الخميس، 26 مايو 2022

حمادي الناهي وجريدة الكشكول

                                                               الصحفي الرائد حمادي الناهي 


حمادي الناهي وجريدة الكشكول

ا.د.إبراهيم خليل العلاف

استاذ متمرس -جامعة الموصل - العراق

حفلت الصحافة العراقية منذ صدور جريدة " زوراء " ببغداد في الخامس عشر من حزيران سنة 1869 بالكثير من الأنماط الصحفية . فإلى جانب الصحافة الجادة، كانت هناك صحافة ساخرة أو هزلية.. وتعد جريدة( جكه باز) أي الثرثار التي صدرت في الموصل سنة 1911 أول صحيفة عراقية ساخرة. وقد توالى صدور العديد من الصحف الهزلية في العراق، لعل جريدة حبزبوز التي أصدرها الصحفي المقتدر نوري ثابت سنتي 1931-1938 من أهمها.. ومن الطبيعي أن يتربى في أحضان هذه الجريدة صحفيون اتخذوا من السخرية والهزل أسلوبا في مناقشة قضايا الحياة والمجتمع والسياسة في العراق ومن هؤلاء المرحوم الأستاذ حمادي الناهي.

ولد حمادي بن مريح بن سلم بن سعيد الناهي الطائي في البصرة، سنة 1915 لكنه لم يبق كثيرا هناك، اذ سافرت أسرته إلى الموصل وفيها أكمل دراسته الإعدادية، وقد كتب صديقنا الأستاذ الدكتور علي حسين الجابري مقالة متميزة عن حمادي الناهي في جريدة العراق (البغدادية) (15 نيسان 1992) بعنوان ((حمادي الناهي: رحيل صامت لرجل صاخب)) جاء فيه ان حمادي الناهي أودعه قبل رحيله جانبا من (أسراره) و(أفكاره) وذلك في حوار بينهما جرى في يوم 27 تموز سنة 1987 في بغداد.

عمل حمادي الناهي مع نوري ثابت في حبزبوز، وبعد وفاة ثابت نقل حمادي الناهي نشاطه الصحفي الى الموصل فاصدر جريدة (الكشكول) وبعد ان فشل في إصدار جريدة ببغداد باسم (البهلول) بعد وفـاة نـوري

ثابت سنة 1938، إذ أن الحكومة وكانت آنذاك حكومة جميل المدفعي الرابعة في الحكم (تألفت في 17 آب 1937 واستقالت في 24 كانون الأول 1938) لم توافق على إصدارها.

صدر العدد الاول من جريدة "الكشكول " في الاول من نيسان سنة 1939 وقد جاء في ترويستها ان صاحبها حمادي الناهي ورئيس تحريرها المسؤول يوسف النجدي المحامي وكانت كثيرا ما تتوقفت وخاصة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وقد احتجبت بشكل نهائي سنة 1969 وكان الاستاذ حمادي الناهي يصدر اثناء توقف "الكشكول " جريدة " لسان الكشكول " عوضا عن " الكشكول " وقد حدث هذا سنة 1954 ومما يذكر ان حمادي الناهي بالاصل من مدينة الناصرية لكنه عاش وعمل في الموصل وهو اول من اسس حزبا بأسم "حزب الحمير " لكن هذا الحزب لم يصمد طويلا في مواجهة سخرية الناس في وقت اراده مؤسسه ان يكون اداة سخرية من السلطة الحاكمة انذاك والتي لم يكن معها على وفاق ومع هذا فقد اصدر الاستاذ حمادي الناهي كتابا ضمنه كما سنرى مقررات الحزب .

ألف غالب الناهي كتابا سنة 1954 أرخ فيه لمجموعة من مفكري العراق، تحدث فيه عن عمه (حمادي الناهي) واحتسبه من صحفي ومثقفي الموصل وقال عنه ((ان اسم حمادي الناهي الكاتب الساخر الذي استطاع ان يلج النفوس، ويسيطر على القلوب بأسلوبه الساخر الغني، وهو عندي شبيه ببرنادشو، الكاتب الايرلندي الساخر. فلقد وظف حمادي الناهي، كما قال الجابري، حسه النقدي، وبلاغته التراثية الثرة، ودعابته الحاضرة المعاصرة، وأسلوبه اللاذع في عرض أفكاره (الأخلاقية والوطنية والقومية) في مرحلة خطيرة من مراحل التاريخ العربي المعاصر، حيث المواجهة مع الاستعمار والصهيونية، وقد عكس حمادي الناهي أفكاره هذه في كتاب كبير ما يزال، للأسف، مخطوطا وهو بعنوان: ((حربنا مع الانكليز)) وقد ألفه سنة 1941 أبان ثورة مايس-مايو المعروفة.

ومما قاله في هذا الكتاب المخطوط في حق العرب: ((من الحكمة السرمدية الإلهية البالغة، أن الله جل شأنه قد أوعز إلى النبي الأعظم محمد أن لا ينطق عن الهوى ((إن هو إلاّ وحي يوحى، علمه شديد القوى)) النجم (4-5). وعن أبي هريرة انه قال ان بقاء العرب نور للإسلام و ((إذا ذل العرب ذل الإسلام )) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي)) أخرجه الترمذي في جامعه..

وحول توجه حمادي الناهي الوطني والقومي قال بأنه قد تأثر بهذه الأفكار منذ صغره و ((لقد تغذيت من لبان الروح القومية وفهمتها فهما وثيقا.. ولكل عربي وطنان (صغير وكبير) فالوطن الصغير هو بلده الذي ولد فيه، وترعرع في ربوعه. أما الوطن الكبير فهو البلاد العربية بأجمعها)).

أسهم حمادي الناهي في ثورة مايس 1941 وكانت له علاقة بالضباط الذين قادوا هذه الثورة ومنهم صلاح الدين الصباغ وزملائه، وبعد فشل الثورة هرب الى سوريا وانخرط هناك في العمل السياسي وكانت له صلات مع قادة فلسطين وسوريا ولبنان أمثال الحاج أمين الحسيني وفوزي القاوقجي وأمين رويحة وسعد الله الجابري وعبد الرحمن ألكيالي وبشارة ألخوري ورياض الصلح، كما تعاون مع عدد من الرواد القوميين والإسلاميين والاشتراكيين والشيوعيين ، الذين جعلوا من (الساحة الشامية) مكانا لنضالهم السياسي منهم (محمد اليتيم من البحرين) و(عباس كاشف الغطاء من العراق) و(خالد بكداش من سوريا) ومما يلحظ أن ثمة تباين في اتجاهات أولئك السياسيين لكن هذا لم يمنع من ان يؤكد حمادي الناهي في مذكراته غير المنشورة والتي تحمل عنوان (مذكرات عن الحركة القومية في بلاد الشام: سوريا ولبنان وفلسطين) انه أحتفظ بموقفه الوطني والقومي وهذا ما دعاه إلى انتقاد المواقف الشيوعية والنازية والرأسمالية الغربية من القضايا العربية ومنها قضية فلسطين.

أصدر حمادي الناهي بعض الكتب، طبع منها كتابه الأول: (ثمانون وألف ليلة في السجون) وهو بجزءين.اما الكتاب الثاني فهو بعنوان : " مقررات حزب الحمير" وهو بجزءين كذلك ، طبع الجزء الأول فقط، أما الجزء الثاني فلا يزال مخطوطا.

وقد قام حمادي الناهي بقرابة (77) رحلة الى مناطق العراق المختلفة، فلقد جال العراق من أقصاه إلى أقصاه، وكتب عن المدن والقرى والأرياف والمصايف والجبال والأنهار والاهوار والصحراء.. من أقصى الزبير إلى حدود زاخو ونشر جانبا من وصف تلك الرحلات في جريدته الكشكول. ولقد أتقن الناهي اللغة الكردية إلى جانب اللغة العربية..

كما زار الناهي عددا من البلدان العربية، ونشأت بينه وبين صحفيها علاقات وثيقة استفاد منها في مقالاته. أستقر في الموصل أواخر حياته وتعرض للمرض وفقد بصره وتوفي في كانون الاول سنة 1990 تاركا الكثير من المقالات التي تعالج قضايا العراق والبلدان العربية بأسلوب ساخر وبناء، رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء فلقد قدم ما يفيد وطنه وأمته .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل قبل أيام نشرت مقالة عن أول مؤتمر ثقافي عربي عقد سنة 1947 ، وعن حضور العلامة المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ الدكتور جواد علي وهو من اساتذتي درسني في الصف الاول في كلية التربية -جامعة بغداد سنة 1964 مادة (تاريخ العرب قبل الاسلام) ، وقد علق الاخ الاستاذ شهاب سالار الاثري على ما كتبته ، وقال ان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري اللغوي والمؤرخ والمحقق العراقي الكبير كان من اوائل الحاضرين في هذا المؤتمر وكان يمثل العراق وقد القى كلمة مهمة . يقول الاستاذ شهاب سالار الاثري بعد ان نقل تحيات الاستاذ يسار محمد بهجت الاثري :" الاخ الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف ، بعد ابداء مايليق بالجناب من اعطر التحيات واجملها فأني ارجو ان تكونوا بخير وصحة وعافية . قرأت مقالكم الفخيم حول المؤرخ الدكتور المرحوم جواد علي (رحمه الله). (ومشاركته في المؤتمر الثقافي العربي الأول) الذي انعقد سنة 1947 ويبدو لي ان الاستاذ حسام الساموك قد التبس عليه التاريخ وكتب سنة 1945 بدلاً من سنة 1947 ونشرها في مجلة افاق عربية ولربما أن الخطأ وقع من المطبعة . وتم انتخاب الأستاذ الأثري في هذا المؤتمر رئيساً للجنة اللغة والقواعد. وشارك المرحوم الاستاذ الدكتور جواد علي في القاء محاضرة عنوانها (الثقافة العربية ومقامها من الثقافات العالمية) .. . العراق شارك في اعمال هذا المؤتمر العتيد ..المؤتمر العربي الأول المقام على ارض لبنان برعاية رئيس جمهورية لبنان الشيخ بشاره الخوري في بيت مري للفترة من ٣ إلى ١١ أيلول - سبتمبر سنة ١٩٤٧م ، وعن اوليات عقد المؤتمر قال ان اللجنة الثقافية للجامعة العربية فكّرت بعقد أول مؤتمر عربيّ، وكانت أهم المواضيع المطروحة للبحث في: آداب اللغة العربيّة، والجغرافية والتاريخ، والتربية الوطنيّة. وما أن أُعلن عن المؤتمر حتى تقدّمت إليه الطلبات الكثيرة من شتّى الأقطار العربيّة من رجال ونساء وبلغ عدد المؤتمرين (300) ثلاث مئة شخصٍ. حضرت وفود من الدول العربية التالية : ١- مصر. ٢- لبنان. ٣- سوريا. ٤- العراق. ٥- فلسطين. ٦- المغرب. وضم الوفد العراقي وكان برئاسة العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العربيّ بدمشق وعضو لجنة التأليف والترجمة (كانت نواة للمجمع العلمي العراقي فيما بعد) . كلا من : الدكتور جواد علي سكرتير لجنة التأليف والترجمة. الأستاذ إبراهيم شوكت (الدكتور ابراهيم شوكت استاذ الجغرافية في كلية الاداب جامعة بغداد فيما بعد) الأستاذ المساعد بدار المعلمين العالية. الأستاذ محمد ناصر (الدكتور محمد ناصر التربوي الكبير ووزير التربية السابق ) الملحق الثقافيّ بالمفوضيّة العراقية بالقاهرة. كان من المقرر مشاركة الأستاذ منير القاضي عميد كلية الحقوق وحرمه للمؤتمر، لكنّه تخلّف عن الحضور. وهذه اسماء من شارك من العراقيين : ١- السيدة صبيحة المقدادي شوكت ثانوية الأعظمية للبنات. ٢- السيد عبد الرحمن البزاز (الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق فيما بعد) حاكم محكمة بداءة بغداد. ٣- الآنسة بهيجة محمد رؤوف القطان مدرسة متوسطة البتاوين - بغداد ٤- الآنسة جولي متري حاج وزارة المعارف العراقية. ٥- الآنسة مهيبه برباري وزارة المعارف العراقية. ٦- لندا عازر كرم وزارة المعارف العراقية. ٧- السيد خلدون الحصريّ (الدكتور خلدون ساطع الحصري المؤرخ العراقي) ٨- السيدة حرم الأستاذ سعيد فهيم بك ٩- الآنسة فيكتورين ميخائيل خمو طالبة بمعهد الملكة عالية - بغداد. وألقى العلامة الاستاذ محمد بهجة الأثـــريّ كلمة العراق في الحفل الافتتاحي للمؤتمر وأيضاً في ختامه. وقد تم اختيار العلّامة محمد بهجة الاثريّ رئيساً للجنة اللغة والقواعد. من الجميل ان وقائع المؤتمر الثقافي الاول الذي انعقد في بيت مري بلبنان من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر سنة 1947 ، صدرت عن جامعة الدول العربية في كتاب حمل عنوان ( المؤتمر الثقافي العربي الاول المنعقد تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية في بيت مري - لبنان 1947 من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر 1947 -القاهرة ) وقد طبع الكتاب سنة 1948 في (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ) . مندوب جريدة (الزمان ) البغدادية وكما هو منشور في العدد الصادر يوم 24 ايلول - سبتمبر 1947 ، التقى العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري وسأله عن اهمية المؤتمر فقال الاستاذ الاثري :" أرى ان هذا المؤتمر ،كان الحجر الاساسي الاول لاقامة صرح جديد للثقافة العربية على امتن الاسس واقواها ،والاتجاه بها الى القومية الصحيحة الرصينة وتكوين الفكر العربي المستقل بوعيه والمتميز بخصائصه ..." . كان الاستاذ محمد بهجت الاثري قد القى كلمة ضافية في المؤتمر قال فيها :" تحية العراق الى الوطن العربي الاكبر من البصرة وتخوم طوروس الى ضفاف الاتلنتيك ،والعراق كان ومابرح ولن يبرح الى مايشاء من تلك المراكز العربية الاصيلة الملامح والسمات التي بحمل ابناؤها في الحواضر والقرى والارباض والارياف انبل العواطف واسمى المشاعر لكل قطر عربي حيث كان ولكل ماهو عربي وفي كل زمان ومكان ..." . كان في المؤتمر ، ثمة لجان منها لجنة الادب ، ولجنة اللغة والقواعد وترأس لجنة اللغة والقواعد الاستاذ محمد بهجت الاثري في حين تولى الاستاذ اسحاق موسى الحسيني ومن اعضاء اللجنة الاستاذ خليل السكاكيني والاستاذ عبد الله المشنوق . وفي حفل الافتتاح توالت كلمات الافتتاح وكان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري من بين الذين القوا كلمات الى جانب رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري والاستاذ حميد فرنجية والاستاذ احمد امين والدكتور قسطنطين والاستاذ اسماعيل القباني . كان مؤتمرا تاريخيا مهما .رحم الله من غادرنا وحفظ الباقين.

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...