كنيسة الساعة في الموصل
أ.
د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -
جامعة الموصل
كنيسة
الساعة ، أو كنيسة اللاتين في الموصل ، معلم بارز من معالم هذه المدينة .. جرت قبل
سنوات أوسع عملية لترميمها وإعادة الحياة لساعتها الاثرية القديمة التي يرجع
تاريخها الى سنة1882م . وقد قيل إن دقات هذه الساعة كانت تسمع من مسافات بعيدة تصل
الى خمسة عشر كيلو مترا . فما هي قصة هذه الكنيسة وساعتها ؟
يؤكد المؤرخون بأن
الحجر الاساس لكنيسة اللاتين قد وضع يوم9 نيسان بناؤها سنة1866 ، وأن القاصد
الرسولي المطران نيقولا الكبوشي قد شهد ذلك مع جمع من المطارنة الموصليين أمثال
عبد يشوع خياط، وبهنام بني. وإستغرق بنائها سبع سنين ، وتتألف الكنيسة من بناية
كبيرة بقبتين سامقتين وهيكلا رحبا ، يتصدره مذبح عال جميل، وفي يوم4 آب سنة1873
فتحت أبوابها للصلاة والعبادة . وفي الكنيسة منصة تتسع لنحو مئة شخص مع جوقة
التراتيل الدينية وأمامها أرغن ضخم ، ويعده الاستاذ بهنام سليم حبابة ، أول آلة
موسيقية دخلت الموصل قبل قرن من الزمن . أما الساعة مع برجها الذي إرتفع فـي
تـموز سنة1882 فهدية من جوزفين زوجة الامبراطور الفرنسي
نابليون وقد اطلق عليها إسم (بيغ _ بن) الموصلية، وهي من صنع إحدى الشركات
الفرنسية ، وقد دهش مسؤولو هذه الشركة حين علموا - قبل سنوات قليلة - إن ساعة
الموصل لاتزال تعمل ، وقد وافقوا على إرسال ساعة الكترونية حديثة لتحل محل هذه
الساعة الاثرية .
ويقول الاب نجيب موسى
ميخائيل مسؤول الكنيسة ان الساعة كانت تشتغل (بالنصب ) عبر مجموعة عتلات (دشالي )
وزناجيل وثلاثة اقفال تتناوب بتحريك الرقاص والاجراس ، وهي باربعة أوجه أي أنها
بأربع ساعات ترتفع عن الارض بحوالي50 مترا . وكانت تدق كل ربع ساعة دقة واحدة ،
وفي (تمام ) الساعة تدق مثل نغمات ساعة (بيغ _ بن) وقد تم تطوير عملية نصبها عن
طريق الاب توما بوضع جهاز كهربائي مبرمج لشحنها كل24 ساعة .
ويشير
الاستاذ ماجد عزيزة في مقال له بجريدة الجمهورية (الغدادية ) ، يوم17
من آب سنة1993 .. الى ان الساعة بقيت تعمل دون توقف ، باستثناء حالتين الاولى ،
حين التفت أفعى كبيرة على زناجيلها فعرقلت حركتها .والثانية عام1985م لعطل
ميكانيكي لاحد أجزائها الداخلية . وقبل بدء تعمير الكنيسة في سنة1993 كانت الساعة
قد توقفت ، لكن خبراء من منشأة الفاو العامة تمكنوا من اعادة الحياة
اليها وصيانة أجهزتها وخاصة منظومة قرع الاجراس، وتم الاتفاق على
إيقافها لحين الانتهاء من أعمال تجديد الكنيسة .ومهما يكن من أمر فأن الساعة
الجديدة قد نصبت مكانها وهي تعمل بدقة متناهية .
وترتبط
كنيسة الساعة ، بالآباء الدومنيكان ، وهم مرسلون دينيون جاؤوا الموصل سنة1750م
للخدمة الطبية والتعليمية والدينية، وكانوا في البدء من الايطاليين ، ثم حل الاباء
الفرنسيون محلهم منذ سنة1856م ويخدم في الكنيسة آباء عراقيون وعرب كان
أولهم في الموصل( الاب خليل قوجه حصاري) الذي أقام في العراق بين سنتي1951ـ1983 م
وألف كتاب عن الدومنيكان وهناك الاب يوسف عتيشا، والاب يوسف توما، والاب جودت قزي
اللبناني والاب نجيب موسى ميخائيل منذ سنة1987 م وحتى اليوم .والاباء
الدومنيكان عند كتابة هذه السطور كلهم عراقيون ولا يوجد -حسب علمي - أي أجنبي
بينهم .
وقد
أنشأ الدومنيكان سنة1858 ((مطبعة حديثة ))، بلغ مجموع ما أنجزته قرابة500 كتاب ،
وأصدر الاباء الدومنيكان سنة1902 ((مجلة إكليل الورود)) ، وهي أول مجلة عراقية .
كما فتحوا المدارس والمعاهد ودور الخياطة والتطريز ، وإهتموا بالمسرح
وقدموا " مسرحيات عديدة " منذ سنة1890 وأدخلوا
كذلك" التصوير الفوتوغرافي" الى الموصل لاول مرة في تلك الفترة
كذلك .
تعرضت
بناية الكنيسة منذ سنة1984 لكثير من التشققات في جدرانها على أثر ظهور المياه في سردابها
، وفي سنـة1989 كلفت شركة (راديو كيلر) الايطالية بأعمال صيانة وإعمار الكنيسة ،
ولكن فرض الحصار الجائر على قطرنا العزيز حال دون إكمال الشركة لمهامها فلقد غادر
العاملون فيها العراق ، فكان على العراقيين أن يشمروا عن سواعدهم ، فباشرت دائرة
مشاريع الشمال بصيانة كنيسة اللاتين وبملاكات وخبرات هندسية وفنية عراقية صرفة وقد
انجز العمل وجرى احتفال كبير بهذه المناسبة.
طبعا هذه المقالة كتبتها قبل سنة 2014 حين
سيطرت عناصر داعش على الموصل لمدة ثلاث سنوات اي الى ان تم تحرير الموصل سنة 2017
والكنيسة كنيسة الساعة الجميلة تعرضت على ايديهم وخلال معارك تحرير الموصل الى
كثير من التدمير والتخريب واليوم تبذل الجهود من قبل اليونسكو وبدعم مالي من دولة
الامارات العربية المتحدة مشكورة لإعادة اعمار كنيسة الساعة ضمن مشروع اعادة بناء
منطقة الجامع النوري الكبير والامل كبير في ان تعود الكنيسة زاهية كما كانت وافضل
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق