التاريخ ومفهومه ، وفائدته وعلاقته بالمستقبل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ
الحديث المتمرس -جامعة الموصل
التاريخ ومفهومه ، وفائدته .... ما هي العلاقة بين التاريخ والحاضر ؟ ماهي
العلاقة بين التاريخ والمستقبل ؟ ..التدوين والتوثيق كحد فاصل بين عصور ماقبل التاريخ ، والعصور التاريخية .
التاريخ ، والتأريخ .لماذا العصور التاريخية ؟ هل ثمة فاصل بين عصر وعصر ؟ ..التاريخ
مجرى الحياة ..التاريخ أبو العلوم ..التاريخ ذاكرة الامة ..فائدة التاريخ ..لماذا
ندرس التاريخ ؟هل يستفيد الانسان من التاريخ ؟ ولماذا لايستفيد ؟ . التاريخ الحافز
والتاريخ العبء ..مصادر التاريخ ومراجعه .. أنواع التاريخ ..التاريخ المحلي ..التاريخ الاسلامي ..التاريخ الدولي
...التاريخ الاقتصادي ..التاريخ الاجتماعي ..تاريخ المدن ..السير والمذكرات الشخصية .. التاريخ الثقافي ..القواعد
الذهبية في التاريخ ومنها :لاتاريخ بلا مصادر ...التاريخ بحاجة الى اعادة كتابة
ومتى تعاد كتابة التاريخ ؟ التاريخ حوار متصل بين الماضي والحاضر ..التاريخ كله
تاريخ معاصر ...المؤرخون وروح الشعر .المشاركة الوجدانية ..تقسيم التاريخ الى
فترات وعهود وعصور وحقب ..لماذا ؟ من وراء
احداث التاريخ ؟البطل ..العوامل الاقتصادية ..الدين ..الجغرافية .. العوامل
السياسية –..العوامل النفسية ...تعددية العوامل ..النظرية الرانكوية في التاريخ ..وظيفة المؤرخ ..اعادة تشكيل
الحدث التاريخي كما وقع ..الجغرافية توجه التاريخ ..! ..طبيعة التاريخ ..هل
التاريخ علم ؟ هل التاريخ أدب ؟ هل
التاريخ فلسفة ؟ .. التاريخ والفلسفة
..ابرز فلاسفة التاريخ.. توينبي وشبنغلر
وهيكل وماركس ومن قبلهما الطبري والمسعودي وابن الاثير وابن خلدون وقسطنطين زريق
واسد رستم وحسن عثمان وعبد العزيز الدوري
وعبد العزيز نوار واحمد عزت عبد الكريم وعبد الكريم رافق و محمد عدنان
البخيت وابو القاسم سعد الله وصالح احمد العلي وفاروق عمر فوزي غيرهم وغيرهم كثير .. العلوم المساعدة في
التاريخ ..الاقتصاد ..علم الاجتماع ..علم النفس ..الجغرافية ..الاحصاء ..الفلسفة ..اللغة والادب ..الكمبيوتر ..علم الاثار..
كل هذه الاسئلة
سنحاول الاجابة عليها في هذا
المقال فنقول :
التاريخ - وكما يقول شيخ المؤرخين العراقيين المرحوم
الاستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري - موضوع حي ، ومن الطبيعي ان يختلف الناس في فهمه،
والتعامل معه . كما ان من الطبيعي ان تختلف الاراء حول مفهومه وطريقة كتابته
وتفسيره ..التاريخ (بالف اللينة ) ببساطة احداث الماضي ، والتأريخ (بالهمز ) دراسة الاحداث الماضية .
ومن فوائد التاريخ انه
يقدم لمن يقرأه العبرة .. كما انه يطيل عمر الانسان فالمؤرخ او من يقرأ التاريخ
يشعر ان عمره يمتد الى الالاف السنين .. والتاريخ وسيلة لكسب الرزق –شأنه في ذلك
شأن –اي صاحب مهنة او حرفة .
وللتاريخ
علاقة بالتيارات ، والاتجاهات الفكرية والسياسية ، وبالتطورات العامة للمجتمع انه
يتأثر بها ويؤثر فيها لذلك اختلفت الاتجاهات في تعريف مفهوم التاريخ ...
فهناك من يقول ان التاريخ هو العلم الذي
يلاحق الاحداث الماضية ويوثقها .. وهناك من يعد التاريخ
محاولة لتفسير الاحداث الماضية ..المهم من يقوم بتدوين الاحداث الماضية ..؟
ومن يقوم بتفسير الاحداث الماضية هو المؤرخ .. ومن هنا فأن المؤرخ هو الطرف الفاعل
في العملية التاريخية فلا تاريخ بلا مؤرخ .. ولا مؤرخ بدون وقائع واحداث ..كما ان
لاتاريخ بلا مصادر ..
" التاريخ - كما يقول الفيلسوف الايطالي ( بنديتو كروجة
)
- كله تاريخ معاصر " بمعنى ان المؤرخ ينظر الى الاحداث الماضية بعين
عصره والتاريخ كما يقول ادوارد كار قي كتابه : ماهو التاريخ ؟ هو حوار متصل بين المؤرخ ووقائعه ..فالوقائع التاريخية لاقيمة لها اذا لم يدونها
المؤرخ ويظهرها للعلن ..كما ان المؤرخ يقف عاجزا ولايستطيع ان يفعل شيئا اذا لم
تكن بين يديه "وقائع تاريخية " .. اذًاً التاريخ هو تفاعل بين الانسان والزمان والمكان والمكان هو المسرح أي
الرقعة الجغرافية لذلك قال العالم الجغرافي كوردن
ايست :" ان الجغرافية توجه
التاريخ " .
ان تفسير التاريخ يرتبط بتطور المجتمعات ، ففي
العصور الوسطى الاوربية كان التاريخ ينصب على توثيق دور الكنيسة وكانت نزعة القديس
اوغسطين في ان (الدين) هو محور الحياة هي السائدة وقد عبر عن ذلك من خلال كتابه "مدينة الله
" ....وفي عصر النهضة الاوربية اصبح( الانسان) هو المحور الاساس في توثيق أي
نشاط تاريخي .
وفي القرن التاسع عشر ارتبط التاريخ بالعلم ..
وصار المؤرخون يبحثون عن قوانين تتحكم في
التاريخ شبيهة بقوانين الطبيعة وقد كتب عن هذا كولنجوود في كتابه:" فكرة
التاريخ " وقال مثلما توجد قوانين تتحكم في سير الطبيعة، فأن هناك قوانين تتحكم في سير البشر .
وجاء الفيلسوف فردريك هيكل ليؤكد على فكرة العقل الفعال في
التاريخ ونادى بالفكرة القائلة بأن البشرية تسير الى عصر ذهبي.. وقال ان الفكر او
العقل وراء تطور التاريخ.
انتقد كارل ماركس ماقاله هيكل وقال ان هيكل
قلب الفلسفة وجعلها تسير على رأسها فالمادة هي وراء تطور التاريخ أي ان طرق
الانتاج وما تتمخض عنه من علاقات اجتماعية هي التي تكمن وراء حوادث التاريخ
ووقائعه وقد عرفت فلسفة هيكل بالفلسفة المثالية في حين عُرفت فلسفة ماركس بالفلسفة
المادية .
جاء المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي في
كتابه الكبير :"دراسة للتاريخ " لكي يفسر التاريخ في ضوء مجموعة من
القوانين فقال ان هناك 21 حضارة منها
الحضارة العربية الاسلامية ومنها الحضارة الغربية وقال ان الحضارات تظهر بسبب
الظروف الطبيعية الصعبة . وهكذا ظهرت
حضارة العراق القديم وحضارة مصر القديمة وتحدث عن نشوء الحضارات وانهيارها وفق ما اسماه نظرية التحدي والاستجابة وقال
بنظرية الانسحاب والعودة فالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم انسحب لفترة
للتعبد في غار حراء وانعزل عن مجتمع قريش ثم عاد ليعيد تنظيم المجتمع وفق قيم
جديدة ودين جديد .
تعددت النظريات في تفسير التاريخ وتطورت
بتطور الزمن لكن من الصحيح القول ان
لاعاملا او سببا واحدا وراء احداث التاريخ وانما هناك تعددية فالحياة معقدة
ولايسببها عامل واحد بل جملة من العوامل النفسية والسياسية والدينية والاقتصادية
والاجتماعية .
ولنتساءل الان .. هل كان للمؤرخين العرب
والمسلمين نظريات في تفسير التاريخ ؟ ..بمعنى
كيف كتب الطبري والمسعودي والبلاذري وابن الاثير وابن خلدون التاريخ ؟ .نعم لدينا
تفاسير للتاريخ العربي والاسلامي ...
لقد قدم المؤرخون العرب والمسلمون بعض التفاسير فهناك من رأى بأن
التاريخ ليس الا تعبير عن المشيئة الالهية ومن هؤلاء الطبري في كتابه الكبير
"الرسل والملوك " . وهناك من قال بأن التاريخ ما هو الا تعبير عن دور
الاشراف الذين حملوا الرسالة الاسلامية وبشروا بها ومن هؤلاء البلاذري في كتابه
الكبير :" انساب الاشراف ".
وثمة من فسر التاريخ تفسيرا اخلاقيا ورأى في
التاريخ وسيلة للحصول على العبرة بتصرفات البشر وسبيلا لتلافي الاخطاء ومن هؤلاء
المؤرخ مسكويه في كتابه "تجارب الامم " .
وفسر اخرون ومنهم ابن الجوزي والذهبي التاريخ
اعتمادا على انجازات العلماء والادباء والكتاب .وهناك تفسير حضاري اجتماعي كتفسير
ابن خلدون الذي يرى بأن الحضارة تقوم على شظف العيش وما ان ينتشر فيها الترف حتى
تنهار .
ألمهم
ان كل تفسير من هذه التفاسير التاريخية يعتمد على التطور السياسي
والاجتماعي والثقافي في كل مرحلة .. ويقينا اننا دائما بحاجة لان نعود الى التاريخ
لنقرأه من جديد وفق ما يستجد من وثائق جديدة..... ومن تفسيرات ورؤى جديدة .
واخيرا ينبغي ان لاتكون دراستنا للتاريخ
دراسة خارجية أي من قبل اناس من خارج مجتمعاتنا العربية والاسلامية لانها - أي هذه
الدراسات - تفتقر الى فهم روحية التاريخ
العربي والاسلامي وألياته .
كما يجب ان لاتكون لدينا فرضيات خارجة عن
تاريخنا وعن المجتمع الذي صنعه وان ندرس تاريخنا بروح النقد والتفهم في آن واحد
وان نتوقف عن اضفاء القدسية عليه ، وان نتذكر بأستمرار ان الحاضر يتصل بالماضي وان المستقبل استمرار للحاضر وتطويرا له وان
المجتمع وحده هو من تتداخل فيه العوامل وتتبادل التأثير .
وقبل كل هذا وبعده فأن خير سبيل لدراسة
تاريخنا هو ان يبحث على اسس حديثة .. ووفق منهج البحث التاريخي المعمول به في كل
انحاء العالم والذي يعتمد على اختيار
الموضوع وجمع المادة ،وتصنيفها وتحليلها واعادة تركيبها من جديد وعرضها بأسلوب
ادبي رصين .والمؤرخ الموضوعي الحق –كما يقول ليبولد رانكة المؤرخ الالماني هو من
يعيد تشكيل الحدث التاريخي كما وقع بالضبط واي تدخل منه يجعله مزيف للتاريخ وقد
شبه رانكة المؤرخ بالمصور الفوتوغرافي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق