حمام العليل في محافظة نينوى
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
اتحدث لكم اليوم عن معلم بارز من معالم محافظة نينوى والموصل .. اتحدث عن مدينة جميلة ، نحبها جميعا ونزورها ونصطاف فيها ولنا فيها ذكريات ، وذكريات جميلة انها حمام العليل او حمام علي هكذا يسميها الناس وهكذا يسميها المعجمي البلداني الكبير ياقوت الحموي المتوفى سنة 1229 ميلادية. وقد كتب في معجمه ( معجم البلدان ) ان حمام علي قريبة من الموصل وتضم عيونا كبريتية يستخدمها الناس لعلاج الامراض الجلدية .
وقصة حمام العليل قصة طويلة فهي تبعد عن الموصل قرابة ( 25) كيلومترا .وقد سميت بحمام العليل كما جاء في بعض المدونات التاريخية نسبة الى الامام الرابع عليه السلام زين العابدين علي بن الحسين والذي يسمى (الامام العليل ) . وقد روى الشيخ المفيد في كتابه (الارشاد ) ان شمر اقبل في جماعة من الجند الى الخيام عند معركة كربلاء وفيها علي بن الحسين عليه السلام وهو مريض طريح الفراش ولم يقتله .
وعلى ما يبدو ان الامام وهو في طريقه الى الشام مر بحمام العليل واغتسل في مياهها الكبريتية الحارة فشفي من مرضه لذلك سميت بحمام العليل نسبة اليه .
ومياه حمام العليل المعدنية الحارة معروفة في العالم وتقع على ضفة نهر دجلة اليمنى حيث العيون الكثيرة ومنها (عين زهرة) و(عين فصوصة) و( عين صفرا) .ويرتادها الناس خاصة ممن يشتكون من امراض المفاصل ، والروماتيزم ، وامراض الجلد والحساسية . وقد اعتاد اهل الموصل منذ سنين طويلة ان يقضوا فيها شهرا كاملا خلال الصيف حيث يؤجرون البيوت أو العرازيل وهي تتمتع بجو بارد ، وهواء عليل .
وكان الى جوار الحمام كانت هناك (كازينو) حديثة بنيت في الستينات ويديرها شخص من اسرة ال العلي المعروفة في الموصل والى جانب الحمام تل أثري يسمى ( تل السبت ) يلجأ اليه العشاق والمحبين ويقع على دجلة ايضا .كما يقدسه يهود الموصل ولهم معه ذكريات واغان شعبية يرددها الفتيات والنسوة ومنها ياتل السبت اليوم جئناك بنات وفي السنة الماضية نأتيك متزوجات .
وقد اشتهرت ناحية حمام العليل بتوفر الفواكه والخضروات فيها بأسعار بخسة ونوعية جيدة حيث انها والقرى المحيطة بها زراعية .. ولاننسى من كان يبيع السكاكر والفرارات للاطفال ويسمى (ابو النمل ) .
ومن حسن الحظ ؛ فإن حمام العليل حظيت بالكثير من القصائد والاغاني ومنها اغنية :"صاح القطار قومي انزلي كوي اوصلنا حمام علي " وهذه الاغنية التي يجهل الكثيرون من قائلها وهو الشاعر الموصلي الاستاذ عبد الغني الملاح .
كما ان الباحث التراثي الدكتور محمد صديق الجليلي (رحمه الله ) ألف كتابا عن حمام العليل بعنوان : ( الاصطياف في حمام العليل ) .. كما كتب عنها اخرون في قصصهم ورواياتهم وتشكل حمام العليل معلما بارزا في الذاكرة التاريخية الموصلية .
كان الموصليون يذهبون الى حمام العليل بالقطار النازل الى بغداد وكان يتحرك الساعة ( 12 ) ظهرا وينزلون في حمام العليل بعد ان يمروا بما يسمى ( النفق) القريب من طريق يسمى (طريق الحية ) ويعبرون قرية ( البو سيف) وبعدها قرية ( لزاكة ) وقرية ( الصيرمون ) على نهر دجلة وينزلون في محطة حمام العليل ويستحمون ويعودون في قطار الساعة السابعة الصاعد من بغداد بإتجاه الموصل .كانت رحلة جميلة ، وسياحية ممتعة يعدها الموصليون من ايام العمر الجميلة مع انها لاتستغرق وقتا طويلا .
وقد لايعرف كثيرون ان حمام العليل منطقة زراعية ، ومنطقة اثارية ، وسياحية كانت مزدهرة في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي وقد ادركتها مدينة عامرة فيها اسواق وكازينوهات وفنادق وبيوت للتأجير و(عرازيل ) للمصطافين وكانت الحمام على درجة من النظافة والانتظام في المواعيد حيث ثمة مواعيد للرجال ومواعيد للنساء قبل أن تُبنى حمام خاصة للنساء .. وكان ثمة كورنيش على النهر يمتد من حمام العليل الى قرية الصلاحية او جهينة .كانت حمام العليل نظيفة وفيها اسواق عامرة تجد فيها كل ما تحتاجه وكانت الحمام تشتغل الى ساعات متأخرة من الليل ، وكان في الحمام حوض كبير ُيغذى بالمياه الكبريتية الساخنة بواسطة مضخات مباشرة وكان الى جانب الحوض الكبير احواض صغيرة للاستحمام .هذا فضلا عن اماكن للاستراحة وقاعة للجلوس ومنازع للملابس وكافيتريا يقدم فيها الشاي والحامض والينسون وما شاكل .
كان في حمام العليل (154) تلا اثاريا منها (تل السبت) وقسم من هذه التلال يعود الى عصر حسونة الذي يمتد الى (5200 ) سنة قبل الميلاد .
كانت مدينة حمام العليل من الناحية الادارية في الستينات مركزا لقضاء الشورة ، وفيها مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية ومستوصفات لكنها اصبحت بعد ذلك ناحية تابعة لقضاء الموصل .
كانت حمام العليل تضم كلية الزراعة والغابات التابعة الى جامعة الموصل وكانت كلية مزدهرة ورائعة ومتطورة لكنها للاسف الشديد تعرضت للتدمير بعد الاحتلال الاميركي 2003 وكانت قبل ذلك وبإجراء خاطئ من رئاسة جامعة الموصل قد ُنقلت الى مدينة الموصل قبل 2003 ولاسباب شخصية ، وظلت مبانيها تواجه السرقة والنهب والتدمير واملنا كبير في ان يستجيب المسؤولون فيعملوا على إعادة كلية الزراعة والغابات الى حمام العليل والتي كان لوجودها من قبل دور كبير في تحديث المنطقة وخدمتها .
واخيرا إنني ادعو المسؤولين في الحكومتين المركزية والمحلية الى الالتفات الى حمام العليل وتطويرها والاهتمام بالحمام وتطويرها كما هي الحمامات التركية في انقرة لكي تصبح المنطقة قبلة للسائحين والراغبين للاستشفاء بمياهها الكبريتية المتميزة التي اثبتت الدراسات انها من افضل انواع المياه الكبريتية في العالم واكثرها غنى بالعناصر المفيدة .
______________________________________________
*الصور :الحمام وحوض السباحة الرئيسي وصورة تل السبت وسوق المدينة وبقايا الكازينو وصورة لكلية الزراعة والغابات جامعة الموصل والبناية الاولى على اليسارة العمادة والبناية الثانية مكتبة الكلية ثم على اليمين قسم الثروة الحيوانية والدواجن والحلقة متاحة في اليوتيوب والرابط :https://www.youtube.com/watch?v=RCYx_FWCaUk
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق