جاك بيرك : عالم التاريخ الاجتماعي والثقافي الفرنسي 1910-1995
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
كنتُ اقرأ له كثيرا ، وكانت مجلة الهلال المصرية تتابع كتاباته، وتترجمها من الفرنسية الى العربية . وكنتُ مهتما بأرائه حول التحول الاجتماعي والثقافي العربي والمصري منذ اواخر القرن التاسع عشر .وعندما درسًت مادة التاريخ الاجتماعي العربي في مرحلة الدكتوراه لطلبتي كنت احرص على الاشارة اليه ، والتذكير بمجهوداته واسهاماته في كشف كثير من الجوانب المهمة في تاريخنا الاجتماعي والثقافي الذي لم يأخذ نصيبه الكافي من البحث والدراسة .
وقد كلفت تلميذي النجيب (الدكتور )احمد صالح عبوش ان يعُد تقريرا عنه عندما كان في مرحلة التحضير للدكتوراه في كلية التربية بجامعة الموصل قبل سنوات ...والبروفيسور جاك بيرك 1910-1995 يعد من اهم المستعربين ولااقول المستشرقين لانه كان يكره هذا المصطلح من اهم علماء التاريخ الاجتماعي الفرنسيين الذين اهتموا بالعرب والمسلمين وكانت له كتابات غزيرة عنهم ان كان ذلك في المشرق العربي او المغرب العربي .. كما كان يتمتع بعلاقات وصداقات واسعة مع عدد من المؤرخين والباحثين العراقيين والعرب وكنت واحدا ممن عرفوه والتقوا به ابان زيارته لمدينتي مدينة الموصل ..كان شاهرا قلمه ولم يكل ولم يمل وظل ممسكا بقلمه يكتب ويوثق ويحرر وينشر حتى اخر يوم من حياته ..ترجم القران الكريم الى الفرنسية واية ترجمة كانت ترجمة دقيقة وراقية وزار عددا كبيرا من البلدان ومنها البلدان العربية .
ويبدو ان لولادته في الجزائر سنة 1910 ومعرفته باللغة العربية واتقانه لها ، دور في تألقه وشهرته وتعاطفه مع القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين وقضية الجزائر .. تخرج من السوربون وعاد الى الجزائر والتحق بالعمل وكان البروفيسور جاك بيرك يفهم الاستعراب على انه حوار بين ثقافتين الاوربية المسيحية والعربية الاسلامية. ومما كان يدعو اليه بناء شراكة متوسطية اوربية وحوار اسلامي مسيحي دائم وغير منقطع. ولجاك بيرك رؤية متفائلة الى الديانات قائمة على اهمية المحبة والتسامح وكثيرا ما كان يرى ان الاسلام يحترم الانسان ويدعو الى المحبة ويحب الحياة ويوازن بين الدين والدنيا . وفي سنة 1989 نشر مذكراته بعنوان "بين العدوتين " لخص فيها سعيه لاقامة نوع من التعاون بين الاسلام المتوسطي واوربا المسيحية وقال ان هذا التقارب حصل ايام ازدهار الحضارة الاسلامية ابان حكم العباسيين وكان يحب اللغة العربية ويردد بأنه ليس مستشرقا ولا حتى مستعربا وانما هو مفكر اجتماعي وقد انتقد الحداثة الاوربية ورأى انها حداثة مصطنعة لاروح فيها واعلامية صرف.
ومن الطريف ان الصديق الاستاذ الدكتور عبد الهادي التازي المؤرخ والباحث المغربي الكبير اطلق على جاك بيرك لقب "سيوطي زمانه " . كان البروفيسور جاك بيرك يعتقد بأن في الفقه الاسلامي كثيرا من الحلول لمشكلات اقتصادية واجتماعية مستعصية ..كتب عن مسجد فاس واعجبته فاس في المغرب ومن اسهاماته انه ارخ لجامعة فاس الاسلامية سنة 1938 كما اهتم بالنوازل الفقهية والف كتابا سنة 1940 عن "نوازل المزرعة " في المغرب .. كما كتب مع زميل له وهو بوسكو BOUSQET عن "ظاهرة المزاد العلني " بمدينة فاس سنة 1940 واتبع ذلك ومع بوسكو نفسه كتابة دراسة عن مجموع الفقه الذي روي عن الامام زيد بن علي بن ابي طالب عليهما السلام وهو اول كتاب دون في الفقه الاسلامي .
وفي سنة 1948 كتب عن " العرف العقاري "في اقليم سكساوه في الاطلس الكبير واسهم بدراسة عن التاريخ الاجتماعي للمغرب .كما ارخ للبربر ونشر بعض الوثائق المهمة التي تعود الى القرن الثامن عشر سنة 1950 وكثيرا ما كان يتعامل مع "المجلة الافريقية " وينشر فيها في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي . وفي سنة 1954 قدم دراسة ديموغرافية عن مناطق البربر ونشرها في المجلة الاقتصادية والاجتماعية المغربية كما نشر دراسة عن الادب المغربي سنة 1955 نشرها في مجلة "ارابيكا " وكانت اطروحته للدكتوراه في السوربون والتي ناقشها سنة 1955 عن " البنى الاجتماعية للاطلس الكبير " . ومن اعماله دراسة بعنوان :" 125 عاما من السسيولوجيا المغربية " كتبها سنة 1956 كما نشر البروفيسور جاك بيرك سنة 1974 كتابه :" المغرب :تاريخ ومجتمعات " كان يحب الاستاذ علال الفاسي مؤسس حزب الاستقلال المغربي وعندا أبنه سنة 1974 قال بأن الاسلام حرم من مفكر حريص على التوفيق بين ما هو أصيل وما هو جديد .وفي سنة 1976 ظهرت له دراسة بعنوان :" المد الوطني والديموقراطية في الامة العربية 1915-1925 نشرها في كتاب " حول الخطابي وجمهورية الريف "مع اخرين في بيروت سنة 1980 كما اصدر كتابا بعنوان : "من داخل المغرب العربي من القرن الخامس عشر الى القرن التاسع عشر " وله كتاب بعنوان :" من الفرات الى الاطلس " ، وكتاب " المغرب بين حربين " نشرهما بين سنتي 1978 و1979 .
وقد اهتم البروفيسور جاك بيرك بالمعلقات في سنة 1979 وترجمها وكتب عن الحركات الاصلاحية في المغرب وله كتاب " في الانثروبولوجيا والتاريخ :حالة المغرب العربي " وعندما اشرف على الثمانين من عمره كتب مذكراته بعنوان "مذكرات العدوتين MEMOIRES DES DEUXRIVES أو "الضفتين "ويقصد ضفتي البحر المتوسط الشمالية والجنوبية .
ويتضح من مذكراته انه رجل دؤوب لايهدأ يقرأ ليل نهار وفي سنة 1990 قدم لكتاب :" دفنا الماضي " الذي الفه الدكتور عبد الكريم غلاف بالعربية وترجم الى الفرنسية وصدر له في سنة وفاته كتاب حول كتاب الاغاني للاصفهاني بعنوان :" موسيقى على ساحل الوادي " كما صدرت طبعة جديدة من ترجمته للقران الكريم وتفسير له بالفرنسية ..
قرأت للبروفيسور جاك بيرك دراسات كثيرة ممتعة عن التاريخ الاجتماعي لمصر الحديثة وقد اشار المرحوم الاستاذ الدكتور محمد انيس المؤرخ المصري الكبير الى ان جاك بيرك كان يسعى من اجل الحصول على المذكرات الشخصية لعدد من السياسيين المصريين ومن ذلك انه حصل من ورثة السياسي المخضرم نوبار باشا على مذكراته.. واضاف بان جاك بيرك كان حريصا على حضور المؤتمرات العالمية حول تاريخ مصر الحديث ولاسيما تلك التي تعقد في خارج فرنسا ..رحم الله جاك بيرك فقد خدم العرب والمسلمين والانسانية جمعاء .
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
كنتُ اقرأ له كثيرا ، وكانت مجلة الهلال المصرية تتابع كتاباته، وتترجمها من الفرنسية الى العربية . وكنتُ مهتما بأرائه حول التحول الاجتماعي والثقافي العربي والمصري منذ اواخر القرن التاسع عشر .وعندما درسًت مادة التاريخ الاجتماعي العربي في مرحلة الدكتوراه لطلبتي كنت احرص على الاشارة اليه ، والتذكير بمجهوداته واسهاماته في كشف كثير من الجوانب المهمة في تاريخنا الاجتماعي والثقافي الذي لم يأخذ نصيبه الكافي من البحث والدراسة .
وقد كلفت تلميذي النجيب (الدكتور )احمد صالح عبوش ان يعُد تقريرا عنه عندما كان في مرحلة التحضير للدكتوراه في كلية التربية بجامعة الموصل قبل سنوات ...والبروفيسور جاك بيرك 1910-1995 يعد من اهم المستعربين ولااقول المستشرقين لانه كان يكره هذا المصطلح من اهم علماء التاريخ الاجتماعي الفرنسيين الذين اهتموا بالعرب والمسلمين وكانت له كتابات غزيرة عنهم ان كان ذلك في المشرق العربي او المغرب العربي .. كما كان يتمتع بعلاقات وصداقات واسعة مع عدد من المؤرخين والباحثين العراقيين والعرب وكنت واحدا ممن عرفوه والتقوا به ابان زيارته لمدينتي مدينة الموصل ..كان شاهرا قلمه ولم يكل ولم يمل وظل ممسكا بقلمه يكتب ويوثق ويحرر وينشر حتى اخر يوم من حياته ..ترجم القران الكريم الى الفرنسية واية ترجمة كانت ترجمة دقيقة وراقية وزار عددا كبيرا من البلدان ومنها البلدان العربية .
ويبدو ان لولادته في الجزائر سنة 1910 ومعرفته باللغة العربية واتقانه لها ، دور في تألقه وشهرته وتعاطفه مع القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين وقضية الجزائر .. تخرج من السوربون وعاد الى الجزائر والتحق بالعمل وكان البروفيسور جاك بيرك يفهم الاستعراب على انه حوار بين ثقافتين الاوربية المسيحية والعربية الاسلامية. ومما كان يدعو اليه بناء شراكة متوسطية اوربية وحوار اسلامي مسيحي دائم وغير منقطع. ولجاك بيرك رؤية متفائلة الى الديانات قائمة على اهمية المحبة والتسامح وكثيرا ما كان يرى ان الاسلام يحترم الانسان ويدعو الى المحبة ويحب الحياة ويوازن بين الدين والدنيا . وفي سنة 1989 نشر مذكراته بعنوان "بين العدوتين " لخص فيها سعيه لاقامة نوع من التعاون بين الاسلام المتوسطي واوربا المسيحية وقال ان هذا التقارب حصل ايام ازدهار الحضارة الاسلامية ابان حكم العباسيين وكان يحب اللغة العربية ويردد بأنه ليس مستشرقا ولا حتى مستعربا وانما هو مفكر اجتماعي وقد انتقد الحداثة الاوربية ورأى انها حداثة مصطنعة لاروح فيها واعلامية صرف.
ومن الطريف ان الصديق الاستاذ الدكتور عبد الهادي التازي المؤرخ والباحث المغربي الكبير اطلق على جاك بيرك لقب "سيوطي زمانه " . كان البروفيسور جاك بيرك يعتقد بأن في الفقه الاسلامي كثيرا من الحلول لمشكلات اقتصادية واجتماعية مستعصية ..كتب عن مسجد فاس واعجبته فاس في المغرب ومن اسهاماته انه ارخ لجامعة فاس الاسلامية سنة 1938 كما اهتم بالنوازل الفقهية والف كتابا سنة 1940 عن "نوازل المزرعة " في المغرب .. كما كتب مع زميل له وهو بوسكو BOUSQET عن "ظاهرة المزاد العلني " بمدينة فاس سنة 1940 واتبع ذلك ومع بوسكو نفسه كتابة دراسة عن مجموع الفقه الذي روي عن الامام زيد بن علي بن ابي طالب عليهما السلام وهو اول كتاب دون في الفقه الاسلامي .
وفي سنة 1948 كتب عن " العرف العقاري "في اقليم سكساوه في الاطلس الكبير واسهم بدراسة عن التاريخ الاجتماعي للمغرب .كما ارخ للبربر ونشر بعض الوثائق المهمة التي تعود الى القرن الثامن عشر سنة 1950 وكثيرا ما كان يتعامل مع "المجلة الافريقية " وينشر فيها في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي . وفي سنة 1954 قدم دراسة ديموغرافية عن مناطق البربر ونشرها في المجلة الاقتصادية والاجتماعية المغربية كما نشر دراسة عن الادب المغربي سنة 1955 نشرها في مجلة "ارابيكا " وكانت اطروحته للدكتوراه في السوربون والتي ناقشها سنة 1955 عن " البنى الاجتماعية للاطلس الكبير " . ومن اعماله دراسة بعنوان :" 125 عاما من السسيولوجيا المغربية " كتبها سنة 1956 كما نشر البروفيسور جاك بيرك سنة 1974 كتابه :" المغرب :تاريخ ومجتمعات " كان يحب الاستاذ علال الفاسي مؤسس حزب الاستقلال المغربي وعندا أبنه سنة 1974 قال بأن الاسلام حرم من مفكر حريص على التوفيق بين ما هو أصيل وما هو جديد .وفي سنة 1976 ظهرت له دراسة بعنوان :" المد الوطني والديموقراطية في الامة العربية 1915-1925 نشرها في كتاب " حول الخطابي وجمهورية الريف "مع اخرين في بيروت سنة 1980 كما اصدر كتابا بعنوان : "من داخل المغرب العربي من القرن الخامس عشر الى القرن التاسع عشر " وله كتاب بعنوان :" من الفرات الى الاطلس " ، وكتاب " المغرب بين حربين " نشرهما بين سنتي 1978 و1979 .
وقد اهتم البروفيسور جاك بيرك بالمعلقات في سنة 1979 وترجمها وكتب عن الحركات الاصلاحية في المغرب وله كتاب " في الانثروبولوجيا والتاريخ :حالة المغرب العربي " وعندما اشرف على الثمانين من عمره كتب مذكراته بعنوان "مذكرات العدوتين MEMOIRES DES DEUXRIVES أو "الضفتين "ويقصد ضفتي البحر المتوسط الشمالية والجنوبية .
ويتضح من مذكراته انه رجل دؤوب لايهدأ يقرأ ليل نهار وفي سنة 1990 قدم لكتاب :" دفنا الماضي " الذي الفه الدكتور عبد الكريم غلاف بالعربية وترجم الى الفرنسية وصدر له في سنة وفاته كتاب حول كتاب الاغاني للاصفهاني بعنوان :" موسيقى على ساحل الوادي " كما صدرت طبعة جديدة من ترجمته للقران الكريم وتفسير له بالفرنسية ..
قرأت للبروفيسور جاك بيرك دراسات كثيرة ممتعة عن التاريخ الاجتماعي لمصر الحديثة وقد اشار المرحوم الاستاذ الدكتور محمد انيس المؤرخ المصري الكبير الى ان جاك بيرك كان يسعى من اجل الحصول على المذكرات الشخصية لعدد من السياسيين المصريين ومن ذلك انه حصل من ورثة السياسي المخضرم نوبار باشا على مذكراته.. واضاف بان جاك بيرك كان حريصا على حضور المؤتمرات العالمية حول تاريخ مصر الحديث ولاسيما تلك التي تعقد في خارج فرنسا ..رحم الله جاك بيرك فقد خدم العرب والمسلمين والانسانية جمعاء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق