وثيقة
تاريخية : رجالات الفكر والثقافة في العراق ينتقدون سياسة الحكومة تجاه حرية الفكر
1954
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
في 1954 صدر
العدد الأول من مجلة الثقافة الجديدة ، والتي وضعت لنفسها شعارا يقول أنها تسعى من
اجل أن يكون هناك في العراق ( فكر علمي
..ثقافة تقدمية) .وما أن صدر من المجلة
عددان إلا وأقدمت حكومة الدكتور فاضل الجمالي( 17 أيلول –سبتمبر 1953-8 آذار –مارس
1954 )
على سحب امتيازها بحجة أنها مجلة شيوعية لذلك تنادى عدد
من رجالات الفكر والثقافة في العراق ومن مختلف الاتجاهات السياسية القومية والدينية
والاشتراكية والليبرالية للاحتجاج على هذا القرار المجحف والذي عدوه عدوانا على
حرية الفكر .وقد دعوا الحكومة إلى إعادة النظر في قرارها وقد عثر
الدكتور عقيل الناصري-مشكورا- على
هذه الوثيقة في ملفة الدكتور علي الوردي في مديرية الامن العامة مطبوعة على ورق
استينسل ، وتاريخ الوثيقة 15-11-1954 وخص
بها مجلة الثقافة الجديدة التي أعادت نشرها في عددها 346 الصادر في 10 تشرين الأول-اكتوبر
2011 . وأدناه نص الوثيقة الموسومة :
" مذكرة مرفوعة إلى فخامة رئيس
الوزراء الدكتور محمد فاضل الجمالي "
فخامة رئيس الوزراء المحترم
يعاني العراق أزمة فكرية حادة ليس مصدرها اختلاف الآراء والأفكار فحسب وإنما هذا الجو الخانق الذي لا يسمح بوجود أية حركة فكرية أيضاً، فاختفت المجلات وندرت الكتب وأصبح المتعلمون يتخبطون في هذا الجو المعتم دون أن يستطيعوا إيجاد السبيل لحل مشاكلهم الفكرية..
إن مسؤولية الحاكمين عن تشجيع الحركة الثقافية وتنميتها وتطويرها أمر واضح لا شك فيه، فمن واجبهم خلق الجو الحر الذي تنمو فيه الآراء والأفكار وتشجيع المثقفين بكل الوسائل الممكنة على شحذ أقلامهم ومعالجة مختلف المشاكل الفكرية التي تشغل بال المتعلمين من أبناء الشعب. ولكن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تقم بواجبها في هذا الميدان فضايقت بذلك الثقافة والتفكير وثبطت عزائم المثقفين، ففضلاً عن عدم تشجيعها للطباعة والنشر، التشجيع الكافي، فإنها وقفت حجر عثرة في سبيل المجهودات الثقافية التي قام بها الأفراد وبمحاولتها تقييد الأفكار ومنعها من الانطلاق في الأجواء الحرة التي تسمح لها بالبقاء إن كانت صالحة وتقودها إلى الفناء إن كانت فاسدة مغرضة.
في هذا الجو الحرّ وحده يستطيع المثقفون أن يعبروا عن آرائهم وأفكارهم بإخلاص في مختلف مشاكل الحياة فيؤدوا بذلك الواجب الثقيل الملقى على عواتقهم تجاه مواطنيهم.
في هذا الجو الحرّ وحده تتمكن الروح العلمية التي تهدف إلى اكتشاف الحقيقة من النمو فينكشف هزال بعض الأفكار وخطلها وسقم قسم من الإنتاج الفكري الذي وجد، في انعدام هذا الجو، المجال واسعاً لاحتلال الصدارة في عالم الفكر دون أن يستحق ذلك فأساء إلى الحركة الفكرية وإلى المواطنين الراغبين في العلم.
وفي هذا الجو الحرّ وحده يمكن أن تنشأ نهضة فكرية في العراق ويمكن أن يساهم المثقفون مساهمة فعالة في ايجاد الحلول الشافية لجميع المشاكل الفكرية والاجتماعية. ولكن انعدام هذا الجو أدى مع الأسف الشديد إلى ما نراه من قحط فكري في العراق وتأخر في جميع الميادين الثقافية رغم تنامي عدد المثقفين وتكاثرهم.
إن سحب امتياز مجلة "الثقافة الجديدة" بعد صدور عددها الثاني، بغض النظر عن اتفاقنا أو عدم اتفاقنا في الآراء مع الكتاب الذين كتبوا، ليعتبر مظهراً من مظاهر هذا الاضطهاد الفكري الذي ندعو لإزالته، سيما وأن هذه المجلة قد سدت فراغاً كبيراً في الحياة الثقافية واحتلت مكانة حسنة، وإننا في وقت أحوج ما نكون فيه إلى أمثالها.
أما على الحجة التقليدية التي تتهم بها المجلات الثقافية وهي تجاوزها الحدود الثقافية إلى السياسة فلابد من التفريق بين الثقافة السياسية وبين معالجة مشاكل السياسة العلمية الآنية أو مساندة حزب سياسي معين، فإن الثقافة السياسية العامة، ولا ريب، إنها ليست المقصود بالمنع للمجلات الثقافية.
إننا نرجو من فخامة رئيس الوزراء أن يعيد النظر في سياسة الحكومة تجاه الحركة الفكرية ويفسح المجال لحملة الأقلام على اختلاف آرائهم وتباينها بالتعبير عن أفكارهم في جو علمي تسوده الحرية والثقة بالمستقبل، وبذلك وحده يستطيع الفكر العراقي أن ينمو ويتطور ويبلغ المستوى الرفيع الذي نصبو إليه، وتتمكن ثقافتنا العربية وتراثنا القومي من احتلال المحل اللائق بهما بين الثقافات العالمية.
الموقعون على المذكرة
هشام الشواف
فخامة رئيس الوزراء المحترم
يعاني العراق أزمة فكرية حادة ليس مصدرها اختلاف الآراء والأفكار فحسب وإنما هذا الجو الخانق الذي لا يسمح بوجود أية حركة فكرية أيضاً، فاختفت المجلات وندرت الكتب وأصبح المتعلمون يتخبطون في هذا الجو المعتم دون أن يستطيعوا إيجاد السبيل لحل مشاكلهم الفكرية..
إن مسؤولية الحاكمين عن تشجيع الحركة الثقافية وتنميتها وتطويرها أمر واضح لا شك فيه، فمن واجبهم خلق الجو الحر الذي تنمو فيه الآراء والأفكار وتشجيع المثقفين بكل الوسائل الممكنة على شحذ أقلامهم ومعالجة مختلف المشاكل الفكرية التي تشغل بال المتعلمين من أبناء الشعب. ولكن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تقم بواجبها في هذا الميدان فضايقت بذلك الثقافة والتفكير وثبطت عزائم المثقفين، ففضلاً عن عدم تشجيعها للطباعة والنشر، التشجيع الكافي، فإنها وقفت حجر عثرة في سبيل المجهودات الثقافية التي قام بها الأفراد وبمحاولتها تقييد الأفكار ومنعها من الانطلاق في الأجواء الحرة التي تسمح لها بالبقاء إن كانت صالحة وتقودها إلى الفناء إن كانت فاسدة مغرضة.
في هذا الجو الحرّ وحده يستطيع المثقفون أن يعبروا عن آرائهم وأفكارهم بإخلاص في مختلف مشاكل الحياة فيؤدوا بذلك الواجب الثقيل الملقى على عواتقهم تجاه مواطنيهم.
في هذا الجو الحرّ وحده تتمكن الروح العلمية التي تهدف إلى اكتشاف الحقيقة من النمو فينكشف هزال بعض الأفكار وخطلها وسقم قسم من الإنتاج الفكري الذي وجد، في انعدام هذا الجو، المجال واسعاً لاحتلال الصدارة في عالم الفكر دون أن يستحق ذلك فأساء إلى الحركة الفكرية وإلى المواطنين الراغبين في العلم.
وفي هذا الجو الحرّ وحده يمكن أن تنشأ نهضة فكرية في العراق ويمكن أن يساهم المثقفون مساهمة فعالة في ايجاد الحلول الشافية لجميع المشاكل الفكرية والاجتماعية. ولكن انعدام هذا الجو أدى مع الأسف الشديد إلى ما نراه من قحط فكري في العراق وتأخر في جميع الميادين الثقافية رغم تنامي عدد المثقفين وتكاثرهم.
إن سحب امتياز مجلة "الثقافة الجديدة" بعد صدور عددها الثاني، بغض النظر عن اتفاقنا أو عدم اتفاقنا في الآراء مع الكتاب الذين كتبوا، ليعتبر مظهراً من مظاهر هذا الاضطهاد الفكري الذي ندعو لإزالته، سيما وأن هذه المجلة قد سدت فراغاً كبيراً في الحياة الثقافية واحتلت مكانة حسنة، وإننا في وقت أحوج ما نكون فيه إلى أمثالها.
أما على الحجة التقليدية التي تتهم بها المجلات الثقافية وهي تجاوزها الحدود الثقافية إلى السياسة فلابد من التفريق بين الثقافة السياسية وبين معالجة مشاكل السياسة العلمية الآنية أو مساندة حزب سياسي معين، فإن الثقافة السياسية العامة، ولا ريب، إنها ليست المقصود بالمنع للمجلات الثقافية.
إننا نرجو من فخامة رئيس الوزراء أن يعيد النظر في سياسة الحكومة تجاه الحركة الفكرية ويفسح المجال لحملة الأقلام على اختلاف آرائهم وتباينها بالتعبير عن أفكارهم في جو علمي تسوده الحرية والثقة بالمستقبل، وبذلك وحده يستطيع الفكر العراقي أن ينمو ويتطور ويبلغ المستوى الرفيع الذي نصبو إليه، وتتمكن ثقافتنا العربية وتراثنا القومي من احتلال المحل اللائق بهما بين الثقافات العالمية.
الموقعون على المذكرة
هشام الشواف
إبراهيم كبة
فهدالمولى
صلاح الناهي
صلاح الناهي
يوسف
العبيدي
صلاح خالص
محمد عزيز
محمد عزيز
إسماعيل الشيخلي
صفاء
الحافظ
عبد الله إسماعيل
عبد الله إسماعيل
حسين جميل
محمد حديد
عبد القادر البراك
عبد القادر البراك
مهدي رحيم
عبد الملك نوري
شاكر خصباك
شاكر خصباك
مصطفى كامل ياسين
صالح احمد العلي
عبد الوهاب البياتي
عبد الوهاب البياتي
فيصل السامر
حميد القيسي
نوري خليل البرازي
نوري خليل البرازي
علي الوردي
عبد
الجليل طاهر
خالد طه النجم
خالد طه النجم
قاسم حسن
هادي حسين علي
صادق البصام
صادق البصام
عبد الفتاح إبراهيم
مسعود محمد
عبد الرزاق الشيخلي
عبد الرزاق الشيخلي
محمد بابان
كريم الحاج شريف
يوسف العاني
يوسف العاني
أحمد عزت القيسي
نجيب
الصائغ
ذو النون أيوب
ذو النون أيوب
زكي جميل حافظ
ناجي الراضي
محمد حسن الصوري
محمد حسن الصوري
محمود صبري
يتضح من الوثيقة :
يتضح من الوثيقة :
*ان
المثقفين العراقيين في الخمسينات من القرن الماضي كانوا على درجة كبيرة من الوعي
*ان
المثقفين العراقيين آنذاك كانوا - بالرغم من اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية القومية
والاشتراكية والدينية والليبرالية- كانوا
على قلب واحد.
*ان
المثقفين العراقيين- لم ينسوا وهم يؤكدون
على أهمية حرية الفكر ان بعضهم غير متفق مع ما نشر في مجلة الثقافة الجديدة وهي
تقدمية –يسارية أقرب في توجهاتها الفكرية إلى الماركسية .
*ان
المثقفين العراقيين أكدوا بأن مما يحتاجه العراق للنهوض هو حرية الفكر وليس خنق
الفكر، وقالوا بأن من الضروري فسح المجال لحملة الأقلام على
اختلاف آرائهم وتباينها بالتعبير عن أفكارهم في جو علمي تسوده الحرية والثقة
بالمستقبل.
*ان
المثقفين العراقيين لم يتوانوا في التعبير عن اعجابهم بمجلة الثقافة الجديدة وهي
كما قلنا مجلة يسارية وقالوا: " بأنها قد سدت فراغاً كبيراً في الحياة الثقافية
واحتلت مكانة حسنة، وإننا في وقت أحوج ما نكون فيه إلى أمثالها" .
*ان
المثقفين أبطلوا حجة الحكومة عندما اغلقت المجلة وسحبت امتيازها قائلين: " أما
على الحجة التقليدية التي تتهم بها المجلات الثقافية وهي تجاوزها الحدود الثقافية
إلى السياسة فلابد من التفريق بين الثقافة السياسية وبين معالجة مشاكل السياسة
العلمية الآنية أو مساندة حزب سياسي معين، فإن الثقافة السياسية العامة، ولا ريب،
إنها ليست المقصود بالمنع للمجلات الثقافية ..." .
*وأخيرا
فأن المثقفين العراقيين الذين وقعوا على المذكرة كانوا ممن تسيد الساحة الفكرية
والثقافية والاقتصادية والعلمية العراقية المعاصرة قد طالبوا رئيس الوزراء وهو
الدكتور محمد فاضل الجمالي المعروف بحمله شهادة الدكتوراه في التربية من جامعة
كولومبيا واحد أركان الثقافة العراقية المعاصرة طالبوه بإلغاء قرار الحكومة وإعادة
إصدار مجلة الثقافة الجديدة بأسرع مايمكن ضمانا لسيدة حرية الفكر التي يؤكدها
الدستور العراقي النافذ آنذاك .
عادت المجلة إلى الصدور ثانية بامتياز
جديد صاحبه عبد الرزاق الشيخلي ومعه عبد المنعم الدركزي مديرا مسؤولاً وكان ذلك في
نيسان-ابريل سنة 1954..
كتبتٌ عن مجلة الثقافة الجديدة مقالة بعنوان : " مجلة الثقافة
الجديدة :فصل من تاريخ العراق الثقافي المعاصر " وهي منشورة في مجلة الثقافة
الجديدة وفي موقع مركز النور ومواقع أخرى وقلت :" وأخيرا، لابد لي أن أؤكد ، وأنا معروف بتوجهي العروبي القومي ، بان
مجلة الثقافة الجديدة في كل مراحل تاريخها، كانت مصدراً مهما من مصادر تكويني الثقافي
والفكري، فلقد احتفظت، بإعداد كبيرة منها في مكتبتي .كما لازلت أحرص على اقتناء
الإعداد الجديدة منها . ويقينا إن هذا لم يكن مقتصرا عليّ أنا وإنما على جيل واسع
من المثقفين العراقيين" .ومما يفرح إن المجلة لاتزال تصدر حتى يومنا هذا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق