أنا عاطل وقصص اخرى للاستاذ باسم عبد الحميد حمودي 1958 :
**************************************************
كتب الاستاذ مهدي شاكر العبيدي في موقع مركز النور* عن مجموعة قصصية بعنوان :" انا عاطل وقصص اخرى اصدرها الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي سنة 1958 يقول :" فأما الكـُتيِب الذي أصدره الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي أوائل عام 1958م محتوياً على مجموعة قصص وشَّحها باسم (أنا عاطل), وليس شرطا انه انتهى منها في بداية العام ذاك , إنما استنفدت الأعوام الثلاثة والمندرجة قبلها, فهو يشي بطول المدة التي عاشها الكاتب في جهاده الأدبي وتعامله مع الحرف والكلمة , و يُنبي عن شغفه وتولعه بالقضايا والمشكلات الأدبية منذ أول عمره وإدراكه طور الشبيبة حتى شاب رأسه بعد ستة عقود أمضاها متصفحاً للدوريات و الكتب ومبتغيا توثيق ما صار إليه من أحكام ونتائج, و كثيراً ما استبدل اهتماماً بنظيره الذي كرس جل أوقاته لانجازه , فقد هجر فن كتابة القصة القصيرة وتخلى عنه إلى مزاولة النقد وهام مؤخراً بالفولكلور والتراث الشعبي بحكم توليه آونة إصدار مجلته المتخصصة عن وزارة الثقافة .
و كـُتيبُه هذا الذي يُعرف به لجمهرة القراء واحد من عشرائه و أصفيائه المنسيين و يُسمى فؤاد علاء الدين الذي استبشر بانتصار المذهب الواقعي و رجحانه على المذاهب الأخرى في أصالة موضوعاته وبلوغ أدائه شأواً من التجويد و السلاسة , ولا يفوتنا أن نغفل و ننسى أن كلمة الواقعية وحدها كفيلة اِبان تلك الظروف الجهمة بان تُخيف الحاكمين و تشحذ فكرهم لاكتناه ما في مطاويها من رموز و دلائل , وتقَري ما يتوخاه اللاهجون بها من أغراضٍ ومقاصد , قلت وضعني كُتيبه هذا في أجواء تلك الأيام الماضية والمصطخبةبمكدراتها وأوجاعها , و لا تُخدَعنَ بقولتهم وهرفهم عن ازدهار الحياة و ذهبيتها في سنوات الخمسينيات , فقد كتب على أهل العراق أن يتحولوا من كدرٍ إلى آخر يفوقه في مقداره من الهم والتعاسة ، و اذكرني برتابة الحياة و استيلاء الملل والسآمة وامتلاكهما للنفوس جراء حرمانها و تجريدها من حقها في القيام بأية مبادرة تنويرية ينجم عنها امتلاؤها بالزهو والفرح و التفاؤل.
لقد أفلح الكاتب المنتج أول عهده في تصوير الحياة البغدادية التي تعج قبل ستة عقود بمئات المغادرين أريافهم وقُراهم بعد أن ضاقوا ذرعاً بما ينزله رجال الإقطاع و المستغلون بساحهم من الاقتسار والإجحاف , فيلمون بالعاصمة يتطلبون الأشغال والأعمال المغيثة لهم من الجوع ويرضون منها بالكفاف وإشباع بعض الحاجات والمطالب, ويجدون بغيتهم عملةً و مستخدمين في القهوات التي يغشاها صنوفٌ من الملأ ما بين موسرٍ مُرَّفهٍ ومكفي ، وبعكسه مضادد له من فرائس الفقر والإذلال والحاجة ، وبرع في إفعام قصصه بالخواطر الوجدانية وخبراته بطب النفوس وعلمه بأهوائها ودرايته بمزالقها ، دون أن يصدم حس القارئويدعه يتقوَّل عليه كونه متكلفاً وأنه استثمر عمله القصصي في تضمينه خلجات وجدانه وخطرات فكره كما حصل من إلماعه وتنويهه بما جُبـِل عليه صنـَّاع الأدب من حسد وغيرة ، وقدحه منافساتهم اللئيمة في سياق إحدى هذه القصص الشائقة والمحبوكة فناً وأسلوباً ، والمقبولة لاكتنازها بمضمون هادفٍ ورامٍ لتمرير دعوةٍ إصلاحية من وراء التعريض بالقبح والبشاعة الرائنة على وجه الحياة ، إلا واحدةً منها هي حكاية (عبد الشيطان) التي تصدف عنها النفوس وتنفر منها قيم الأخلاق ، مع الانحدار للسلوك المجافي لأي عرفٍ اتفق الناس منذ الأزل على تجرده من الدنس والرذيلة ، وما حاجتهم إلى العلم بها والاطلاع على هذه الأوزار والأفعال المشنوءة على افتراض وقوعها وبذلك يكون القاص باسم عبد الحميد حمودي السبّاق والمتفطن لهذا اللون من التصرِّف قبل أن يستوحيه ويستنبطه المرحوم فؤاد التكرلي من ملفات القضايا المعروضة في دور العدالة ليبت في أمرها قضاتها ، على حين نهى الكاتب المصري مصطفى عبد اللطيف السحرتي إيلاء هذه الفضائح المنكرة والنادرة أهميةً ما ، والتي يبدو أن الداء هذا تسلل إلى بلاد النيل أو تسلل إلينا منها ، فأوصى بالتكتم عليه والاشفاق على البشر أن يلغطوا به ، وهو أهون من أن يعين قاصاً على أن يُوما له كونه نابغاً عبقرياً ، أنسمي بطلاً من يتجاسر على ابنة أخيه ويمارس الجنس معها أي ينكحها كما يفعل ممتهنو النقد الأدبي وتبابعتهم في إضفاء هذه التسمية على الأشخاص الفاعلين في عامة القصص ، أم تجدنا أيضاً بحاجةٍ إلىالتفقه بتعليمات زكي نجيب محمود في شرحه لفلسفته عن الوضعية المنطقية والمؤكدة للتحديد في كل شيء !
بقي أن نقول أن قصته (المحروم) جاءت إبان تلك المرحلة العمرية قبل ستين سنة ممثلةً مشروع رواية لاسيما أنها تمتلئ بدواعي الهجرة وظروفها ، والتنقل بين المدن ، وتصوِّر الوشائج المترسخة بين المحبين وثباتهم بوجه المتكبرين الذين لا ينون في استصغارهم وتعييرهم بتدني مستوياتهم المعيشية ، ولا يُهوِّن منها أن موضوعها مطروق ، واستدل من مجمل الكتاب على انصراف المؤلف لقراءات موصولةٍ شتى تحصَّل منها هذا الاقتدار اللغوي المقبول والذي ساعفته الموهبة واقترن بها إبان تلك السنة الغريرة ، فما كل من قرأ كتاباً بمؤهلٍ ومستحقٍ لأن يغدو أديباً.
* - See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=201109#sthash.uQYdRWXe.dpuf
**************************************************
كتب الاستاذ مهدي شاكر العبيدي في موقع مركز النور* عن مجموعة قصصية بعنوان :" انا عاطل وقصص اخرى اصدرها الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي سنة 1958 يقول :" فأما الكـُتيِب الذي أصدره الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي أوائل عام 1958م محتوياً على مجموعة قصص وشَّحها باسم (أنا عاطل), وليس شرطا انه انتهى منها في بداية العام ذاك , إنما استنفدت الأعوام الثلاثة والمندرجة قبلها, فهو يشي بطول المدة التي عاشها الكاتب في جهاده الأدبي وتعامله مع الحرف والكلمة , و يُنبي عن شغفه وتولعه بالقضايا والمشكلات الأدبية منذ أول عمره وإدراكه طور الشبيبة حتى شاب رأسه بعد ستة عقود أمضاها متصفحاً للدوريات و الكتب ومبتغيا توثيق ما صار إليه من أحكام ونتائج, و كثيراً ما استبدل اهتماماً بنظيره الذي كرس جل أوقاته لانجازه , فقد هجر فن كتابة القصة القصيرة وتخلى عنه إلى مزاولة النقد وهام مؤخراً بالفولكلور والتراث الشعبي بحكم توليه آونة إصدار مجلته المتخصصة عن وزارة الثقافة .
و كـُتيبُه هذا الذي يُعرف به لجمهرة القراء واحد من عشرائه و أصفيائه المنسيين و يُسمى فؤاد علاء الدين الذي استبشر بانتصار المذهب الواقعي و رجحانه على المذاهب الأخرى في أصالة موضوعاته وبلوغ أدائه شأواً من التجويد و السلاسة , ولا يفوتنا أن نغفل و ننسى أن كلمة الواقعية وحدها كفيلة اِبان تلك الظروف الجهمة بان تُخيف الحاكمين و تشحذ فكرهم لاكتناه ما في مطاويها من رموز و دلائل , وتقَري ما يتوخاه اللاهجون بها من أغراضٍ ومقاصد , قلت وضعني كُتيبه هذا في أجواء تلك الأيام الماضية والمصطخبةبمكدراتها وأوجاعها , و لا تُخدَعنَ بقولتهم وهرفهم عن ازدهار الحياة و ذهبيتها في سنوات الخمسينيات , فقد كتب على أهل العراق أن يتحولوا من كدرٍ إلى آخر يفوقه في مقداره من الهم والتعاسة ، و اذكرني برتابة الحياة و استيلاء الملل والسآمة وامتلاكهما للنفوس جراء حرمانها و تجريدها من حقها في القيام بأية مبادرة تنويرية ينجم عنها امتلاؤها بالزهو والفرح و التفاؤل.
لقد أفلح الكاتب المنتج أول عهده في تصوير الحياة البغدادية التي تعج قبل ستة عقود بمئات المغادرين أريافهم وقُراهم بعد أن ضاقوا ذرعاً بما ينزله رجال الإقطاع و المستغلون بساحهم من الاقتسار والإجحاف , فيلمون بالعاصمة يتطلبون الأشغال والأعمال المغيثة لهم من الجوع ويرضون منها بالكفاف وإشباع بعض الحاجات والمطالب, ويجدون بغيتهم عملةً و مستخدمين في القهوات التي يغشاها صنوفٌ من الملأ ما بين موسرٍ مُرَّفهٍ ومكفي ، وبعكسه مضادد له من فرائس الفقر والإذلال والحاجة ، وبرع في إفعام قصصه بالخواطر الوجدانية وخبراته بطب النفوس وعلمه بأهوائها ودرايته بمزالقها ، دون أن يصدم حس القارئويدعه يتقوَّل عليه كونه متكلفاً وأنه استثمر عمله القصصي في تضمينه خلجات وجدانه وخطرات فكره كما حصل من إلماعه وتنويهه بما جُبـِل عليه صنـَّاع الأدب من حسد وغيرة ، وقدحه منافساتهم اللئيمة في سياق إحدى هذه القصص الشائقة والمحبوكة فناً وأسلوباً ، والمقبولة لاكتنازها بمضمون هادفٍ ورامٍ لتمرير دعوةٍ إصلاحية من وراء التعريض بالقبح والبشاعة الرائنة على وجه الحياة ، إلا واحدةً منها هي حكاية (عبد الشيطان) التي تصدف عنها النفوس وتنفر منها قيم الأخلاق ، مع الانحدار للسلوك المجافي لأي عرفٍ اتفق الناس منذ الأزل على تجرده من الدنس والرذيلة ، وما حاجتهم إلى العلم بها والاطلاع على هذه الأوزار والأفعال المشنوءة على افتراض وقوعها وبذلك يكون القاص باسم عبد الحميد حمودي السبّاق والمتفطن لهذا اللون من التصرِّف قبل أن يستوحيه ويستنبطه المرحوم فؤاد التكرلي من ملفات القضايا المعروضة في دور العدالة ليبت في أمرها قضاتها ، على حين نهى الكاتب المصري مصطفى عبد اللطيف السحرتي إيلاء هذه الفضائح المنكرة والنادرة أهميةً ما ، والتي يبدو أن الداء هذا تسلل إلى بلاد النيل أو تسلل إلينا منها ، فأوصى بالتكتم عليه والاشفاق على البشر أن يلغطوا به ، وهو أهون من أن يعين قاصاً على أن يُوما له كونه نابغاً عبقرياً ، أنسمي بطلاً من يتجاسر على ابنة أخيه ويمارس الجنس معها أي ينكحها كما يفعل ممتهنو النقد الأدبي وتبابعتهم في إضفاء هذه التسمية على الأشخاص الفاعلين في عامة القصص ، أم تجدنا أيضاً بحاجةٍ إلىالتفقه بتعليمات زكي نجيب محمود في شرحه لفلسفته عن الوضعية المنطقية والمؤكدة للتحديد في كل شيء !
بقي أن نقول أن قصته (المحروم) جاءت إبان تلك المرحلة العمرية قبل ستين سنة ممثلةً مشروع رواية لاسيما أنها تمتلئ بدواعي الهجرة وظروفها ، والتنقل بين المدن ، وتصوِّر الوشائج المترسخة بين المحبين وثباتهم بوجه المتكبرين الذين لا ينون في استصغارهم وتعييرهم بتدني مستوياتهم المعيشية ، ولا يُهوِّن منها أن موضوعها مطروق ، واستدل من مجمل الكتاب على انصراف المؤلف لقراءات موصولةٍ شتى تحصَّل منها هذا الاقتدار اللغوي المقبول والذي ساعفته الموهبة واقترن بها إبان تلك السنة الغريرة ، فما كل من قرأ كتاباً بمؤهلٍ ومستحقٍ لأن يغدو أديباً.
* - See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=201109#sthash.uQYdRWXe.dpuf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق