الشرقاط
بن عبقرية المكان ونشاط الإنسان ..كتاب للأستاذ
عبد القادر عز الدين
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
الأستاذ
عبد القادر عز الدين ، مرب، ومدرس ، ومدير مدرسة ، ومدير عام للتربية في محافظة
نينوى، ووكيل لوزير التربية فوزير للتربية .عرفته منذ أكثر من 40 سنة وعملت معه
عندما كنت مديرا لمتوسطة فتح في الشورة في 1969 وحتى 1974 .إنسان طيب ، ومتواضع ، ويحب
العلم والعلماء ، واذكر أنني جئته لكي يحضر افتتاح بناية المتوسطة الجديدة في
الشورة والتي أنجزت عن طريق العمل الشعبي ففرح كثيرا واستصحب معه المرحوم الأستاذ
علي قاسم الجمعة وكان آنذاك يعمل معاونا لمحافظ نينوى .
منذ
سنوات بعيدة سمعت بأن الأستاذ عبد القادر عزالدين ، وبعد تقاعده ، منهمك في تأليف
كتاب عن تاريخ الشرقاط ، ومضت السنون واتفاجأ - قبل أيام قليلة - بالصديق الأستاذ عبد الوهاب
حساوي يزورني في مكتبي بمركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل وهو يحمل معه كتاب
ضخم ومن القطع الكبير مؤلف من أربعة أجزاء
وتربو صفحاته على ال (4868) صفحة .أي كتاب
هذا ..؟ وكم من الجهد والوقت قد بذل فيه مؤلفه ..انه –بحق – موسوعة .وأخذت الكتاب
وتوكلت على الله وبدأت أتصفحه لااعرف به ولأقدم له عرضا سريعا أتناول فيه أهميته، وهدفه ، ومضامينه ،ومصادره ، ونتائجه واعتقد أن هذه المحاولة ليست سهلة وتحتاج إلى أن
نكون قادرين على وضع الكتاب في مكانه الذي يستحق ودون أن نغمط للمؤلف حقه .
عنوان الكتاب ((الشرقاط بين عبقرية المكان ونشاط الإنسان )) ..وقد طبع على
نفقة المؤلف في مكتب المرايا بالمجموعة الثقافية –الموصل .ومن عنوان الكتاب ، نجد
انه كتاب في الجغرافية التاريخية ، والتاريخ القديم والوسيط والحديث .الغلاف جميل ،
ويحمل لوحة لحديقة آشورية للفنانة ليلى العطار وقد صمم الغلاف الصديق موفق الطائي
.ولماذا الشرقاط ويجيب الأستاذ عبد القادر عز الدين بأنها أي الشرقاط " مسقط رأسي ، ومهد طفولتي ، ومرباع نشأتي ، ومدرج صباي ، وميدان ألعابي ، ومرج
نزهتي .. من هوائها تعبق صدري ، وبترابها تعفر جسدي ومن طيب ثمراتها كان زادي ومن
مائها كان شرابي " .إذا هو حب المكان وعشقه والمؤلف مرتبط بالمكان فالشرقاط هي آشور وأشور هي الشرقاط ..وماهي آشور..؟
إنها العاصمة الأولى للإمبراطورية الأشورية
وقلعة الشرقاط تنتصب اليوم معلما يدل على المكان ، ويحكي قصة كفاح الإنسان عبر العصور .
يقينا أن الشرقاط لم تحظ بالكثير من الكتابات مع أهميتها ودورها التاريخي
والحضاري .ثمة كتاب عن تاريخ الشرقاط
للسيد عبد اللطيف إسماعيل الجبوري لكنه لايفي بالغرض .وردت أخبار الشرقاط في مئات
من المصادر لكن لاأحدا خصص لها كتابا برأسه ولهذا أقول إن " موسوعة عبد القادر عزالدين عن الشرقاط
" سدت فراغا في المكتبة التاريخية العراقية والعربية المعاصرة لشموليتها وتنوع مباحثها وغزارة مصادرها .
مدينة
الشرقاط تقع على ضفة نهر دجلة الغربية في
وسط سهل فسيح تحيط به سلاسل تلال واطئة من جهاته الشمالية والغربية والجنوبية
وتبعد المدينة عن أطلال مدينة آشور بحدود
ثمانية كيلومترات ونصف وموقعها استراتيجي وتجاري مهم فهي تتحكم بالطرق التي تربط
بين هضبة الأناضول وسوريا وهضبة إيران وأقاليم أعالي الفرات والخليج العربي .
واستمرت تتمتع بهذه الأهمية حتى العصور الحديثة فهي تربط بين الموصل وبغداد وهي
على الطريق بين اربيل وبغداد وتتبع اليوم محافظة صلاح الدين –تكريت بعدما ظلت
لفترات طويلة تابعة إداريا للموصل ومحافظة
نينوى .
لقد قسم المؤلف كتابه إلى أبواب والأبواب إلى فصول والفصول إلى مباحث .في
الباب الأول وقف عند العلاقة المكانية لإقليم الشرقاط والشخصية الجغرافية الطبيعية
والسكان وعوامل الحركة والاتصال .ومن المناسب القول انه لم يقتصر في بحثه على
ثوابت الجغرافية وحسب بل جال بين الأحداث التاريخية السياسية منها والاقتصادية
والتي أعطت للشرقاط هويتها وشخصيتها الحضارية .في الباب الثاني انتبه وفصل في ملامح مدينة الشرقاط ، الحية والدارسة ، فتحدث
عن علاقة اشور بالجزيرة الفراتية وأسهب في شرح ماقاله البلدانيون العرب والرحالة والمنقبون
الاجانب عن الشرقاط .وجاء الباب الثالث ليلقي الضوء على كيفية نشوء الشرقاط الآشورية وتكوينها ومظاهر عمرانها ومؤسساتها
السياسية والدينية والاقتصادية .لقد أقام الاشوريون في إقليم الشرقاط كيانا سياسيا
مستقلا في حدود العام 2006 قبل الميلاد وغدت آشور عاصمة الدنيا القديمة واستمر الأمر حتى 883-859 قبل الميلاد
حين اختطفت كالح او النمرود الضوء لتغدو العاصمة الثانية للامبراطورية الاشورية .
ولكن هل خبا نجم الشرقاط مع تحول العاصمة من أشور إلى النمرود ؟ والجواب
كلا لقد سار التاريخ بحركته المحورية فأصبحت الشرقاط بفضل بروز العرب مسرحا لتنقل القبائل
فظهرت دولة الحضر وسيطرت على التجارة وطرقها وهكذا صار إقليم الشرقاط جزءا من ديار
تلك القبائل ومن غير ربيعة التي سكنته ابتداء من الفتح الإسلامي وعندما جاء
الرحالة ابن جبير سنة 580 هجرية -1184 ميلادية ، وجد "إن العمائر والقرى
متصلة من موقع اشور الى مدينة الموصل .واعتقد ان المسافة اليوم تمتد إلى قرابة 120
كيلومترا .
ومرت
السنين وتوالت الأحداث وسادت دول وبادت أخرى ، والشرقاط شاخصة شامخة وجاء الغزو المغولي في
النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي وانحسر وسيطر العثمانيون على العراق
كله قرابة أربعة قرون (1516-1918 ) وحدثت الحرب العالمية الأولى واحتل الانكليز
العراق وتشكل الحكم الوطني سنة 1921 اثر ثورة 1920 الكبرى وحدث ما حدث في الشرقاط
من أحداث لاحقها المؤلف بتفاصيل دقيقة .من هذه الإحداث التغير السكاني، والصراع بين
القبائل وترك بعضها موطنه في الجزيرة
العربية والقتال بين شمر والعبيد واتجاه العبيد نحو الحويجة وطي إلى مابين الزابين
وبنو حمدان الى أصقاع أخرى وحل الجبور على شواطئ إقليم الشرقاط وسادت شمر على
بادية الجزيرة وما قامت به السلطات الحكومية
العثمانية ومن بعدها البريطانية في توطين شمر وتحويلها إلى الاستقرار
والزراعة وما رافق ذلك من متغيرات أبرزها إصلاحات مدحت باشا 1869وناظم باشا 1910 وانفتاح
العراق على الغرب وبدء مجيئ البعثات التنقيبية والبحث عن النفط والاثار والتفكير
بربط العراق بالعالم من خلال السكك الحديد وفتح قناة السويس 1869 وما تركه ذلك من آثار
على الاقتصاد العراقي بسبب تغير طرق المواصلات وصراع بعثات التبشير والتمردات
العشائرية ومواجهة الحكومات المتعاقبة لها ومقاومة المحتلين البريطانيين ودور
الشرقاطيين في المقاومة والتحالفات مع العشائر الجنوبية ومنها على سبيل المثال
قيادة الشيخ عجيل السمرمد شيخ زبيد الذي رابط في حاوي الشرقاط وأقام معسكرات
للمقاتلين ممن رافقوه او ممن تطوع معه من أبناء المنطقة في ابي طرقات .كانت
الشرقاط آخر نقطة في الشمال يقف عندها رأس سكة حديد بغداد –برلين في آذار-مارس 1919 وكان فيها محطة للقطار وكانت الشرقاط من
مواقع النفط التي جذبت الاوربيين ومنهم الالمان والانكليز ونصبت ابراج التنقيب
فيها على طول جبل مكحول مابين قرية المسحق والخانوقة كما نصبت في بادية الجزيرة
جوار عين الصديد ومابين تلول نجمة والقيارة .لم يدع المؤلف كبيرة او صغيرة إلا
واحاط بها .
كتاب كبير في حجمه وفي مضمونه .أرخ للشرقاط مدينة ، وحضارة ، وموقعا ، ومواقف . ومن المؤكد اننا وجدنا في الكتاب نوعا من
التطويل والإسهاب لكنه إسهاب وتطويل محبب . كما كان بودنا لو كرس المؤلف جانبا من
كتابه لمتابعة سير " الشخصيات الشرقاطية " التي أسهمت في تكوين العراق
الحديث وهي كثيرة لكن ما يجعلنا نتغاضى عن ذلك ان المؤلف مر ببعضها في بعض صفحات الكتاب وذكر بها .الشكر كل الشكر
والتقدير كل التقدير للصديق العزيز الأستاذ عبد القادر عز الدين مثمنين جهده وما
كابده من مشقة عند انجازه لهذا السفر الضخم ولايعرف الشوق إلا من يكابده .
*المقال منشور في موقع (ملتقى ابناء الموصل )
والرابط هو :
http://www.mosul-network.org/index.php?do=article&id=19837
ز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق