الخميس، 31 أكتوبر 2013

حسب الله يحيى .. الجرح الذي لا يعرف الأنين للدكتور ابراهيم العلاف

حسب الله يحيى .. الجرح الذي لا يعرف الأنين*
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل

لا أعرف كاتبا جادا، وأديبا دؤوبا وإنسانا صادقا، مثل الأستاذ القاص حسب الله يحيى. فمنذ ما يقارب الـ 40 عاما، والرجل يكتب، ويحاور، ويجادل في أسس الثقافة العراقية المعاصرة، ويبحث عن مكنوناتها الدفينة، ولا يرى إلا أنها متقدمة، منحازة لقضية الإنسان، وهمومه، وإشكالاته مع الحياة، والكون، والمجتمع.
كان، ولا يزال، ثائرا مناضلا يدافع عن الكلمة الحرة ويسعى لتعميق الإدراك بحب الوطن والعمل من أجله. هكذا عرفته قبل الاحتلال، وبعد الاحتلال تعمقت نظرتي إليه ولانجازاته، وكم كنت متألما وأنا أقرا عن بعض ما أصابه مؤخرا والإحباط واليأس مما حل بالوطن، لكنني وأنا اتابع ما يعمل، اشعر بأنه إنسان "عنقاوي" كلما احترق له جناح تسامى في الارتفاع والعلو. أليس هو القائل سنة 1969 وهو يقدم لحركة قصص 69 وجماعة أصدقاء القصة في الموصل: "قصص 69، تولد من كبت وجودنا، من بسمة الشحوب في جباهنا، من تداخل أفكار تشيد عالم الإنشاء، ولن يسل الأمل في رؤوسنا، نغني للجدب، ونحرق بخور أهازيج لما نقدمه، ولكنها علامة لوجودنا، إصرارنا الحي رغم كل الرسوم الذليلة التي تنحتها أزمة الوجوه الصدئة، وكل اغتيال لصوتنا سوف يحقق هزيمة نعرفها مسبقاً، ونعلنها للشمس والقمر".

ويبدو أن أصدقاء القصة في الموصل، وفي مقدمتهم حسب الله يحيى ومعه يوسف الصائغ، وطلال الحديثي، ولؤي الزهيري وأنور عبدالعزيز، وعبدالستار ناصر، وسالم حسين الطائي، وعبدالغني علي يحيى وغيرهم، قد أدركوا أنه لا بد لهم من أن يبدأوا مشروعاً أدبياً، ونضالياً يرتكز على أسس من الوعي بضرورة الخروج من شرنقة القوالب الكلاسيكية في التعبير عن أنفسهم، وذواتهم، وعصرهم بانسيابية تعتمد الحرية والأمل والصدق. وقد وجدوا من حولهم أناسا رحبوا بمشروعهم، وأسهموا معهم في زرع "أكف الحب، والاهتمام، والنقد الأصيل".

ويقيناً أنهم مضوا للولوج في كل الطرق التي أسموها، في حينه، (عرجاء) وكانوا متأكدين من أن "الومضة ستكبر" وستمدد جذورها نحو الرسوخ؛ فالمشروع نقطة ارتكاز نحو الفهم، وثورة وثوق حارة في تلامس الأصوات، أما كل الأحلام العصفورية فينبغي أن تأول إلى زوال، لذلك قالوا في صدر الحلقة الثانية من "قصص 69" التي صدرت في مارس/آذار 1969، إن قصصهم ثورية، وتصدر "تضامناً مع الحركة النضالية التقدمية في العالم، والتحاقاً بغد الإنسان المشرق في فلسطين وفيتنام". إنهم وعدوا قراءهم بأن تحمل قصصهم رايات الإقدام الصلد، والانفتاح الجاد على التيارات القصصية المتسمة بالصدق والمعاناة.

لقد جاء ظهور جماعة "قصص 69"، الأدبية متزامناً مع سلسلة من الأحداث المحلية والعربية والدولية، لعل من أبرزها انعكاسات هزيمة حزيران 1967، وتمرد الشباب على الواقع المر الذي كانوا يعيشونه، حيث الانكسار، والإحباط، واليأس، وخيبة الأمل من أنظمة سياسية ظلت تضحك على ذقون شعوبها، وتستنزف إمكاناتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتأتي النتائج مؤلمة. فكان لا بد لمثقفي الأمة من أن يبحثوا عن طريق آخر يمكن ان يوصلهم إلى بر الأمان.

وإذا كان نزار قباني قد عبر عن حالة السقوط تلك بقصيدته الشهيرة "هوامش على دفتر النكسة"، وإذا كان صادق جلال العظم قد كتب نقداً ذاتياً قاسياً بحق حكامه ومواطنيه في كتابه "النقد الذاتي بعد الهزيمة"، فإن أدباء الموصل ومعهم زملاؤهم في بغداد والمدن العراقية الأخرى، قد وجدوا في "الفن القصصي" ما يعينهم على تحمل المآسي، والتدهور، والتراجع، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل جعلوا من تلك الحالات اليائسة نقطة انطلاق "لرفض وتجديد الفكر والأسلوب" ولن يكون ذلك، كما قالت مجلة "العلوم" اللبنانية في حينه في معرض نقدها لقصص 1969، الا "بالانفتاح لكل فكر يخدم الإنسانية".

ولد حسب الله يحيى الجبوري في مدينة الموصل سنة 1944 من عائلة فقيرة لكنها متنورة. درس في مدارس الموصل الابتدائية والمتوسطة، واضطره ضيق العيش إلى الدخول في معهد المعلمين في الموصل وتخرج فيه سنة 1970. وقد عين معلما ثم مديرا في إحدى المدارس القروية ولم يلبث أن ترك التعليم حيث لم يجده متوافقا مع مزاجه وتطلعاته، وسافر إلى بغداد لينغمس في العمل الصحفي واشتغل أول الأمر محررا في جريدة "التآخي" والتي أصبحت فيما بعد جريدة العراق وانتقل للعمل في جريدة "الثورة" سنة 1976 وفي الوقت نفسه في مجلة "الأقلام" وسكرتيرا لها.

ولم تكن ثمة جريدة أو مجلة في بغداد في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلا وكان لحسب الله يحيى حصة فيها. كنت أتابع بأستمرار ما ينشره عن حركة المسرح في مجلة "الثقافة" وفي أماكن أخرى. كان ناقدا مسرحيا من الطراز الأول فهو متسلح بثقافة أدبية ومسرحية ذات مستوى عال. هذا فضلا عن توجهه الأول في كتابة القصة ونشره العديد من المجاميع القصصية التي طالما كانت تنشر منجمة في الصحف والمجلات العراقية والعربية.

ومن مجاميعه القصصية: "الغضب" 1967، "القيد حول غصن الزهرة" 1974، و"ضمير الماء" 1972، و"الحطب" 1974، و"النهار يدق الأبواب" 1977، و"هي امرأة عراقية" 1982، و"الأشواق" 1986، و"كتمان" 1989، و"أنفاس" 1993، و"أجنحة حجرية" 2001، و"كوميديا الكاتب في الزمن الكاذب" 1999، كما أصدر مجاميع قصصية للأطفال منها "دفاع عن الفرح" 1977، و"الفراشات" 1977. و"مقدمة في مسرح الأطفال" 1997، وأصدر دراستين هما: " فنارات في القصة والرواية" 1993، و"المسرح العراقي قضايا ومواقف" 2001. كما أصدر "مجموعة مقالات ورؤى عن كردستان" في بيروت سنة 1974.

ولحسب الله يحيى مقالات ودراسات منشورة لا تعد ولا تحصى منها تلك التي رصدها الدكتور صباح نوري المرزوك في" معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 1970-2000"، وأبرزها مقال بعنوان: "انهيار الليبرالية الجديدة"، ومقال عن "وعي القيم في كتابات الصادق النيهوم".

ومن المفرح أن يسهم حسب الله يحيى اليوم بفاعلية في النشر الإلكتروني، فله موقع فرعي في "الحوار المتمدن" يضم عشرات المقالات. كما أن له صفحة على الفيسبوك مما يساعد على انتشاره .

يقول الدكتور عمر الطالب أن ثمة مسألتين تشغلان حسب الله يحيى في قصصه هما: "مشاكل الحياة اليومية" و"العلاقات الغرامية"، وهو دقيق في تصوير لقطاته معبرا بأسلوبه الجميل، وحواره السريع المتلاحق ولا تزيد قصصه عن بضع صفحات وقد تطول أحيانا إذا اقتضى الحدث أو العرض كما في قصته "أجنحة حجرية".

ويضيف: "ونستطيع القول بأن مجموعته الثانية (ضمير الماء) 1972 هي أفضل مجاميعه القصصية، فقد سعى إلى التجريب في كتابتها، فلجأ إلى كتابة القصة ذات المقاطع في قصة (الجرح لا يعرف الأنين)، وتتكون من أربعة مقاطع: هي، هو، الموت، الجرح. ويمتلك حسب الله يحيى في قصصه القدرة على التقاط الموضوع بذكاء من أجواء عراقية صميمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل قبل أيام نشرت مقالة عن أول مؤتمر ثقافي عربي عقد سنة 1947 ، وعن حضور العلامة المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ الدكتور جواد علي وهو من اساتذتي درسني في الصف الاول في كلية التربية -جامعة بغداد سنة 1964 مادة (تاريخ العرب قبل الاسلام) ، وقد علق الاخ الاستاذ شهاب سالار الاثري على ما كتبته ، وقال ان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري اللغوي والمؤرخ والمحقق العراقي الكبير كان من اوائل الحاضرين في هذا المؤتمر وكان يمثل العراق وقد القى كلمة مهمة . يقول الاستاذ شهاب سالار الاثري بعد ان نقل تحيات الاستاذ يسار محمد بهجت الاثري :" الاخ الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف ، بعد ابداء مايليق بالجناب من اعطر التحيات واجملها فأني ارجو ان تكونوا بخير وصحة وعافية . قرأت مقالكم الفخيم حول المؤرخ الدكتور المرحوم جواد علي (رحمه الله). (ومشاركته في المؤتمر الثقافي العربي الأول) الذي انعقد سنة 1947 ويبدو لي ان الاستاذ حسام الساموك قد التبس عليه التاريخ وكتب سنة 1945 بدلاً من سنة 1947 ونشرها في مجلة افاق عربية ولربما أن الخطأ وقع من المطبعة . وتم انتخاب الأستاذ الأثري في هذا المؤتمر رئيساً للجنة اللغة والقواعد. وشارك المرحوم الاستاذ الدكتور جواد علي في القاء محاضرة عنوانها (الثقافة العربية ومقامها من الثقافات العالمية) .. . العراق شارك في اعمال هذا المؤتمر العتيد ..المؤتمر العربي الأول المقام على ارض لبنان برعاية رئيس جمهورية لبنان الشيخ بشاره الخوري في بيت مري للفترة من ٣ إلى ١١ أيلول - سبتمبر سنة ١٩٤٧م ، وعن اوليات عقد المؤتمر قال ان اللجنة الثقافية للجامعة العربية فكّرت بعقد أول مؤتمر عربيّ، وكانت أهم المواضيع المطروحة للبحث في: آداب اللغة العربيّة، والجغرافية والتاريخ، والتربية الوطنيّة. وما أن أُعلن عن المؤتمر حتى تقدّمت إليه الطلبات الكثيرة من شتّى الأقطار العربيّة من رجال ونساء وبلغ عدد المؤتمرين (300) ثلاث مئة شخصٍ. حضرت وفود من الدول العربية التالية : ١- مصر. ٢- لبنان. ٣- سوريا. ٤- العراق. ٥- فلسطين. ٦- المغرب. وضم الوفد العراقي وكان برئاسة العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العربيّ بدمشق وعضو لجنة التأليف والترجمة (كانت نواة للمجمع العلمي العراقي فيما بعد) . كلا من : الدكتور جواد علي سكرتير لجنة التأليف والترجمة. الأستاذ إبراهيم شوكت (الدكتور ابراهيم شوكت استاذ الجغرافية في كلية الاداب جامعة بغداد فيما بعد) الأستاذ المساعد بدار المعلمين العالية. الأستاذ محمد ناصر (الدكتور محمد ناصر التربوي الكبير ووزير التربية السابق ) الملحق الثقافيّ بالمفوضيّة العراقية بالقاهرة. كان من المقرر مشاركة الأستاذ منير القاضي عميد كلية الحقوق وحرمه للمؤتمر، لكنّه تخلّف عن الحضور. وهذه اسماء من شارك من العراقيين : ١- السيدة صبيحة المقدادي شوكت ثانوية الأعظمية للبنات. ٢- السيد عبد الرحمن البزاز (الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق فيما بعد) حاكم محكمة بداءة بغداد. ٣- الآنسة بهيجة محمد رؤوف القطان مدرسة متوسطة البتاوين - بغداد ٤- الآنسة جولي متري حاج وزارة المعارف العراقية. ٥- الآنسة مهيبه برباري وزارة المعارف العراقية. ٦- لندا عازر كرم وزارة المعارف العراقية. ٧- السيد خلدون الحصريّ (الدكتور خلدون ساطع الحصري المؤرخ العراقي) ٨- السيدة حرم الأستاذ سعيد فهيم بك ٩- الآنسة فيكتورين ميخائيل خمو طالبة بمعهد الملكة عالية - بغداد. وألقى العلامة الاستاذ محمد بهجة الأثـــريّ كلمة العراق في الحفل الافتتاحي للمؤتمر وأيضاً في ختامه. وقد تم اختيار العلّامة محمد بهجة الاثريّ رئيساً للجنة اللغة والقواعد. من الجميل ان وقائع المؤتمر الثقافي الاول الذي انعقد في بيت مري بلبنان من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر سنة 1947 ، صدرت عن جامعة الدول العربية في كتاب حمل عنوان ( المؤتمر الثقافي العربي الاول المنعقد تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية في بيت مري - لبنان 1947 من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر 1947 -القاهرة ) وقد طبع الكتاب سنة 1948 في (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ) . مندوب جريدة (الزمان ) البغدادية وكما هو منشور في العدد الصادر يوم 24 ايلول - سبتمبر 1947 ، التقى العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري وسأله عن اهمية المؤتمر فقال الاستاذ الاثري :" أرى ان هذا المؤتمر ،كان الحجر الاساسي الاول لاقامة صرح جديد للثقافة العربية على امتن الاسس واقواها ،والاتجاه بها الى القومية الصحيحة الرصينة وتكوين الفكر العربي المستقل بوعيه والمتميز بخصائصه ..." . كان الاستاذ محمد بهجت الاثري قد القى كلمة ضافية في المؤتمر قال فيها :" تحية العراق الى الوطن العربي الاكبر من البصرة وتخوم طوروس الى ضفاف الاتلنتيك ،والعراق كان ومابرح ولن يبرح الى مايشاء من تلك المراكز العربية الاصيلة الملامح والسمات التي بحمل ابناؤها في الحواضر والقرى والارباض والارياف انبل العواطف واسمى المشاعر لكل قطر عربي حيث كان ولكل ماهو عربي وفي كل زمان ومكان ..." . كان في المؤتمر ، ثمة لجان منها لجنة الادب ، ولجنة اللغة والقواعد وترأس لجنة اللغة والقواعد الاستاذ محمد بهجت الاثري في حين تولى الاستاذ اسحاق موسى الحسيني ومن اعضاء اللجنة الاستاذ خليل السكاكيني والاستاذ عبد الله المشنوق . وفي حفل الافتتاح توالت كلمات الافتتاح وكان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري من بين الذين القوا كلمات الى جانب رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري والاستاذ حميد فرنجية والاستاذ احمد امين والدكتور قسطنطين والاستاذ اسماعيل القباني . كان مؤتمرا تاريخيا مهما .رحم الله من غادرنا وحفظ الباقين.

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...