بناية مركز شرطة السراي (المركز العام ) في الموصل
تاريخ مركز شرطة السراي (المركز العام ) في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
وللاسف ، هدم مبنى ( المركز العام ) ، الذي يقع في محلة باب السراي أي سراي ولاية الموصل في العهد العثماني 1516-1918 .ولم يعد الجيل الحاضر يعرفه وسوف لن يذكره احد من هذا الجيل لكن بناية هذا المركز ماثلة أمام أعيننا ، وفي ذاكرتنا نحن الجيل الذين ولدنا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ولنا ذكريات فيه وعنه واتذكر اننا في الخمسينات و الستينات كنا نحتاج الى ان نراجع قسما فيه لكي نحصل على شهادة عدم المحكومية وكانت مطلوبة منا عند التقديم على الدراسة في الجامعة او للتعيين .
وايضا ، وانا اتحدث لكم عن المركز العام .. أننا كنا نشاهد طقسا يوميا أمام المركز العام ، وهو رفع العلم في الصباح وانزاله في المساء هذا الطقس الجميل يجري يوميا عندما تخرج ثلة من الشرطة ، وهي تحمل بنادقها وبكامل قيافتها من المركز وتصدح الموسيقي ويتم رفع أو انزال العلم وتتوقف الحركة امام المركز ويتسمر الجميع في مكانه ..كان طقسا جميلا ، وكنا معجبين بالانضباط والضبط والربط الذي كانت الشرطة عليه في هاتيك الايام .
ومن ذكرياتي عن المركز العام ، أن شائعة في الخمسينات ظهرت بأن احدهم تبول على الزروع فقلبه الله الى حمار وتجمع الناس أمام المركز العام ليروا هذا الرجل ، واذا بسيارة لوري تحمل الحمار وقد غُطي رأسه وأُدخل المركز العام فتأكد الناس من صدق الحدث وتفرقوا وعاد كل واحد الى عمله .
ومن ذكرياتنا عن المركز العام ان ساحته التي كانت تواجه علوة سوق الحنطة الجديد كانت تعج بالمتظاهرين الغاضبين على الحكومة رأينا وسمعنا عن هذا سنة 1933 وسنة 1941 وسنة 1948 و1952سنة وسنة 1956 وسنة 1970 وما بعد ذلك .
كان المركز العام يقع بالقرب من ساحة باب الطوب .. مركز مدينة الموصل (السنتريوم ) .. وكانت ثمة بنايات كتبتُ عنها مرة منها : محلات حسو اخوان وسينما الفردوس والبريد القديم والبنك المركزي ومن بعده مصرف الرافدين ومقهى ام كلثوم ومقهى علوة سوق الحنطة ذات الطابقين والخياط طاطول ومحلات خليل سعيد حديد للاجهزة الكهربائية والبنك الشرقي ( ايسترن بانك ) .وخان حمو القدو وحمام الصالحية وسوق القصابين وسوق الصوافة .
كان باب الطوب - بحق - مركز المدينة الاقتصادي والسياسي والاجتماعي .
اريد ان اقف قليلا عند بناية ( المركز العام ) .. هذه البناية التي حظيت بدراسة واهتمام نخبة من الباحثين المهندسين والاثاريين والتراثيين منهم الاساتذة مصعب محمد (منقب آثار) و جاسم فاضل (اختصاص آثار) وعباس احمد ، و جنيد الفخري (فنان آثاري ) و حسنية دحام (مهندسة معمارية ) وبالتعاون مع الباحث التراثي الاستاذ محمد توفيق الفخري وقد اخرجوا لنا دراسة مهمة بعنوان ( العقار المرقم 160 مركز السراي في باب الطوب ) .
ومما جاء في هذه الدراسة أن سراي الموصل أوما يسميه الناس المركز العام أو مركز شرطة السراي ، مبنى تراثي ويقع في منطقة تراثية ، ويعتبر من المباني العثمانية في مدينة الموصل ، فهو بالإضافة إلى قدم بنائه الذي يعود حسب المصادر المتوفرة لدينا إلى سنة 1864 م عندما اتخذ مركزا للشرطة ، ثم مدرسة للسريان ومن ثم مدرسة للصنايع سنة 1924 حتى إذا فيما بعد مركزاً عاما للشرطة ، والعقار مسجل باسم وزارة المالية (ملك صرف) .كما شغل من قبل مديرية شرطة الحدباء .
أن ما أكده الباحثون الذين ذكرتهم هو ان الطابع التراثي هو ما كان يغلب على جميع المنشآت المجاورة للمركز العام ، فهنالك (حمام الصالحية ) التراثية إحدى ألاماكن الخدمية وخاصة ( خان حمو القدو ) و ( خان الباليوز ) والأسواق التي تأتي خلف هذه البناية والمتمثلة ب(سوق العطارين) و(سوق البزازين )
وبناية المركز العام ، كانت مؤلفة من طابقين : الأرضي يحتوي على ثماني حجرات ، وصالون ، وحوضين للماء ، وقنطرة للداخل ، وفسحة أمام الباب ومثله في الطابق الأول مع شرفة أمامية ، والمبنى معمول بالجص والحجر وبعض غرفه في الطابق الأرضي على شكل عقادات بينما غرف الطابق الأول مسقفة بالشيلمان . والبناء مغلفة أركانه بالحجر ، والمرمر ومداخل الأبواب والشبابيك معمولة من الحديد الموصلي المزخرف ، وتنتهي من الأعلى بعقادات مدببة جميلة . وهذه المواصفات التراثية التي تكون واجهتها على هيئة الأقواس الإسلامية في الواجهة ، فريدة من نوعها في الموصل .
كان المركز العام للشرطة يضم مديرية شرطة لواء الموصل التي تشكلت سنة 1922 وقد غلبت تسمية (المركز العام ) على مديرية شرطة لواء الموصل منذ العشرينات ، وكان يدير المديرية عند التشكيل ( معاون شرطة) لكنها اخذت تتوسع بمرور السنين ويتزايد عدد افرادها وتشكيلاتها وفق مقتضيات الحاجة حتى وصلت درجة أن من يدير شرطة المحافظة اليوم الى رتبة (لواء ) ويسمى قائد شرطة المحافظة ويكون مسؤولا امام وزير الداخلية .وكانت مديرية شرطة المحافظة ولاتزال تضم تشكيلات عديدة منها شرطة المرور وشرطة النجدة والاليات والتحريات الفنية ومكافحة الاجرام والمخابرة والميرة والالعاب ويكون مدراء هذه التشكيلات مسؤولين امام المدير العام لشرطة المحافظة او قائد الشرطة .
وفي سنة 1933 حدث تطور في مديرية شرطة الموصل .ومن ذلك انها اضافت الى ملاكها عشرة معاونين وعشرين مفوضا بعد اكمالهم الدورة التدريبية .كما تشكلت في مديرية الشرطة سنة 1933 (هيئة مراقبة الاخلاق العامة ) او ما يسمى اليوم في بعض الدول (شرطة الاداب ) .
وفي سنة 1936 تشكلت (قوة الدرك ) .كما تم تسيير دورات الخيالة في منطقة قضاء الموصل .واتسع ملاك ( السيارات المسلحة ) واعي تشكيل معاونية شرطة القضاء مرة اخرى سنة 1943 وصارت لدينا تشكيلات جديدة للشرطة في الموصل الاولى بإسم (مركز شرطة نينوى ) والثانية (مركز شرطة القضاء ) .كما تطورت مديرية شرطة المرور .
كان اول من تولى منصب مدير الشرطة في الموصل في العهد الملكي تحسين بك ( 1-10-1922-31-1-1925 ) وبعده جاء تحسين العسكري (5-2-1925 الى 28-9-1928 ) وتوالى مدراء الشرطة ومنهم صالح حمام وحسام الدين جمعة وحسن فؤاد ووجيه يونس وعبد الرزاق الفضلي وعبد الله عوني ودرويش فضلي وبهجت الدليمي وكامل يحيى وعلي غالب قاسم ومزاحم ماهر وعبد الجبار فهمي وخضر عبد الجليل وعلي غالب البياتي ونجيب علي وعبد الرحمن الدربندي وعبد الله سعيد وابراهيم السيد حسين وياسين درويش واسماعيل عباوي وشاكر يونس وطارق طاب وحامد اسماعيل العاني وطالب ابراهيم السعيدي ونوري عريبي الخياط ومحمود محمد الحلو وسامح عارف واحمد محفوظ زيادة وطالب كامل الخطيب وجميل رشاش الزاوي وفتح الله محمد علي ، والى ان نصل الى يومنا هذا حيث اللواء الركن حمد نامس قائدا لشرطة محافظة نينوى .
كتب الحاج الاستاذ عبد الجبار محمد جرجيس الباحث التراثي المعروف عن شرطة الموصل في كتابه (دليل الموصل العام ) الذي اصدره سنة 1975 ، واشار الى تشكيلات مديرية الشرطة ومنها مديرية شرطة النجدة ومديرية مكتب شرطة التحريات الفنية وشعبة المخطوطات وشعبة الاسلحة الجرمية شعبة التصوير الجنائيومديرية شرطة اليات المحافظة ومديرية شرطة البلدة وامرية انضباط الشرطة ومكتبة الشرطة ونادي ضباط الشرطة ومديرية شرطة المرور ومديرية جنسية محافظة نينوى ومديرية شرطة الاقضية ومديرية حدود نينوى ومديرية شرطة كمرك ومكوس المنطقة الشمالية .وطبعا هذه التشكيلات تتعرض للتغيير او للتطور حسب الحاجة ووقف عند مراكز الشرطة في الموصل وكان عددها في السبعينات (19) مركزا منها مركز شرطة باب الجديد ومركز شرطة سنجار ومركزشرطة باب الشط ومركز شرطة الغزلانيومركز شرطة خزرج ومركز شرطة الكهرباء ومركز شرطة باب النبي ومركز شرطة الشيخ فتحي ومركز شرطة النصر ومركز شرطة وادي حجر .
اريد ان اقول انني اشرفت على اطروحة دكتوراه في كلية الاداب بجامعة الموصل قدمها تلميذي الدكتور ذنون يونس الطائي سنة 1998 بعنوان : ( الاوضاع الادارية في الموصل خلال العهد الملكي 1921-1958 تحولت الى كتاب سنة 2008 ، وفيها مبحث عن الشرطة ومما جاء فيه ان العقيد الركن نوري السعيد ( وهو من شكل فيما بعد 14 وزارة خلال العهد الملكي 1921-1958 ) ، زار الموصل يوم 8 شباط سنة 1922 وكان مديرا للشرطة العام واشرف على تأسيس مديرية شرطة الموصل وكان ملاك المديرية يتألف في حينه من مدير الشرطة تحسين علي ومفتش الشرطة إي . أ. ساركون Sargoon ومعاوني المدير علوان حسن وعبد الجبار الراوي .
ومن الطريف ان اشير الى ان عدد قوات الشرطة في الموصل سنة 1923 كان حوالي (626 ) من المشاة و(308 ) من الخيالة .وكان راتب الشرطي (60 ) روبية والروبية عملة هندية كانت مستخدمة في العراق وتساوي (75 ) فلسا .
وقد صدرت سنة 1924 تعليمات من وزارة الداخلية العراقية حددت صلاحيات مدير الشرطة العام ومديري شرطة الالوية والمعاونين والموظفين في مراكز الشرطة . وفي سنة 1926 استحدثت دوريات السيارات المسلحة لتقوم بواجب حماية الحدود في الموصل ومطاردة المهربين وفض النزاعات العشائرية كما توسع عدد المخافر الحدودية التابعة للواء الموصل منذ سنة 1924 .
هذا جانب من جوانب قصة الشرطة والمركز العام في الموصل رويتها لكم .
*2018 .............https://www.facebook.com/photo/?fbid=10216711170788617&set=a.1661700019326
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق