الاثنين، 31 أكتوبر 2022

مصطفى الكاظمي ما له و ما عليه بقلم : أ.د.قاسم حسين صالح


 

مصطفى الكاظمي

ما  له  و ما عليه

 

أ.د.قاسم حسين صالح 

توطئة

 

  تولى السيد مصطفى الكاظمي( 55 سنة) رئاسة مجلس الوزراء في غمرة احتجاجات وتصاعد أزمات اوصلت الأحزاب إلى اتفاق بتوليه  رئاسة الوزراء،فغادر منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي الذي شغله في (7 حزيران 2016) ليتولى المنصب الأعلى في العراق في (7 / 5/ 2020).

 وكان للعراقيين موقفان،الاول يرى أنه لا يختلف عن سابقيه لانه جاء بموافقة أحزاب السلطة المتهمة بالفساد،والثاني يرى أن الرجل مستقل وينبغي أن نعطيه فرصة.

 

ولقد تابعت أداءه  من يوم توليه السلطة الى يوم تكليف السيد محمد شياع السوداني..رئيسا لمجلس الوزراء في ( 13 تشرين الأول 2022)..دعوت في الحلقة الأولى إلى منحه مئة يوم،فاتهمني البعض انني انحاز له لأنه صديقي(بالمناسبه..بقيت بعيدا عنه طوال مدة حكمه رغم أنني كنت وسيطا بينه ومتظاهري تشرين ).ونشرت الثانيه بعد سبعة اشهر،والثالثة بعد سنة ونصف،في صحف عراقية والحوار المتمدن..وموثقة في غوغل.

 

استطلاع رأي..يوم غادر

    كان آخر الأستطلاعات بخصوص اداء الكاظمي يوم غادر السلطة،استهل بالنص:

 

  (لأنني أوثق للتاريخ والأجيال ما حدث ويحدث في العراق في كتاب يصدر قريبا..ارجو حضراتكم،بيان رأيكم في أداء السيد مصطفى الكاظمي خلال توليه رئاسة مجلس الوزراء من (مايس 2020 الى تشرين أول 2022) لتبيان اهم انجازين ايجابيين حققهما، واهم تقصيرين او عملين سلبيين ارتكبهما..و بموضوعية.(

ساهم في الأجابة: أكاديميون،مثقفون،إعلاميون، فنانيون،نشطاء..حددوا أهم انجازاته بالآتي:

    تعزيز العلاقات مع بعض الدول العربية،عمل على محاسبة (بعض الفاسدين)،اجراء الانتخابات بنجاح وارسال جرحى المظاهرات للعلاج في الخارج،واعادة الاعتبار للعراق دوليا افضل من سابقيه.  

 وحددوا اهم سلبياته بالآتي:

  تخفيضه سعر الدينار على حساب الطبقات الدنيا والمتوسطة،حيث فقد الراتب ما يقرب من 40% من قيمته،واطلاقه الكثير من الوعود ولم ينفذها مثل محاسبة قتلة المتظاهرين وحصر السلاح بيد الدولة،تعيين الخريجين،تحسين الخدمات..ووصول الفساد الإداري والمالي في عهده الى اقصي درجاته منذ سقوط النظام السابق لحد الان.

  ولقد وصف اغلب المستجيبين( بحدود 70%) شخصيته بأنه (وُلِدَ بدعم صدري وانتهى مكشوف الجناح،ووعد بمحاربة الفساد وانفلات السلاح وانتهى منزوع الارادة بسيطرة السلاح المنفلت الذي قصف داره ولم يتجرأ على المحاسبة بل حتى على الافصاح عنهم).وأنه (لا يتمتع بكارزما القائد،ويفتفر الى الشجاعه والصرامه والجديه والذكاء والعقلية الأستراتيجية في ادارة الدولة..يحاول ان يحل بعض المشاكل الاجتماعية الصغيرة اولا ويركن للسلم ثانيا)..فيما ذهب آخرون الى وصفه بأنه(شخصية فاشلة وسلبية ولم يستطع ان يدير دفة الحكم بقوة،خضع لسيطرة حيتان الفساد ورضخ لهم..لم يقدر على مواجهة المليشيات المسلحة وفرضوا ارادتهم عليه في اكثر من مناسبة،وداسوا على صورته بأحذيتهم وضربوا بيته بالصواريخ ولم يحرك ساكنًا).واعتبر آخرون سكوته عن هذه الأهانة بأنه دمر ما تبقى من هيبة و كرامة الدوله،وأنه (بدل ان يركز جهوده لحل المشاكل المستعصية والخطيرة التي يواجهها الداخل،ذهب الى التوسط بين ايران و السعودية دون ان يكون في جعبته اي انجاز داخلي يمكن ان يسهل مهمته كوسيط،وانه ليس له اي تأثير او دور على الحكومات المحليه وخاصة البصره!،واسوأ  تصريح له عندما قال ان الصدر سيد المقاومه و على  راسي..وهو رئيس مجلس وزراء العراق!! ،وأنه تملص من كل وعوده بالقصاص من قتلة  ثوار تشرين و هشام الهاشمي و العشرات ممن تم اغتيالهم وهو يعرفهم..هل تريد المزيد دكتور قاسم؟!(

 

  وكان للأقلية من المستجيبين ( بحدود 25%) موقف ايجابي خلاصته انهم يرون الكاظمي  افضل رئيس وزراء بعد 2003،وأنه نزيه ولم يكن فاسدا كسابقيه.

 وكان هنالك موقف ثالث اتسم بالموضوعية،شخّص مدة حكمه بأنها(لم تتميز بإنجاز واضح،وهذا ليس ضده اذ لم يكن يمتلك اية ادوأت لازمة للعمل.واهم شى عمله انه ابتعد عن استخدام القوة مع كل الاطراف، وكرجل مخابرات فضل العمل غير المباشر لكن دون ان يهتم بالوصول الى نتائج.وكالعادة بقيت الحال على حالها واعطى وعودا كثيرة ابعد من مستوى النظر،ووقع في ورطة على مستوى السياسة المالية، وبعد ان ظن انه احسن الاختيار في وزير ماليته ولكن الامر انتهى الى زعل القيادات الخارجية مما تطلب استقالة وزير المالية ثم اسندها لمن لا تخصص له بها،وهي المرة الأول في البلاد يتولى المالية مهندس. واعتقد انه لم يرتكب اجراءات كارثية كما فعل بعضهم.وطبعا لا نستطيع تصديق ما اشيع عن تحويله مبالغ لصالحه او لصالح وزرائه وبعلمه فهذه الامور اصبحت تطلق على عواهنها دون ان يقدم احد دليلا).

رأي علمي في أداء الكاظمي

تعدّ استطلاعات الرأي اصدق وسائل تقويم الأداء في مجالات الحياة المختلفة.وقد اعتمدتها من يوم تولى السيد مصطفى الكاظمي رئاسة مجلس الوزراء.


  وللتــذكيــر فأن الكاظمي واجه في بداية تكليفه وضعا معقّدا سياسيا،امنيا،اقتصاديا،صحيا،مجتمعيا..ما واجهها أحد من قبله،فهو استلم خزينة خاوية من سلفه عادل عبد المهدي،والعراق مدين للبنك الدولي،وتصاعد الأصابات والوفيات في الموجة الثانية لفايروس كورونا، وتهديد النظام الصحي،وتضاعف نسب البطالة والفقر،وتهديد امني يطال المنطقة الخضراء،وتعدد المليشيات وعدم قدرة الدولة بالسيطرة على السلاح،وعودة متظاهري انتفاضة تشرين،و(دكات!)عشائرية في البصرة وميسان وبغداد..وخطر يتهدد حياته من القوى الشيعية السبعة التي رشحته!

ومع ذلك اختار ان يبدأ بأخطرها واكثرها الحاحا جماهيريا..الفساد..مدركا بأنه سيكون امام خيارين:اما ان ينتصر بمعركته على الفاسدين ويكون المنقذ والمخّلص والبطل الذي سيدخل التاريخ السياسي للعراق الذي خلا من الابطال القادة من سنين،واما ان يكون (الشهيد الحي) حسب تعبيره.

 وكان هذا التصور هو الذي شاع عنه بين اغلب العراقيين لغاية اجتماعه بالسيد المالكي.فيومها اصيب الكثيرين بالأحباط واعادهم لسيكولجيا توالي الخيبات،واعيد ليكون بنظرهم كالسيد العبادي الذي وعد بضرب الفاسدين بيد من حديد وما ضرب،لأنه(العبادي) ادرك ان المسؤولين الكبار باجهزة الدولة وقيادات الكتل السياسية متورطة كلها بالفساد، مبررا خذلانه بخطابه بجامعة بغداد (27/11/2017) بأن (الفساد مافيا،يملكون المال،فضائيات،قدرات،يستطيعون ان يثبتوا انهم الحريصون على المجتمع،وهم الذين يحاربون الفساد، ولكنهم آباء الفساد وزعماء الفساد).

الاستطلاع الثالث

  في (5-6/9/2020) اجرينا الاستطلاع الثالث لتقويم اداء الكاظمي شارك فيه (3843) بينهم اكاديميون ومثقفون واعلاميون،توزعوا على ثلاثة مواقف،الأول:يثمن اداء الكاظمي ويصفه بأنه افضل رئيس وزراء حكم العراق،ولديه نية حسنة بتأسيس دولة مستقرة ناجحة.


والثاني:يرى فيه شخصية استعراضية،حكومته حكومة فيسبوكيه بدون تخطيط،وأننا  كنا ننتظر منه مسك اي رمز من رموز الفساد الكبيره،ولكنه لم يفعل،يتخذ قرارات ويتراجع عنها..وبأختصار هو ليس حازما وليس لديه الشجاعه الكافيه.


والثالث يتخذ موقف الشك المريب منه بقولهم: لقد ابتلعنا الطعم الذي ألقته الأحزاب الفاسدة ليسوقوه للشارع المنتفض فظن الناس أنه ضدهم وهم ضده فتقبلته الأكثرية،وبعد ثلاثة أشهر لم يقدم شيئا حقيقيا في مشروع بناء دولة المؤسسات،ولم يقدم شيئا في اتجاه محاربة الفاسدين.

والرابع يتخذ موقف الناقد والمتعاطف،بان لديه المنهج لكنه متردد او بطيء،وقول أحدهم:(والله انا من محبي الكاظمي بس لحد الان ماكو اي شي جيد تحقق بالواقع، صحيح الفترة قصيرة بس عدنه مثل بالريف (ما يلحك على الجوعان ناعم الثريد )، انا جوعان وتكول خل نعملك الثريد. بس الحجي والوعود،وهذا تخدير،والناس اذ اتضل هيج راح تسحب تاييدها).

المفارقة..ان هذه المواقف من اداء الكاظمي التي اجريت في استطلاع   
(5-6/9/2020 )متشابهة ان لم تكن متطابقة مع مواقف استطلاع ( 13 / 10/ 2022)
!..ما يعني أن الرجل اختلفت حوله الآراء والمواقف، وهذه حالة طبيعية،ان الشعب لا يرضى كله على أداء حاكم،لا سيما العراقيون لأنهم، في رأينا، اصعب خلق الله..فهم لم يرضوا عن عبد الكريم قاسم ولا عن احمد حسن البكر..فكيف بمصطفى الكاظمي الذي جاء متحديا بأنه سيكون(الشهيد الحي) الذي سيحقق للعراقيين ما يتمنونه،وما استطاع لأنه وجد نفسه امام مستبدين قتلة استهدفوه واهانوه..وسكت،لأن شخصيته ليست عدوانية،وانه – سيكولوجيا- يكره العنف ويتحمل ما يلحق به من حيف تفاديا لحصول فتنة،وهذه مواصفات لا تنفع حاكما بمنصب رئيس وزراء لحكومة عراقية تتطلب الشدة والحزم.فالقرارات هي التي تحدد نوعية الحاكم ما اذا كان يبدأ بالأصعب نزولا الى الأسهل،ام بالاسهل صعودا الى الأصعب،أم بالاسهل والتوقف عن تنفيذ الاصعب..فالقائد الذي يعتمد الآلية الأولى يتمتع بشخصية الواثق من نفسه ان اعتمد على جمهور واسع يمثل المجتمع لا على المغامرة،فيما تمتاز شخصية الذي يعتمد الثانية بالحكمة والتأني والعقلانية،وبعكسهما..تتصف شخصية من يعتمد الثالثة بالتردد.


وما حصل،ان الكاظمي اعتمد الآلية الثانية(البدء بالقرارات الاسهل صعودا الى القرارات الأصعب)،فأصدار قرارا يقضي بايقاف ازدواج الرواتب،تبعه في (25 حزيران 2020) اعلانه بأن الأيام القادمة ستشهد حملة تغييرات في المناصب المتقدمة في الدولة،وتجريد الأحزاب من المناصب التي حصلت عليها خلافا للقانون.ولأن الحدثين خطيرين فقد تساءلنا ليلتها في منشور بعنوان(الأنقلاب الأبيض هل سيحصل؟)،لتفيد فضائيات باقتحام مسلحي ميليشات حزب الله المنطقة الخضراء،وتجاوزت عليه اعتباريا دون رد حاسم منه.وانتهينا الى ان العبادي كان في قراراته (هاوي بس ما ناوي).وتمنينا على الكاظمي ان يكون (هاوي وناوي) فارغمته المواجهة مع قوى الفساد والدولة العميقة ان لا يتحرش بها مدركا ان السياسة  في العراق بلا مباديء،بلا اخلاق، بلا دين..فتخلص من شر طبقة سياسية مستبدة كان فيها سفينة انقاذها من طوفان غضب الشعب الذي خسر منه ملايين توسموا فيه خلاصهم من افشل وافسد واقبح طبقة سياسية تحكمت بها سيكولجيا الضحية فاستفردت بالسلطة والثروة وتقاسمت مؤسسات الدولة بين عوائل قياداتها!

  وبرغم ان السيد مصطفى الكاظمي يعدّ من أقل رؤساء الوزراء مدة حكم،الا انه سيدخل التاريخ السياسي العراقي التسعيني بوصفه من اكثرهم جدلا بخصوص ما له وما عليه.  

*


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...