حمادي الناهي وجريدة الكشكول
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل - العراق
حفلت الصحافة العراقية منذ صدور جريدة "
زوراء " ببغداد في الخامس عشر من حزيران
سنة 1869 بالكثير من الأنماط الصحفية . فإلى جانب الصحافة الجادة، كانت هناك صحافة
ساخرة أو هزلية.. وتعد جريدة( جكه باز) أي الثرثار التي صدرت في الموصل سنة 1911
أول صحيفة عراقية ساخرة. وقد توالى صدور العديد من الصحف الهزلية في العراق، لعل
جريدة حبزبوز التي أصدرها الصحفي المقتدر نوري ثابت سنتي 1931-1938 من أهمها.. ومن
الطبيعي أن يتربى في أحضان هذه الجريدة صحفيون اتخذوا من السخرية والهزل أسلوبا في
مناقشة قضايا الحياة والمجتمع والسياسة في العراق ومن هؤلاء المرحوم الأستاذ حمادي
الناهي.
ولد حمادي بن مريح بن سلم بن سعيد الناهي الطائي
في البصرة، سنة 1915 لكنه لم يبق كثيرا هناك، اذ سافرت أسرته إلى الموصل وفيها
أكمل دراسته الإعدادية، وقد كتب صديقنا الأستاذ الدكتور علي حسين الجابري مقالة
متميزة عن حمادي الناهي في جريدة العراق (البغدادية) (15 نيسان 1992) بعنوان
((حمادي الناهي: رحيل صامت لرجل صاخب)) جاء فيه ان حمادي الناهي أودعه قبل رحيله
جانبا من (أسراره) و(أفكاره) وذلك في حوار بينهما جرى في يوم 27 تموز سنة 1987 في
بغداد.
عمل حمادي الناهي مع نوري ثابت في حبزبوز، وبعد
وفاة ثابت نقل حمادي الناهي نشاطه الصحفي الى الموصل فاصدر جريدة (الكشكول) وبعد
ان فشل في إصدار جريدة ببغداد باسم (البهلول) بعد وفـاة نـوري
ثابت سنة 1938، إذ أن الحكومة وكانت آنذاك حكومة
جميل المدفعي الرابعة في الحكم (تألفت في 17 آب 1937 واستقالت في 24 كانون الأول
1938) لم توافق على إصدارها.
صدر العدد الاول من جريدة "الكشكول " في
الاول من نيسان سنة 1939 وقد جاء في ترويستها ان صاحبها حمادي الناهي ورئيس
تحريرها المسؤول يوسف النجدي المحامي وكانت كثيرا ما تتوقفت وخاصة في الخمسينات
والستينات من القرن الماضي وقد احتجبت بشكل نهائي سنة 1969 وكان الاستاذ حمادي
الناهي يصدر اثناء توقف "الكشكول " جريدة " لسان الكشكول "
عوضا عن " الكشكول " وقد حدث هذا سنة 1954 ومما يذكر ان حمادي الناهي
بالاصل من مدينة الناصرية لكنه عاش وعمل في الموصل وهو اول من اسس حزبا بأسم
"حزب الحمير " لكن هذا الحزب لم يصمد طويلا في مواجهة سخرية الناس في
وقت اراده مؤسسه ان يكون اداة سخرية من السلطة الحاكمة انذاك والتي لم يكن معها
على وفاق ومع هذا فقد اصدر الاستاذ حمادي الناهي كتابا ضمنه كما سنرى مقررات الحزب
.
ألف غالب الناهي كتابا سنة 1954 أرخ فيه لمجموعة
من مفكري العراق، تحدث فيه عن عمه (حمادي الناهي) واحتسبه من صحفي ومثقفي الموصل
وقال عنه ((ان اسم حمادي الناهي الكاتب الساخر الذي استطاع ان يلج النفوس، ويسيطر
على القلوب بأسلوبه الساخر الغني، وهو عندي شبيه ببرنادشو، الكاتب الايرلندي
الساخر. فلقد وظف حمادي الناهي، كما قال الجابري، حسه النقدي، وبلاغته التراثية
الثرة، ودعابته الحاضرة المعاصرة، وأسلوبه اللاذع في عرض أفكاره (الأخلاقية
والوطنية والقومية) في مرحلة خطيرة من مراحل التاريخ العربي المعاصر، حيث المواجهة
مع الاستعمار والصهيونية، وقد عكس حمادي الناهي أفكاره هذه في كتاب كبير ما يزال،
للأسف، مخطوطا وهو بعنوان: ((حربنا مع الانكليز)) وقد ألفه سنة 1941 أبان ثورة
مايس-مايو المعروفة.
ومما قاله في هذا الكتاب المخطوط في حق العرب:
((من الحكمة السرمدية الإلهية البالغة، أن الله جل
شأنه قد أوعز إلى النبي الأعظم محمد أن لا ينطق عن الهوى ((إن هو إلاّ وحي يوحى،
علمه شديد القوى)) النجم (4-5). وعن أبي هريرة انه قال ان بقاء العرب نور للإسلام
و ((إذا ذل العرب ذل الإسلام )) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من غش
العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي)) أخرجه الترمذي في جامعه..
وحول توجه حمادي الناهي الوطني والقومي قال بأنه
قد تأثر بهذه الأفكار منذ صغره و ((لقد تغذيت من لبان الروح القومية وفهمتها فهما
وثيقا.. ولكل عربي وطنان (صغير وكبير) فالوطن الصغير هو بلده الذي ولد فيه، وترعرع
في ربوعه. أما الوطن الكبير فهو البلاد العربية بأجمعها)).
أسهم حمادي الناهي في ثورة مايس 1941 وكانت له
علاقة بالضباط الذين قادوا هذه الثورة ومنهم صلاح الدين الصباغ وزملائه، وبعد فشل
الثورة هرب الى سوريا وانخرط هناك في العمل السياسي وكانت له صلات مع قادة فلسطين
وسوريا ولبنان أمثال الحاج أمين الحسيني وفوزي القاوقجي وأمين رويحة وسعد الله
الجابري وعبد الرحمن ألكيالي وبشارة ألخوري ورياض الصلح، كما تعاون مع عدد من
الرواد القوميين والإسلاميين والاشتراكيين والشيوعيين ، الذين جعلوا من (الساحة
الشامية) مكانا لنضالهم السياسي منهم (محمد اليتيم من البحرين) و(عباس كاشف الغطاء
من العراق) و(خالد بكداش من سوريا) ومما يلحظ أن ثمة تباين في اتجاهات أولئك
السياسيين لكن هذا لم يمنع من ان يؤكد حمادي الناهي في مذكراته غير المنشورة والتي
تحمل عنوان (مذكرات عن الحركة القومية في بلاد الشام: سوريا ولبنان وفلسطين) انه
أحتفظ بموقفه الوطني والقومي وهذا ما دعاه إلى انتقاد المواقف الشيوعية والنازية
والرأسمالية الغربية من القضايا العربية ومنها قضية فلسطين.
أصدر حمادي الناهي بعض الكتب، طبع منها كتابه
الأول: (ثمانون وألف ليلة في السجون) وهو بجزءين.اما الكتاب الثاني فهو بعنوان
: " مقررات حزب الحمير"
وهو بجزءين كذلك ، طبع الجزء الأول فقط، أما الجزء
الثاني فلا يزال مخطوطا.
وقد قام حمادي الناهي بقرابة (77) رحلة الى مناطق
العراق المختلفة، فلقد جال العراق من أقصاه إلى أقصاه، وكتب عن المدن والقرى
والأرياف والمصايف والجبال والأنهار والاهوار والصحراء.. من أقصى الزبير إلى حدود
زاخو ونشر جانبا من وصف تلك الرحلات في جريدته الكشكول. ولقد أتقن الناهي اللغة
الكردية إلى جانب اللغة العربية..
كما زار الناهي عددا من البلدان العربية، ونشأت بينه وبين صحفيها علاقات وثيقة استفاد منها في مقالاته. أستقر في الموصل أواخر حياته وتعرض للمرض وفقد بصره وتوفي في كانون الاول سنة 1990 تاركا الكثير من المقالات التي تعالج قضايا العراق والبلدان العربية بأسلوب ساخر وبناء، رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء فلقد قدم ما يفيد وطنه وأمته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق