إنه الانسان .. للاستاذ خالد محمد خالد
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس – جامعة الموصل
" إنه الانسان " كتاب جميل للاستاذ خالد محمد خالد 1920 -1996 ، وهو من الكتب التي اعتز بها وافخر ؛ فالاستاذ خالد محمد خالد من الكتاب المصريين الافذاذ . مفكر متنور تثقفت على كتبه منذ الخمسينات أجيال وأجيال . ولديه كتاب مشهور آخر بعنوان : " من أين نبدأ ؟ " وكتب اخرى منها كتبه :"مواطنون ..لارعايا "و" هذا ..او الطوفان " و" الدين في خدمة الشعب " و" لكي لاتحرثوا في البحر " .وهذا الكتاب " إنه الانسان " الذي نقدمه للاحبة الكرام صدر عن مكتبة وهبة بالقاهرة في فبراير –شباط سنة 1962 ومن مباحثه :"الانسان عبر نفسه " و"الانسان مادة حضارته "و"الانسان سيد فكره " و"التحديد والاختيار " .
إن ما يعجبني في كتابات الاستاذ خالد محمد خالد، أسلوبه الجميل المتميز .. ومعرفته بالمآسي التي يواجهها الانسان وما يميز الناس احيانا من عدم مبالاة وتغييب للصفات الانسانية لهذا يقول المؤلف انه يعرف ما في الناس من خور وضعف وركون واستسلام لكن هذا لم يكن يصرفه عن رؤية الانسان الكامن وراء ذواتهم وصفوفهم والكادح الى الكمال كدحا فملاقيه ..صحيح انه كان يبتئس كما نبتئس اليوم بما يفعل الناس ويتراءى اليه مشهد الحكيم الاغريقي ديوجينز حين صاح من فوق هضبة عالية :"ايها الناس " فلما سارعوا اليه هز رأسه أسفا وقال :" لم أنادكم ..إنما أنادي الناس " .!!
لكن الانسان هذا لايلبث ان يظهر متربعا على عرشه القويم فوق كل هذه الفوضى ..حاملا مشعله المضيء وسط كل هذا الظلام فتذهب من فورها تلك الحسرات الكاذبة ، وتتطاير غواشي الكآبة واليأس أمام عظمته السامقة .
إذن أين الانسان فينا .. ؟ وكيف نستطيع أن نؤدي واجباتنا تجاه كل شيء .. ؟ لن نستطيع حتى نؤدي أولا واجبنا تجاه الانسان ..ما هذا الانسان ؟ الكتاب يجيب عن ذلك من خلال وقفات عند الانسان عبر نفسه ، وعبر مادة حضارته ، وعبر فكره ، وعبر قدرته على الاختيار .
وثمة نداء من الاعماق لهذا الانسان أن يواصل السير دوما من أجل الغرض العظيم الذي خلق له :"أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا " صدق الله العظيم ..إن ازمة الانسان الكبرى هي تمزق صفوفه .. وهذا التمزق هو الذي الذي يفضي الى الحروب والدمار ، وينشر الانانية البغيضة .
وفي مبحث " الانسان مادة حضارته" يتساءل مع فولتير عن مهمة التأريخ ويقول :"أريد أن أعرف الخطوات التي سارها الانسان من الهمجية الى المدنية " .. ومعرفتنا لهذه المسيرة تساعدنا في تقييم الانسان ، واكتشاف دوره في عمران الارض .ومنذ ان قبل الانسان تحمل الامانة صار سيد كوكبه وكتب على نفسه ان يحول أحاسيسه الغامضة ، ومبهماته الباطنة الى وعي ،وحركة ، ومستقبل .. وكتب على نفسه ان يحول اسرار الطبيعة المضمرة الى عالم يكتشفه ويشيده .كما كتب على نفسه ان يحول غرائزه الحيوانية الى حاجات انسانية وبذلك صار سيد فكره .
وكان لابد ان ينشغل بأمرين مهمين : أولهما معرفة حقيقة جوهره ومصيره . وثانيهما السيطرة على العالم الخارجي وتسخيره .أية روعة في هكذا مباحث تُسعد الانسان ، وتخلق عنده الامل بالمستقبل ، والاطمئنان الى مصيره ودوره الرسالي الفاعل في بناء تاريخه بعزيمة قوية ، وثقة تامة ، وولاء اكثر ولنعلم علم اليقين انه لو لم يبق من البشر الا واحدا ؛ فسيبدأ ببناء عالمه الجديد .. أليس هو خليفة الله في الارض ، فلنثق بأن خليفة الله هذا سيبلغ من أمره ما يريد .بسم الله الرحمن الرحيم :"أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق