيع ان اقول انه قصر حجري وهو من طابقين ويقوم على اساس الاجنحة العديدة وكل
جناح فيه يضم عددا من الغرف والقصر على هيئة منازل كبيرة مربعة الطول وفيها ابراج
متناظرة مما يعطي الانطباع على انها عبارة عن قلاع يمكن ان اقول انها من طراز
(العمارة المُحصنة ) وفيها استخدم المعمار
الذي انشأها ولا اعرف من هو ولعل عددا من
المعماريين الموصليين منهم عبودي طنبورجي قد اشترك في بنائها استخدموا اساليب
قوطية معمارية مع شرفات فيها زخارف بأشكال مختلفة واروقة واعمدة ومداميك من عمارة
عصر النهضة الحديثة واحد اكبر ملامح هذه العمارة السلالم الجميلة والضخمة والتي تعد جزءا لايتجزأ من المعمار فضلا عن
اجنحة النوم في الطابق العلوي ويحيط بالقصر سياج عال جدا يحجب الرؤية على من هو
خارج هذا القصر ولا اكتمكم سرا ان من هو خارج القصر يتمنى الدخول اليه ومعرفة
خفاياه .
ينتمي محمد نجيب جلبي الجادر
إلى أسرة عربية موصلية عريقة فجده القريب هو عبد القادر بن عثمان بن عبد الله. ولد
في محلة باب النبي جرجيس بالموصل سنة 1893، ونشأ في اسرة امتهنت التجارة أبا عن
جد. وكان أبوه الحاج احمد (1864-1937) تاجراً معروفاً، وقد تعهد ابنه بالرعاية
واختار له ان يكون في مستقبل أيامه تاجراً، لذلك ادخله الكتاب في صغره فتعلم
القراءة والكتابة وشياً من الحساب كما حفظ بعض سور القرآن الكريم، وقد انغمر في
عالم التجارة وعمره لم يتجاوز الـ (17) سنة.
ليس
من شك ان المرحوم السيد محمد نجيب الجادر استفاد من الظروف الاقتصادية التي مر بها العراق بين
الحربين العالميتين الأولى والثانية 1939-1845 لتكوين ثروة كبيرة، خاصة وانه ركز
في تجارته على الأصواف والحبوب والمنسوجات. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى
انصرف محمد نجيب الجادر نحو الصناعة، بعد ان شعر بضرورتها لبناء اقتصاد وطني قوي
واتضح ذلك من خلال إسهامه في إنشاء معامل النسيج والدباغة ومحالج الأقطان. ويقال
ان محمد نجيب الجادر كان على صلة طيبة مع نوري السعيد السياسي العراقي المعروف
والذي ترأس العديد من الوزارات، وقد استفاد الجادر من هذه الصلة في الحصول على
الموافقات اللازمة لاستيراد مكائن لتأسيس معامل المنسوجات القطنية وباشتراك من
المصرف الزراعي – الصناعي العراقي.
وكان
للجادر عدة وكلاء في المدن الشمالية العراقية. وجاء في جريدة البلاغ الموصلية
(العدد469) الصادر في 27 آذار 1926 إلى قيام الجادر بتأسيس معمل للأقمشة
والمنسوجات القطنية سنة 1926. وقد اشتغل في معامل الجادر مئات العمال. كما شارك
الجادر في تأسيس فرع للبنك العربي في مصر استهدف تسليف الفلسطينيين وحثهم على منع
اليهود من شراء الأراضي هناك وقد أسهم في هذا المصرف كما يقول السيد الربيعي نقلاً
عن حفيد الجادر (هدف) رأسماليون عراقيون ومصريون.
وفيما
يتعلق بالنشاط التجاري وتأسيس غرفة تجارة الموصل في مرحلتها الثانية حيث كانت في
الموصل اواخر القرن التاسع عشر غرفة للتجارة، فقد كان محمد نجيب الجادر دور فاعل
في ذلك، خاصة بعد صدور قانون غرفة التجارة رقم 40 لسنة 1926. وقد دعا متصرف لواء
الموصل آنذاك ناجي شوكت قرابة (59) من التجار ومدراء المصارف والشركات واجتمع بهم
في 15 تشرين الاول 1926 وشجعهم على تنظيم انفسهم في غرفة التجارة، وقد تألفت هيئة
تأسيسية اجرت الانتخابات التي اسفرت عن فوز محمد نجيب الجادر برئاسة اول هيئة
ادارية لغرفة تجارة الموصل في حين اصبح سعيد جلبي الدباغ (1874-1943) نائباً
للرئيس وحمدي جليمران (1890-1975) سكرتيراً (امنياً عاماً). وقد اجتمعت الهيئة
لاول مرة يوم 28 تشرين الاول 1926. وظل محمد نجيب الجادر رئيساً لغرفة تجارة
الموصل منذ تأسيسها حتى الاول من كانون الاول سنة 1954. وكان للغرفة نشاطاتها
الفاعلة خلال فترة رئاسته ومن ذلك نجاح في تأمين الحماية للمنتوجات الوطنية وتشجيع
التصدير وحل المشاكل الاقتصادية. وقد يكون من المناسب الاشارة هنا كذلك الى ان
محمد نجيب الجادر كان آنذاك ولسنوات طويلة عضواً في مجلس ادارة الموصل، ولم تكن
مساهمته في اجتماعات ومؤتمرات غرفة التجارة او مجلس ادارة الموصل شكلية، وانما
كانت له مشاركاته البناءة ومقترحاته السديدة وخاصة في مجال السعي لرفع قدرات
السكان الشرائية وتشجيعهم على اقتناء منتوجات بلدهم والعزوف عن شراء المنتوجات
الأجنبية وقد ساعدته تلك المشاركات فضلاً عن سفراته الى خارج العراق وزياراته
للمصانع والمعامل هناك على ان يمتلك عقلية اقتصادية واسعة يعرفها كل من تعامل معه
وتابع نشاطاته عن كثب.
لم
يكن نجيب الجادر بعيداً عن مايجري حوله من أحداث، فمنذ أوائل العشرينات من القرن
الماضي، كان على صلة وثيقة برجالات الحركة الوطنية في الموصل ، حتى انه أسهم في
وضع قواعد ثابتة للعمل الوطني ومن ذلك انه أسهم في تأسيس (النادي الادبي) في الموصل في الخامس من تشرين الثاني 1921 بهدف
" العمل على جذب انتباه الأمة لواجباتها الوطنية والقومية " وكانت له
اليد الطولى في إسهام النادي في تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية في مايس /ايار
1922 وقد انتخب عضواً في هيئتها الإدارية الى جانب نخبة من العاملين في الحقل
السياسي ومنهم امين بك الجليلي ومحمد رؤوف الغلامي وسعيد الحاج ثابت وإبراهيم عطار
باشي.
وقد
عمل محمد نجيب الجادر مع عدد من السياسيين والاقتصاديين الموصليين أمثال حمدي
جليمران ومكي الشربتي ومصطفى الصابونجي على مواجهة المحتلين الانكليز والاحتجاج
على معاهدة 1922 والدعوة الى تحقيق استقلال البلاد "وفقاً لرغائب الأمة
" كما ورد في برقية مؤرخة في 25 حزيران 1922 والتي وجهت إلى ونستون تشرتشل
وزير المستعمرات البريطاني.
كما
دافع محمد نجيب الجادر عن عروبة الموصل وتأكيد بقائها ضمن الدولة العراقية في
مواجهة أطماع تركيا بها. خلال منتصف العشرينات من القرن الماضي. وكانت لمحمد نجيب
الجادر مواقف محسوسة من قضايا النضال القومي مثل قضية فلسطين ولا يتسع المجال
لمتابعة مواقفه تلك، ولكن لابد من الإشارة إلى دوره في (لجنة إنقاذ فلسطين) التي
تشكلت في كانون الأول 1947 وضمت في صفوفها عدد من الموصليين (مدنيين وعسكريين)
منهم إبراهيم الجلبي (سكرتير اللجنة) والحاج رؤوف الشهواني والزعيم العقيد الركن
محمد علي سعيد (رئيس اللجنة) واسماعيل عبادي وغيرهم. والى جانب ذلك تشكلت لجنة
خاصة لجمع التبرعات لدعم القضية الفلسطينية ودعم المجاهدين الفلسطينيين بالمال
والسلاح والذخيرة. وقد ضمت اللجنة الى جانب محمد نجيب الجادر عدد من الموصليين
أبرزهم الشيخ احمد الجوادي والشيخ عبد الله النعمة والمطران اسطيفان كجو وإبراهيم
الجلبي ومصطفى الصابونجي وخير الدين العمري وعبد القادر زكريا وبشير مراد ومحمود
ألجليلي. وقد تصاعد عمل هذه اللجنة وغيرها بعد صدور قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين
في التاسع والعشرين من تشرين الثاني سنة 1947. اذ اندلعت التظاهرات وتصاعد الغضب
الشعبي ضد الانكليز والصهيونية وتشكلت أفواج من الموصليين المتطوعين بقيادة الحاج
عبد الرزاق الحاج محمود الذي اظهر حسبما ذكرت جريدة فتى العراق (الموصلية) بعددها
الصادر يوم 28 آب 1948(بطولات متميزة). وقد امن محمد نجيب الجادر المجاهدين
بالأموال والمواد العينية شأنه شأن مصطفى الصابونجي وجمع من وجهاء وأثرياء الموصل
آنذاك. بنى محمد نجيب الجادر سنة 1368 هـ/1948 م جامعاً سمي بإسمه ويقع في منطقة
الفيصلية بالجانب الايسر من مدينة الموصل ويعد من الجوامع التي تتميز بطراز معماري
جميل حيث ان قبته على شكل نصف كرة وله منارة مبنية من الاسمنت المسلح وقد أرخ
الشاعر والقاضي الأستاذ إبراهيم الواعظ لبناء هذا الجامع بيتين من الشعر قال فيهما :
مسجد
للتقى بناه نجيب
فاق
في طرزه جميع المعابد
قلت
تاريخه ثواباً واجراً
إنما
يعمر النجيب المساجد 1368 هـ/1948 م
كتب
محمد شكري العزاوي وإحسان القيسي في كتابهما دليل الألوية العراقية الصادر ببغداد
(مطبعة المعارف) سنة 1956 عن محمد نجيب الجادر يقول "سعادة الوجيه محمد نجيب
الجادر من الرجال القلائل الذين جعلوا نصب أعينهم هدفاً لرفع مستوى بلدهم المعيشي
والاقتصادي والثقافي. فأسهم في إنشاء معامل للنسيج والدباغة أنقذت الكثيرين من
الجوع والبطالة، ورفعت مستوى الأعمال اليدوية في العراق، عدا المشاريع الأخرى التي
حمل لواءها وكان احد المشاعل الوطنية والاقتصادية التي ساهمت في إنارة ليل الجهل
والعطالة ويضيف " بأنه يزيد محمد نجيب الجادر فخراً انه بالإضافة إلى فضائله
الوطنية والخيرية قد انجب خير خلف لأصلح سلف ونقصد نجله الأكبر الوجيه محمد صديق
جلبي فهو الاخر علم من اعلام الاقتصاد وتاجر كبير من تجار الأخشاب. وقد كان سعادته
في يوم ما اول ضارب مثلاً في الوطنية حيث استجاب لدعوة الجيش وانخرط فيه تلبية
لشعوره الوطني ورغبة والده الكريمة بمناسبة معروفة. وسعادة محمد صديق جلبي
بالإضافة إلى تعاونه التام مع والده عميد أسرة الجادر له أياد تذكر في المساهمة في
كثير من الأعمال الخيرية والمنشآت الصحية، هذا عدا إسهامه في زيادة الدخل القومي،
ومضاعفة الإنتاج المحلي، ورفع مستوى البلد الصناعي والاقتصادي.
توفي
محمد نجيب الجادر، حسبما ورد في سجل بتواريخ وفيات بعض الشخصيات الموصلية، الذي
سبق أن زودنا به الأستاذ الدكتور محمد صديق ألجليلي، يوم 25 من كانون الثاني سنة
1962 وقد أعقب الجادر من الأبناء توفيق (1910) وصديق (1914) وضياء(1919) وعبد
الوهاب (1920).رحمه الله ورحم كل من أفاد وطنه ودينه وأمته ودعوتنا لكل تجار
الموصل ووجهائها من الذين أفاض الله عليهم من نعمته أن يحذو حذو أولئك الاقتصاديين
الوطنيين الرواد الذين وضعوا مصلحة وطنهم ومدينتهم نصب أعينهم. فخير الناس من نفع
الناس. wwwallafblogspotcom.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق