حكمة الشامي يعفو عن قتلته
****************************************
كتب الصديق الاديب الاريب والقاص والروائي الكبير الاستاذ جمعة اللامي أسعده الله يقول :" بعد نيلي جائزة السلطان قابوس ـ القصة والرواية ".. فقلت له : " هل لك في فتى يواسي بلا من عليك ولا بخل "(النجاشي الحارثي)
الاثنين : 22 ــ 1 ــ 2007
اليوم ، من مسقط العمانية ، بعدما تم دفنه حياً في " نقرة السلمان " وحديقة " اتحاد الأدباء العراقيين " و " والجامعة العربية " في بيروت و " مقهى الهافانا " في دمشق يكسر حكمة الشامي تابوته الذي تمّ تقييده فيه منذ خمس وأربعين سنة ، ليعلن أنه غفر لقتلته كلهم ، الأحياء منهم والأموات.
إنه ، مثل صاحبه ، النجاشي الحارثي ، الذي يتكتّر ، كما اختارت مريم المقدسة ركنها الشرفي ، وهو عطش تماماً ، ممهداً الطريق للذئاب العطشى ، لكي تشرب ، وترتوي ، ثم تروح تبحث عن طريدة.
بل هو ، إذا رجعنا به إلى تراثه الشخصي ، يمسك بطريق الإمام العباس بن علي بن أبي طالب ، قمر بني هاشم ، الفتى الجميل ، الصبوح ، من بقية البقية من بني هاشم ، في تلك الواقعة التي لا يمتحن فيها إلا ذوو النفوس السامية ، أي حين يكون الماء بين يديك ، وانت في هجير الصحراء ، وذروة العطش ، ويقف بجانبك رجل يشكو العطش ، وهو الذي قتلك ذاك يوم عطش ، فتقول له : دونك الماء يا أخي ، فإرتوي !
يستغرب الذئب من حديث البشري القتيل ، ويحاول أن يقول لحكمة الشامي ، إنه يعجب كيف لرجل يشارك الذئاب طعامه وشرابه ، فكان الجواب بلسان حكمة الشامي :
فقلت : عليك الحوض ، إني تركته
وفي صفوه فضل القلوص من السجل
فطرب يستدعي ذئاباً كثيرة
وعديت ، كل من هواه على شغل
بل إنه يقول للذئب ــ وللذئاب ــ تفضل ، والزم الحوض ، وأهنأ بمائه ، وسوف أروي إبلي من بقية في السجل ، أي في الدلو العظيم.
واليوم هاهنا ، يرى حكمة الشامي ، بعضاَ من وجوه قتلته ، كما شاهد أصحابها في بيروت ، ودمشق والكويت ، والجزائر ، وباريس ، وقبرص ، ليفتح أمامهم ابواب الرحمة ، وشبابيك المغفرة ، وإيوانات التسامح ، فهو غير حقود ، وهو غير منتقم ، وإنما خلقه الغفران.
إنه يستيقظ الآن من رقاده الطويل ، الأبيد ، وينهض رويداً رويداً ، ويري إلى هذا الجمع الذي بين يديه ، فيعرف الجسوم بأسماء اصحابها ، والكلمات الجارحة بألسنة حامليها ، وبيانات الحقد والنميمة بأقلام كاتبيها وصحائفهم ، فيهيل التراب على ماض من الكفران والقتل العمد ، والتغييب العمد ، والضغينة العمد.
تماماً ، كما هو في " حفل التأبين " ، في " من قتل حكمة الشامي " ، بعد أيام على قتله بتلك الطريقة البشعة : لقد ارتدى ثيابه العربية ، بعدما أحرق ثياب الكهنوت ، وأخذ بأيدي قتلته ، يدا بعد يد ، وهو في الطريق إلى فردوسه الذي لم ــ ولن ــ يغادره
* ذاكرة المستقبل ـ جريدة الخليج
****************************************
كتب الصديق الاديب الاريب والقاص والروائي الكبير الاستاذ جمعة اللامي أسعده الله يقول :" بعد نيلي جائزة السلطان قابوس ـ القصة والرواية ".. فقلت له : " هل لك في فتى يواسي بلا من عليك ولا بخل "(النجاشي الحارثي)
الاثنين : 22 ــ 1 ــ 2007
اليوم ، من مسقط العمانية ، بعدما تم دفنه حياً في " نقرة السلمان " وحديقة " اتحاد الأدباء العراقيين " و " والجامعة العربية " في بيروت و " مقهى الهافانا " في دمشق يكسر حكمة الشامي تابوته الذي تمّ تقييده فيه منذ خمس وأربعين سنة ، ليعلن أنه غفر لقتلته كلهم ، الأحياء منهم والأموات.
إنه ، مثل صاحبه ، النجاشي الحارثي ، الذي يتكتّر ، كما اختارت مريم المقدسة ركنها الشرفي ، وهو عطش تماماً ، ممهداً الطريق للذئاب العطشى ، لكي تشرب ، وترتوي ، ثم تروح تبحث عن طريدة.
بل هو ، إذا رجعنا به إلى تراثه الشخصي ، يمسك بطريق الإمام العباس بن علي بن أبي طالب ، قمر بني هاشم ، الفتى الجميل ، الصبوح ، من بقية البقية من بني هاشم ، في تلك الواقعة التي لا يمتحن فيها إلا ذوو النفوس السامية ، أي حين يكون الماء بين يديك ، وانت في هجير الصحراء ، وذروة العطش ، ويقف بجانبك رجل يشكو العطش ، وهو الذي قتلك ذاك يوم عطش ، فتقول له : دونك الماء يا أخي ، فإرتوي !
يستغرب الذئب من حديث البشري القتيل ، ويحاول أن يقول لحكمة الشامي ، إنه يعجب كيف لرجل يشارك الذئاب طعامه وشرابه ، فكان الجواب بلسان حكمة الشامي :
فقلت : عليك الحوض ، إني تركته
وفي صفوه فضل القلوص من السجل
فطرب يستدعي ذئاباً كثيرة
وعديت ، كل من هواه على شغل
بل إنه يقول للذئب ــ وللذئاب ــ تفضل ، والزم الحوض ، وأهنأ بمائه ، وسوف أروي إبلي من بقية في السجل ، أي في الدلو العظيم.
واليوم هاهنا ، يرى حكمة الشامي ، بعضاَ من وجوه قتلته ، كما شاهد أصحابها في بيروت ، ودمشق والكويت ، والجزائر ، وباريس ، وقبرص ، ليفتح أمامهم ابواب الرحمة ، وشبابيك المغفرة ، وإيوانات التسامح ، فهو غير حقود ، وهو غير منتقم ، وإنما خلقه الغفران.
إنه يستيقظ الآن من رقاده الطويل ، الأبيد ، وينهض رويداً رويداً ، ويري إلى هذا الجمع الذي بين يديه ، فيعرف الجسوم بأسماء اصحابها ، والكلمات الجارحة بألسنة حامليها ، وبيانات الحقد والنميمة بأقلام كاتبيها وصحائفهم ، فيهيل التراب على ماض من الكفران والقتل العمد ، والتغييب العمد ، والضغينة العمد.
تماماً ، كما هو في " حفل التأبين " ، في " من قتل حكمة الشامي " ، بعد أيام على قتله بتلك الطريقة البشعة : لقد ارتدى ثيابه العربية ، بعدما أحرق ثياب الكهنوت ، وأخذ بأيدي قتلته ، يدا بعد يد ، وهو في الطريق إلى فردوسه الذي لم ــ ولن ــ يغادره
* ذاكرة المستقبل ـ جريدة الخليج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق