تعود
جذور المطالب الإيرانية في شط العرب ومناطق وارض عراقية أخرى إلى أكثر من
قرنين، وهي مطالب لم تتوقف إطلاقا. ولأجل تحقيق المكاسب على الأرض والمياه
استخدمت حكومات طهران المتعاقبة ومنذ منتصف القرن التاسع عشر كل السبل والوسائل
بما فيها الضغوط السياسية والعسكرية وعلاقاتها الدولية، خصوصا علاقاتها مع
الإمبراطوريتين البريطانية والروسية، لأجل تحقيق المكاسب.
ان
الصراع والخلاف بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الفارسية تركز في جوانب
عديدة منه على تحديد الحدود بين الطرفين وما يؤكد حقيقة ذلك المباحثات
والاتفاقيات العديدة المبرمة بين الطرفين ولغاية عام 1914. هنا بوسع الباحث
التاريخي وعلى قدر تعلق الأمر وموضوع الحدود بين الطرفين على ارض دولة العراق
التي تأسست عام 1920 يجد ان طهران كانت دوما تتنصل أو تعرقل بعد وقت قصير ما
يتفق عليه مع اسطنبول. ان الوثائق والخرائط التاريخية البريطانية المحفوظة تؤكد
هذه الحقيقة، خصوصا ان الوجود السياسي والعسكري البريطاني كان كبيرا ونافذا في
رأس الخليج قبل وقت طويل من عام 1914.
مع
إقامة الدولة العراقية المعاصرة وحصول العراق على عضويته في عصبة الأمم عام 1932
كان عليه ان يواجه من جديد بمطالب إيرانية جديدة وهكذا سرعان ما دخل البلدين
بنزاعات ولكن من جانب الحكومة العراقية قررت اللجوء إلى عصبة الأمم للتحكيم بين
الطرفين ولم ينتج من العصبة شيء سوى الطلب بان تبقى الأمور على ما هي عليه بين
البلدين. وفي عام 1937 حاول البلدين التوصل الى حل مرض وذلك استنادا إلى مبادرة
عراقية غير ان شاه إيران رد عليها بمطالب اكبر وقد جاءت هذه المبادرة لكي تنهي
المشاكل العالقة ذات الصلة بشط العرب ومن اجل دخول البلدين في حلف امني وإقليمي
مع دول اخرى منها أفغانستان وتركيا (حلف سعد اباد ).
المطالب
الإيرانية لم يتم الاستجابة إليها تماما في حينه ونظرا للعلاقات القوية التي
كانت تربط ما بين البلدين والإمبراطورية البريطانية فان أي تطور جديد في هذا
الشأن لم يحصل ولكن ومع نهاية النظام الملكي في العراق وقيام النظام الجمهوري
ووصول الزعيم قاسم للسلطة وظهور البوادر المبكرة عن إقامته لعلاقات وثيقة مع
الاتحاد السوفيتي فقد استخدمت طهران ورقة شط العرب مع مطالب في أراض عراقية أخرى
من جديد وباشرت تقدم الدعم للقيادات الكردية العراقية الثائرة ضد حكومة بغداد.
في
نيسان من عام 1960 اعد قسم الدراسات والأبحاث في وزارة الخارجية البريطانية
دراسة موجزة لتاريخ شط العرب والمطالب الإيرانية في ان يكون خط
"التالوك" حدا للحدود ما بين البلدين. هذه الدراسة أعيد عرضها من جديد
عام 1975 لاطلاع الدبلوماسيين البريطانيين أثر توقيع اتفاقية الجزائر بين بغداد
وطهران، خصوصا وان البلدين قد تقدما رسميا إلى وزارة الخارجية البريطانية إثر
توقيع الاتفاقية لأجل تزويدهما بما متوافر في أرشيفها من خرائط تاريخية تتصل وشط
العرب وقد أستجيب لطلب الطرفين ولكن بعد ان تم دفع التكاليف وكانت وقتها 4500
باوند إسترليني.
ولأجل
فهم الرؤية البريطانية لتاريخ شط العرب وكذلك عرض الدعم الروسي - البريطاني
لطهران وبالضد من اسطنبول، وأخيرا إقرار البريطانيين أنفسهم ان هذا الشط لم يكن
يوما من الأيام لإيران أي سلطة عليه، فأنني وجدت من المفيد عرض الوثيقة المرفقة
لأجل التوثيق التاريخي خصوصا وان المطالب الإيرانية المستمرة نجم عنها حربا
طاحنة بين البلدين 1980-1988.
بعد
وقوع عملية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 فان هذا الأمر لم يتم حسمه وأضنه
سيكون موضوعا جديدا بين البلدين مرة أخرى في المستقبل القريب خصوصا وان ايران
تدرك ان هنالك مكامن نفطية مهمة على الحدود بين البلدين وقد دفعت من وقت لآخر
بجنود لها رفعوا علم بلادهم داخل الحدود العراقية وعلى بعض الحقول العراقية
النفطية . واجد ان من مصلحة البلدين إنهاء هذه المسالة باللجوء لطلب مساعدة
الأمم المتحدة أو احتكامهما إلى محكمة العدل الدولية خصوصا وإنهما في وقت سابق
قد اتفقا على مثل هكذا احتكام وبالتالي هل ما تم الاعلان عنه رسميا من قبل
الجانب العراقي مؤخرا من ان اللجان المشتركة لأجل ترسيم الحدود بين البلدين قد
انجزا معظم الاعمال المتصلة بتثبيت خط الحدود من دون اي توضيحات فيما إذا قد تم
ضمان الحقوق التاريخية للعراق في الارض وفي الحقول النفطية العراقية وتلك الحقوق
في الحقول المشتركة منها، هذا إذا ما علمنا ان الجانب الايراني ومثلما هو
الحال مع الجانب الكويتي ومنذ سنوات كان قد باشر باستغلال الحقول المشتركة دون
اي اتفاقات مسبقة مع العراق مما يعني ان هنالك حقوقا مالية قد ترتبت على مثل
هكذا استغلال وهي حقوق نظمتها قواعد القانون الدولي. أخيرا العراق مطالب الان كي
يعمل بجد باتجاه التوصل الى اتفاق مع ايران والكويت لأجل تحديد الجرف القاري
والحدود في المياه العميقة في رأس الخليج العربي.
نص
الوثيقة البريطانية
الادعاء
الفارسي بحدود (ثالوج) في شط العرب
-
شط العرب هو الاسم الذي أعطي للنهر الذي ينقل فيه مياه دجلة والفرات من نقطة
التقاء النهرين في (القرنة) إلى الخليج الفارسي. ويبلغ طوله (110) أميال بحرية
من (القرنة) وإلى النقطة التي يدخل فيها البحر المفتوح وهو خمسة أميال أسفل
الفاو. علما بأن البصرة تقع على الضفة اليمنى ثمانية وثلاثون ونصف ميل اسفل
القرنة. في حين إن نهر (قارون) يرتبط بشط العرب على (قناة) اصطناعية تعرف بقناة
(صفار) والتي ترتبط بشط العرب من الشرق (18 ونصف ميل) أسفل البصرة وحوالي (54
ميل) من البحر. (مع إن) الميناء الفارسي (خرم شهر) والمعروف سابقا (بالمحمرة)
يقع على الجانب الشمالي لقناة (صفار) بين شط العرب ونهر (قارون). هذا ويعرف نهر
قارون أسفل (خرم شهر) أهور (باهميشير). وإن مجراه بين (خرم شهر) والبحر هو
تقريبا موازيا للشط، وأن الجزيرة الممتدة الكبيرة بين النهريم تعرف بجزيرة
الخضراء أو جزيرة عبدان. بينما قناة (بهميشير) والتي كانت في القرن التاسع عشر
تمكن من الوصول إلى (المحمرة) للسفن التي تبحر عباب البحر هي في الوقت الحاضر
صالحة للملاحة فقط لمسافة 23 ميلا من البحر وفقط للسفن التي يبلغ قوة جرها 7 اقدام.
وإن السفن المتوجهة إلى خرم شهر ملزمة باستخدام شط العرب. وإن الميناء الفارسي
(لعبدان) يقع على الضفة اليسرى للشط ثمانية أميال من نقطة اتصاله مع قناة
(صفار).
2-
هذا ولقد تميزت العلاقات بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الفارسية
لعدة قرون بتواصل النزاعات الحدودية، ولكن بشكل عام يمكن القول أنه منذ القرون
الوسطى وما بعدها، فإن الحدود بين الإمبراطوريتين كانت هي الخط الذي يفصل سهل
بلاد الرافدين عن السهول الواسعة المرتفعة الإيرانية. وأن معاهدة زهاب (zohab) في
عام (1639) على غموضها فيما يتعلق الأمر الجزء الجنوبي من الحدود جعلت الأمر
واضحا أن البصرة تتبع إلى السلطان العثماني والذي لم يكن واضحا هو فيما إذا كان
الأشياء التابعة للبصرة شملت الأراضي التي على يسار شط العرب.
ولقد
كتب رولينسون(Rawlinson) في
عام (1844) معبرا عن وجهة النظر (التي تقول) أن الضفاف المباشرة للشط بما في ذلك
بلدة (موفلاه) والتي هي في موقع مدينة (خرمشهر) الحالية كانت دائما تحكم من قبل
البصرة، وأضاف رولينسون موثقا انه عندما تم تأسيس (باشاليك) للبصرة في عام 1850,
فإن السلطة التركية تم امتدادها إلى (قوبان) عدة أميال إلى الشرق من (باهميشير)
في محيط (باندر شاهبور) المعاصرة وعمليا فإن الحكومة الإيرانية أطلاقا لم يكن
لها سلطة على المنطقة وحتى في الأوقات قريبة الماضية لم تمارس أكثر من سلطة
وهمية ( أو مبهمة) على (عربستان) في حين أن السلطة المؤثرة هي تقع في أيدي حكام
القبائل ( أو العشائر)، (بختاري خان) في الشمال وشيوخ العشائر العربية ل (كعب) و
(محيسن) في الجنوب. وإن الوجود في الأراضي التركية على ضفة اليمين للشط يعني أن
رجال العشائر مطلوب منهم الولاء للشيوخ الموجودين على الضفة اليسرى واسميا فإنهم
تابعين لملوك أيران وكان ذلك مصدر احتكاك لكلتا الإمبراطوريتين.
معاهدة
(ارضروم) (Erzerum
Treaty) في عام 1847
3-وكان
هذا هو الوضع في عام 1843، عندما (كان الأمر) لبضع سنوات (يشهد) مناوشات متقطعة
بين الأتراك والفرس (الإيرانيين)، عندما تدخلت بريطانيا العظمى وروسيا (وتم
تشكيل) لجنة مشتركة تضم الأتراك ومبعوث سياسي إيراني مطلق الصلاحية وقام
بمساعدتهم ممثلو القوتين (بريطانيا وروسيا) في اجتماع تم في ( أرضروم ). وبعد
التداول والتشاور والتفكير المتروي امتدت لمدة أربع سنوات، تم التوقيع على
معاهدة في عام 1847، والتي طبقا للمادة الثانية (2) فإن الحكومة العثمانية تعهدت
رسميا أن تتنازل عن مدينة وميناء المحمرة، جزيرة عبدان، ومرفأ جزيرة عبدان وكذلك
الأراضي التي هي على اليسار أو الشرق لضفة شط العرب والتي هي تحت ملكية العشائر
المعترف بهم بانهم تابعين أو خاضعين لإيران. هذا وإن السفن الإيرانية لها الحق
في الملاحة في شط العرب من البحر ولغاية الحدود التي تلتقي معا لكلا الطرفين.
وفي
المقابل، فإن الحكومة الإيرانية تنازلت عن كل أدعاء أو مطالبة بإقليم ومدينة
السليمانية. وأن جميع الشروط في المعاهدات السابقة لم يتم تعديلها بشكل محدد أو
الغاؤها أو إبطالها ينبغي لها أن تبقى سارية المفعول (المادة 9) كما أنه اتفقت
الأطراف (المادة 3) على تعيين أعضاء لجنة تقرر الحدود وفقا للمادة (2).
4-
غير أن الخلافات بين مندوبي الحكومتين التركية والإيرانية قد أعاقت وعرقلت
اللجنة بشكل جدي. ولم يتم شيء لغاية عام 1869 حيث أن مندوبي الحكومتين الروسية
والبريطانية عملوا كوسطاء وكانوا قادرين على تقديم خريطة للنظر فيها من قبل
الحكومتين الإيرانية والتركية، وهي خريطة مماثلة تظهر قطاع حدود (20- 50) ميلا
عرض والتي خلالها فإن الحكومتين الإيرانية والتركية تم دعوتهما للاتفاق وتحديد
الحدود بالضبط.
وفي
أثناء ذلك فإن الحكومتين الإيرانية والتركية وقعت الاتفاق للمحافظة على الأمر
الواقع " Status
quo" كما تم تعريفه من قبل مندوبي القوى الأربع ولغاية أن يتم
تسوية الحدود بشكل نهائي.
بروتوكول
القسطنطينية 1913 وتسوية الحدود لعام 1914
5-
هذا ولم يتحقق أي تقدم نحو تخطيط الحدود حتى تم ذلك في عام 1911 عندما تم توقيع
بروتوكول في طهران لإنشاء هيئة تركية إيرانية والتي ينبغي لها أن تبحث في مسألة
الحدود وتخضع أي نقاط تكون محل خلاف لمحكمة لاهاي the Hague Court . علما أنه
عندما تم تهديد المباحثات التركية- الإيرانية بالانهيار تدخلت الحكومتان
البريطانية والروسية مرة أخرى، فكانت النتيجة التوقيع على ما يسمى "
بروتوكول القسطنطينية" {17 تشرين ثاني لعام 1913} والتي قدمت تخطيط الحدود
على الأراضي من خلال هيئة مشكلة من القوى الأربع والذي وفقا له (المادة(5))
الخامسة من بروتوكول" يستوجب حينئذ اعتبارها بأنها ثابتة طوال الوقت
وليس محل ارتياب أو شك أو فحص أو مراجعة.
وبناء
عليه فإن البرتوكول قام بتعريف النهاية الجنوبية للحدود بالكلمات الأتية ((
الحدود تتبع خيط المياه المتوسط لقناة تشيين Chaiyin Canal وإلى
أعلى النقطة التي تعيد التحام الأخيرة مع شط العرب عند مصب نهر نزيلة. ومن هذه
النقطة فإن الحدود تتبع شط العرب إلى البحر تاركة تحت السيادة العثمانية النهر
وجميع الجزر فيه مع خضوع ذلك للشروط والاستثناءات التالية:-
ا-جزر
المحلة Muhalla وملحقتها
ابهيرية Bahriyeh، الجزر
الأربع الواقعة بين شطيت Shatait ومعويه Ma'awiyeh والجزيرتان
البعيدتان مانقوحي Manquhi بالإضافة إلى
أي جزر عندئذ موجودة أو تلك التي ربما تتشكل بعد ذلك والتي ربما ترتبط عند الماء
المنخفض إما مع جزيرة عبدان أو مع الضفة الإيرانية أسفل نهر نزيلة Nahr Nazaileh ستكون تابعة
لإيران.
ب-الميناء
الحديث ومرفأ التيار العلوي (للمحمرة) والتيار السفلي من نقطة تلاقي نهر قارون
مع شط العرب ينبغي أن يبقوا تحت السلطان القضائي الإيراني طبقا لمعاهدة (ارضروم)
وأن ذلك لا يقلل من حق العثمانيين في استخدام هذا الجزء من النهر، كما أنه لا
يسمح بامتداد السلطان القضائي الإيراني إلى هذه الأجزاء من النهر الباقية خارج
المرفأ.
6-وأن
الهيئة اجتمعت في المحمرة خلال الفترة 21 كانون الثاني ولغاية 28 تشرين الأول
عندما توقفت قبيل اندلاع الحرب. واستطاعت خلال تلك المدة أن تكمل عملها عند
النهاية الجنوبية من الحدود.
(كما)
قامت بتعريف حدود الميناء ب" الميناء الحديث والمرفأ عند المحمرة" عن
طريق تخطيط ( أو رسم ) الحدود التي ينبغي لها ان تتابع "التالوك" عند
نقطة التقاء شط العرب مع قناة تشيين " Chaiyin canal" إلى
أسفل نقطة مقابل (طويجات) Tuweijat حيث ينبغي
لها أن تعيد الاتصال مع مستوى الماء المنخفض على الضفة الشرقية.
الموقف
الإيراني من تسوية عام 1914
7-أن
الإيرانيين لم يكونوا قد اعترفوا بـ (بروتوكول القسطنطينية) بشكل بين وواضح حتى
قدموا ملاحظاتهم في عام 1937 ( أنظر الفقرة رقم (12)أسفل) كما لم يكونوا قد
اعترفوا بتسوية الحدود القائمة والمعتمدة على ذلك.
بالرغم
إن السفير الإيراني قام بتوقيع البرتوكول دون تحفظ، إلا أنه رشح لاحقا بأن هذا
لم يكن هو نية ( او هدف) الحكومة الإيرانية. (لذا) فإن وزير الخارجية الإيرانية
أشتكى لوزير حكومة جلالتها البريطانية في طهران في 26 كانون أول 1913 قائلا بأن
الحكومة الإيرانية قد وافقت - فقط - على قبول تسوية الحدود التي تم التوصل اليها
في القسطنطينية، بشرط أن سيادة أيران وحقوق الملاحة في شط العرب ينبغي المحافظة
عليها. ولكون أن ذلك لم يتم - كما قال - بسبب الصياغة السيئة للتعليمات
التلغرافية المرسلة للسفير الإيراني. وفي الجانب الأخر، فإن الإيرانيين لم
يحاولوا منع مندوب حكومتهم من المشاركة في عمل الهيئة، وأن يظهر توقيعه مع أولئك
الزملاء الأتراك، البريطانيين والروس على مختلف الوثائق والخرائط والتي سجلت فيه
الهيئة قراراتهم في عام 1914.
8-
(بالرغم ) من أن الإيرانيين أحيانا يصرحون بأن بروتوكول القسطنطينية هو لم يكن
ملزما لهم بسبب أنه لم يتم المصادقة عليه سواء من قبل الحكومة الإيرانية طبقا
للعرف الدولي أو من قبل المجلس والذي يستوجبه الدستور الإيراني.
وعكس
ذلك، يمكن للمسألة أن تناقش بأن (البروتوكول) وترسيم الحدود اللاحق لم يكن سوى
خطوات تم أخذها لتنفيذ المادة رقم ثلاثة (3) من معاهدة ( ارضروم ) Erze rum، وبأن عليه
في طبيعة النتائج الطبيعية لذلك بالنسبة للمعاهدة والتي كانت بالطبع تم المصادقة
عليها بشكل رسمي من قبل إيران في الطريقة المعتادة. لهذا فإن المستشارين
القانونيين لوزارة الخارجية (البريطانية) قد أخذوا وجهة النظر - بشكل متناغم -
من إن البروتوكول 1913 يحتاج إلى مصادقة أو أن الحدود التي تم رسمها في عام 1914
لم تكن قانونيا سارية المفعول.
مناشدة
أو (احتكام) العراق إلى عصبة الأمم
9-(في
الحقيقة) فإن السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى مباشرة كانت تتميز بنزاعات
حدودية متكررة بين إيران ومملكة العراق الجديدة. غير أم هذه النزاعات لم تؤثر
على حدود شط العرب بسبب أن الحكومة الإيرانية لم يكن لها سوى سيطرة ضعيفة مباشرة
في (خوزستان) Khuzistan. حيث شيوخ
المحمرة، والملك العربي لديه علاقات قريبة من حكومة جلالتها وتمتع بحكم ذاتي
فعلي. ولكن عقب عزله في عام 1926 فإن الحكومة الإيرانية أصبحت مهتمة أكثر بشكل
مباشر في (مسألة) شط العرب. واصبح مسؤولو الجمارك الإيرانيون والشرطة يسيرون
دوريات في النهر، (ويعود ذلك) جزئيا كنتيجة للترتيبات غير الرسمية بين الإيرانيين
المحليين والسلطات العراقية، أما الجزء الأخر فهو يعود إلى تحدي صريح للحكومة
العراقية. بينما منذ عام 1932 وما بعد ذلك فإن المراكب البحرية الإيرانية تجاهلت
قواعد الملاحة لميناء البصرة عندما رأوا أن الأمر يروق لهم. وفي أثناء ذلك فإن
الحكومة الإيرانية جعلت الأمر معروفا بأنه ليس أقل من السيادة الإقليمية إلى
(تالوك)، ( أو بدل ذلك إلى وسط خيط المياه) سوف يرضيهم. كل ذلك ولد مقدارا كبيرا
من الاحتكاك بين البلدين، (وبالنتيجة) في ِأيلول عام 1934 فإن (نوري السعيد)
أتصل وتشاور مع الحكومة جلالتها من أجل النصح والاحتكام إلى عصبة الأمم وفقا
للفقرة (2) من المادة (11) من الميثاق وقد أمل من خلال ذلك ان يحصل على قرار
يؤكد صلاحية حدود 1913-1914 وقد تم نصحه بأن الاحتكام الى عصبة الأمم سوف لن
يقود بالضرورة الى قرار قضائي وربما يتسبب او ينتج اقتراحا لحل وسط يضر بالمصالح
العراقية. وحتى أن قرارا يؤكد على حدود 1913-1914 ربما يقود إلى مصاعب لتلك
الحدود التي حذفت فيه تعريفها إلى جنوب النقطة مقابل (الفاو)، وربما يقوم المجلس
بتفسير ذلك بطريقة تبقى فيه (قناة روكا)Rooka channel في
أيدي الإيرانيين، بالرغم من أنها الأن لم يتم استعمالها حتى اللحظة والتي مكنت
الوصول الوحيد إلى شط العرب للسفن الكبيرة. ولقد تم الإقرار بأن أفضل أسلوب
سيكون قبل الذهاب فعليا إلى عصبة الأمم هو أن يحاول (العراق) عن طريق تقديم حصة
من الضرائب حول النفط لحقل (خانة) Khaneh. كي تحث الإيرانيين على المشاركة في
المحافظة على الاتفاق.
10-ومع
ذلك، وكنتيجة للاستفزازات الإيرانية اللاحقة، فإن الحكومة العراقية قدرت في
كانون ثاني عام (1935) عرض المسألة على عصبة الأمم. ونظرا لأن المطلوب إلى حد
كبير هو الموقف الموالي ل ( بارون الويسي) Baron Aloisi، مقرر اللجنة
الإيطالي والذي بدا أنه مهتم على أستثناء بريطانيا من أي قول حول السيطرة على شط
العرب، فإن محضر الجلسة لم تكن حاسمة وأنتجت فقط الاتفاق على المحافظة على الوضع
القائمStatus quo ،
مسألة
مجلس تنظيم الملاحة في النهر:-
11-
لقد بقيت مسألة الحدود مرتبطة عن قرب بمسألة مجلس تنظيم الملاحة في الشط
وممراته. ومنذ مطلع عام 1932 فإن العراقيين تقدموا للإتفاق على معاهدة لتنظيم
الملاحة في (الشط)، والذي كان بالنسبة للعراق، إيران، بريطانيا العظمى ينبغي لها
أن تكون أطرافا والتي (ينبغي) عليها أن تنشأ مجلس مشترك تمثل فيه الحكومات
الثلاث والتي يكون فيها هذا المجلس (مسؤولا) ليس فقط عن تنظيم الملاحة في شط
العرب ولكن عن الامتدادات المتاخمة ل( قارونKarun) (باهمشير Bahmishir) غير أن
الإيرانيين كانوا دائما يعترضوا مشاركة بريطانيا العظمى في عمل مجلس تنظيم
الملاحة في شط العرب والى تضمّنه ضمن ذلك حدود القانون أو غرضه أو نطاقه أي جزء
من الأنهار الإيرانية تماما، قارون وباهميشر ولعل فشل الإيرانيين في السيطرة على
كمية الطمي الذي يجلبه نهر (قارون) كان دائما مصدر دائم للقلق لإدارة ميناء
البصرة، والذي بناء عليه، وفي غياب سلطة تنظيم الملاحة المشتركة، فإن المسؤولية
في الحفاظ على شط العرب كمجرى مائي قابل للملاحة قد انتقلت إلى شخص أخر. وهكذا
أصبحت الحكومة العراقية قلقة بشكل متزايد، خصوصا منذ عام 1934 ولاحقا، وبتأمين
تعاون إيراني في عمل المحافظة على الملاحة (في شط العرب) على حساب بعض التنازلات
في مسألة الحدود.
معاهدة
عام 1937:-
12-(
تجدر الإشارة) إلى أن وزير الخارجية العراقي (حينئذ) نوري السعيد زار طهران في
أب عام 1936 وقابل الشاه. ولقد أقترح الشاه (أ) أن أيران ينبغي لها أن تعترف
بالحدود الموجودة في شط العرب مقابل المرفأ الذي يواجه(عبدان). (ب) (كما) ينبغي
أن يستنبط خطة أو يتم رسمها لتنظيم الملاحة في شط العرب يشمل (جل) التفاصيل
الملاحية في هذا المجرى المائي. وبعد وقت قصير كان هنالك تغيير حكومي في العراق
وقامت الحكومة الجديدة بمتابعة مبادرة الشاه، في مذكرة دبلوماسية رسمية إلى
الحكومة الإيرانية، للوصول إلى اتفاق معاهدة تسوي مسألة الحدود طبقا للخطوط التي
أقترحها شاه إيران، لكي يتم التقدم بعد ذلك لتوقيع معاهدة عدم اعتداء والذي
ينبغي أن تكون فيه تركيا وأفغانستان أطرافا فيها، وأن يتم لاحقا المفاوضات حول
اتفاق الملاحة وتنظيم الملاحة (وفي هذا المنحى)، فإن الإيرانيين إجابتهم، والتي
أوصلوها في كانون ثاني عام 1937 عبروا عن رغبتهم في التوصل إلى اتفاق يتضمن
النقاط التالية:-
أ-
الاعتراف ب بروتوكول عام 1913 وفي ترسيم الحدود لعام 1914 شريطة أن يتم
التنازل عن امتداد للماء مقابل عبدان بطول اربعة أميال ( بمعنى من محط
السفن في البحر رقم (1) واحد إلى النهاية العلوية لجزيرة شطيت وامتدادا
" إلى منتصف شط العرب أو إلى "تالوك" .
ب-أن
يبقى شط العرب مفتوحا للسفن التجارية لجميع البلدان، وللسفن الحربية العراقية
والإيرانية.
ج-يتعهد
كلا الطرفين بالتوصل إلى اتفاق يتعلق بتنظيم الملاحة، (وإنشاء) مجلس تنظيم
الملاحة (في شط العرب).
13-
وإن هذه الملاحظات قدمت أساس المعاهدة التي تم التوصل اليها لاحقا بين كلا
البلدين في (4) تموز عام 1937 (وتم المصادقة عليها في حزيران من السنة التالية).
وأن شروط المعاهدة تختلف عن ذلك التي تم وضعها في المذكرة الرسمية الإيرانية
فقط، في حدود المرفأ في (عبدان)، حيث تم الإشارة نصا بأن تكون إلى
"التالوك" وأن قسم (2)(4) قد أعاد (أو كرر) القول بحق كلا الطرفين
باستخدام النهر في جميع مجراه.
-وفي
ملحق للمعاهدة
لقد
تم الإشارة (في فقرة رقم (3) أن السماح الذي منحه أحد الطرفين لسفن حربية تتبع
قوة ثالثة كي تعبر شط العرب ينبغي أن يكون للطرف الأخر رأيا فيه وتمنح كذلك أيضا
للطرف الأخر.
14-
وأن القسم الثاني من ملحق المعاهدة لعام 1937 قد أكدت على أن الملاحة واتفاق
تنظيم الملاحة ينبغي التوصل اليه خلال عام من تاريخ أخذ المعاهدة حيز التنفيذ،
وإذا ما كان الأمر مستحيلا يمكن تمديد هذه المدة باتفاق الأطراف وذلك خلال تلك
المدة (والمقدرة) بفترة عام أو أطول من ذلك، فإنه ينبغي على الحكومة العراقية أن
تواصل المسؤولية حتى ذلك الحين حول المسائل المغطاة وبالاتفاق.
15-
(ويبدوا) أن معاهدة عام 1937 قد تم من خلالها تسوية مسألة الحدود بشكل نهائي
وحاسم. وبالتنازل لإيران عن مرفأ أبعد من عبدان، وبالتأكيد حق إيران في الملاحة
في جميع النهر، فإنه يكون قد ذهب بعيدا نحو إزاحة العوائق العملية والتي كانت
سابقا سببا (للنزاع). ( كما ) يبدوا كذلك منذ ذلك الحين (فصاعدا) فإن إيران كانت
مستعدة لقبول خط الحدود الأخير كما تم رسمه في المعاهدة.
لكن
مسألة تنظيم الملاحة بقيت مسألة غير محلولة. ولعدم الصمود أمام الجزء(الخامس) من
المعاهدة، لم يتم تحقيق أي تقدم باتجاه التوصل إلى اتفاق لتنظيم الملاحة. من
جهتهم فإن العراقيين وبالاعتماد على الجزء (الثاني) من ملحق المعاهدة، واصلوا
مسؤوليتهم لغاية هذا اليوم بأن يكونوا مسؤولين من خلال الوكالة لإدارة ميناء
البصرة عن جميع الأمور (المتعلقة) بتنظيم الملاحة والملاحة (نفسها) في شط العرب
(بما في ذلك الأجزاء الواقعة تحت السيادة الإيرانية) ..
(وهكذا)
فإن إخفاق الأطراف في التفاوض حول أتفاق يمكن عزوه جزئيا إلى إعاقة العراقيين،
والذين هم بشكل عام راضين عن الأمر الواقع المؤقت Provisional status quo لكن
السبب الأخر أيضا هو أصرار حكومة جلالتها " البريطانية" على شكل ما من
المشاركة في السيطرة على شط العرب .
استنتاج:-
16-
يبدوا أن هنالك القليل من المبررات التاريخية للادعاءات الإيرانية حول السيادة
على نصف شط العرب. وإن جميع الدلائل تشير إلى أنه، وحتى لغاية أواسط القرن
التاسع عشر فإن الشط كان نهرا تركيا. ولم يكن ذلك حتى (جاءت) (معاهدة ارضروم ) Treaty of Erzerum وأكدت
أن إيران اكتسبت حقا شرعيا في النهر. ومنذ ذلك الحين، استخدمت موقعها (كطرف)
يتمتع بالسيادة على الضفة اليسرى(للشط)، ثم لتحصل أولا (في عام 1914 ) سيادة على
جزء ابعد من (المحمرة)، ومن ثم بعد ذلك (في عام 1937) (أخذت) تنازلا شبيها أبعد
من عبدان.
قسم
الشرق الأوسط
دائرة
البحوث
وزارة
الخارجية
14/1/1960
|