الثلاثاء، 20 مايو 2014

السبيل لاحياء الهوية الوطنية العراقية ا.د.ابراهيم خليل العلاف

"السبيل لاحياء الهوية الوطنية في العراق " ...محاضرتي التي القيتها صباح هذا اليوم 20-5-2014 في ندوة " احياء ومعرفة ماهية الهوية الوطنية وخطورة اهمالها على النسيج الاجتماعي " والتي عقدها "مركز صلاح الدين للدراسات التاريخية والحضارية"في جامعة تكريت وحرها جمع كبير من الطلبة والاساتذة....ويسعدني ان انشر نص المحاضرة .ادناه .......ابراهيم العلاف
*************************************************
السبيل لاحياء الهوية الوطنية العراقية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
حمدت الله عندما كلفني الاخوة في مركز صلاح الدين الايوبي للدراسات التالريخية والحضارية بجامعة تكريت " لاتحدث في ندوة تجديد الهوية الوطنية في العراق فهذه فرصة ذهبية لكي أدلوا بدلوي في هكذا موضوع خطير ومهم وضروري بتنا اليوم بأمس الحاجة اليه .
ويقينا انني سأستعين بذاكرتي واستعيد بعض ما كنا تعلمناه وعرفناه عن الوطن والوطنية والهوية الوطنية قبل اكثر من نصف قرن . كنا في اوائل الخمسينات من القرن الماضي تلاميذا في المدرسة الابتدائية ..وكان كل معلم يدرسنا مدرسة قائمة بذاتها علما وخلقا وسلوكا وكان يسند ذلك كتاب مدرسي ندرسه وتعلمنا منه الكثير انه كتاب "الواجبات المدنية والاخلاقية " كتاب مدرسي صغير بحجمه ، كبير بما يحويه من مفاهيم الوطن والمواطنة والوطنية ...فيه حديث عن الانظمة السياسية واتواعها والانظمة الديموقراطية وفصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والبرلمان بمجلسيه النواب والاعيان والعلم العراقي وشرح لالوانه والنشيد الوطني والوزارات والدوائر والقوانين والادارات التعليمية والصحية والاجتماعية والثقافية .ثم كيف نأكل وكيف نتصرف ؟
ويدعم ذلك كله الاطلس العراقي الملون الجميل المطبوع خارج العراق بخرائطه وصورلمكونات الشعب العراقي وملابسهم وعاداتهم وكيفية التنقل بين الويته وقصباته ومدنه وكل مافيه يخلق عند التلميذ اعتزازا بالعراق والتفاني من اجل خدمته والاخلاص له .
كان الاطلس يوزع على التلاميذ مع الكتب المدرسية مجانا . فضلا عن علبة للهندسة يتعلم فيها التلميذ كيف يقيس المسافات ويقدر الحجوم ...كان اليوم المدرسي يوما متكاملا ويكاد التلميذ يبقى في المدرسة طوال اليوم وتتخل كل ذلك انشطة ثقافية في المكتبة وفي ساحة الرياضة .
اسمعوا ما كتبه مؤلف كتاب "دروس التاريخ " للصف السادس الابتدائي سنة 1938 السيدان طه مكي المفتش في وزارة المعارف وصدقي حمدي المدرس في المتوسطة المركزية عندما تطرقا الى "تاريخ انكلترا " يقول المؤلفان وهما يخاطبان التلاميذ وتحت عنوان :"تاريخ انكلترا وتكون الحياة الدستورية فيها " :" الدولة العراقية هي دولة دستورية والدستور هو مجموعة من القوانين الاساسية التي تعين شكل الحكومة وتبين حقوق الشعب تنشئها الدول في ابتداء تكونها وفي فترات مختلفة في تاريخها .ويكون الدستور في بعض الاحوال غير مكتوب .بل ينشأ قلير قليلا حسب الحاجات والظروف كالدستور الانكليزي " .ثم يضيف المؤلفان الى ذلك وهما يخاطبان التلاميذ قولهما " والدستور مفيد لك ولابناء وطنك ايها الطالب لانه يمنع الظلم والاعتداء ويضمن الحق والعدالة والانصاف فالدستور من اعظم النعم التي يتمتع بها الامم ..والبرلمان هو عامل مهم في الحياة الدستورية ،فيجب عليك الان ان تفهم كيف نشأ هذا الحكم البرلماني في انكلترا ،لان انكلترا تعتبر (أم البرلمانات في جميع العالم ) .هكذا كان المربون يخاطبون التلاميذ بلغة بسيطة واضحة ويعلمونهم بأن للمواطن حقوق كما ان عليه واجبات وان الدستور هو الذي يضمن ذلك فأين نحن الان من هذا التوجه ؟وهل يبذل المعلم والمدرس والاستاذ مثل هذا الجهد بل ما الذي تفعله اجهزة الاعلام والفضائيات التي زادت بحيث اصبح عددها اكثر من الهم على النفس ؟
كان في ايامنا وعندما كنا تلاميذا صغار في الخمسينات من القرن الماضي ثمة مشروع دولي لاطعام التلاميذ وجبة متكاملة من حيث اللحوم والبيض والفواكه والحليب وكبسولة مقوية لصحة التلاميذ كان هناك اهتمام بصحة التلاميذ وسلوكهم وتصرفاتهم .
وكان هناك نوع من التكافل الاجتماعي من خلال مشروع معونة الشتاء كانت المدرسة توزع الملابس والاحذية للتلاميذ والتلميذات كان هناك زيا موحدا للتلاميذ ولم يكن ثمة تمييز بين ابن المعلم او المعلمة وبين غيره من التلاميذ او التلميذات ..
كان المعلم يتابع التلاميذ يوميا وحتى في ايام العطل اذا شاهد احدهم في الشارع يأتي ويسأل التلميذ عن ما كان يقوم به ولماذا خرج الى الشارع ..كان للمكتبة دور في حياتنا المعلم ومن بعد ذلك المدرس كان يأخذ التلاميذ الى المكتبة العامة وحتى الى مكتبة المدرسة لم تكن هناك مدرسة ليست فيها مكتبة كان يعلمهم كيفية استخدام الاندكس –الفهرست وكان يكلفهم بتلخيص الكتب .
كان لكل مدرسة حقل للزراعة كنا في يوم الاثنين نأتي الى حديقة الشعب حيث كان لدينا حقل نرعاه نحن كتلاميذ وكان للسفرات دور كان المعلم يصطحب التلاميذ الى المتحف والى المواقع الاثرية والدينية .
ومن حسن الحظ ان كل هذه الاهتمامات والفعاليات انتقلت الى المدرسة والمتوسطة والى المدرسة الثانوية وحتى عندما ذهبنا الى جامعة بغداد للدراسة مطلع الستينات كنا نشعر بأن المدرس والاستاذ قدوة لنا في علمه وسلوكه كان الاساتذة يتابعوننا علميا ووطنيا واخلاقيا وكانت الجامعة بؤرة للتثقيف بأتجاه الايمان بفكرتي التقدم والحرية كنت اشعر بأن كل اساتذتي كانوا متنورين وتقدميين ويؤمنون بالحرية والتطور ...
لم يكن للاسلام السياسي في وقتئذ دور فالنزعة التحررية كانت هي الغالبة وكان الاختلاط بين الطلبة قد اخذ مداه وعلى اساس الاحترام المتبادل .كان النادي في الجامعة مدرسة وقاعة للحوار والنقاش وكانت التيارات السياسية تتراوح بين الدينية والقومية والاشتراكية والليبرالية ...كانوا يوزعون علينا مجلة الاستاذ بثمن رمزي وكانوا يكلفوننا بأنجاز البحوث كان الطالب لايتخرج من كلية التربية ومن قبلها دار المعلمين الا بعد ان يقدم بحثا ومرة سألت الاستاذ الدكتور عبد الله الفياض المؤرخ المعروف رحمه الله عن كتابه "نكبة البرامكة " فقال لي انه جزء من متطلبات الحصول على الليسانس في دار المعلمين العالية ..
كنا نرى اساتذتنا وهم يستوزرون ويواصلون التدريس في الكلية بعد انتهاء الدوام الرسمي في وزاراتهم ..مثلا درسنا الاستاذ الدكتور فيصل الوائلي مدير الاثار العام مادة تاريخ العراق القديم وكان يأتي لتدريسنا الساعة الرابعة عصرا ومرة طلبنا منه ان يدرسنا في ساعات الصباح فقال انه لايستطيع ان يترك الدوام في دائرة الاثار العامة فهذه وظيفته ويجب ان يخلص في عمله ولايخرج من دائرته .كل هذه السلوكيات علمتنا حب الوطن وحب العلم وعلمتنا كيف نفخر بالعراق ..
كان الدستور في العراق يقرر وبشكل واضح ان العراق جزء من الامة العربية والان الدستور يقول ان الشعب العربي هو جزء من دول جامعة الدول العربية اين هوية العراق اصبحنا نتحدث عن العنصر والمذهب والطائفة واقسم بالله انني جئت بغداد في اوائل الستينات وانا لااعرف هل انا سني او شيعي ولم نكن نعرف بأن هذا المعلم اوالتلميذ مسلم او مسيحي او كردي او عربي درسنا معلمون مسيحيون ودرسنا معلمون اكراد ودرسنا معلمون تركمان ..قرأت مرة في مذكرات الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد ان احد المعلمين في العمارة قال له ابني انت صابئي واخاف ان اعلك لايقبلون ان تبقى جالسا في درس الدين فقال عبد الرزاق عبد الواحد انه بالعكس تشبث وحفظ القران الكريم ومرة قرأت في كتاب "أقدم اصدقائي العرب " لجون فان ايس انه كان يدرس في البصرة فرأي تلميذان مسيحيان في مدرسته مدرسة الاميركان للبنين في البصرة بعد الاحتلال البريطاني يتشاجران فوقع من يد احدهما الكتاب المقدس –الانجيل فأسرع تلميذ مسلم ورفع الكتاب المقدس من الارض ووضعه على رأسه وقبله .تلك هي اخلاق العراقيين وتلك هي روحيتهم ولقد عبر الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب وكان مريضا وبائسا وغريبا وخارج وطنه عن شعوره الوطني وحبه لبلده وهو غريب :الشمس في بلادي أجمل من سواها والظلام حتى الظلام فهو أجمل لانه يحتضن العراق " وتعجب من انسان يخون بلاده وقال لااعلم كيف يخون الخائنون ..اليوم يأتي احدهم ويقول ان علينا ان نحتفل بيوم التحرير يوم 9نيسان 2003 ويقصد ان الاميركان هم من حرروه وهم دمروا بلده واهانوا شعبه .اي تحرير ياهذا وانت من وقفت ورحبت بالاجنبي ليدخل بيتك وبيت امك واختك وابنتك !!!
الوطنية ليست شعارا انها سلوك والوطني الذي يحب بلده لابد ان يعمل من اجله ويخلص في عمله ويكون نظيف الكف واللسان وهنا لابد ان نفعل دور المدرسة ودور الاعلام ودور المجتمع ولابد ان نمتلك فلسفة موحدة ومنهج ثابت في كيفية اعادة احياء الهوية الوطنية من خلال تعويد الطالب على حب وطنه والاعتزاز وليس مثل درس التاريخ وليس مثل درس الجغرافية وليس مثل درس اللغة العربية من يستطيع ان يرسخ مفاهيم الوطن والوطنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الدكتورة نهال خليل يونس الشرابي مؤرخة عراقية موصلية ...............مع التحيات

  الدكتورة نهال خليل يونس الشرابي مؤرخة عراقية موصلية ...............مع التحيات ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة...