أنا والتاريخ العثماني
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
منذ ان كنت طالبا في قسم التاريخ –كلية التربية –جامعة بغداد 1964-1968 ، تيسرت الفرصة لي ان يكون استاذنا في دراسات تاريخ الشرق الادنى الحديث وتاريخ العراق الحديث استاذ مصري فذ ومؤرخ كبير متخصص بتاريخ العراق العثماني ؛ هو الاستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار (رحمة الله عليه ) ؛ فقد درسنا هذا الرجل ثلاث سنوات 1964و1965و1966 وقد علمت ُ في حينه ان رسالته للماجستير كانت من جامعة عين شمس بالقاهرة –مصر عن :"داؤود باشا أخر الولاة المماليك " وأن اطروحته للدكتوراه كانت عن "تاريخ العراق الحديث منذ اواخر عهد داؤود باشا الى اواخر عهد مدحت باشا " .
ومنذ ذلك الوقت أي منذ الستينات من القرن الماضي ، أحببت التاريخ العثماني وقد كتبت رسالتي للماجستير عن ولاية الموصل 1908-1922 . كما تطرقت في اطروحتي للدكتوراه في الفصل الاول عن "السياسة التعليمية العثمانية وتطور التعليم في العراق منذ سنة 1869 الى سنة 1914 " .
وبعد ان تخرجت وعينت مدرسا في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة الموصل ، وكان ذلك سنة 1975 طلب مني رئيس القسم انذاك الاستاذ الدكتور توفيق سلطان اليوزبكي ان أعد محاضرات للطلبة في مادة دراسية كانت تسمى انذاك :" تاريخ العرب الحديث " وكان يدرسها قبلي استاذان مصريان كبيران على التعاقب هما : الاستاذ الدكتور احمد عبد الرحيم مصطفى والاستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن برج .
لم تكن محاضرات "تاريخ العرب الحديث " تغطي التاريخ العثماني بشكل شامل ، لذلك وجدتُ ان التسمية الصحيحة للمادة ان تكون :"تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1916 " . وعندما كنا طلابا في الستينات من القرن الماضي كان اسم المادة في قسم التاريخ :"تاريخ الشرق الادنى الحديث " وكان اساتذتنا يقولون ان مصطلح "الشرق الادنى " يشمل "الدولة العثمانية وممتلكاتها " .
لقد أكدتُ عندما بدأت أدرسُ مادة "تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1918 " في المرحلة الثانية في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة الموصل 1975 ، ومابعدها في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة الموصل على انه ظهرت في السنوات الاخيرة واقصد السنوات في الستينات والسبعينات من القرن الماضي دراسات عديدة تناولت تاريخ العرب الحديث منذ التوسع العثماني حتى الحرب العالمية الاولى واندلاع الثورة العربية الكبرى 1916 .
وقلتُ ان ندوات ومؤتمرات علمية كثيرة عقدت على صعيد الوطن العربي والعالمي لمعالجة جوانب مختلفة من هذا التاريخ .وأنه قد برز إهتمام كبير بالوثائق ولاسيما العثمانية منها والمنتشرة في اماكن عديدة ابرزها دور الارشيف العثماني في اسطنبول بتركيا.. ومن المؤكد كما قلت ان هذه الوثائق نصوص من شأنها القاء الضوء على بعض القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاجتماعية للدولة العثمانية وممتلكاتها .
هذا فضلا عن ما تقدم به عدد من الباحثين الشباب العرب من رسائل جامعية على مستوى الماجستير والدكتوراه عن الحقبة العثمانية .
وضربتُ من نفسي مثلا على هذه المشاركة العلمية .اذ يعود اهتمامي بهذا الموضوع الى بضعة سنوات خلت .. كما قلت في اول هذا المقال ومما اردت ان اركزه في محاضراتي انه لابد ان نناقش المصطلحات التي تُطلق على الفترة العثمانية التي خضعت فيها البلدان العربية للحكم العثماني .. وقلتُ ان هناك من يطلق مصطلح السيطرة العثمانية وهناك من يقول الغزو العثماني ، وهناك من يقول الاحتلال العثماني ، وحتى هناك من يقول الاستعمار العثماني . وبدون شك فإن لكل تلك التسميات خلفيات سياسية وعنصرية وطائفية ولابد ان نذكر في المقابل ان هناك من يطلق مصطلح :"الفتح العثماني " للبلدان العربية او للاراضي العربية وينطلق من خلفية اسلامية وذهب الامر بالاستاذ الدكتور عبد العزيز الشناوي ان يؤلف كتابا من عدة أجزاء بعنوان :"الدولة العثمانية دولة اسلامية مفترى عليها " .
ويقينا ان المصطلحات هذه كما قلنا تنطلق من اسس ايديولوجية مرتبطة بمقاومة العرب للاتراك الاتحاديين خاصة بعد ثورة الاتحاد والترقي في 23 تموز 1908 .
من هنا ذهبتُ الى ان يكون عنوان كتابي الذي اصدرته سنة 1982 وطبع مرات عديدة ولايزال مقررا على طلبة قسم التاريخ في الجامعات العراقية وفي بعض الجامعات العربية بإسم " تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1916 " .وقد جاء إقدامي على تأليف هذا الكتاب بعد ان لمستُ ان ثمة اهمالا شديدا كانت تعاني منه هذه الفترة وان التركيز كان على التاريخ الاوربي بحقبه القديمة والوسطى والحديثة .
وحين كلفتني وزارة التربية وزميليي الدكتور محمد مظفر الادهمي والدكتور صادق حسن السوداني لتأليف كتاب الصف السادس الاعدادي الفرع الادبي ومن قبله للصف الثالث المتوسط بعنوان :" التاريخ الحديث والمعاصر للوطن العربي " قمتُ آنذاك بكتابة الفصول التي تغطي تاريخ العرب منذ مطلع العصور الحديثة في القرن السادس عشر حتى الحرب العالمية الاولى .. ثم توسعت في كتابة مباحث وفصول في موضوعات تخص تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني نشر الكثير منها في صحف ومجلات اكاديمية وثقافية عراقية وعربية .
ان كتابي الموسوم :"تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1916 درس اوضاع الوطن العربي بمشرقه ومغربة دراسة افقية خلال الفترة الواقعة بين مطلع القرن السادس عشر ومطلع القرن العشرين وهي الفترة التس اسميتها ب" العهد العثماني " . وليس من شك في ان لهذه الفترة الطويلة من تاريخنا والتي تزيد عن 400 سنة أهمية كبيرة في فهم التكوين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي للمجتمع العربي . وكذلك في فهم الاتجاهات والتيارات الفكرية المعاصرة في الوطن العربي .
وقد يسأل سائل عن ما أقصده بالدراسة الافقية ؛ فأقول انني لم ادرس كل بلد عربي على حده وانما درست الوطن العربي ( بمشرقه ومغربه) كوحدة واحدة ، فمثلا تناولت توسع العثمانيين في كل البلدان العربية ثم وقفت عند انظمة الحكم العثمانية وتعرض مصر والشام للغزو العثماني الاستعماري ومحاولة محمد علي باشا والي مصر لبناء دولة عربية قوية وتحدثت عن محاولات الاصلاح العثمانية وانعكاساتها في البلدان العربية وتابعت مراحل الغزو الاستعماري الاوربي في الوطن العربي وردود الفعل العربية واخيرا درست اتجاهات حركة النهضة الحديثة ونشوء الوعي القومي والتوجهات العروبية والاسلامية .
ان مما كنت اؤكد عليه ، واتحدث عنه في محاضراتي سواء في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة الموصل أو في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة الموصل وفي الدراسات العليا في القسمين اننا اصبحنا في ضوء ما يتوفر لدينا من دراسات عن "العهد العثماني " نتلمس آثار نظرتين مختلفتين الى الدولة العثمانية ؛فالنظرة الاولى ترى ان العثمانيين مسؤولين عما لحق بالعرب من فقر ، وظلم ، واستغلال ، وجهل ، وركود ، وعزلة ، وجمود وقد وجدنا هذه النظرة متجسدة في كتابات جورج انطونيوس وكتابه :" يقظة العرب " 1969 ، وساطع الحصري في كتابه :" البلاد العربية والدولة العثمانية " 1965 ، ومحمد بديع شريف في كتابه الذي الفه مع عدد من زملاءه والموسوم :" دراسات تاريخية في النهضة العربية " 1950 وجمال الدين الشيال في كتابه :" محاضرات في الحركات الاصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الاسلامي الحديث " 1958 .
اما النظرة الثانية ، فتقوم على اساس ان الدولة العثمانية دولة اسلامية مفترى عليها ونجد مثالا على ذلك ماالفه الدكتور عبد العزيز الشناوي كما سبق ان قدمنا . ومما قاله الدكتور الشناوي ان تاريخ الدولة العثمانية تعرض الى كثير من التشهير من مصادر متعددة لعل من ابرزها الغرب الاستعماري واليهود والصهيونية العالمية .
وقد اكد المؤرخ المصري الاستاذ الدكتور احمد عبد الرحيم مصطفى في كتابه :"اصول التاريخ العثماني " 1982 :" ان الامبراطورية العثمانية ظهرت في ثنايا رد الفعل الاسلامي إزاء اوربا الآخذة في التوسع الاستعماري " ، و"ان من الضروري وضع التاريخ العثماني في مكانته الصحيحة في إطار التاريخ العالمي " .
وهكذا قلتُ انا في كتابي :"تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني " ان التاريخ العثماني ينتظر منا ان ننصفه ، وننظر اليه بنظرة موضوعية بعيدة عن الايديولوجيات السياسية والحزبية ، وان نركز على مسألة غاية في الاهمية وهي ان العرب استوعبوا اخوانهم في الدين ، وتفاعلوا معهم طالما كانت النظرة واحدة الى المكونات التي كانت تتألف منها الدولة العثمانية فلا فرق بين الاتراك والعرب والاكراد والالبان والبوسنيين والشيشان طالما هم (مسلمون عثمانيون ) ولكن التناقض بين العرب والاتراك ظهر بعد ان جاء حزب الاتحاد والتقي وقام بثورته على السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 وخلعه سنة 1909 والسير في الحكم وفق شعارات التتريك والطورانية والعنصرية ولم تكن المحافل الماسونية - وهي واجهة للحركة الصهيونية العالمية - بعيدة عن ماحدث في اسطنبول سنة 1908 .
من هنا اقول لطلبتي واحبتي ومن يسمعني : ان من الواجب التمييز بين المرحلة الاولى من التاريخ العثماني ، والمرحلة الاخيرة والممتدة من 1909 وحتى 1915 والمرتبطة بذهن لقادة العرب بمشانق بيروت ودمشق ومقاومة اللغة العربية وطمس الهوية العربية.
ان كتابة التاريخ مهمة صعبة جدا تقتضي منا التثبت من الحقيقة ،كل الحقيقة ، ولاشيء غير الحقيقة عن الماضي كما كان يقول استاذي الدكتور فاضل حسين وتفسير التاريخ مهمة أصعب ومكملة لتثبيت الحقائق .وانا اتبع منهج المؤرخ الالماني ليوبولد رانكة والتي تقوم على ان مهمة المؤرخ الرئيسة هي : إعادة صياغة وتشكيل الحدث كما وقع بالضبط لاسيما وان التاريخ حافل بالثغرات المجهولة والتحليلات الغامضة والتفسيرات المريبة كما كان يقول استاذنا الدكتور محمد انيس .
انني عندما كنت اهتم بالتاريخ العثماني ، فإنني - ويشهد الله على ذلك - كنت احاول ان استعيد الماضي من اجل الحاضر والمستقبل اي اريد ان نتعلم من التاريخ ، ونأخذ العبرة ولكن دون ان نغمط دورنا ورؤيتنا الى الماضي. ومن المؤكد كما يقول بنديتو كروجة المؤرخ الايطالي ؛ فالتاريخ كله تاريخ معاصر بمعنى اننا لانستطيع ان نتخلص من نزعاتنا وما يحيط بنا بشكل مطلق لكن لابد ان نبذل اقصى جهودنا لكي نكون محايدين موضوعيين قدر الامكان .
لقد درستُ الدولة العثمانية في كثير من أعمالي : نشوءها ، وتوسعها في البلدان والمدن العربية واستعرضت ابرز النظريات حول قيام الدولة العثمانية، ثم تتبعت مراحل اتساعها في اسيا وأفريقيا واوربا طيلة اكثر من 700 سنة تمتد من 1299 حتى 1922 وهي السنة التي سبقت قيام الجمهورية التركية سنة 1923 بقيادة مصطفى كمال الذي لقبه الاتراك ب(اتاتورك ) أي ابو الاتراك .
ومما كنتُ اركز عليه اسباب التغير في استراتيجية التوسع العثماني في البلدان العربية الذي حدث في عهد السلطان سليم الاول 1512-1520 والتي كان من ابرز نتائجها دخول البلاد العربية تحت الحكم العثماني .
ومن الطبيعي انني كنت انصرف الى دراسة كيف حكم العثمانيون البلاد ؟ لذلك وقفت عند نظم الحكم والادارة وتناسب القوى التي حكمت الدولة العثمانية ابتداءا من السلطان وحتى اصغر مسؤول اداري عثماني في الناحية .كما كتبتُ كثيرا عن الاوضاع والنظم الاقتصادية والاجتماعية ونظم الضرائب ووقفتُ عند ظاهرة بروز عدد من القوى او العصبيات المحلية كالجليليين في الموصل والمماليك في بغداد وال ظاهر العمر في فلسطين والاسرة الحسينية في تونس والاسرة القرامنلية في طرابلس الغرب وال العظم في سوريا وال معن والشهابيين في سوريا .
كما ناقشت مسألة انتقال الخلافة من العباسيين الى العثمانيين والنظريات التي ذكرت ذلك ، والتي تداولها عدد من المؤرخين والمتصلة برواية تنازل الخليفة العباسي المتوكل عن الخلافة للسلطان سليم الاول 1512-1520 وتسليمه الاثار النبوية الشريفة المؤلفة من بيرق (العلم ) الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبردته ومن المؤرخين الذين ذكروها دوسون DOHSSON والتي ذكرها في كتابه :" لمحة عامة للامبراطورية العثمانية " بيد انه لم يشر الى المصدر ..وثمة مؤرخين رددوا هذه الرواية ومنهم محمد فريد في كتابه :"الدولة العلية العثمانية " ومارك سايكس في كتابه :"تراث الخليفة الاخير " ويستند هؤلاء على ان قضية التنازل قد حصلت بدليل ان الاثار الخاصة بشعائر الخلافة التي كانت محفوظة عند الخلفاء العباسيين قد وصلت الى أيدي العثمانيين وهي نفسها التي نقلها السلطان سليم الاول لدى فتحه مصر وان المرتبطين بالسلطان سليم كانوا يطلقون عليه لقب (خليفة ) ومن هؤلاء معاصره المؤرخ ابن زنبل الرمال وقد لقب بركات شريف مكة السلطان سليمان القانوني سنة 1520 بلقب (خليفة الله ) .
ومهما يكن فالقضية –حسب وجهة نظري –لاتزال معلقة وغير محسومة لكن لابد من القول ان السلاطين العثمانيين لم يكونوا يهتمون لهذا اللقب وكانوا يحكمون حسب نظرية "امارة الاستيلاء " ، واللقب استخدموه في نص او نصين رسميين منهما معاهدة كوجك كينارجي التي وقعت سنة 1774 بين السلطان العثماني عبد الحميد الاول 1774-1789 وامبراطورة روسيا كاترينة الثانية والسبب وجود مسلمين في روسيا وبموجب هذه المعاهدةوافقت روسيا على ان يكون السلطان العثماني كخلفة للمسلمين الحق في حماية المسلمين في شبه جزيرة القرم وهذا كما هو معروف ينسجم مع السياسة الاسلامية التي تبنتها الدولة العثمانية لمواجهة الحركات القومية .
إنصب اهتمامي ودراساتي على مسألة الغزو الفرنسي لمصر سنة 1798 ، وما احدثه من نتائج في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، وما ترك من صدى في البلاد العربية وبينت اسباب صعود محمد علي باشا ومجهوداته في جعل مصر قاعدة لدولة عربية موحدة وكتبت عدة بحوث عن موقع العراق في هذه المحاولات وموقع البحرين والشام والخليج العربي والسودان في هذا المشروع ومعظم هذه البحوث منشورة القي بعضها في مؤتمرات علمية خارج العراق وخاصة في مصر والبحرين .
ويقينا ان من نقاط اهتمامي بالتاريخ العثماني دراساتي عن ما يسمى بحركات التجديد الاسلامية وابرزها حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد .. طبيعتها ، وموقعها هي والسنوسية والمهدية في حركات النهوض الاسلامية .
كما كرست جانبا من جهودي في دراسة التاريخ العثماني بالتوقف عند ماسمي بالاصلاحيات الخيرية والتي كانت بدفع من الغرب والتي ابتدأت في القرن الثامن عشر واتاحت للدول الغربية التغلغل داخل الدولة وتفكيكها بالاعتماد على تبني القوانين الغربية والارساليات التبشيرية وبعثات الاثار وادعاء الحماية للنصارى الارثودكس والكاثوليك والبروتستانت .
وكان من المواضيع التي اهتممت بها وافردت لها جانبا من دراساتي أحداث الغزو الاستعماري الاوربي للمياه العربية الشماية والجنوبية والتي ابتدأت بعد ان شهد العالم في القرن التاسع عشر نموا وتوسعا في حركة الاستعمار الحديث المعروف بالامبريالية وكان من ابرز نتائج زيادة الانتاج في الدول الاستعمارية ظهور الحاجة الى اسواق جديدة لتصريف المواد المصنعة والاهم منذلك ضرب الاقتصاد الاسلامي بالصميم وايجاد طرق للوصل الى الشرق بدلا من طريق العراق وطريق مصر وهكذا تتبعت احتلال فرنسا للجزائر 1830والاحتلال الفرنسي لتونس 1881ولمراكش 1830-1914والسيطرة البريطانية في الخليج العربي والعراق والاحتلال البريطان لمصر 1882 والثورة العرابية والتدخل البريطاني في السودان 1898 والاحتلال الايطالي لليبيا 1911 .ولم انس ان اتناول ردود الفعل والمقاومة لكل هذه الاحتلالات .
ومن المباحث التي وقفتُ عندها وعالجتها في عدد من بحوثي التي تتناول التاريخ العثماني ما سمي بالنهضة الفكرية العربية والاتجاهات المختلفة ومحاولات الاجابة على سؤال لماذا تخلفنا وتقدم غيرها .. وقد كان مما عنيت به الاتجاهات الاسلامية الاصلاحية وممثلي هذه الاتجاهات ومؤلفاتهم وكتاباتهم وحلولهم لما آل اليه الوضع : اقصد وضع الولايات التي كانت خاضعة للحكم العثماني .. وكيف تشرذمت وتفككت وصارت لقمة سائغة لمطامع الغرب الاستعماري والامبريالي .
وللاسف فإن القيادات العربية ابتدأء من الشريف حسين شريف مكة وقعت في خطأ التحالفات مع الغرب للثورة على العثمانيين ، ووعدهم بمساعدتهم لاقامة الدولة العربية الموحدة والمستقلة لكن مما اثبتته الدراسات وأثبته الواقع ان الغرب – وكان انذاك ممثلا ببريطانيا وفرنسا – خدع العرب ، وتحالفت فرنسا وبريطانيا وروسيا على اقتسام ممتلكات الدولة العثمانية ، وعقدت معاهدة سايكس –بيكو بين بريطانيا وفرنسا لهذ الغرض وانسحبت روسيا بعد ان قامت فيها ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 .. كما وعد الانكليز اليهود والحركة الصهيونية على اعطاءهم فلسطين لاقامة ما اسموه ب" الوطن القومي" على حساب اهلها سنة 1917 وهو ماعرف ب"وعد بلفور " الذي نفذ بحذافيره وقام الكيان الصهيوني على ارض فلسطين 1948 .
وللاسف لايزال الحكام العرب يلهثون وراء الغرب ، ودون ان يقبضوا ثمن ولاءهم بل العكس فإن دولهم التي اقيمت منذ 100 سنة تبدوا آيلة للسقوط والتفكك بسبب سياساتهم الاستبدادية ، والتسلطية ، وغير الحكيمة .
*نص محاضرة القيتها في الموسم الثقافي لقسم التاريخ بكلية الاداب - جامعة الموصل 13/11/2018
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
منذ ان كنت طالبا في قسم التاريخ –كلية التربية –جامعة بغداد 1964-1968 ، تيسرت الفرصة لي ان يكون استاذنا في دراسات تاريخ الشرق الادنى الحديث وتاريخ العراق الحديث استاذ مصري فذ ومؤرخ كبير متخصص بتاريخ العراق العثماني ؛ هو الاستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار (رحمة الله عليه ) ؛ فقد درسنا هذا الرجل ثلاث سنوات 1964و1965و1966 وقد علمت ُ في حينه ان رسالته للماجستير كانت من جامعة عين شمس بالقاهرة –مصر عن :"داؤود باشا أخر الولاة المماليك " وأن اطروحته للدكتوراه كانت عن "تاريخ العراق الحديث منذ اواخر عهد داؤود باشا الى اواخر عهد مدحت باشا " .
ومنذ ذلك الوقت أي منذ الستينات من القرن الماضي ، أحببت التاريخ العثماني وقد كتبت رسالتي للماجستير عن ولاية الموصل 1908-1922 . كما تطرقت في اطروحتي للدكتوراه في الفصل الاول عن "السياسة التعليمية العثمانية وتطور التعليم في العراق منذ سنة 1869 الى سنة 1914 " .
وبعد ان تخرجت وعينت مدرسا في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة الموصل ، وكان ذلك سنة 1975 طلب مني رئيس القسم انذاك الاستاذ الدكتور توفيق سلطان اليوزبكي ان أعد محاضرات للطلبة في مادة دراسية كانت تسمى انذاك :" تاريخ العرب الحديث " وكان يدرسها قبلي استاذان مصريان كبيران على التعاقب هما : الاستاذ الدكتور احمد عبد الرحيم مصطفى والاستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن برج .
لم تكن محاضرات "تاريخ العرب الحديث " تغطي التاريخ العثماني بشكل شامل ، لذلك وجدتُ ان التسمية الصحيحة للمادة ان تكون :"تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1916 " . وعندما كنا طلابا في الستينات من القرن الماضي كان اسم المادة في قسم التاريخ :"تاريخ الشرق الادنى الحديث " وكان اساتذتنا يقولون ان مصطلح "الشرق الادنى " يشمل "الدولة العثمانية وممتلكاتها " .
لقد أكدتُ عندما بدأت أدرسُ مادة "تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1918 " في المرحلة الثانية في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة الموصل 1975 ، ومابعدها في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة الموصل على انه ظهرت في السنوات الاخيرة واقصد السنوات في الستينات والسبعينات من القرن الماضي دراسات عديدة تناولت تاريخ العرب الحديث منذ التوسع العثماني حتى الحرب العالمية الاولى واندلاع الثورة العربية الكبرى 1916 .
وقلتُ ان ندوات ومؤتمرات علمية كثيرة عقدت على صعيد الوطن العربي والعالمي لمعالجة جوانب مختلفة من هذا التاريخ .وأنه قد برز إهتمام كبير بالوثائق ولاسيما العثمانية منها والمنتشرة في اماكن عديدة ابرزها دور الارشيف العثماني في اسطنبول بتركيا.. ومن المؤكد كما قلت ان هذه الوثائق نصوص من شأنها القاء الضوء على بعض القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاجتماعية للدولة العثمانية وممتلكاتها .
هذا فضلا عن ما تقدم به عدد من الباحثين الشباب العرب من رسائل جامعية على مستوى الماجستير والدكتوراه عن الحقبة العثمانية .
وضربتُ من نفسي مثلا على هذه المشاركة العلمية .اذ يعود اهتمامي بهذا الموضوع الى بضعة سنوات خلت .. كما قلت في اول هذا المقال ومما اردت ان اركزه في محاضراتي انه لابد ان نناقش المصطلحات التي تُطلق على الفترة العثمانية التي خضعت فيها البلدان العربية للحكم العثماني .. وقلتُ ان هناك من يطلق مصطلح السيطرة العثمانية وهناك من يقول الغزو العثماني ، وهناك من يقول الاحتلال العثماني ، وحتى هناك من يقول الاستعمار العثماني . وبدون شك فإن لكل تلك التسميات خلفيات سياسية وعنصرية وطائفية ولابد ان نذكر في المقابل ان هناك من يطلق مصطلح :"الفتح العثماني " للبلدان العربية او للاراضي العربية وينطلق من خلفية اسلامية وذهب الامر بالاستاذ الدكتور عبد العزيز الشناوي ان يؤلف كتابا من عدة أجزاء بعنوان :"الدولة العثمانية دولة اسلامية مفترى عليها " .
ويقينا ان المصطلحات هذه كما قلنا تنطلق من اسس ايديولوجية مرتبطة بمقاومة العرب للاتراك الاتحاديين خاصة بعد ثورة الاتحاد والترقي في 23 تموز 1908 .
من هنا ذهبتُ الى ان يكون عنوان كتابي الذي اصدرته سنة 1982 وطبع مرات عديدة ولايزال مقررا على طلبة قسم التاريخ في الجامعات العراقية وفي بعض الجامعات العربية بإسم " تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1916 " .وقد جاء إقدامي على تأليف هذا الكتاب بعد ان لمستُ ان ثمة اهمالا شديدا كانت تعاني منه هذه الفترة وان التركيز كان على التاريخ الاوربي بحقبه القديمة والوسطى والحديثة .
وحين كلفتني وزارة التربية وزميليي الدكتور محمد مظفر الادهمي والدكتور صادق حسن السوداني لتأليف كتاب الصف السادس الاعدادي الفرع الادبي ومن قبله للصف الثالث المتوسط بعنوان :" التاريخ الحديث والمعاصر للوطن العربي " قمتُ آنذاك بكتابة الفصول التي تغطي تاريخ العرب منذ مطلع العصور الحديثة في القرن السادس عشر حتى الحرب العالمية الاولى .. ثم توسعت في كتابة مباحث وفصول في موضوعات تخص تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني نشر الكثير منها في صحف ومجلات اكاديمية وثقافية عراقية وعربية .
ان كتابي الموسوم :"تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1916 درس اوضاع الوطن العربي بمشرقه ومغربة دراسة افقية خلال الفترة الواقعة بين مطلع القرن السادس عشر ومطلع القرن العشرين وهي الفترة التس اسميتها ب" العهد العثماني " . وليس من شك في ان لهذه الفترة الطويلة من تاريخنا والتي تزيد عن 400 سنة أهمية كبيرة في فهم التكوين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي للمجتمع العربي . وكذلك في فهم الاتجاهات والتيارات الفكرية المعاصرة في الوطن العربي .
وقد يسأل سائل عن ما أقصده بالدراسة الافقية ؛ فأقول انني لم ادرس كل بلد عربي على حده وانما درست الوطن العربي ( بمشرقه ومغربه) كوحدة واحدة ، فمثلا تناولت توسع العثمانيين في كل البلدان العربية ثم وقفت عند انظمة الحكم العثمانية وتعرض مصر والشام للغزو العثماني الاستعماري ومحاولة محمد علي باشا والي مصر لبناء دولة عربية قوية وتحدثت عن محاولات الاصلاح العثمانية وانعكاساتها في البلدان العربية وتابعت مراحل الغزو الاستعماري الاوربي في الوطن العربي وردود الفعل العربية واخيرا درست اتجاهات حركة النهضة الحديثة ونشوء الوعي القومي والتوجهات العروبية والاسلامية .
ان مما كنت اؤكد عليه ، واتحدث عنه في محاضراتي سواء في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة الموصل أو في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة الموصل وفي الدراسات العليا في القسمين اننا اصبحنا في ضوء ما يتوفر لدينا من دراسات عن "العهد العثماني " نتلمس آثار نظرتين مختلفتين الى الدولة العثمانية ؛فالنظرة الاولى ترى ان العثمانيين مسؤولين عما لحق بالعرب من فقر ، وظلم ، واستغلال ، وجهل ، وركود ، وعزلة ، وجمود وقد وجدنا هذه النظرة متجسدة في كتابات جورج انطونيوس وكتابه :" يقظة العرب " 1969 ، وساطع الحصري في كتابه :" البلاد العربية والدولة العثمانية " 1965 ، ومحمد بديع شريف في كتابه الذي الفه مع عدد من زملاءه والموسوم :" دراسات تاريخية في النهضة العربية " 1950 وجمال الدين الشيال في كتابه :" محاضرات في الحركات الاصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الاسلامي الحديث " 1958 .
اما النظرة الثانية ، فتقوم على اساس ان الدولة العثمانية دولة اسلامية مفترى عليها ونجد مثالا على ذلك ماالفه الدكتور عبد العزيز الشناوي كما سبق ان قدمنا . ومما قاله الدكتور الشناوي ان تاريخ الدولة العثمانية تعرض الى كثير من التشهير من مصادر متعددة لعل من ابرزها الغرب الاستعماري واليهود والصهيونية العالمية .
وقد اكد المؤرخ المصري الاستاذ الدكتور احمد عبد الرحيم مصطفى في كتابه :"اصول التاريخ العثماني " 1982 :" ان الامبراطورية العثمانية ظهرت في ثنايا رد الفعل الاسلامي إزاء اوربا الآخذة في التوسع الاستعماري " ، و"ان من الضروري وضع التاريخ العثماني في مكانته الصحيحة في إطار التاريخ العالمي " .
وهكذا قلتُ انا في كتابي :"تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني " ان التاريخ العثماني ينتظر منا ان ننصفه ، وننظر اليه بنظرة موضوعية بعيدة عن الايديولوجيات السياسية والحزبية ، وان نركز على مسألة غاية في الاهمية وهي ان العرب استوعبوا اخوانهم في الدين ، وتفاعلوا معهم طالما كانت النظرة واحدة الى المكونات التي كانت تتألف منها الدولة العثمانية فلا فرق بين الاتراك والعرب والاكراد والالبان والبوسنيين والشيشان طالما هم (مسلمون عثمانيون ) ولكن التناقض بين العرب والاتراك ظهر بعد ان جاء حزب الاتحاد والتقي وقام بثورته على السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 وخلعه سنة 1909 والسير في الحكم وفق شعارات التتريك والطورانية والعنصرية ولم تكن المحافل الماسونية - وهي واجهة للحركة الصهيونية العالمية - بعيدة عن ماحدث في اسطنبول سنة 1908 .
من هنا اقول لطلبتي واحبتي ومن يسمعني : ان من الواجب التمييز بين المرحلة الاولى من التاريخ العثماني ، والمرحلة الاخيرة والممتدة من 1909 وحتى 1915 والمرتبطة بذهن لقادة العرب بمشانق بيروت ودمشق ومقاومة اللغة العربية وطمس الهوية العربية.
ان كتابة التاريخ مهمة صعبة جدا تقتضي منا التثبت من الحقيقة ،كل الحقيقة ، ولاشيء غير الحقيقة عن الماضي كما كان يقول استاذي الدكتور فاضل حسين وتفسير التاريخ مهمة أصعب ومكملة لتثبيت الحقائق .وانا اتبع منهج المؤرخ الالماني ليوبولد رانكة والتي تقوم على ان مهمة المؤرخ الرئيسة هي : إعادة صياغة وتشكيل الحدث كما وقع بالضبط لاسيما وان التاريخ حافل بالثغرات المجهولة والتحليلات الغامضة والتفسيرات المريبة كما كان يقول استاذنا الدكتور محمد انيس .
انني عندما كنت اهتم بالتاريخ العثماني ، فإنني - ويشهد الله على ذلك - كنت احاول ان استعيد الماضي من اجل الحاضر والمستقبل اي اريد ان نتعلم من التاريخ ، ونأخذ العبرة ولكن دون ان نغمط دورنا ورؤيتنا الى الماضي. ومن المؤكد كما يقول بنديتو كروجة المؤرخ الايطالي ؛ فالتاريخ كله تاريخ معاصر بمعنى اننا لانستطيع ان نتخلص من نزعاتنا وما يحيط بنا بشكل مطلق لكن لابد ان نبذل اقصى جهودنا لكي نكون محايدين موضوعيين قدر الامكان .
لقد درستُ الدولة العثمانية في كثير من أعمالي : نشوءها ، وتوسعها في البلدان والمدن العربية واستعرضت ابرز النظريات حول قيام الدولة العثمانية، ثم تتبعت مراحل اتساعها في اسيا وأفريقيا واوربا طيلة اكثر من 700 سنة تمتد من 1299 حتى 1922 وهي السنة التي سبقت قيام الجمهورية التركية سنة 1923 بقيادة مصطفى كمال الذي لقبه الاتراك ب(اتاتورك ) أي ابو الاتراك .
ومما كنتُ اركز عليه اسباب التغير في استراتيجية التوسع العثماني في البلدان العربية الذي حدث في عهد السلطان سليم الاول 1512-1520 والتي كان من ابرز نتائجها دخول البلاد العربية تحت الحكم العثماني .
ومن الطبيعي انني كنت انصرف الى دراسة كيف حكم العثمانيون البلاد ؟ لذلك وقفت عند نظم الحكم والادارة وتناسب القوى التي حكمت الدولة العثمانية ابتداءا من السلطان وحتى اصغر مسؤول اداري عثماني في الناحية .كما كتبتُ كثيرا عن الاوضاع والنظم الاقتصادية والاجتماعية ونظم الضرائب ووقفتُ عند ظاهرة بروز عدد من القوى او العصبيات المحلية كالجليليين في الموصل والمماليك في بغداد وال ظاهر العمر في فلسطين والاسرة الحسينية في تونس والاسرة القرامنلية في طرابلس الغرب وال العظم في سوريا وال معن والشهابيين في سوريا .
كما ناقشت مسألة انتقال الخلافة من العباسيين الى العثمانيين والنظريات التي ذكرت ذلك ، والتي تداولها عدد من المؤرخين والمتصلة برواية تنازل الخليفة العباسي المتوكل عن الخلافة للسلطان سليم الاول 1512-1520 وتسليمه الاثار النبوية الشريفة المؤلفة من بيرق (العلم ) الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبردته ومن المؤرخين الذين ذكروها دوسون DOHSSON والتي ذكرها في كتابه :" لمحة عامة للامبراطورية العثمانية " بيد انه لم يشر الى المصدر ..وثمة مؤرخين رددوا هذه الرواية ومنهم محمد فريد في كتابه :"الدولة العلية العثمانية " ومارك سايكس في كتابه :"تراث الخليفة الاخير " ويستند هؤلاء على ان قضية التنازل قد حصلت بدليل ان الاثار الخاصة بشعائر الخلافة التي كانت محفوظة عند الخلفاء العباسيين قد وصلت الى أيدي العثمانيين وهي نفسها التي نقلها السلطان سليم الاول لدى فتحه مصر وان المرتبطين بالسلطان سليم كانوا يطلقون عليه لقب (خليفة ) ومن هؤلاء معاصره المؤرخ ابن زنبل الرمال وقد لقب بركات شريف مكة السلطان سليمان القانوني سنة 1520 بلقب (خليفة الله ) .
ومهما يكن فالقضية –حسب وجهة نظري –لاتزال معلقة وغير محسومة لكن لابد من القول ان السلاطين العثمانيين لم يكونوا يهتمون لهذا اللقب وكانوا يحكمون حسب نظرية "امارة الاستيلاء " ، واللقب استخدموه في نص او نصين رسميين منهما معاهدة كوجك كينارجي التي وقعت سنة 1774 بين السلطان العثماني عبد الحميد الاول 1774-1789 وامبراطورة روسيا كاترينة الثانية والسبب وجود مسلمين في روسيا وبموجب هذه المعاهدةوافقت روسيا على ان يكون السلطان العثماني كخلفة للمسلمين الحق في حماية المسلمين في شبه جزيرة القرم وهذا كما هو معروف ينسجم مع السياسة الاسلامية التي تبنتها الدولة العثمانية لمواجهة الحركات القومية .
إنصب اهتمامي ودراساتي على مسألة الغزو الفرنسي لمصر سنة 1798 ، وما احدثه من نتائج في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، وما ترك من صدى في البلاد العربية وبينت اسباب صعود محمد علي باشا ومجهوداته في جعل مصر قاعدة لدولة عربية موحدة وكتبت عدة بحوث عن موقع العراق في هذه المحاولات وموقع البحرين والشام والخليج العربي والسودان في هذا المشروع ومعظم هذه البحوث منشورة القي بعضها في مؤتمرات علمية خارج العراق وخاصة في مصر والبحرين .
ويقينا ان من نقاط اهتمامي بالتاريخ العثماني دراساتي عن ما يسمى بحركات التجديد الاسلامية وابرزها حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد .. طبيعتها ، وموقعها هي والسنوسية والمهدية في حركات النهوض الاسلامية .
كما كرست جانبا من جهودي في دراسة التاريخ العثماني بالتوقف عند ماسمي بالاصلاحيات الخيرية والتي كانت بدفع من الغرب والتي ابتدأت في القرن الثامن عشر واتاحت للدول الغربية التغلغل داخل الدولة وتفكيكها بالاعتماد على تبني القوانين الغربية والارساليات التبشيرية وبعثات الاثار وادعاء الحماية للنصارى الارثودكس والكاثوليك والبروتستانت .
وكان من المواضيع التي اهتممت بها وافردت لها جانبا من دراساتي أحداث الغزو الاستعماري الاوربي للمياه العربية الشماية والجنوبية والتي ابتدأت بعد ان شهد العالم في القرن التاسع عشر نموا وتوسعا في حركة الاستعمار الحديث المعروف بالامبريالية وكان من ابرز نتائج زيادة الانتاج في الدول الاستعمارية ظهور الحاجة الى اسواق جديدة لتصريف المواد المصنعة والاهم منذلك ضرب الاقتصاد الاسلامي بالصميم وايجاد طرق للوصل الى الشرق بدلا من طريق العراق وطريق مصر وهكذا تتبعت احتلال فرنسا للجزائر 1830والاحتلال الفرنسي لتونس 1881ولمراكش 1830-1914والسيطرة البريطانية في الخليج العربي والعراق والاحتلال البريطان لمصر 1882 والثورة العرابية والتدخل البريطاني في السودان 1898 والاحتلال الايطالي لليبيا 1911 .ولم انس ان اتناول ردود الفعل والمقاومة لكل هذه الاحتلالات .
ومن المباحث التي وقفتُ عندها وعالجتها في عدد من بحوثي التي تتناول التاريخ العثماني ما سمي بالنهضة الفكرية العربية والاتجاهات المختلفة ومحاولات الاجابة على سؤال لماذا تخلفنا وتقدم غيرها .. وقد كان مما عنيت به الاتجاهات الاسلامية الاصلاحية وممثلي هذه الاتجاهات ومؤلفاتهم وكتاباتهم وحلولهم لما آل اليه الوضع : اقصد وضع الولايات التي كانت خاضعة للحكم العثماني .. وكيف تشرذمت وتفككت وصارت لقمة سائغة لمطامع الغرب الاستعماري والامبريالي .
وللاسف فإن القيادات العربية ابتدأء من الشريف حسين شريف مكة وقعت في خطأ التحالفات مع الغرب للثورة على العثمانيين ، ووعدهم بمساعدتهم لاقامة الدولة العربية الموحدة والمستقلة لكن مما اثبتته الدراسات وأثبته الواقع ان الغرب – وكان انذاك ممثلا ببريطانيا وفرنسا – خدع العرب ، وتحالفت فرنسا وبريطانيا وروسيا على اقتسام ممتلكات الدولة العثمانية ، وعقدت معاهدة سايكس –بيكو بين بريطانيا وفرنسا لهذ الغرض وانسحبت روسيا بعد ان قامت فيها ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 .. كما وعد الانكليز اليهود والحركة الصهيونية على اعطاءهم فلسطين لاقامة ما اسموه ب" الوطن القومي" على حساب اهلها سنة 1917 وهو ماعرف ب"وعد بلفور " الذي نفذ بحذافيره وقام الكيان الصهيوني على ارض فلسطين 1948 .
وللاسف لايزال الحكام العرب يلهثون وراء الغرب ، ودون ان يقبضوا ثمن ولاءهم بل العكس فإن دولهم التي اقيمت منذ 100 سنة تبدوا آيلة للسقوط والتفكك بسبب سياساتهم الاستبدادية ، والتسلطية ، وغير الحكيمة .
*نص محاضرة القيتها في الموسم الثقافي لقسم التاريخ بكلية الاداب - جامعة الموصل 13/11/2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق