الخميس، 21 نوفمبر 2024

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف


 


فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية
الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
أجاب المؤرخ والناقد الكبير الأستاذ الدكتور هشام جعيط ( 1935-1962) على سؤال يتعلق بما أنجزه العرب في القرن العشرين فقال): ( أن الانجاز الوحيد هو في ميدان الدراسات والبحوث التاريخية العربية، وفي هذا المجال لا نجد إلا عددا قليلا من المؤرخين الجيدين، منهم عبد العزيز الدوري وصالح احمد العلي، وتلاهما فاروق عمر فوزي (86 سنة امدالله بعمره ومتعه بالعافية والبركة ) ، وكتابات هؤلاء المؤرخين ، وكلهم عراقيون ، هي تقريبا الوحيدة في كل الإنتاج العربي في ميدان العلوم الإنسانية المعترف بها عالميا كبحوث جدية مسيطرة على مادتها...))..اليوم سأقف عند الاستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي وهو يصدر كتابه الجديد عن دار الشروق بعمان –الاردن بعنوان :"تجربتي في الكتابة التاريخية :التعامل بشغف مع التاريخ " .
والكتاب الذي وصلتني نسخة منه من الصديق المؤلف ممهورة بتوقيعه الكريم ومؤرخة في 5-2-2013 عبارة عن ورقات من "السيرة الذاتية"، وورقات من "السيرة العلمية". وكما قال هو فأنه الف الكتاب لا لشغفه بسيرته الذاتية أو إعجابه بسيرته العلمية فالسيرتين إعتياديتين ربما يمر بهما أي فرد وليس فيهما مظاهر للفخر والتباهي، بل لأنه وجد أن ملامح من كلا السيرتين مهم لتفسير
"تجربته في الكتابة التاريخية".
ومما لا شك فيه ، أن هذا النمط من الكتابة يعتمد على التجربة والمعايشة والمشاهدة، كما أن المفروض في الكاتب والباحث المفكر أن يكون صريحاً جريئاً يقتحم على الناس بآرائه ولا يبالي بمن رضي أو سخط منهم. والعالم لا ينسى بعد هذا وقبله حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى أخذ على العالم ميثاقاً إلا يكتم علمه عن الناس. .
ومما ينبغي ملاحظته ان الاستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي يذهب مذهب الدكتور احسان عباس في نظرته الى السيرة ، وفي ان ما يقدمه ليس الا تجربة ذاتية تراكمت حتى نضجت أو كادت فشكلّت نوعاً من القلق في نفسه بحيث لم يجد مناصا من تدوينها .
جاءت السيرة هذه في الكتاب في سبعة فصول هي على التوالي : "نبذة عن السيرة العلمية وملامح من السيرة الشخصية"، "التدريب على المنهجية العلمية في كتابة التاريخ" "مساجلات في موضوعات تاريخية"، "ردود فعل... إيجابية وسلبية"، "حوار حول التجربة"، "رحلات "ابن بطوطة"... مكوكية أم ماراثونية"، "قصتي مع تاريخ عمان.
اعجبني ان في الكتاب من الذاتية الشيء الكثير فالمؤرخ الدكتور فاروق عمر فوزي حرص ان يضع في كتابه اشياءه الشخصية وضعه المدرسي وتفوقه في المدرسة ، واعفاءه وهو في اعدادية الموصل 1954 وشهادة دراسته الاعدادية –الفرع الادبي 1954-1955وشهادة تخرجه في قسم التاريخ بكلية التربية 1959ونيله جائزة عمادة كلية التربية لكونه الاول من بين المتخرجين وتقارير المشرفين التربويين عنه عندما عين مدرسا في متوسطة الزعيم في ديالى وشهادة تخرجه من جامعة لندن 1967 ومن مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية وكتاب ترقيته الى مرتبة الاستاذية وشهادة منحه وسام المؤرخ العربي 1986وعددا من صوره وصورة والده الفريق عمر حسين فوزي .فضلا عن ال CV الخاصة بسيرته الذاتية والعلمية .
في كتابه الجديد قدم الدكتور فاروق عمر فوزي لمحات مستفيضة عن ولادته في مدينة الموصل في اسرة امتهن معظم ابناءها السلك العسكري وقال انلوالده ووالدته شأن كبير في صقل شخصيته ..في محلة باب لكش بالموصل كانت ولادته وهي محلة عريقة قديمة لها تاريخ وفي مدرسة الوطن الابتدائية بدأ يشعر بولعه في التاريخ وكان لمعلمه الحاج عزيز دور في ذلك ولعل الحاج عزيز هو الاستاذ عبد العزيز ال خليل . وفي متوسطة المثنى ناله من تشجيع المدرسين الكثير ومن اولئك الاستاذ شاذل طاقة مدرس اللغة العربية الذي اهتم به ورعاه ووجهه الوجهة الصحيحة كما كان من المدرسين الاستاذ محمود علي الداؤود مدرس مادة التاريخ والمؤرخ الكبير فيما بعد والمتخصص بدراسة تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر ثم كانت محطته التالية في دار المعلمين العالية في بغداد وهناك تتلمذ على ايدي اساتذة تاريخ متميزين منهم الدكتور زكي صالح والدكتور فاضل حسين والدكتور محمد محمد صالح والدكتور عبد القادر احمد اليوسف والدكتور ياسين عبد الكريم والدكتور محمد الهاشمي .وكان من زملائه الدكتور فاروق صالح العمر والدكتور محمد حسين الزبيدي والدكتور احمد عبد الله الحسو وفي لندن كان في اواخر ايلول سنة 1961 وجد نفسه في اجواء جديدة ونال الدكتوراه من مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية المعروفة اختصارا ب swas ومما قاله عن تجربته هذه انه تعلم من اساتذته الانكليز الصبر والاخلاص في العمل . عرج المؤلف وهو يدلف بنا نحو دهاليز التاريخ واواوينه على المنهج العلمي التاريخي واعترف بأنه في فكره عروبي اسلامي ولكن دون ان يلتزم برؤية حزب معين او تيار سياسي محدد وهذا ما اعطى كتاباته مصداقية شديدة .
ان الأستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي والذي قدم دراسات منهجية حول الثورة العباسية وجذورها وطبيعتها ونتائجها يبق هو المؤرخ المجتهد الذي خدم المدرسة التاريخية العربية والاسلامية عموما والمدرسة التاريخية العراقية خصوصا .
فمنذ أكثر من (40) عاما ، وأنا أعرفه ، وقد وجدته مؤرخا متميزا وباحثا جادا وأستاذا فاضلا وإنسانا ودودا .. وفي الحقيقة فان الصلة انقطعت بيننا منذ بضع سنوات بسبب سفره إلى خارج العراق واستقراره في عمان بالأردن ثم في مسقط بسلطنة عمان .
وفاروق عمر فوزي ، نال من الاهتمام الكثير ، وقد أحدثت كتبه التي أصدرها في السبعينات من القرن الماضي حول : ( الدعوة العباسية ) صدى كبيرا ، وتصدى البعض لمناقشة مضامينها وتسفيه الأسس الفكرية التي استندت إليها ولعل من ابرز الذين انتقدوها الأستاذ الدكتور حسين قاسم العزيز الذي انطلق في نقده من المدرسة الماركسية التي تعطي العامل المادي الارجحية في تفسير التاريخ . لكن ناقدا معروفا وهو الدكتور هشام جعيط ، وجد في كتابات الدكتور فاروق عمر فوزي من التميز ما تجعله يحتل مكانة متقدمة بين المؤرخين العالميين، لذلك وضعه مع الأستاذين الدكتورين عبد العزيز الدوري وصالح احمد العلي،وقال إن كتابات فوزي والدوري والعلي تشكل ، بحق ، أعظم إنجاز قدمه العرب عموما على المستوى العالمي في القرن العشرين .
فاروق عمر حسين فوزي موصلي ، ولد في الموصل سنة 1938 وأكمل دراساته الأولى فيها ثم التحق بدار المعلمين العالية (التربية) ببغداد وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ بدرجة الشرف .. وقد أكمل الدكتوراه في جامعة لندن سنة 1967 وعين في كلية الآداب ، جامعة بغداد ورقي إلى رتبة الأستاذية سنة 1979 وترأس قسم التاريخ لمرتين الأولى سنة 1978 والثانية سنة 1980 وقد اختير سنة 1976 ليكون سفيرا في ديوان وزارة الخارجية .
كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في موسوعته الشهيرة : (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين ) وقال انه أسهم في عدة مشاريع تاريخية علمية منها كتابة مواد في دوائر معارف مهمة من قبيل دائرة المعارف الإسلامية ودائرة المعارف البريطانية والموسوعة الفلسطينية وموسوعة حضارة العراق (13 مجلدا) .
لقد شاع اسم الأستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي بعد نشر كتابه في بيروت سنة 1974 والموسوم: ( طبيعة الدعوة العباسية)، ومما ساعد على ذلك ،انه أحدث انقلابا في شكل النظرة إلى هذا الحدث التاريخي المهم وخاصة في تأكيده على عروبة هذه الدعوة .
أصدر الدكتور فاروق عمر فوزي كتبا عديدة منها ( الخلافة العباسية) باللغة الإنكليزية وهي أطروحته للدكتوراه (1969) و(العباسيون الأوائل) (1970ـ1972) والخلافة العباسية في عصر الفوضى العسكرية(1979) و( الخلافة العباسية في العصور المتأخرة ، 1982) وبحوث في التار يخ العباسي (1977) ، وعباسيات (1976) بالإنكليزية والتاريخ الإسلامي وفكر القرن العشرين (1980) ، والخليج العربي في العصور العباسية (1982) ، و(النظم الإسلامية) .
كما ترجم عن الإنكليزية كتبا كثيرة منها ( تاريخ فلسطين في العصور الوسطى) لبار تولد وله دراسات وبحوث كثيرة منشورة في مجلات عراقية وعربية وأجنبية .
الذي يهمنا هنا في هذا الحيز المحدود ، أن الدكتور فاروق عمر فوزي أسهم إسهاما فاعلا في إرساء أسس المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة . ولهذه المدرسة معالم متميزة وواضحة أبرزها ، أنها لا تستند إلى نظرة تقليدية جامدة للتاريخ وهي ليست عالة على ما تصدره المؤسسة الاستشراقية من أفكار وآراء باتت قديمة ومرفوضة حتى في أوساط المثقفين في الغرب .
وقد أجهد الدكتور فوزي نفسه في فرز الاتجاهات الخاطئة في كتب ومؤلفات المؤرخين العرب الذين وقعوا تحت تأثيرات المدرسة الأوربية في التاريخ ويقول أن الاتجاه الذي يتبناه في كتابة التاريخ يعتمد إلى (( نظرة ذاتية عربية شمولية موضوعية وبمنهجية علمية تعتمد فلسفة للتاريخ تربط فيها الوقائع والإحداث التاريخية الجزئية بتاريخ الأمة ككل وتحاول أن تفسر دورها وأثرها في مسيرة هذا التاريخ وتكوينه عبر القرون والأجيال ))
ويعد الدكتور فاروق عمر فوزي بان المؤرخين العراقيين ((مقتدرين)) و((أكفاء)) في مجالات معينة في حقول التاريخ ((ولا يقلون في مستواهم وعلميتهم عن مواصفات أحسن المؤرخين في العالم )).
ويرى الدكتور فوزي بان للمؤرخ رسالة تربوية وطنية فما يكتبه ينبغي أن يستهدف ((إعداد المواطن للعيش في حاضر متطور نحو مستقبل أفضل .. وهذا الواجب في اعتقادي الوظيفة الوطنية والقومية للتاريخ وهي وظيفة لا يؤديها غير التاريخ من بين العلوم الإنسانية )) . ويمكن أن يكون للبطل دور في التاريخ فبعض الإبطال لعبوا في التاريخ دورا حاسما وكان العرب في عصورهم الإسلامية الأولى ينظرون إلى( البطل) على انه قائد يدرك المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه ، ولذلك كانوا يتحرون فيه سجايا وصفات فاعلة ومؤثرة منها الشرف، والشجاعة، والعدالة، والإخلاص، والحلم، والمقدرة، وإنكار الذات ،والاقتدار، والحنكة ،والتجربة .
وللدكتور فوزي رأي طريف في القارئ العراقي فيقول انه (( قارئ ذواق ينتقي بدقة ما يرغب في قراءته ولهذا نلاحظ أن كتب التاريخ على العموم تأتي في مقدمة ما يقتنيه القارئ في العراق ))..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...