مدارات
الجواهري الكبير يكتبُ عن مقهى حسن عجمي في بغداد
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
خاص بـ "الموروث"
مع ان شاعر العرب الاكبر الاستاذ محمد مهدي الجواهري ، كتب مذكراته ونشرها بجزئين ، إلا أنه إعترف بعدم إعطاء مقهى حسن عجمي في بغداد ما يستحقه من إهتمام ، فلقد كان من رواده ويمتلك عنه معلومات كثيرة . وقد تدارك ذلك في حديث له نشر في جريدتي الحياة (اللندنية ) ، والزوراء (البغدادية ) وفي العدد الصادر في 17 تموز سنة 1997 .
وكما هو معروف ، فإن لمقهى حسن عجمي في بغداد نكهة متميزة ، تختلط بسحر واصالة المكان وعراقته وبذكريات الادباء والمثقفين الذين كانوا يترددون عليه وكأنه واحد من المنتديات الثقافية .
قال الجواهري ان "مقهى حسن عجمي يُعد من اشهر مقاهي شارع الرشيد ويقع مقابل جامع الحيدرخانة في شارع الرشيد ومن الجهة القريبة من الميدان .. كان ملتقى لطلائع بغداد تتردد عليه خيرة اعلام بغداد من امثال عبد الوهاب مرجان الذي اصبح وزيرا ورئيسا للوزراء ، وعبود الشالجي وهو محام كبير له مكتبة ادبية وعلمية متميزة آنذاك ، وعز الدين النقيب ، ويونس السبعاوي ، وصادق كمونة ومحامين كبار .. اعلام بغداد كانوا يجتمعون في هذا المقهى كانوا يترقبون مجيئي وعند وصولي كان الصمت يسود لتتواصل بعد قليل الاحاديث والطرائف والنقاشات السياسية والادبية .جماعة البلاط كانوا لا يترددون على هذا المقهى انهم رسميون . كان المقهى مفروشا بالسجاد الاصلي (كاشان ) تسطع في أرجائه (السماورات ) و(القواري ) .. وكان ذلك يعكس ذوقا رفيهعا .ومن باب الذوق الرفيع واعتزازهم بي كانوا يجلبون لي (القهوة ) التي كُتبت على (كشوتها ) كلمة الجواهري بخط انيق وجميل .وكان ثمن استكان الشاي عانة واحدة (اربعة فلوس ) ، وكذلك كانت القنفات كلها مغطاة بالسجاد وعلى الجدران ايضا سجاجيد " .
ويبدو أن شاعرنا الكبير كان على معرفة دقيقة بصاحب المقهى حسن عجمي (ابو فلح ) ؛ فهو يصفه بدقة شديدة ويقول :" صاحب المقهى حسن عجمي متوسط الطول ، اسمر اللون ، مقبول ، عربيته جيدة ، ويعمل في تجارة السجاد التي كانت في حينه تجارة مربحة " .
وعن بدايات تردده على المقهى قال الشاعر الجواهري ان ذلك بدأ في اعوام 1926-1927 -1928 واستمر حتى عندما اصبح عضوا في مجلس النواب عام 1947-1948 .وعن اثر المقهي في حياته اضاف الجواهري يقول :" امضيتُ اياما جميلة في هذا المقهى مع الخلان والاصحاب والاحباب ،وكم من القصائد الجميلة التي نظمتها في هذا المكان ! .. قصيدة "المقصورة " بدأت بكتابتها في هذا المقهى وأكملتها في البيت على نهر دجلة " .
وعن النظام في هذا المقهى يذكر الشاعر الجواهري ان صاحب المقهى كان يكره الضجيج والضوضاء حتى انه منع (الطاولي ) على الرغم مماكانت هذه اللعبة تدر من ارباح .
وعن معالم المقهى يشير الشاعر الجواهري الى شخصية عرفها رواد المقهى هي (شفتالو) .. وشفتالو تعني الخوخ (المعنجرة ) .. كان قزما يذهب كل ليلة جمعة مشيا من بغداد الى كربلاء ويرجع مشيا ايضا .. وكان شفتالو مضرب المثل في بغداد كلها .
يأسف الشاعر الجواهري على ان المقهى خُرب بعد وفاة حسن عجمي وتراجع : "كان حسن عجمي ابو فلح يهتم به كثيرا حتى ولو كلفه ذلك الكثير من المال اذ كان اشبه بالديوانية ..ديوانيته .. كان يجلس كالملوك على كرسي وثير ليس من اجل فلوس يحصلها مني او من غيري وانما لكي يزهو ويتسلى ايضا ولهذا كان يعتني بمقهاه كثيرا يهتم بديكوراته .. والظاهر انه لم يكن متزوجا فكل صباح كان ينزل من الفندق الذي يتربع فوق المقهى ، وفيه غرفات قليلة كان ينزل ( كاشخا ) ويجلس في صدر المقهى . وقد توفي ـ رحمه الله ـ في اوائل الخمسينيات من القرن العشرين" .
ويؤشر الشاعر الجواهري حقيقة ان المقهى لم ينل نصيبه الكافي كتابةً من الكتاب والادباء والشعراء الذين ترددوا عليه وامضوا فيه ردحا من الزمن .ومما جلب انتباه الشاعر الجواهري ان حسن عجمي كان يجلس بجوار الخزانة الحديدية ، وكانت اجرة الفندق (روبية ) اي 75 فلسا او روبيتين وهي تعادل اليوم قرابة ربع دولار ويقول :"مرة نزلتُ في هذا الاوتيل الصغير حينما يسافر اهلي الى النجف ورأيت ان (صناع ) المقهى نهارا هم ممن يعملون في الفندق ليلا " .
ذكريات جميلة كان الشاعر الجواهري يختزنها عن هذا المقهى وعن مقاهِ بغدادية أخرى منها مقهى عارف اغا ، وهو ايضا من المقاهي التاريخية وكان الشاعر معروف الرصافي يجلس فيها وهي تقع قبالة مقهى حسن عجمي وهناك مقهى الزهاوي القريب من الميدان ، ومقهى خليل في الساحة التي يتوسطها اليوم تمثال الشاعر الرصافي .
رحمهم الله جميعا فقد كانوا صادقين في حياتهم ، مخلصين لبلدهم العراق ، حريصين على سمعته ، وعاملين على علو شأنه .
*http://www.iraqnla-iq.com/fp/journal77/madar11.htm
|
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يسعدني أنا (الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف )أن ارحب بكم في مدونتي الثانية مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ..واود القول بانني سأخصص هذه المدونة لكتاباتي التاريخية والثقافية العراقية والعربية عملا بالقول المأثور : " من نشر علما كلله الله بأكاليل الغار ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " .
الأحد، 24 أغسطس 2014
الجواهري الكبير يكتبُ عن مقهى حسن عجمي في بغداد أ.د. إبراهيم خليل العلاف
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي
مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي عرض ومراجعة : الدكتور زياد ع...
-
(السسي) من جرزات الموصل المشهورة - ابراهيم العلاف * وعندما تحدثت عن جرزات او كرزات الموصل وقفت عند السسي ويبدو ان هناك من يحب السسي وسأل...
-
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد أخلقا لاتيأسوا أن تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم إرتقى مدتْ له الامال من أفلاكها ...
-
وردحاق صاق ناصي ..............ورد الحق وصاغ النصيب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل حين قدمتُ حلقة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق