السبت، 10 نوفمبر 2018

الدير الاعلى وباشطابيا ا.د. ابراهيم خليل العلاف








الدير الاعلى وباشطابيا
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
كثيرا ما يسألني البعض عن الدير الاعلى في الموصل ، وعلاقته بموقع باشطابية أي القلعة الرئيسية في الموصل . واقول ان مدينة الموصل كانت مسورة حتى سنة 1934 ، ولها ابواب وفي السور ابراج منها في الشمال ، ومنها في الشرق ومنها في الغرب ، ومنها في الجنوب كان هناك ربضان هما الربض الاعلى في الشمال والربض الاسفل في الجنوب والربض الاعلى يقع اليوم في محلة الشفاء عند برج باشطابية والربض الاسفل كان في محلة جوبة البكارة او باب الطوب وعند شارع الكورنيش وجامع الخضر او الجامع المجاهدي .
كان في الموصل  ومنذ اوائل القرن الحادي عشر الميلادي وحينما تنبه حكامها لخطر الفرنجة وغزوهم  للشام وفلسطين واحتلالهم بيت المقدس اهتمام بالقلاع العسكرية المحصنة على الطريق بين الموصل وبلاد الشام  و بعد سيطرة العثمانيين على الموصل بنوا قلاعا جديدا ورمموا القلاع القديمة ومنها  مثلا  القلعة الداخلية والمعروفة بقلعة (إيج قلعة )  في منطقة الميدان القريبة من نهر دجلة على الضفة اليمنى  الى جانب القلعة القلعة الرئيسة (باش طابية ) فضلا عن بعض القلاع الممتدة على طول الخط السلطاني الذي اقامه الجيش العثماني على الطريق بين بلاد الاناضول الى الموصل مرورا ببلاد الشام التي سيطر عليها العثمانيون  بعد معركتهم مع المماليك في معركة مرج دابق سنة 1516 اي بعد سنة واحدة تقريبا من سيطرتهم على الموصل .
ومن قلاع الموصل  ايضا (القلعة االعُقيلية )   وهي التي تشرف على شمال ميدان الموصل، فوق منطقة (عين كبريت)، وهي نفسها القلعة الرئيسية المحصنة  المعروفة بالاسم التركي ( باشطابيا )  أي القلعة الرئيسية  ، أسسوها في القرن الرابع الهجري -  العاشر الميلادي  ..وفي العهد الاتابكي أصبحت  قاعدة عسكرية لهم  في الموصل وفتح من سورها (الباب العمادي) . وزارها الرحالة الاندلسي ابن جبير في سنة  (579هـ/ 1183م) ووصفها بقوله : (وفي اعلى المدينة قلعة عظيمة).
والدير الاعلى ليس موجودا اليوم ولكن خرائبه قريبة من باشطابيا الحالية البرج الرئيسي في الموصل والذي لايزال قائما حتى يومنا هذا وفي الحقيقة كان  الدير الاعلى كما يقول المؤرخ المطران سليمان الصائغ في الجزء الثالث من كتابه (تاريخ الموصل ) والمخصص لنفائس الاثار والمطبوع في القاهرة سنة 1924 يقع داخل اسوار الموصل وفي كتاب (مسالك الامصار ) اشارة الى ان الدير الاعلى يقع في الموصل في اعلى جبل يطل على نهر دجلة في ضفته اليمنى وهناك عين كبريت ذات المياه المعدنية التي  تفجرت تحته  سنة 301 هجرية تحته واثرها لايزال ظاهر تحت الدير الاعلى .
وقد وصف ياقوت الحموي البلداني العربي الكبير في كتابه (معجم البلدان ) والذي زار الموصل سنة 1224 ميلادية موقع الدير الاعلى في باشطابيا بقوله :  " انه بالموصل في اعلاها فوق جبل مطل على دجلة دير يضرب به المثل في رقة الهواء وحسن المستشرق والى جانب هذا الدير مشهد عمر بن الحمق الخزاعي الصحابي المعروف .
اما ابن خلكان في كتابه (وفيات الاعيان ) فقد ذكر ان الحسين بن سعيد الحمداني والي حلب الاسبق توفي في الموصل سنة 949 ميلادية ودفن في المسجد الذي بناه لنفسه في الدير الاعلى والحسين بن سعيد الحمداني هو شقيق الشاعر الكبير ابو فراس الحمداني .
ويذكر المطران سليمان صايغ ان الرحالة الانكليزي اينسوورث  Ainsworth   زار الموصل سنة 1850 وكتب عن الدير الاعلى وباشطابيا وقال ان دير علايتا او الدير الاعلى المخصص بمار كورييل ومار اورهام يقع في الشمال الشرقي من الموصل ملاصقا تماما لسور المدينة .
وقد وثق الشاعر عبد الجمال حسن الموصل الدير بعد تجديد الحاج حسين باشا الجليلي السور اثر التخريب الذي طاله في حصار نادرشاه للموصل سنة 1743 بقوله :
في هيكل الدير قم وانظر تر عجبا
من الاشعة كالمصباح مقبوسا
وقد انشد قصيدته في حضرة الحاج حسين باشا الجليلي والي الموصل المعروف .
وهناك من يقول ان كنيسة الطاهرة القريبة اليوم من قره سراي كان هيكل الدير الاعلى وان الدير الاعلى كان ملاصقا للسور على يسار الصاعد الى باشطابيا وقد يكون تأسيس الدير سابقا لتأسيس السور وانا اميل الى ذلك بدليل ان البطريارك يشوعياب الثالث 651-660 اقام فيه بينما لم يكن هناك سور للموصل يوم حاصرها القائد العربي عياض بن غنم سنة 20 هجرية سنة 640 على ما اورده الواقدي وكان اول من شيد للموصل سورا هو سعيد بن عبد الملك والي الموصل الاموي في خلافة ابيه عبد الملك بن مروان 65-89 هجرية -684-705 ميلادية ولشيخنا الاستاذ سعيد الديوه جي بحث في مجلة (سومر ) عن تاريخ سور الموصل .
ومن الطريف ان الدير شهد زيارة الخليفة المأمون له وهو في طريقه الى الشام سنة 830 ميلادية وانه حضر عيد الشعانين فيه .وكان في الدير مدرسة شهيرة تسمى مدرسة ام الفضائل وكانت اشبه بجامعة تدرس فيها مختلف العلوم المعروفة في العصر العباسي من اداب ولغات وفلسفة وطب وشهد بشهرة هذه المدرسة ابو عثمان الخالدي الموصلي في وصفه رهبان الدير الاعلى بقصيدة جاء فيها :
ووشحوا غرر الاداب فلسفة َ
وحكمة بعلوم ذات ايضاح
في طب بقراط لحنَ الموصلي وفي
نحو المبرد اشعار الطرماح ِ
للاسف فإن ما بقي من الدير ليس الا الهيكل وهو الان في كنيسة الطاهرة وباب الهيكل مزين بالنقوش نقوش الازهار والاشكال والكتابات الاسطرنجيلية التي ترونها الى جانب هذا الكلام في الصورة .
فيما يتعلق بباشطابية وهي البرج الرئيس في سور الموصل من جهته الشمالية الشرقية وفي الربض الاعلى والربض هو المكان المرتفع ويمتاز الربض الاعلى بموقعه المطل على نهر دجلة ويمتد من باب سنجار الى نهر دجلة وقد امر عماد الدين زنكي حاكم الموصل 527 هجرية -1133 ميلادية  بفتح الباب العمادي لايصال المدينة بالربض الاعلى .والباب العمادي يقع اليوم في الموضع الذي تشغله محطة التعبئة المجاورة لمطبعة جامعة الموصل السابقة في شارع ابن الاثير .
نعود فنقول ان باشطابيا هي كلمة تركية تعني القلعة الرئيسية فباش رئيسية وطابية تعني قلعة ويعود تاريخ بناءها الى القرن الثاني الهجري اي القرن الثامن  الميلادي وتقع في شمال شرق مدينة الموصل على ضفة نهر دجلة اليمنى في  مدينة الموصل القديمة  وهي مبنية بالصخر والاجر وكان الغرض العسكري هو البارز من بين اهداف بناءها فهي ليست الا قلعة عسكرية فيها فتحات وهي قلعة قديمة وقد ظهرت قيمتها العسكرية خلال حصار نادرشاه  للموصل سنة 1734 ميلادية وترتفع ( 75 ) قدما عن مستوى سطح البحر  من جهة اليابسة و(150) قدما من جهة نهر دجلة .
وتشير المدونات التاريخية التي بأيدينا الى ان الوالي مروان بن محمد الاموي هو من بناها سنة 126-128 هجرية وتقع القلعة في نهاية سور الموصل الشمالي الشرقي وكثيرا ما تعرضت القلعة للتدمير ومنها ما حدث لها سنة 450 هجرية الا ان العقيليين وفي عهد شرف الدولة العقيلي اعاد ترميمها سنة 1081 ميلادية كما اهتم بها عماد الدين زنكي وابنه نور الدين زنكي في القرن الحادي عشر الميلادي  وخلال حصار المغول ومن ثم حصار تيمورلنك للموصل تعرضت للهدم ايضا لكن الوالي العثماني بكر باشا اسماعيل الموصلي اعاد اعمارها سنة 1625 ميلادية واضاف اليها برج عالي ولعل من ابرز من عمرها الحاج حسين باشا الجليلي  والي الموصل كما ذكرنا انفا .
ومهما يكن من امر فإن باشطابيا اليوم تعد من الاثار المتبقية ولو ان جزرا منها قد زحف بإتجاه النهر والواجب يقتضي من الدولة صيانتها لاهميتها الاثرية والتاريخية فهي الجزء المهم المتبقي من السور وقد يكون من الطريف ان اشير الى ان القلعة تتكون من برج عال وحصن ومشاجب وانفاق تحت الارض وقد سمعت من المرحوم الاستاذ احمد الصوفي الباحث والمؤرخ الموصلي الكبير ان هناك نفقا سريا يمتد من القلعة الى منطقل تل كناس في باب سنجار وان المقاتلين الموصليين ايام حصار نادرشاه للموصل سنة 1743 كانوا يتحركون تحت الارض لجلب العتاد والاسلحة والمؤونة وهذه الانفاق تمتد الى دور المملكة ايضا في قره سراي وقسم من الانفاق تمتد الى خارج المدينة حيث مخازن العتاد والاسلحة .
لقد كانت قلعة باشطابيا خلال معارك الدفاع عن الموصل ضد حصادر نادرشاه الفارسي والذي استمر قرابة 43 يوما من ايلول الى تشرين الاول 1743 ميلادية هي مقر قيادة القائد البطل الحاج حسين الجليلي واركان حربه وقصة حصار الموصل معروفة وفيها حاصر نادرشاه الموصل بجيش زاد على ربع مليون مقاتل ووجه نحو المدينة والقلعة فوهات ما يزيد عن 200 مدفع كانت تقصف المدينة ليل نهار الا ان نادر شاه واجه مقاومة شديدة فإضطر الى الانسحاب يوم 23 تشرين الاول سنة 1743 .
اليوم القلعة بحاجة الى الصيانة فهي للاسف مهملة وقد سقط برجها الرئيس ومن هنا ادعو مديرية الاثار والتراث في الموصل وبغداد للاهتمام بها كونها معلم مهم وبارز من معالم مدينة الموصل .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...