الخميس، 28 أغسطس 2014

قصة بناء السفارة العراقية في هلسنكي بفلندة يرويها الاستاذ جمال الخرسان

قصة بناء السفارة العراقية في هلسنكي بفلندة يرويها الاستاذ جمال الخرسان :
******************************************************
الشاعر الكبير والصحفي الكبير الاستاذ سامي مهدي تحدث في واحدة من ذكرياته عن سفرته الى فلندة ضمن وفد رسمي وكان السفير المرحوم الفريق الركن الشاعر الاستاذ صالح مهدي عماش والذي كان وراء انشاء بناية جميلة تراثية للسفارة العراقية هناك وقد سبق للاستاذ جمال الخرسان ان روى قصة البناء بإسهاب عبر مقالة منشورة في النت جاء فيها : ان الفريق الشاعر صالح مهدي عماش سفير العراق بنى في هلسنكي سفارة كانت بمثابة القلعة البيضاء وكانت الاجمل على مستوى العالم، وثاني اكبر سفارة في فنلندا بعد السفارة الروسية، كما انها السفارة الاجمل بين مثيلاتها في هلسنكي. وقال : القصة تعود الى السبعينات من القرن الماضي حينما عين سفيرا في فنلندا سنة 1975، فقدم بميزانية مفتوحة وأسس هناك امبراطوريته على ضفاف البلطيق، والتي تضم بالاضافة الى مبنى السفارة التي يعتبر بمثابة قصر شرقي في فنلندا، مبنى آخر قديم الى جوار مبنى السفارة كان قد اتخذ في السبعينات مقرا للسفارة العراقية قبل تشييد المبنى الرئيسي، ثم خصص لشؤون القنصلية في فترة من الفترات، اضافة الى ذلك بيت السفير الذي يبعد عن السفارة حوالي 400 مترا، والذي يحتل موقعا جميلا جدا على شاطيء البحيرة، ناهيك عن مجموعة من الشقق السكنية المخصصة لمنتسبي السفارة، بيع بعضها في فترات لاحقة، اضافة الى اسطبل للخيول في مزرعة قرب مدينة تامبيرا، كل ذلك واكثر، هو ملك للدولة العراقية في قلب العاصمة الفنلندية!
لقد شيّد عماش مبنى جميلا بقرب احدى البحيرات في وسط هلسنكي بمساحة تصل الى اكثر من 2400 مترا مربعا قبل ان ينال منه صدام حسين في عام 1985، ويدس اليه السم، المبنى الانيق ذو الكسوة البيضاء والطلة الساحرة افتتح في ايلول من سنة 1980، بحضور فرقة الجالغي البغدادية وبنكهة المقام العراقي بحضور يوسف عمر. رسميا فإن المبنى هو سفارة عراقية، اما واقعيا فالمبنى قصر شيّد كي يليق بمقام وزير الدفاع، وزير الداخلية، وعشرات المناصب الاخرى التي اصبح كل منها يوسم بـ”السابق”، المقصود هنا صالح مهدي عماش ... لمن يشاهد مبنى السفارة من الخارج يعجب به كثيرا ومن يتجول في اروقته ودهاليزه يصاب بالذهول لكثرة ما فيه من تفاصيل نفذت بطلب من عماش.
البعثة الدبلوماسية العراقية حرصت على تشكيل اشبه بتحالف اقتصادي عراقي فنلندي مع عدد من الشركات الاعضاء في غرف التجارة العربية الفنلندية والتي لها نشاط تجاري مع العراق، لذلك لم يكن يعلن عن المشاريع الاقتصادية المهمة في الصحف الفنلندية بل يكون الاعلان من خلال قنوات خاصة، هكذا كان الحال بالنسبة لتشييد مبنى السفارة حيث استدعي لتلك المناقصة سبع شركات جميعها عاملة في العراق، ومن بين تلك الشركات السبعة وقع الاختيار على شركة “تيراس بتوني- Teräsbetoni Oy”. الشركة ذاتها ساهمت ايضا في تنفيذ سلسلة من المشاريع منها مبنى قصر المؤتمرات في بغداد.
شيّد المبنى على طراز اسلامي شرقي رفيع، والمفارقة ان المهندس الذي كلف بذلك كان مسيحيا حيث نفذ التصميم من قبل المعماري الشهير عالميا آنذاك العراقي الاصل البريطاني الجنسية “دنخا يعقوب لاجن-Dinkha Latchin” الذي سبق له ان صمّم مبنى المركز الثقافي العراقي في لندن. ولان تصميم المبنى كان شرقيا بشكل صارخ ومختلف تماما عن التصاميم الموجودة في المنطقة التي تقع في السفارة لذلك رفض الفنلنديون في البداية اعطاء اجازة بناء بهذه المواصفات وبتلك المساحة للسفارة العراقية ولكن البعثة الدبلوماسية العراقية ضغطت على الجانب الفنلندي بسحب مشروع قصر المؤتمرات الذي اوكل حينها الى مجموعة ايركو غروب الفنلندية مما اضطرهم للقبول.
المبنى محاط بالأشجار والطبيعة الخضراء بلمستها الاخاذة، حتى اصبح واحدا من ابرز المعالم السياحية في العاصمة هلسـنكي كما انها مدرجة من قبـل الهيئات السياحـية في دليل الزائرين للبلد. زينت جدران المبنى من الخارج بالزخارف والنقوش المستوحاة من التراث الاسلامي والعربي، كما ضمّن السياق الحديدي النجمة الثمانية الشهيرة. اما الجدران الداخلية فقد زينت بلوحات تمثل العصور التاريخية المختلفة التي عاشت في بلاد الرافدين خصوصا في القاعة التي تقام فيها الفعاليات الاحتفالية، في وسط تلك القاعة نقطة معينة اذا وقف عليها المتحدث فانه لا يحتاج الى مكبر صوت لان مستوى الصوت في تلك النقطة بالذات يختلف من حيث ارتفاعه عن اي مكان في القاعة وهذه من الفنون الهندسية المعمارية التي يتيمز بها مبنى السفارة. الجزء البادي للعيان من المبنى مثير جدا لكن الجزء الخفي في اسفل المبنى لا يقل اثارة عن الجزء الظاهر، هناك نفق موصل من السفارة الى المرسى مباشرة، هناك ايضا ملجأ يسع لشخص او اثنين محكم جدا، وهناك تفاصيل كثيرة مثيرة للانتباه.
الى جنب سارية العلم العراقي التي تقف بشكل عمودي والتي تشير بذلك الى ان الارض مملوكة للعراق، توجد ايضا في حديقة السفارة الامامية جدارية للاب الروحي للقانون حمورابي. بلدية المدينة تعمدت ان يكون خط سير بعض حافلات نقل الركاب قريبا من واجهة السفارة العراقية من اجل توفير مزيد من المتعة للركاب. انه صرح عراقي انيق اراد له القدر ان يكون في اقصى شمال الكرة الارضية لابسا حلته البيضاء متوهجا دائما كقطعة ثلج في شتاء فنلندا الطويل.
*المصدر : http://finraq.com/ar/?p=99
صورة: ‏قصة بناء  السفارة العراقية في هلسنكي بفلندة يرويها الاستاذ جمال الخرسان :
******************************************************
الشاعر الكبير والصحفي الكبير الاستاذ سامي مهدي تحدث في واحدة من ذكرياته عن سفرته الى فلندة ضمن وفد رسمي وكان السفير المرحوم   الفريق الركن الشاعر الاستاذ صالح مهدي عماش والذي كان وراء انشاء بناية جميلة تراثية للسفارة العراقية هناك وقد سبق للاستاذ جمال الخرسان ان روى قصة البناء بإسهاب عبر مقالة منشورة في النت جاء فيها : ان الفريق الشاعر صالح مهدي عماش سفير العراق بنى في هلسنكي سفارة كانت بمثابة القلعة البيضاء وكانت الاجمل  على مستوى العالم، وثاني اكبر سفارة في فنلندا بعد السفارة الروسية، كما انها السفارة الاجمل بين مثيلاتها في هلسنكي. وقال : القصة تعود الى السبعينات من القرن الماضي حينما  عين سفيرا في  فنلندا  سنة 1975، فقدم بميزانية مفتوحة وأسس هناك امبراطوريته على ضفاف البلطيق، والتي تضم بالاضافة الى مبنى السفارة التي يعتبر بمثابة قصر شرقي في فنلندا، مبنى آخر قديم الى جوار مبنى السفارة كان قد اتخذ في السبعينات مقرا للسفارة العراقية قبل تشييد المبنى الرئيسي، ثم خصص لشؤون القنصلية في فترة من الفترات، اضافة الى ذلك بيت السفير الذي يبعد عن السفارة حوالي 400 مترا، والذي يحتل موقعا جميلا جدا على شاطيء البحيرة، ناهيك عن مجموعة من الشقق السكنية المخصصة لمنتسبي السفارة، بيع بعضها في فترات لاحقة، اضافة الى اسطبل للخيول في مزرعة قرب مدينة تامبيرا، كل ذلك واكثر، هو ملك للدولة العراقية في قلب العاصمة الفنلندية!
لقد شيّد عماش مبنى جميلا بقرب احدى البحيرات في وسط هلسنكي بمساحة تصل الى اكثر من 2400 مترا مربعا قبل ان ينال منه صدام حسين في عام 1985، ويدس اليه السم، المبنى الانيق ذو الكسوة البيضاء والطلة الساحرة افتتح في ايلول من سنة  1980، بحضور فرقة الجالغي البغدادية وبنكهة المقام العراقي بحضور يوسف عمر. رسميا فإن المبنى هو سفارة عراقية، اما واقعيا فالمبنى قصر شيّد كي يليق بمقام وزير الدفاع، وزير الداخلية، وعشرات المناصب الاخرى التي اصبح كل منها يوسم بـ”السابق”، المقصود هنا صالح مهدي عماش ... لمن يشاهد مبنى السفارة من الخارج يعجب به كثيرا ومن يتجول في اروقته ودهاليزه يصاب بالذهول لكثرة ما فيه من تفاصيل نفذت بطلب من عماش.
البعثة الدبلوماسية العراقية حرصت على تشكيل اشبه بتحالف اقتصادي عراقي فنلندي مع عدد من الشركات الاعضاء في غرف التجارة العربية الفنلندية والتي لها نشاط تجاري مع العراق، لذلك لم يكن يعلن عن المشاريع الاقتصادية المهمة في الصحف الفنلندية بل يكون الاعلان من خلال قنوات خاصة، هكذا كان الحال بالنسبة لتشييد مبنى السفارة حيث استدعي لتلك المناقصة سبع شركات جميعها عاملة في العراق، ومن بين تلك الشركات السبعة وقع الاختيار على شركة “تيراس بتوني- Teräsbetoni Oy”. الشركة ذاتها ساهمت ايضا في تنفيذ سلسلة من المشاريع  منها مبنى قصر المؤتمرات في بغداد.
شيّد المبنى على طراز اسلامي شرقي رفيع، والمفارقة ان المهندس الذي كلف بذلك كان مسيحيا حيث نفذ التصميم من قبل المعماري الشهير عالميا آنذاك العراقي الاصل البريطاني الجنسية “دنخا يعقوب لاجن-Dinkha Latchin” الذي سبق له ان صمّم مبنى المركز الثقافي العراقي في لندن. ولان تصميم المبنى كان شرقيا بشكل صارخ ومختلف تماما عن التصاميم الموجودة في المنطقة التي تقع في السفارة لذلك رفض الفنلنديون في البداية اعطاء اجازة بناء بهذه المواصفات وبتلك المساحة للسفارة العراقية ولكن البعثة الدبلوماسية العراقية ضغطت على الجانب الفنلندي بسحب مشروع قصر المؤتمرات الذي اوكل حينها الى مجموعة ايركو غروب الفنلندية مما اضطرهم للقبول.
المبنى محاط بالأشجار والطبيعة الخضراء بلمستها الاخاذة، حتى اصبح واحدا من ابرز المعالم السياحية في العاصمة هلسـنكي كما انها مدرجة من قبـل الهيئات السياحـية في دليل الزائرين للبلد. زينت جدران المبنى من الخارج بالزخارف والنقوش المستوحاة من التراث الاسلامي والعربي، كما ضمّن السياق الحديدي النجمة الثمانية الشهيرة. اما الجدران الداخلية فقد زينت بلوحات تمثل العصور التاريخية المختلفة التي عاشت في بلاد الرافدين خصوصا في القاعة التي تقام فيها الفعاليات الاحتفالية، في وسط تلك القاعة نقطة معينة اذا وقف عليها المتحدث فانه لا يحتاج الى مكبر صوت لان مستوى الصوت في تلك النقطة بالذات يختلف من حيث ارتفاعه عن اي مكان في القاعة وهذه من الفنون الهندسية المعمارية التي يتيمز بها مبنى السفارة. الجزء البادي للعيان من المبنى مثير جدا لكن الجزء الخفي في اسفل المبنى لا يقل اثارة عن الجزء الظاهر، هناك نفق موصل من السفارة الى المرسى مباشرة، هناك ايضا ملجأ يسع لشخص او اثنين محكم جدا، وهناك تفاصيل كثيرة مثيرة للانتباه.
الى جنب سارية العلم العراقي التي تقف بشكل عمودي والتي تشير بذلك الى ان الارض مملوكة للعراق، توجد ايضا في حديقة السفارة الامامية جدارية للاب الروحي للقانون حمورابي. بلدية المدينة تعمدت ان يكون خط سير بعض حافلات نقل الركاب قريبا من واجهة السفارة العراقية من اجل توفير مزيد من المتعة للركاب. انه صرح عراقي انيق اراد له القدر ان يكون في اقصى شمال الكرة الارضية لابسا حلته البيضاء متوهجا دائما كقطعة ثلج في شتاء فنلندا الطويل.
*المصدر :  http://finraq.com/ar/?p=99‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....