بناية بلدية الموصل في باب الجسر -الميدان
ساحة باب الجسر
قهوة الثوب في باب الجسر
مقهى الخضراء في باب الجسر
باب الجسر في
الموصل
ا.د. ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ
الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وكما سبق ان قلت ،
وكتبتْ ؛ فإن مدينة الموصل ، مدينة عريقة
عمرها اكثر من 7000 سنة وكانت مدينة مسورة ، وفي السور أبواب ، ومن هذه الابواب
التاريخية المهمة (باب الجسر) ، وهو الباب الذي اكتب لكم عنه في هذا المقال .
و(باب الجسر) ، ليس بابا حديثا ، وانما هو باب تاريخي قديم
بدليل ان المؤرخ الموصلي الكبير عز الدين بن الاثير ذكره في الصفحة ( 107) من الجزء (11) من كتابه الموسوعي الضخم (الكامل في
التاريخ ) ، والجسر الذي كان يقصده كان موجودا في الموصل في نفس موقع الجسر القديم
الحالي ( جسر نينوى ) او الجسر الحديدي ، والذي افتتح سنة 1934 وكان مقاما قبله
جسر يسمى (جسر القوارب ) والجسر الخشبي
شيده المحتلون الانكليز سنة 1920 سبق لي ايضا ان كتبت عنه .
وكما هو معروف فإن
عددا من ابواب الموصل الاخرى ومنها مثلا باب شط القلعة او باب شط المكاوي او باب
الطوب كانت على هذه الابواب كتابات من قبيل (توكلنا على الله ) او (لا اله الا
الله ) او (سلام عليكم طبتم فإدخلوها خالدين ) لكن باب الجسر لم تكن عليه اية
كتابات وقد ظل قائما حتى هدمته سلطات
ولاية الموصل في عهد الوالي سليمان نظيف سنة 1914 ميلادية (1331 هجرية ) والسبب هو
ان سليمان نظيف الوالي ابتدأ بشق شارع نينوى او ما كانت تسمى عند شقها ( موصل جاده
سي ) أي جادة الموصل .
ويشير المؤرخ
الكبير شيخنا واستاذنا المرحوم الاستاذ
سعيد الديوه جي مدير متحف الموصل سابقا
في مقالة له بعنوان (جسر الموصل في مختلف العصور) منشورة في مجلة (سومر ) المجلد
(12) سنة 1956 الى باب الجسر ويقول انه كانت امامه ساحة تسمى ساحة باب الجسر وقد
ادركها هو وادركها كاتب هذه السطور ايضا في الاربعينات من القرن الماضي .وكما سبق
ان قلت فإن الجسر جسر القوارب كان على
جساريات – زوارق والجسر كان مربوطا بسلسلة قوية تثبت في جانبي النهر بدعامات قوية
ولم يكن هذا الجسر يقاوم الفيضان فيضان نهر دجلة فكانت الحكومة تقطع الجسر عند
الفيضان خشية ان تحطمه قوة تيار النهر وقد
حدث هذا كثيرا .والجسر كان مركبا على (17) جسارية وينتهي في الجهة الشرقية من نهر
دجلة بطريق يمر امام حديقة الشعب في الجانب الايسر ثم ينعطف نحو الجنوب فيصعد الى
ما كان يسمى القناطر الحجرية المبنية على نهر الخوصر وسمي بالخوصر لأنه يقع في خاصرة نهر دجلة والقناطر لاتزال
قائمة وبقي هذا الجسر الى ان ان تأسس جسر
الملك غازي وهو الجسر الحديدي – او الجسر العتيق او جسر نينوى القديم .
وكان في باب الجسر
سوق يقصده اهل الموصل كما يقصده اهل قرية نينوى فيبيعون فيه منتجاتهم ويشترون ما
يحتاجونه وقد ادركنا هذا السوق ومن الطريف
ان هذا السوق كان يسمى سوق الاربعاء ويقع سوق الاربعاء شمال الجسر المذكور الذي
اشرنا اليه والسوق هذا يقع على نهر دجلة وعندما يفيض دجلة كان يصل الى هذا السوق
والى باب الجسر ومما يجب علي ذكره ان الجسر لم يكن متصلا بمدينة الموصل مباشرة
فكان بين المدينة والجسر فضاء واسع اي ارض واسعة مقابل باب الجسر عند سوق الاربعاء
وفي كتاب المقدسي المشاري الموسوم ( احسن التقاسيم ) ما يشير الى سوق الاربعاء وباب الجسر فهو يقول
على الصفحة (138) وداخل الساحة امام باب
الجسر فضاء واسع وداخل هذا الفضاء اي داخل الساحة يجتمع المزارعون وباعة الفواكه
والخضراوات واصحاب المواشي وكان على كل ركن من اركان ساحة باب الجسر (فندق) للتجار
والزوار ومن يرتاد المدينة .
وعلى هذا فإن ما بين
المدينة وباب الجسر كان في اول الامر خاليا من العمارة لكن الناس بدأوا في القرن
الثالث عشر الميلادي يعمرون بعض الاسواق عند باب الجسر فنشأت اسواق بقربه وفي
الاربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي اي القرن العشرين ادركت انا كاتب
هذه السطور منطقة باب الجسر حيث بناية بلدية الموصل وحديقة البلدية ومقهى البلدية
وقهوة الثوب وخان الكمرك وسوق الحدادين ومقهى الخضراء (من طابقين وقد هدمت سنة 1933) ، وعمارة المرحوم عمر كشمولة ، وكانت تتألف من ثلاثة طوابق في الطابق السفلي
يقول الحاج المرحوم عبد الجبار محمد جرجيس
كانت هناك ( قهوة محمود النعلبند ) في سنة 1920 . وفي الطابق الثاني كانت هناك ( قهوة سلطان) يديرها المرحوم سلطان فتحي الجماس واستمر العمل
فيها حتى سنة 1973 . وفي الطابق الثالث كانت هناك مقهى آخر يديرها سيد احمد بن سيد
عبد القادر وكانت ايضا موجودة في سنة 1920 ثم اصبحت بعد ذلك ملهى للرقص
والغناء اداره احمد افندي ملا عبد الله ثم أداره بعد سنة 1940
المرحوم قاسم الباري ، وقد هُدمت البناية سنة 1974 ، واصبحت ضمن الشارع .
ولا ننسى انه كان
هناك سوق ما تحت المنارة (تحت البناغة) ، وبعده
سوق اليوزبكية ، وجامع الاغوات ، ودكاكين
للحلاقين ، والبقالين واتذكر صالون الحلاق اسماعيل ابو صديقنا المرحوم الاستاذ محمد زكي مدير الاعلام
والعلاقات العامة في جامعة الموصل سابقا .
كان باب الجسر من
اهم ابواب مدينة الموصل ؛ لأنه الباب الوحيد ، ولسنوات طويلة الذي كان يصل المدينة
بالضفة اليسرى ، وامامه (ساحة واسعة) لدي
صورا لها في الستينات والصور سبق ان
نشرتها مجلة (العربي ) الكويتية خلال استطلاع قامت به ونشرته في احد اعدادها الصادر
في 21 آذار – مارس سنة 1961 .. ويتضح من الاستطلاع ان ساحة باب الجسر كانت من اكثر
مناطق الموصل ازدحاما بالحركة ، وكما يقول الاستاذ سعيد الديوه جي ان السلطات
المحلية المغولية ثم العثمانية لأهمية باب
الجسر كانت اذا ما ارادت التشهير بأحد او ارهاب الناس فإنها تعلق رأسه بعد اعدامه
فوق باب الجسر وفي كتاب ( الحوادث الجامعة)
لإبن الفُوَطي ، ما يشير الى ان ( سمداغو)
القائد المغولي الذي احتل الموصل سنة 660
هجرية 1260 ميلادية امر بقتل الشهيد علاء الدين بن الملك الصالح بن بدر الدين لؤلؤ
صاحب الموصل وحاكمها وعلق رأسه فوق باب الجسر وكذلك فعل العثمانيون من بعد
المغول كانوا اذا شنقوا مجرما او ذا شأن
فإنهم كانوا ينصبون المشنقة في ساحة باب الجسر ويشنقونه علنا ويتركون جثته معلقة
مدة من الزمن ثم انتقلت العملية بعد ذلك اي الشنق الى ساحة باب الطوب .
كانت تحيط بباب
الجسر اسواق وتتفرع من الساحة ساحة باب الجسر عدة طرق وشوارع الى انحاء المدينة
فهناك شارع يمر امام خان الحاج حسين الجليلي فجامع الاغوات فسوق الغزل على يساره
يخترق سوق الكوازين تاركا قلعة ايج قلعة اي القلعة الداخلية على شماله الشرقي
ويدخل الى سوق الميدان وشارع يمتد غربا فيمر بسوق الصرافين فسوق الشكرجية ثم يتفرع منه طريق الى
سوق العطارين ويمتد الى باب السراي وشارع يذهب الى الجنوب ويتفرع الى القيصريات ، ومنها
قيصرية سباهي بزار ، ويمتد الطريق الى باب الطوب . ولم تزل بعض هذه الاسواق قائمة
على ما كانت عليه .
_________________________________________
*كتب المقال لحساب قناة (الموصلية) الفضائية 22-5-2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق