فتح الله غولين والدولة الموازية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
سألني أحد الاخوان عن فتح الله غولين والدولة
الموازية . واقول ان فتح الله غولين ومنذ اربعين سنة يشغل الناس ويملأ الدنيا ...يتحدثون عنه
ويتناولون سيرته وما فعله في مجال اقامة نظام حكم موازٍ للدولة التركية الحديثة
بقصد السيطرة على مقدراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والتعليمية
والصحية والقضائية والثقافية والاعلامية وتسييرها حسب منهجه وفلسفته ولكن لاأحد
يستطيع ان يضع حدا لذلك سواء في الجيش او الدولة او المجتمع .
كتب كثيرون عن فتح الله غولين ونحن في مركز الدراسات الاقليمية –التركية
سابقا قدمنا العديد من البحوث عنه لكن أفضل من كتب عنه الاخت الدكتورة أفراح ناثر
جاسم في مجلة "دراسات اقليمية " : مجلة المركز الاكاديمية التي يصدرها
وفي عدد نيسان 2008 بعنوان :" الاسلام الاجتماعي في تركيا :فتح الله غولين
إنموذجا " . كما كتب عنه الاستاذ محمد نور الدين في كتابه :" حجاب وحراب
"بيروت 2001 واكثر هذه الكتابات ركزت على مسألة مهمة وهي انه أي ( فتح الله رامز
غولين) المولود في قرية كسوروجك
الاناضولية سنة 1938 يملك العديد من المؤسسات الثقافية والاعلامية الفاعلة التي
استطاع من خلالها التغلغل في داخلية المجتمع التركي وحتى في خارج تركيا .ويأتي هذا
من اعتقاده ان تشكيل السلطة الاسلامية يجب ان يبدأ من القاعدة الشعبية وصولا الى أعلى
الهرم السياسي في الدولة والمجتمع .
اذا كان رجب طيب اردوغان واسلافه ومنهم نجم الدين أربكان يرون بأن تيارهم
الاسلامي يجب ان يتمثل بالجانب السياسي ؛ فإن فتح الله غولين يرى ان ( تيار
الاسلام الاجتماعي ) هو ما يجب ان يكون البداية .
ومن هنا فإن غولين استفاد من الحركة النورسية
نسبة الى سعيد النورسي ومحاولاته في السيطرة على مقدرات البلد الاجتماعية
والثقافية والتربوية طريقا للوصول الى السلطة والا ما معنى انه أي فتح الله غولين
يدعو الى الاستفادة من منجزات الغرب التقنية ويدعو الى تحسين العلاقات مع الغرب
وان العداء للغرب كما يقول يلقي بنا الى خارج العصر .
منذ سنة 1995 وهو يحظى بدعم الغرب يزوره
سفراء الولايات المتحدة والمانيا وانكلترا وروسيا ويعربون عن اعجابهم بنشاطه وهذا
مما اثار حوله جملة من التساؤلات فهو لايتمتع بأية صفة سياسية .
لقد إختار غولين العمل السياسي خارج مؤسسات
الدولة السياسية وفي كل مرة تنتبه الدولة الى ان لديه خلايا في الجيش مؤيدة له
لكنه يبدو في كثير من الاحيان وكأنه مهادن للدولة وللنظام وحريص على عدم الاصطدام
بهما .
هو يمكث منذ سنة 1995 في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الاميركية للعلاج ، وحتى الانقلاب الفاشل الاخير الذي
اتهم بقيادته من وراء ستار كانت الشائعات تتوالى على ان انصاره يصوتون لحزب
العدالة والتنمية وان ابن خالته كاظم عوجي المرشح عن ارضروم هو من مؤيدي حزب
العدالة والتنمية .
ان علاقة غولين بالسياسة ابتدأت بعد ان سوى وضعه
كمطلوب من الجيش سنة 1987 ، وهو يسعى لمزج حركته وآليات دعوته بالدولة ومؤسساتها
بقصد إكساب حركته صفة الشرعية وبشأن الاسس الفكرية لديه فهو يرى ان التواصل مع
الامة يكون بإستخدام ادوات المدنية الحديثة وهو يجمع بين المعرفة والعقلانية
والعلم والتربية .
وقد بدأ حضوره يزداد قوة داخل تركيا وخارجها
منذ منتصف الثمانينات عندما بدأ يؤسس هو وجماعته مع ممولين سعوديين شركات مشتركة
مثل " مؤسسة الراجحي للصيرفة" و" آسيا فينافس "المؤسسة المالية
الشهيرة .
ولغولين شبكة من المدارس والمؤسسات التعليمية
في اماكن كثيرة منها جمهوريات اسيا الوسطى الاسلامية وفي افغانستان مثلا لديه 53
ثانوية وفي شمال العراق 3 ثانويات ومعهد جامعي في اربيل وفي كازخستان 26 ثانوية
ومدارس ابتدائية المهم اليوم لديه قرابة 200 مدرسة في 54 دولة ولديه في داخل تركيا
عشرات المدارس وجامعة الفاتح التي تأسست سنة 1996 ولديه مؤسسات اعلامية ووقفية
منها " وقف الصحفيين والكتاب " الذي تأسس سنة 1994 ، وله صحف منها (زمان
) اليومية ومجلتي (اكسيون ) و(سيزنتي ) الشهريتين وقنوات تلفزيونية منها
(صمانيولوتي ) ووكالة انباء بإسم (وكالة انباء العالم Cihan
Haber Ajansi فضلا عن محطات اذاعية كثيرة .
هو يؤيد انضمام تركيا للاتحاد الاوربي ويقول
ان المجتمع التركي يستطيع الاندماج بالغرب ، وهو ليس متشددا في مسألة الحجاب ويجادل فيه ..وهكذا يمكن القول ان ما يدعو اليه غولين
ويعمل بموجبه فيه الكثير مما يرتاب منه الاخرون وقد استطاع ان يكسب عددا من
السياسيين الاتراك البارزين بمثل دعواته
هذه ويتغلغل بمؤسساته داخل الدولة ويكسب اعدادا كبيرة من التجار واصحاب رؤوس
الاموال الاتراك وحتى العرب وهذا مما جعل منه شخصية غامضة لا بل ومريبة .
وقد كشف فشل الانقلاب العسكري الاخير كم كانت
لديه قدرات دولة لابل امبراطورية خفية مما القى ويلقي على كاهل الحكومة التركية الحالية مسؤولية
ثقيلة لانجزم بأنها ستكون قادرة على تحملها وسط هذه الظروف الاقليمية والدولية
الخطيرة الا بصعوبة كبيرة ... 2-8-2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق