الثلاثاء، 29 مايو 2012

حسين جميل والوطنية القومية التقدمية


                حسين جميل والوطنية القومية التقدمية
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
رحل في يوم 7 من كانون الثاني-يناير سنة 2001 السياسي والقانوني العراقي المعروف المرحوم الاستاذ حسين جميل عن عمر ناهز التسعين عاما،وقد كتبتُ عنه مقالة في جريدة الثورة (البغدادية ) نظرا لما كان بيني وبينه من علاقة ابتدأت منذ ان كنت أدرس ببغداد ،  وكان استاذي الكبير الاستاذ الدكتور فاضل حسين صديقه وكثيرا ما كان يحدثني عنه وعندما أصدر كتابه عن " الحياة النيابية في العراق، نشرتُ عرضا وتحليلا للكتاب في جريدة الجمهورية (البغدادية ) ،فأرسل لي رسالة يمتدح فيها مقالتي ويشكرني على ذلك ولازلت محتفظا بالرسالة في أرشيفي .  وحسين جميل هو واحد من أبرز الذين أسهموا في تكوين الحياة السياسية والحزبية، والنيابية، والتشريعية في العراق المعاصر.
    ولد في محلة قنبر علي في بغداد سنة 1980 ، وعاش في بيت جده القاضي احمد جميل الذي يضم كذلك كلا من ابنه عبد الحميد جميل وهو قاض في المحاكم المدينة وعمه عبد الجبار جميل القاضي كذلك . وقد ورد في بعض اوراقه التي اجاب بها على اسئلة احد الباحثين  وهو الدكتور فؤاد حسين  الوكيل وضمها الكتاب ألموسوم : (جماعة الاهالي في العراق) ونشر في بغداد 1979 انه بعد ان امضى مرحلة طفولته في الكتاتيب ادخل المدرسة الابتدائية في بغداد سنة 1917 حيث قضى فيها السنتين الاولى والثانية. اما السنوات الاربع الاخيرة فقد قضاها في مدرسة ابتدائية في العمارة ملتحقا بأبيه الذي كان يعمل قاضيا في محكمتها، ويروي حسين جميل كيف ان اخاه الكبير مكي جميل وابن عمه عبد العزيز جميل كانا يحبان المطالعة فيكثران من جلب الكتب وأكثرها مما يصدر في مصر والشام وقد افاد من ذلك وتأثر منذ شبابه بالثورة العربية الكبرى سنة 1916 وبثورة 1919 في مصر وبثورة العراق الكبرى سنة 1920.
     قرأ حسين جميل ماكان يكتبه مجايلة القاص العراقي (محمود احمد السيد) وأعجب بهذا الكتابات لما كانت تنطوي عليه من أفكار تقدمية، وقد اسهمت في تكوينه الفكري كتابات " الصحيفة "  العراقية،   ومجلة " العصور" المصرية ويقول ان تلك الكتابات كانت تعارض ماكان سائدا آنذاك من افكار ومفاهيم مختلفة. ومما يذكر ان حسين جميل وهو طالب في الثانوية المركزية في بغداد قام مع عدد من زملائه سنة 1926 بالاضراب على سلوك مدرس انكليزي تعمد توجيه بعض الكلمات النابية بحق ابناء العراق. كما اسهم في الدفاع عن حرية الفكر سنة 1927 حين اقدمت السلطات على منع توزيع عدد من الكتب  وحينما جاء الصهيوني موند الى بغداد سنة 1928 تظاهر حسين جميل معه عدد من اصحابه ضد هذه الزيارة.
   عشق حسين جميل الصحافة فمنذ ان كان طالبا في مدرسة العمارة الابتدائية حرر بعض المقالات ونشرها في "مجلة التلميذ العراقي"  كما كتب في" مجلة الشباب" التي صدرت في شباط سنة 1929 .
   طرد حسين جميل من كلية الحقوق لنشاطه السياسي القومي المعادي للحكم الملكي  الهاشمي وللاستعمار البريطاني وللصهيونية ولم يكن قد اجتاز الصف الاول واضطر الى السفر باتجاه سوريا ودخل كلية الحقوق  بدمشق وهناك تخرج فيها ، وعاد الى بغداد ليمارس المحاماة وحين التقى بمحمد حديد وعبد الفتاح ابراهيم تبلورت فكرة اصدار جريدة الاهالي وقد صدر العدد الاول في الثاني من كانون الثاني سنة 1932 ثم تطورت الفكرة الى تأليف (جماعة الاهالي) خاصة بعد انضمام طليعة من المثقفين والسياسيين الشباب امثال عبد الفتاح ابراهيم ،وعلي حيدر سليمان ،وجعفر ابو التمن ،وكامل الجادرجي.
وارتكزت جماعة الاهالي على السعي للعمل باتجاه (رفاه الاهلين وتقدمهم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا) وراح حسين جميل ورفاقه يسعون الى كسب الشباب ودعوتهم الى تنظيم انفسهم في جمعيات ونواد يتم فيها تبادل الرأي ومهاجمة القوى الرجعية المتخلفة وقد اسسوا (جمعية السعي لمكافحة الامية) و (نادي بغداد) و (جمعية الشبيبة) ورفعوا شعار (الشعبية) كأيدلوجية ترمي الى اصلاح المجتمع وحل مشاكله.
   كان حسين جميل من مؤسسي الحزب الوطني الديمقراطي في سنة 1946 ، وقد اسهم في الحياة النيابية ابان العهد الملكي فانتخب نائبا في مجالس 1947و1948 و1954 كما عمل وزيرا للعدل سنة 1949 ونقيبا للمحامين (1953_1957) ومشرفا على مجلة القضاء وبعد ثورة 14 تموز 1958 أشترك في وضع الدستور المؤقت وبين سنتي 1956-1958 صار أمينا عاما لاتحاد المحامين العرب  وفي السنوات الاخيرة من حياته قدم للباحثين ولطلبة الدراسات العليا الكثير من الاستشارات والمصادر هذا فضلا عن انكبابه على التأليف فالرجل اهتم منذ زمن طويل بتتبع التراث النيابي في العراق وكتب سلسلة مقالات في مجلة الهلال المصرية خلال السنتين 1966-1967 بعنوان : "صفحات من التراث الديمقراطي العراقي 1919-1922 ".
    وتزخر الصحف والمجلات العراقية بالكثير من مقالاته ومن مؤلفاته المنشورة : "انكلترا في جزيرة العرب 1930" و" الاحكام العرفية 1953" و" تكييف القانون لحق النقد 1958" و "العراق الجديد "1958 و"فكرة توحيد القانون الجنائي للبلاد العربية ووسائل تحقيقها "1967 و" الحياة النيابية في العراق" 1948 و "نشأة الأحزاب السياسية" 1948.
   وبالمناسبة فان حسين جميل يعد اول من الف كتاباً عن ثورة 14 من تموز 1958 فبعد بضعة أشهر من اندلاع الثورة نشر كتابه:" العراق الجديد "والكتاب بالأصل محاضرة القاها باللغة الانكليزية في نيودلهي بالهند حيث كان يعمل سفيراً للعراق هناك بتاريخ 29 من أيلول 1958.
      آمن حسين جميل بالوطنية العراقية وبالقومية العربية وكان تقدمياً في أفكاره ومبادئه ومنذ ان بدأ يعي الحياة آمن بفكرة استقلال العرب وتحقيق وحدة الأمة العربية وأكد في كتاباته حق العراقيين في الاستقلال وفي بناء دولتهم القومية الديمقراطية وقد اقترنت افكاره القومية بحس تقدمي اجتماعي تحرري كان يقول : "ان العرب امة ذات حضارة وقد افاد الغرب من حضارتهم ومن روح هذه الحضارة التي تؤمن بالعلم والتسامح والعدل .  دافع عن قضية فلسطين ونقم على الصهيونية والاستعمار وقد حرص على ان لايغير مساره الفكري باتجاه التطرف والغلو وظل كما يقول معتدلاً في اتجاهاته (اليسارية) إلا انه بقى تقدمياً في نزعته الفكرية ونادى بنفسه بعيداً عن الشيوعية واقترب من ممثلي التيار القومي الاشتراكي كثيراً وكانت الفكرة القومية العربية تملأ حيزاً في تفكيره كما ان الجو القومي العربي وصلته بالحركات العربية الاستقلالية ورجالها وشبابها كانت كبيرة لذلك ظل حسين جميل يحتفظ بمحبة الجميع واحترامهم رحمه الله وجزاه خيراً على مافعله تجاه وطنه وأمته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف

  بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف وكما وعدتكم في ان اتحدث لكم في كل يوم عن شاعر ، واقول انني اعود الى كتب تاريخ الادب العربي ...