في المنهجيات الحديثة لنقد الشعر
اهتزاز العقلنة
ا.د. عبد الكريم راضي جعفر
أُستاذ النقد الادبي الحديث في الجامعة الاسلامية-بابل -العراق
1- مداخلة:
ليس
من همِّ هذه الدراسة متابعة المنهجيات الحديثة لنقد الشعر، من حيث النظر إلى
تاريخها، وأنويتها، وماهياتها وإجراءاتها النقدية، فذلك أمرٌ خارج عن إطار المخصّص
في العنوان، أولاً؛ ولأنّها – أقصد المنهجيات – غرف منها ما غرف حتى ظهرت المادة
للقارئ العربي ماركة بـ(درادر)، غير قادرة على المضغ ومن ثمّ الهضم؛ لأنّ ذلك
(الغرف) اعتمدَ – أساسًا - على نقد المنهجيات، مترجمة إلى العربية حاشية، قبل أنْ
يتعرَّف عليها القارئ مترجمةً متنًا . ونظرة تاريخية إلى (البيلوغرافبا) البنيوية
في المكتبة العربية تظهر لنا ترجمة البنيوية لبياجيه، أو دفاع عن المثقفين لسارتر،
أو انتقادات ريكور، أسبق من ترجمة نسق الخطاب لفوكو، أو درس السيميولوجيا لبارت(1).
ومثل هذا الأمر يعني عدمَ تلمّس المنهجيات الحديثة تلمُّسًا حقيقيًّا . بمعنى إنّ
القارئ العربي قرأ أحكامًا عليها وانتقادًا لها حسب الاتجاهات الفكرية، أو النقدية
لصاحبها . وهو أمر مشوَّه ومشوِّه.
إنّ
هذه السطور لا تدّعي أنّها هضمتْ ما قرأت، ثمَّ أُريق المهضوم على الروق؛ لأنّ
ادّعاء مثل هذا يشير إلى تصفيق بيدين باردتين، مثلما يُشير إلى مدِّ الطول عن طريق
الوقوف على أطراف الأصابع التي سرعان ما تكلُّ، وينتهي التزييف والادّعاء . وليس
هذا الأمر من قبيل التواضع، وإنّما هو اعتراف بصعوبة المقروء تلقيًّا نظريًّا،
واجراءات تطبيقية؛ بالنظر إلى ما تمتلكه هذه المنهجيات من مسميات – ولا أقول
مصطلحات – شتّى لا يتفق عليها اثنان ينتميان إلى منهجٍ واحد، ولِما أحدثته ترجمة
وبحثًا باللغة العربية من رطانة سببها ليُّ أعناقِ العبارات ليًّا عنيفًا، ومن
تشوش يصل إلى حدّ الاضطراب والنفور .
وهذا
الاعتراف لا يعني الباحث نفسه فحسب، وإنما يعني باحثين متمرسين عربًا اختلطت
أوراقهم . وليس ذلك أمرًا عجيبًا .. فقد اعترف بهذه الرطانة والتشوش، باحثون ونقاد
من أهلها: منتمين، أو قارئين . ولنا في ذلك أمثلة . يقول (ستيفن ماركوز):
"إنّي أكره الاسلوب النقدي المليء بالرطانة والقريب من الاسلوب التقني
والكيميائي ... لأنه ينطوي على نوع من التغريب . إنّه يرتكز على الرأي القائل إننا
امتلكنا النصّ بسهولة، وإنّنا اعتدنا عليه، ومن خلال تحويله إلى خطاب مختلف جدًّا؛
بل حتى غريب جدًا عن خطاب الفنّ، بحيث انّك بالكاد [كذا] تستطيع أنْ تفهمَ ما
يقوله الناقد، وبذلك تحصل عملية التغريب"(ب1). ويقول (وليم
فليبس) متحدثًا عن "دراسة بربارة جونسون لطريقة دريدا ولاكان التي تعتبر
[كذا] تلاعبًا بالألفاظ والمقولات، والتي بالكاد استطيع أنْ أتفهمها"(2)
. ويذهب (فليبس) أيضًا إلى أنّ بعض الكتابات البنيوية لا تعالج النص الحقيقي/
الموضوع، وإنّما يبقى "في الخلف؛ لأنّ الجملة اللاحقة لا تدفع الجملة
السابقة، ويصحب الشيء برمته أمرًا غير مفهوم"(3) . ويذهب نقاد
آخرون إلى أنّ نقاد المنهجيات الحديثة على اختلاف توجهاتهم، لا يختصمون حول مسألة
إيجاد تعريف شامل لها فحسب، وإنما يختصمون أيضًا "حول طبيعة الكتابة النقدية
ذاتها [كذا] التي يسودها التشوش والتلاعب بالألفاظ والمصطلحات الفنية التي من
شأنها أنْ تؤثر سلبًا في القارئ واستجابته للنص"(4) . وتقول (اديث
كيرزول)، مؤلفة (عصر البنيوية): "إني اطّلعت كثيرًا وفي نطاق واسع من حقول
المعرفة؛ إلا انّني أعاني مشاكل جمة مع ديريدا"(5) ويسارع
(كليمينت غرينبرغ) إلى القول "إنّ من الأفضل القول إنّ البنيوية هي تمهيد
للنقد الأدبيّ، وسيلة لتحديد الموضوع، لاستيعاب الموضوع، واحدة من عدة وسائل، إلا
انها ليست نقدًا بحدّ ذاتها"(6)، وليست "نقدًا
تفسيريا"، على حدّ تعبير بيتر بروكس(7) .
وإذا
كانت تلك الأمثلة تلقي الضوء على حركة التوجس والحذر، وعدم القبض على المقالات
النقدية النظرية منها، والتطبيقية، وهي تعمل عملها في نفوس نقاد غربيين، فإنّ بعض
الباحثين العرب – بعضهم نقّاد – يصطفون مع تلك المراوحة، فذهب بعضهم إلى أنهم يشعرون
بالمرارة لكون الطلبة والنقاد العرب يظنون أنّ التجديد مرتبط بالاطّلاع على آخر
(الموضات) الفكرية النقدية، ومن ثمّ ولعهم بترويج المصطلحات الغربية(8)
. وفي ضوء ذلك فإنّ "الناظر في المشهد النقدي سرعان ما يدرك أنّ النقد كثيرًا
ما يستتر على وهنه باستدعاء حشد من المفاهيم المنتزعة قهرًا من مدارس ومناهج
مستحدثة في الثقافة الغربية"(9). ومعنى ذلك "إنّ العقل
النقدي العربي منبهر بالانموذج الاوربيّ، ومتحمس له وكأنه وجد ضالته"(10)
.
ولعلّ
هذا التشوش وهذا الانفراط يتأتيان من خصوصية النص العربي الذي يتحسس من قبول (القوالب)
التي لا تنسجم مع حركته في واقع أدبيّ خاص وثقافة خاصة، وله عمق تاريخي ونسق يمتلك
إرثًا له دلالات خاصة . ومثل هذا التحسس يُفضي إلى القول بضرورة أنْ يقبض على
المنهجيات الحديثة النقدية قبضًا واعيًا يستند إلى الإرث المتفاعل مع الحلقات
التجديدية الواعية والمتزنة على امتداد تاريخ النقد العربي الخاصّ بالشعر، وهو
أمرٌ ليسَ سهلاً على الإطلاق ويحتاج إلى جهد واعٍ بالمهمات الأساسية والمهمات
الثانوية . هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ المنهجيات الحديثة "ما زالتْ هي
نفسها تطرح علامات استفهام على بعض أُسسها أحيانًا وعلى وظيفتها أحيانًا أخرى .
وهذه المناهج ما زالت بدورها محاولات رغم الخطوات الكبرى والهامة التي خطتها"(11).
من هنا، فإنّ النقد العربي المنتمي إلى المنهجيات الحديثة يقع في دائرة القلق
والاضطراب لقصور في الفهم المنهجي، الذي يشتبك مع المفاهيم الفلسفية والعلمية تتقاطع
مع النقد الخاص بالشعر – كما سنرى - وتنفض اليدين من النقد الادبي وما يتصل به من
علوم لسانية كالفينولوجيا والتركيب والدلالة .
ومع
انّ ما مرّ بنا يشكل صدًّا أوليًّا للمنهجيات الحديثة، وبخاصة (البنيوية)، فإنّ
ثمّة آراء تذهب متحمسةً إلى أنّ "المنهجيات الحديثة وما قدمته من إنجازات
باهرة بعد أنْ اثبتت المناهج التقليدية بطلان مفعولها وتخلفها عن مواجهة النصوص،
إذ أنقذت هذه الثورة المنهجية النقد من الإنشاء والتقرير والثرثرة والإسهاب الممل
والاستغراق في تفاصيل زائدة لا علاقة لها بالنصوص، أو الظواهر الأدبية لا من قريب
ولا من بعيد، وتمركز الجهد النقدي في تحليل النصوص وتفكيك منظوماتها الفاعلة
لاكتشاف شعريتها وكيفياتها الاسلوبية، إذ لم يعد الشغل النقدي منصبًّا كما هو
الحال في السابق على ماذا تقول النصوص، بل كيف تقول النصوص"(12).
كما تحاول أنْ تدمغ هذا النقد بدمغة ايديولوجية . وتذهب بعض الآراء إلى "أنّ
هذا المشروع بهذه الرؤية نما في ظلّ تحدٍّ كبيرٍ للعقل النقدي العراقي في مواجهة
أخطار التمركز الغربي الذي كانت الحربان الخليجيتان من ضمن مخرجاته وأهدافه في
تدجين العقل العربي لكي يدور في فلكه"(13). ولست أدري ما العلاقة
التي تترابط وتتشابك لإنتاج ايديولوجيا بين الانحياز الى النصوص التي وفّرت لها
المنهجيات الحديثة احترامًا لائقًا بوصفها أساس الإبداع وموضع اختيار الظواهر،
وبين أخطار التمركز الغربي، بحيث أصبح "المشروع النقدي الجديد سيد الساحة
النقدية في العراق وقائدها، إذ تمكَّن من قيادة النقد العراقي نحو مستويات جديدة
في القراءة والفحص والمعالجة والكشف"(14)، فهذه حماسة إنشائية
تتكئ على اصطناع ايديولوجيا لا علاقة لها بالاعتماد على النص وحده؛ ظنًّا أنّ
الاعتماد عليه يقود لغة النقد "في هذا المشروع إلى لغة عميقة تتمتع بكل خصائص
قوة اللغة التي تمنحها تميزًا وخصوصية، طامحة إلى إنجاز نص نقدي يوازي النص
الأدبيّ، ولم تعدْ لغته هامشية تستهلك نفسها في سبيل توضيح مرامي النصّ وأهدافه
ومعانيه"(15). والأمر لا يحتاج إلى تعليق، إذ إنّ الوقوف ضدَّ
التمركز الغربي لا يتأتى من خلال الاتكاء المطلق على النص وحدَهُ، أو على التفكيك،
او إعادة إنتاج نصّ .
إنّ
النظرة الحقّ هي التي تجمع بين الشكل بمعناه الاسلوبي وبين المعنى الدلالي،
واختيار النصّ القادر فنيًّا وايديولوجيًّا على الوقوف بوجه التمركز الغربي . وإذا
كنّا وجدنا بعض التفكيكيين العرب، مثلاً، قد اعتنقوا مفاهيم التفكيكية
"اعتناقًا مذهبيًّا من سماته الانغلاق والتعصب والسجال وليس الانفتاح
والتثاقف والحوار"(16)، بما يمكن "أنْ يكون ايديولوجيا
أخرى" كما يقول سامي مهدي(17)، فإنّ إجراءات المنهج التفكيكي
تتضاد مع الرأي القائل انّ اعتماد النص يشكل مواجهة لأخطار التمركز الغربي؛ لأنّ
"فلسفة التفكيك تقوم أساسًا على نسف (مركزية العقل)، و(أصل الكلمة)، وبذلك
تجرد (الحقيقة) من ضمانتها المرجعية، وتطوح بها في متاهة من الاستعارات والتأويلات
. وهذا لا يقصد به الخطاب الفلسفي الغربي وحده، بل كل الخطاب الأخرى . ومعنى ذلك انّ
التفكيكية تسعى الى هدم كل مركزية مهما كانت هويتها"(18) .
إنّ
تقريب المنهجيات الحديثة في النقد، وإبعاد سواها، يشكل انحيازًا غير مقبول، يخالف
المنطق ومجرى حركة الأدب الدائمة التوثُّب التي تعدُّ المصدر العظيم لانبثاق
المناهج جميعًا؛ لكون الأدب حَدَثًا سابقًا، والنقد حدثًا لاحقًا .
إنّ
المنهج – كما يُعرّفه (ديفد ديتش) هو الطريقة للكشف عن الحقيقة، أو انّه طريقة
محددة لتنظيم النشاط المعرفي . وعلى ذلك، فالمنهج ليس طريقة واحدة ولا منحًى
واحدًا .. إذا سلكه المرء إلى الآثار الادبية أفضى الى الحقائق المهمة .. بل هو -
أي المنهج – طرق، أو طرائق لكلّ قارئ، أو ناقد أنْ يسلك ما يراه يوصله إلى الهدف .
من هنا، فإنّ تراتب وشائج من الاستبصارات التي تتمخض عن الطرائق النقدية المتعددة
أقدر على إضاءة العمل الأدبيّ في جوانبه المختلفة . ولذلك، فإنّ الاعتراضات على
النظريات، أو المنهجيات الأُحادية البعد يتأتى من وصفها بأنّها غير شمولية(19)
.
لقد أثبت تاريخ
المعرفة أنّ الفلسفات والنظريات والمناهج – منذ أنْ بدأ التراكم المعرفي – هي
نسبية، ترتبط بالزمان والمكان، وبتاريخ موضع المساءلة والنقد والشك، حتى تتكشف
تناقضاتها وعيوبها ونواقصها فتتفكك وتتنحى قليلاً، أو كثيرًا؛ لتخلي المكان كلّه،
أو بعضه لفلسفات ونظريات ومناهج جديدة(20)، وهذا واضح من التحولات في
الرؤية والمنهج لأقطاب النقد البنيوي، مثلا . وهو تحول يفضي الى تأشير الدائرة
الضيقة "والمأزق الوصفي الذي رسمت البنيوية حدوده ووضعت الباحثين والمحللين
والنقاد ضمنه"(21) . فها هو (بارت) يؤكد أنّ صرح اللسانيات أصبح
يتفكك من شدّة الشبع، أو من شدّة الجوع(22)، وهذا ما حدث فعلاً في
مناهج (ما بعد البنيوية) على اختلافها في التعامل مع الظاهرة الشعرية، إذ أفادت من
التجارب النقدية السابقة وأضافتْ "جديدًا لمواكبة التحولات السريعة فتغيرت
بذلك خطة القراءة العامة من المنهج الثنائي (تركيب علامي – دلالة)، إلى منهج ثلاثي
(تركيب علامي – دلالة – تدلال)(22) .
إنّ
حقيقة مثل هذه التحولات – كما أشرت – ترجع إلى جهد المنهجيات التي لا تستقرّ على
حال، ما دام الأدب متحركًا .. إننا نلمسها في معيارية افلاطون ووصفية ارسطو وفي
محاولة التوفيق بينهما من قبل هوراس، كما نجدها في الصراع المستميت بين العقلانية
والتاريخية والمادية والوضعية والتجريبية . فلا غرابة ان تنتعش السيميولوجيا
والتفكيك في اعقاب البنيوية؛ لأنّ هذا هو منطق الجدل المنهجي . وعلى وفق هذا
التأسيس يكون منطقيًّا القول إنّ السيميولوجيا، أو التفكيك، أو الهرمونتيكا ليست
آخر المنهجيات، إذ لابدّ من جديد يحاول أنْ ينهض لوضع إجابات جديدة لإشكالات
استعصمت على الفهم(24). إذنْ لا تحمُّس لمنهج ولا انغلاق على صيغة، ولا
صفة (تخلف) تطلق على منهج، كان في وقته حديثًا والمستقبل للحلقات المفتوحة التي
تستقبل العلاقة الموجبة، وتسجل هروب العلامة السالبة .
2- المتوازيات –
الولادات:
ليس
جديدًا القول إنّ المناهج الأكثر انتشارًا في تناول النصّ، هي تلك المناهج التي
تقبض على دراسته من خلال دائرة تتسع لاستقبال المحيط والأسباب الخارجية (الماحول)
. وهذه المناهج لا تقتصر على دراسة النصّ القديم، وإنّما اهتمت أيضًا، بدراسة
النصّ الحديث وعلى وفق الآلية نفسها التي تجريها على النصّ القديم .
إنّ
ما اصطلح عليه بالمناهج السياقية، أو الخارجية، تسعى إلى تناول النصّ، منطلقةً من
إضاءة خارجية تقع في دائرة السياق الاجتماعي والتاريخي، وإضاءة هي تلك لابدّ من
أنْ تستقبل (الماحول) الذي انبثق منه النصّ، وأنْ تركّزَ على مخلقات النصّ، يقابل
ذلك انخفاض الإجراءات النقدية التي تخصّ النص . يقابل ذلك انخفاض الإجراءات
النقدية التي تخصّ المخلّق/ النص .. أقصد الاجراءات التي تقع في صميم العملية
النقدية: تحليل البنيات، واقامة المدلولات .
ولست
بناكر القول إنّ (الماحول) – كما سنرى – له إسهام فاعل في إقامة البنية: الصوتية +
التركيبية + الدلالية؛ لأنّ النقد الخارجي يسعى إلى تأسيس علاقة انطباقية بين النص
ومؤلفه؛ غير أنّ المشكلة تقوم على أساس الانتماء إلى النصّ، وبذلك يكون النقد
منشغلاً بسيرة الشاعر، ونفسيته، أو في العلل المؤثرة في الإبداع الفنيّ .. الخ،
الأمر الذي أدّى إلى ردّات فعل هزّت المناهج تلك، وظهرت أخرى نحتت في مجرى تحليل
النصّ من الداخل، فرفضت عدّ النص انعكاسًا لحياة الناص، وغورًا في البيئة والعصر،
وردّ فعل للنظر الخارجي، وأعلنت انّها تحلل النصوص على أساس البنى التي تجعل منها
أدبًا .
والدراسة
لا تُريد أنْ تُؤرّخ مسيرة هذه المنهجيات التي بدأت على أيدي الشكلانيين الروس في
بداية القرن العشرين، ثمّ النقد الجديد، والارسطية الجديدة، والاسلوبية بأشكالها
والبنيوية بأشكالها أيضًا، ثمّ منهجيات ما يُسمّى (ما بعد – البنيوية) .. فتلك
ليست من مهمات هذه الورقة . انها تركز على (البنيوية) بمنطلقاتها العامة .
إنّ
المشهد النقدي الذي شهدته الساحة النقدية، يشير إلى موقفين متناقضين، الأول: يتمثل
بالارتماء في دائرة الموضوعية المتطرفة، والآخر: يتمثل بالنزعة الذاتية المتطرفة .
وترمي النزعة الموضوعية الى التركيز على النص الشعري/ أو الأدبيّ وحدَهُ، بوصفه
بنيةً لغوية وإشارية محايثة ومكتفية بذاتها ترفض الإحالة إلى كلّ ما هو خارج
الكتلة الألسنية: خارجيات النصّ . وهذا الموقف واضح في البنيوية والسيميولوجيا .
أمّا النزعة الأخرى، فتعمل في دائرة تسعى إلى نزع سلاح النصّ، ومحوِ سلطته
المطلقة، ومنح هذه السلطة للقارئ، بوصفه خالقًا للمعنى . وتتمثل تلك النزعة بما
سُمّيَ (ما بعد – البنيوية)، وبخاصة التفكيكية بزعامة (جاك ديريدا) وبعض الاتجاهات
النظرية والجمالية الالمانية التي تمركزت حول ما يسمى (نقد استجابة القارئ) .
وتجسده كتابات (هانس روبرتياوس) الممثلة لـ(نظرية التلقي والتوصيل)، وكتابات
(ونفانج آيزر) الممثلة لـ(نظرية التأثير والاتصال) . وبين هذين الموقفين
المتطرفين: ثمة اتجاهات تحاول أنْ تقف وسط الموقفين: الذاتي والموضوعي ... وهذه
الاتجاهات تتمثل بالمناهج السوسيولوجية والتاريخية والسيكولوجية والاكاديمية
وسواها(25) . وما يهمنا الآن،
سطوة العقلنة .
3- النص، الناص، التناص:
توغَّلت
المنهجيات الحديثة في أعماق الألسنية، فأفادت منها إفادةً بليغةً، ونهلت من فروعها
المختلفة: الصوت، النحو، التركيب، والدلالة . كما أفادت من علم العلامات
(السيميائية) في تثبيت آليات تهيمن فيها على النص، لأجل النص، ومباشرته بالاستناد
إلى الألسنية، بهدف تثبيت أسس (علمية) للدرس النقدي . وعلى وفق هذا التأسيس عُدَّ
النصّ الأدبيّ عالمًا مغلقًا ومكتفيًا بذاته؛ اعتقادًا من أنّ النصوص تشكل السنن
الخاصة بها، ولذلك يصرُّ النقد البنيوي على مبدأ (أدبية الادب)، "طبقًا
لنظرية الانبثاق ودراسة الأعمال في نفسها وعزلها عن خالقها بقطع حبل السرة الذي
كان يربطها به من جانب، وإغفال السياق الاجتماعي والتاريخي، من جانب آخر"(26).
ومعنى
ذلك انّ الكتابة نفسها، كما يُعبّر بارت، فعل لازم، "بمعنى انّها لا تحتاج
الى مفعول به أو فاعل: انّها نظام الإشارات الدال الذي يؤلف النص"(27)
. بمعنى انّ البنيويين لا يعدون الفاعل عنصرًا يؤلف المعنى، فالمعنى ضمن إطار
الاتصال الذي يزعمه البنيويون، إنّما هو معنى بالقدر الذي يجسم في شيفرة . وفي هذا
يقول (جوناثان كلر): لا يفهم الآخرون كلام المتكلم إلا لأنه يدخل ضمن اللغة(28).
وعلى وفق هذا النظر، فإننا "لا نستطيع ان نفهم النص دون الاعتماد على بناه
اللغوية فقط"(29)، لعلّة المحايثة، ومن ثمّ لأنه "يحمل في
طياته ما يفسره ويحمل العناصر المكونة لمعناه، وفي ذلك ما يغني الباحث من
الاستعانة بعناصر خارجة عنه"(30). وفي هذا سعي التشديد "على اللحظة
الموضوعية والصرامة العلمية .. ومنح العلوم الانسانية كيانًا ليس بأدنى من حيث
القدرة التفسيرية، الفعالية العلمية، من علوم الطبيعة"(31) .
وبالنسبة للشعر، فإنّه
(فنّ اللغة)، أو (لغة داخل لغة)، كما يُعبّر فاليري، وعلى وفق هذا النظر فإنه
يختلف اختلافًا أساسيًّا في طريقة اشتغاله عن النصوص الأخرى، الأمر الذي يُؤدي إلى
رفع فعالية النص الشعريّ إلى درجة أعلى بكثير مما تتطلبه اللغة الاعتيادية . وهدف
الشعر أو وظيفته ليس فقط استنباط المعرفة التي ترقد خلف النص نفسه، اللغة الشعرية
إحساس ذاتي وشعور ذاتي . إنها تؤكد نفسها بصفتها وسيلة أعلى من الرسالة التي
تتضمنها وفوقها . فهي النظر بشكل متميز الى نفسها وتشدد بانتظام على صفاتها
اللغوية . ومعنى ذلك انّ الكلمات لا تكون مجرد وسائط لنقل الافكار، بل أشياء
مطلوبة لذاتها وكياناتها محسوسة مستقلة ذاتيا . وبلغة (سوسير) تتوقف الكلمات عن
عملها بوصفها دالات وتتحول الى مدلولات(32). ويترتب على ذلك القول
بافتراق النصّ عن الناص ويتجاوزه؛ لأنه يكتسب خلال عملية الموضعة الفنية وجوده
الخاص المستقل، "إذ إنّ التجربة النفسية التي قد تُعدُّ أصلاً له سرعان ما
تتقهقر الى الخلف حتى تتلاشى أمام عملية إعطائه القوام الموضوعي وهو يخرج إلى
النور"(33). وهذا هو الأساس في إلغاء الشخصية في الدراسة النقدية
البنائية .
وعليه،
فإنّ الذات غير متمثلة في هذا النصّ/ اللسان "سوى انثناءة قواعدية"(34)؛
لأنّ البنيوية "تردُّ كل واقع الى البنية، ومن دون أنْ ترجع أبدًا من البنية
إلى النشاط الانساني المولد لها"(35). وعلى وفق هذا التأسيس، فإنّ
"مفهوم البنية .. يحمل فلسفة تمثل، في طبيعتها الدوغمائية(*) نقطة
الوصول لفلسفة موت الإنسان للفلسفة بلا ذات"(36). وهذا واضح من
المقولة الأساسية في المنظور البنيوي التي هي ليست مقولة الكينونة، بل مقولة
العلاقة والاطروحة المركزية للبنيوية هي توكيد أسبقية العلاقة على الكينونة(37).
واستنادًا إلى هذا التراتب، فإنّ "السمات البنيوية المميزة ستوجد في العمل
نفسه، وليس في مؤلفه في القصيدة وليس في الشاعر"(38).
إنّ مثل هذا الإصرار
على مبدأ (أدبية الأدب) طبقًا لنظرية الانبثاق يشير إلى سلامة الطابع الوقائي لهذه
الاجراءات، على اعتبار أنّ النقد يصبح مثل العملية الجراحية التشريحية التي تقتضي
النظافة التامة القصوى للمعجمات الطبية: لكن لا مفرّ من افتراض خطوة تالية تتمثل
في إعادة العروق الموصلة مرّةً أخرى بمصدرها وسياقها . وعلى هذا، فإنّ دراسة
الأنظمة الرمزية واكتشاف بنيته يصبح شيئًا جوهريًّا طالما أدّى الى تحليل المعاني
الكامنة وراءَها . أمّا إصرار بعض البنيويين على إعفاء النقد من هذه الخطوة
الثانية، فهو سبب كافٍ لكثير من الهجوم الذي يشنّ على البنائية ورميها بالعقم
والشكلية(39).
ولعلّ أفضلّ ردٍّ على
اتهام البنيوية بتجاهل النزعة الإنسانية، هو ردّ (بياجيه) الذي يرى أنّه اتهام
مبني على سوء فهم لمعنى النزعة الانسانية، ذلك لأنّ موجهي هذه التهمة يعرفون الذات
الانسانية على طريقتهم الخاصة، ثم ينعون على البنائية أنّها تهدم هذا الذي
يَرَوْنَ أنّه هو تلك الذات . وحقيقة الأمر في رأي (بياجيه) هي أنّ البنيوية تفرق
بين (الذات الفردية) التي لا تتخذها البنيوية موضوعًا للبحث على الاطلاق، وبين
(الذات المعرفية)، أي تلك النواة المعرفية التي تشترك فيها الذوات الفردية كلها
على مستوى واحد .
ويمكن
النظر إلى موضوعة (موت المؤلف) عند (فوكو) في هذا الضوء، إذ يحرص على التمييز بين
المؤلف بوصفه الشخصي الذي ينطق نصًّا ويكتبه، وبين المؤلف بوصفه مبدأ لتجميع
الخطابات، وأصلاً ووحدة لدلالاتها وبؤرة لتماسكها . ويؤكد (فوكو) أنّ من العبث أنْ
نُنْكر وجود المؤلف، أو المبدع، ولهذا فهو يُقيم فرقًا بين الذات الفردية للناص
الذي بعبثية نكرانه وبين الذات المعرفية له التي يتولى ردها الى لعبة من الفروق
والتمايزات(40).
إنّ الإشارة الى الذات
المعرفية تعني تحويل الكينونة إلى وظيفة، وفي هذا طمس لحالات الذات الفردية
المبدعة .
والحقّ، إنّ الباحث لا
يمكن أنْ يتصور القصيدة – ونحن نتحدث عن الشعر – لسانًا لا يقف وراءها متكلم؛
اللسان يتكلم من خلال الشاعر، وبما ان الشعر نتاج فردي لكاتب معين بذاته، فلا يمكن
أنْ نُلغيَ دور الناصّ في تبنين النص، متذرعين بـ(العقلنة)، أو (العلمنة)، أو بحجة
الوقوع في دائرة العاطفية التي تقود الى الذاتية .
إنّ البنيوية، وهي
تميت المؤلف، تنطلق في ذلك من اعتمادها على (التزامن) الذي "هو منطق تغييب
الذات، أو بعبارةٍ أدقّ، منطق المقولات المتعالية بلا ذات، أو منطق المؤسسة
الاجتماعية التي تخلق نظامها دون أنْ تحيل إلى الذات"(41). كما
تعتمد على مبدأ "أنّ النص هو أصلاً مكون من تناصات متعددة، أو ذائب داخل نصوص
عديدة، وبناء على هذه الفكرة انتفت الحاجة الى المؤلف كليًّا . فالنصّ يقرأ بدون
توقيع الأب أي بلا مؤلف"(42) .
إنّ أهمية معرفة الناص
والمرجع متأتية من أنّ النصّ – أي نص – لا ينطلق من فراغ ولا يكون نصًّا إلا داخل
ثقافية معينة . وانه يتماس مع العالم الخارجي بعلاقة رمزية، أو أيقونية(43).
إذ إنّ الظروف الخارجية داخلة أصلاً في تكوين الشكل والمعنى، ولا يمكن "أنْ
يكون المعنى إلا بفضل الخارج: (الآخر) الذي يحتويه، بوصفه إمكانية القيام
بوظيفة"(44). وبذا تكون معرفة المؤلف والمرجع ذا أهمية في فهم
النصّ وتحليله، ظاهرة أو واقعة أدبية تنطوي على قدر كبير من الترميز والمحاكاة .
حتى حين يقال أنّ للنصّ معنيين: الحرفي والصوري، والصوري هو الذي يفتح إمكانيات
الانحراف عن المرجع . بحيث يتعذر الجزم أي المعنيين: الحرفي أم المجازي هو الذي
يتفق مع قصد المؤلف، يظل موضع نظر، فالمؤلف ليس مؤلفًا على ورق، وليست لغة النص ما
يجلب المتعة فحسب، وإنّما – أيضًا – يقدم لنا رؤى مثيرة لما يشبه خبرتنا في هذا
العالم . وبتعبير آخر إنّ تاريخ الخطاب الأدبيّ لا يرجع إلى الأشكال اللسانية
فحسب، وإنّما إلى تاريخ الأفكار . والشعرية التاريخية (تاريخ الادب) كما يذهب
تودوروف بقدر ما تُعْنى بتاريخ الأشكال، تُعْنى بالمتن؛ لأنّ الأدب وجد في تاريخ(45).
إن
خلف كل جملة في القصيدة فاعلاً لا يمكننا تجاوزه، وإغفال الدور الذي يلعبه في
تكوين البنية، لأنّ ثمة علاقة سريّة كانت أو علنية بين الشاعر/ الناص/ المؤلف وبين
مستقبله، وعملية الخلق والتخلق من ترتيب خارجيات النص الى حدٍّ بعيد . وإذا ما
احتجنا إلى التمثيل، فإنني أُشير إلى معاناة السياب التي كان لها الأثر الواضح في
تشكيل رؤاه . وهذا الأثر لا يقتصر على إضفاء مضامين تتناسب وتلك المعاناة، وإنّما
على تشكيل بنى نصّه الشعري . فالمعاناة بأبعادها المتنوعة – على وفق هذه المقايسة
– لا تؤثر في مضمون نصّه فحسب، وإنما في شكله أيضًا(46).
ولولا
اطّلاعنا على أدقّ التفصيلات عن حياةِ السياب، لما استطعنا أنْ نلتقط الدلالات
الضمنية في نصوصه . ولولا معرفتنا بأيديولوجية الشاعر حميد سعيد، لما قُدِّرَ
لأحدهم أنْ يفكَّ رمزَ (الماء)، حين يكون مستقلاً عن الرموز الأخرى(47).
ولولا معرفتنا بأيديولوجية الشاعر سامي مهدي، لما استطعنا أنْ نكتشف الدلالة
الكلية في قصيدته (المهر)(48).
إنّ أيّ نصّ، لابدّ من
أن يكون حاملاً (شيئًا) من عالمه الدنيوي الذي وجد فيه، إنّ للنصوص طرقا تقيدها في
شبكة الظرف الذي نشأت فيها: الزمان والمكان والمجتمع . باختصار إنّ النصوص موجودة
في العالم، كما يعبر ادوارد سعيد، ردًّا على نقاد المنهج التفكيكي(49).
إنّ التشديد على
"اننا لا نستطيع منح العلوم الانسانية قوائم العلم الحقيقي، إلا إذا استبعدنا
الإنسان أولاً من تاريخه، بحيث لا نعود نرى في هذا الانسان وفي تاريخه سوى محصلة
لصراع البنى وحده"(50)، هو تشديد محاولة لن يكتب لها النجاح، ثم
انّ المنهج البنيوي، لا يمكن أنْ يفضيَ إلى تقعيد العلوم الانسانية، إلا على مستوى
المسالك المتموضعة المستلبة . حتّى الألسنية، حيث وجد البنيوي موضوعًا متميزًا
أتاح له أنْ يدلّلَ على خصبه، يجد الألسنيون انفسهم مضطرين الى عد التحليل البنيوي
مجرد آنٍ في دراستهم، وإلى إعادة إدخال آنِ التاريخ وآنِ الذات، كاشفين بذلك حدود
البنيوية منهجًا، وكمًّا، بالأحرى حدود البنيوية كأيديولوجية حصرية .
إنّ
البنيوية كأيديولوجيا، هي تلك التي يخيل إليها أنّ من حقها أنْ تقول في خاتمة
المطاف بـ(موت الانسان)، أو بـ(اللا إنسانية النظرية)، مع ان هذه نقطة انطلاقها لا
نقطة لوصولها، وما ذلك باستنتاج، وإنّما هو مُسلَّمة أولية . وانطلاقًا من هذه
المسلمة لا يمكن الوصول إلا إلى نزعة (كانطية) بلا نقد وبلا ذات(51).
إنّ
اهتزاز العقلنة تستنبطه النظرة الفاحصة التي تقوم على التوازن، لا على أساس
القوالب والمسلمات التي راجت على الألسنة، فبدت مستهلكة . ولذلك حين "تأكد
خطر ضياع الإنسان الأبديّ في الفكر والفكر النقدي، عاد تودوروف والعديد من منظري
البنيوية الى حقائق البدء التي ذكرت بها فلسفة الاختلاف: حان الوقت لبلوغ
البديهيات التي من المفترض عدم نسيانها: للأدب علاقة بالوجود الانساني (...) ان
الادب هو كشف للإنسان والعالم (...) ولن يكون الادب شيئًا اذا لم يتح لنا ان نفهم
الحياة بصورة افضل"(52).
وهكذا تخرم (العقلنة)،
وهذا واضح من استيعاب عدد من النقاد والباحثين التوازن بين السلطات الخارجية
والداخلية التي تتحكم في انتاج النص . فالدكتور عبد السلام المسدي في كتابه
(الاسلوبية والاسلوب) ينبه الى لا شرعية لأيّة نظرية في الأدب ما لم تتخذ من مضمون
النصّ الأدبي أساسًا لها، كما أشار إلى أنّ أوفق السبل إلى نظرية شمولية هو أنْ
ننتبه إلى أنّ النقد يرتكز على ثلاثة محاور: حضور الإنسان مؤلفًا كان أو مستهلكًا،
أو ناقدًا، وحضور الكلام، فحضور الفنّ . ويؤكد الدكتور كمال أبو ديب في كتابه (في
الشعرية) تأثير خارجيات النص، فضلاً عن تركيزه على تقديم تحليل بنيوي لأنساق النصّ
. ورفض محمد بنيس في كتابه (ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب: مقاربة بنيوية
تكوينية)، النظرة المنغلقة لبعض المقاربات البنيوية التي يتمحور عملها النقدي حول
البحث عن القوانين والأنساق الداخلية للعمل، ويتعامل مع النص بوصفه عالمًا ذريًّا
مغلقًا على نفسه . ويذهب توفيق الزيدي في كتابه (اثر اللسانيات في النقد العربي
الحديث) الى تأكيد النص، وإنْ كان له عالم خاص، فإنّ بنية هذا العالم مشروطة
بالعالم الخارجي(53).
وبالنسبة
للشعر، فإنّه يقع في منطقة معقدة ومتشابكة من اللسان والقلب، بحيث لا يمكن أنْ
يتناوله منهج يدين بالولاء الى النص وحده، مثلما لا يمكن أنْ تحاصر في دائرة
الولاء المطلق لمنهج قرائي فقط، ولا يمكن أنْ تنحصر في مربعات خارجية النصّ وحدها،
لأنّه – ببساطة – شعر، يسمو فوق المقولات والتحديدات، واكبر من المناهج جميعا انّه
يظل محكومًا في بنيته التكوينية، بالمجموعة كلّها، إذ إنّها تسهم جميعًا في صيرورة
هذا الكلام الذي نسميه شعرًا: تحويل آلام الدم الى حبر، على حدّ تعبير (اليوت) .
إنّ الشعر هو اللغة في
وظيفتها الجمالية/ الانفعالية، إذ تدفع باللغة الإشارية إلى وراء، فهي فردية بإزاء
اللغة الجماعية، ويصاحبها اشتغال (التغيير المركب) كما يسميه الفارابي(54).
فهو إذنْ، لغة من الدرجة الأولى والنقد "لغة من الدرجة الثانية، أي في مصطلح
النقد الحديث (ما وراء اللغة)، أو ميتا لغة(55) .
من هنا، فإنّ مهمة
الناقد الاستجابة "إلى الطبيعة الاساسية للأدب التي تكون فيه الدالات جديرة
بالاعتبار من تقيد بالنص، الى تماسك الاستجابة وصحته لا الى الموضوعية والحقيقة .
وأهمّ سمة لهذه العملية انّها تعرض دورًا جديدًا ووصفًا جديدًا للناقد . إنّها
تجعله مُسهمًا في العمل الذي يقرؤه . فالناقد يخلق العمل المنجز عن طريق قراءته،
ولا يبقى مجرد مستهلك لمنتوج جاهز . بهذا لا يحتاج الناقد لأنْ يخضع نفسه بمذلة
امام العمل يخضع لمتطلباته . على العكس من ذلك فهو يركب بحيويته معناه . إنه يجعل
العمل موجودًا(56). ومعنى ذلك، انّ المنهج ربما يتبلور بمنهج
الالتفاتات الذكية جدًّا، واللمح الموهوب .
أمّا إذا كان حديث
النقد حديثًا عن النص، والنصّ وحده، فهو لا يعدو أنْ يكون الحديث حديث الآخرين
وليس حديث الناقد .
وأخيرًا،
إذا كان المؤلف معزولاً عن النص، فأينَ الناقد الذي تناول نصًّا لشاعر مجهول ؟!! .
4- الإلهام/ الحَدَس، الخيال،
العبقرية، الغموض:
وإذا
كنّا رأينا البنيوية قد صادرت المؤلف، فإنّها، تصادر الإلهام والخيال، أو الحدس،
والعبقرية أيضًا؛ لأنها من العوامل النفسية التي تشتغل على أساس التماس مع الناص
والمتلقي . ولذلك رفضت مثل هذه العوامل؛ لأنها تتقاطع مع اجراءاتها اللسانية التي
تقود الى (العقلنة) .
والحديث عن الإلهام
ليس حديثًا جديدًا، فقد تناول (افلاطون) في محاوراته التي عنوانها (ايون) مسألة
الشعر هل هو فن أو إلهام ؟ ليقرر انّ الشعر إلهام "ومصدره إلهيّ محض"(57).
وذهب – في مبعث الشعر ودوافعه – إلى أنّ الشعراء يقولون الشعر من "دون وعي
وإدراك لما يقولون ودون جهد يبذلون، أو صنعة يفتنون بها، وكأنّ الشعراء مجانين
فقدوا عقولهم، وتسلطت الآلهة على ألسنتهم لتجري عليها ما تشاء"(58).
ويبدو القول بالإلهام، أو الوحي،
تفسيرًا للعملية الشعرية بشكل خاص، ليس مقصورًا على الباحثين والفلاسفة كالذي
وجدناه عند (افلاطون)، وإنّما تناوله الشعراء من القديم أيضًا، إذ وجدناه عند "هوميروس الذي استهلّ الإلياذة
باستجداء ربّات الشعر أنّ ينعمنَ عليهِ بالإلهام . ولقد عبّر هذا القول إلى بعض
الشعراء جاهليين وإسلاميين"(59)، إذ شهر عنهم "انّ لكل شاعر
شيطانًا يقول الشعر على لسانه"(60)، بل عبر هذا القول إلى الشعراء
"المحدثين من شرقيين وغربيين، كما عبر إلى بعض الباحثين المحدثين أيضًا ولو
أنّه أصبح عند المحدثين صنفًا تحت نوع أعمّ هو (الحدس)"(61). على
أنّ الإلهام في البحوث الحديثة، وكما وصفه (دي لاكروا) هو "صدمة
كالانفعال"(62) . أمّا حال الملهم في لحظة الالهام، فهي
"كحال من يجذب انتباهه فجأة، عندئذ يختل الاتزان لديه ويمضي نحو اتزان جديد،
وينقطع سير العمليات الذهنية، ويدخل الميدان شيء جديد، وطبيعي انّ توجد عندئذٍ حال
وجدانية قد تكون عنيفة حتى لتبلغ الحماسة، وينساب في الذهن سيل فجائي من الأفكار
والصور"(63).
ومهما يكن من أمر
هذا الإلهام ومصدره، فإنّ الشاعر إذ يبدع القصيدة يمرُّ بلحظات تلقٍّ أو انطلاق
يكاد يختفي فيها كل أثر لبذل المجهود(64). وقد يمرُّ بلحظات مديدة
تستغرق ديوانًا كاملاً . وهذا ما اعترف به شاعر معاصر هو الشاعر سامي مهدي . يقول
عن ديوانه (حنجرة طرية): "إنّ هذه القصائد كتبتني قبل أنْ أكتبها . إنها فرضت
نفسها عليَّ فكانت تتدفق تدفقًا تحت قلمي، حتى كنت أسمع هديرها بنشوة عالية"(65).
وقد يمرُّ
بلحظات أخرى ملؤها المقاومة والتنقيب(66). وقديمًا قال الفرزدق:
"وربما أتت عليَّ ساعة ونزعُ ضرسٍ أسهل عليَّ من قول بيت"(67).
إنّ مثل هذا
الكلام – على وفق التأسيس المارّ الذكر – لا يقتل الإبداع الذي أشار إليه بول
فاليري، إذ قال: إذا آمن الشاعر بالإلهام قتل الابداع(68). أقول إنّ
الالهام لا يقتل الإبداع ما دام للشاعر دور مهم في العملية الشعرية – حينما يبذل جهدًا
يستند الى تحصيل مكتسب . وعلى وفق امتزاج الانسياب الفجائيّ من الأفكار والصور في
ذهن الشاعر بالجهد/ التحصي المكتسب، فإنّ قول (فاليري) "إنّ الشاعر من يستطيع
النظم ساعة ما يشاء، وليس الشاعر وقفا للمصادفة"(69)، يسبح فوق
التجربة الشعرية ويلغي الانفعال أصلاً ويجعل من الشاعر صاحب مهنة حرة يعمل متى
يشاء ويكفّ عن العمل في أيّ وقت يشاء، وهو أمر يجافي حقيقة الشاعر وإلا أصبح
نظّامًا"(70).
إنّ ما يهُمّنا
– هنا – هو انّ (الإلهام)، أو (الوحي)، أو (الحَدَس) سمِّهِ ما شئت، قد يوحي
تشكيلاً جماليًّا ينبض بالدهم والادهاش ويقع في دائرة الإبداع . وهذا ما لا تقع
عليه عين البنيوية مثلاً، لأنّها تختلف "عن النقد الجماليّ في أنّها تحاول
أنْ تتجاوز تشخيص ما يمكن للمرء أنْ يستقي من النصوص المعاني التي يستقيها"(71).
وهذا الفهم يفضي إلى أنّه ليس ثمّة وثبات تكتسب الفرادة؛ لأنّ ما يكتبه الشاعر/
الكاتب، مكتوب أصلاً، والذي يتبدل هو نظام الكلمات فقط والشاعر/ الكاتب، يستطيع
فقط أنْ يُقلّد عملاً قُيّض له أنْ يكون مكرورًا وليس أصيلاً . وإذا كان الشاعر
على درجة من السذاجة، بحيث يتصور مشاعره أصيلةً، والكلمات التي يجدها تترجم مشاعره
بدرجات متفاوتة من الدقة إلى إطار وشكل، فإنّه مخطئ، انّ مشاعره مكتوبة مسبقًا،
مثلما تكتب الكلمات في معجم .
ومن هذا
المنطلق، كما ترى البنيوية، لا شيء في الحقيقة تلقائي، وإنّما كلّ شيء تقليد(72).
وهو منطق يتضاد مع الشعر الحقّ، "دائمًا ابتداء"(73)،
والشاعر مبتدع لغة فردية، نشعر بإزاء هذا الابتداع انّ الشاعر يجترحه لقول لا يمكن
قوله إلا على هذا النحو ذي العلاقات المتشابكة الخاصة . وهذا الابتداع يقوم على
الفرادة التي تنبني على الذاتية . وهذا ما لا تقبله الموضوعية/ العقلنة التي تضغط
على المنهجيات النقدية اللسانية . ومثلما تقاطعت مع الإلهام، فإنّها تتقاطع مع
الخيال والعبقرية . وميزة العباقرة المبدعين الكبرى أيًّا كانت عبقريتهم هي قوة
الخيال، أي انّهم يَرَوْن في الواقع ما يمكن أن يصير إليه . وقلَّما يقفون عند
حدوده الحاضرة . فالعبقري شخصية لا ترى الواقع العملي جامدًا يأسرها داخلَ حدوده .
ولا شكّ في أنّ مثل هذه الشخصية ستجد الشيء الكثير ممّا يدعو للخلاف بينها وبين
الآخرين . وربّما كانت هنا، بذرة الصراع الذي يخلق من الشخصية عبقريًّا . وهذه
الميزات التي تتسمُّ بها شخصية العبقريّ ناتجة عن عدّة أسباب في البيئة والشخصية
والاستعداد الفطري، ويتمثل في درجة مطاوعة المادة النفسية التي تظهر في ازدياد
نسبة التهويم والإدراك، وربّما شدّة الارتباط بين الجهاز الحسي والجهاز الحركي(74).
إذنْ، بزوع العبقرية: البيئة والشخصية، والاستعداد الفطريّ، وهذا ما لا تؤمن به
المنهجيات النقدية اللسانية .
ويبدو لي أنّ
مسألة الإلهام والإبداع والخيال، المرفوضة من البنيوية تقود إلى الغموض الذي هو
مرفوض بدوره من قبلها .
إنّ الثابت عند
قراءة أعمال البنيويين أنّهم يختارون النصّ الذي يتواءم مع المنهج الوصفي، ولا
يطرح هذا النصّ قضايا التأويل، ولا يعرض الثوابت الإجرائية للارتباك والتناقض .
ولعلّ هذا التشبث بالأبنية الأكثر استقرارًا يُعلّلُ تقدّمَ النقد البنيوي المتصل
بالسردية وانحساره في مجال الشعر.
إنّ الغموض
الشعري هو حجر عثرة أمام تقدم البنيوية في هذا الحقل، ذلك لأنها تحرص باستمرار على
الطابع المدرسي، وتحافظ على المحايدة في اتّخاذ المواقف الفكرية، وتلوذ
بـ(الموضوعية) وبالنصوص المغلقة والمؤسسة . لذلك لم تقدر على تجاوز مباني الكليات
إلى الأوساط الأدبية والثقافية العامة، وما كان لها من منقذ إلا توخي سبل
(المحايدة) واختيار النصوص التي لا تحدث شرخًا في الأجهزة النظرية المصاحبة
للأعمال الاجرائية ذات الطابع التفكيكي الوصفي . أمّا أمام نصوص رمزية ودادائية
وسريالية، فلا يجدي النقد البنيوي من سبيل سوى رفض الغامض، بوضع شروط هي مزيج من
المقاييس الجمالية المتبقية من عصر النقد الاتباعي وأخرى حديثة .
إنّ ضياع
الدلالة سمة جمالية مقبولة على أنْ تستردَّ بفعل القراءة، إذ من أجل أنْ تحقّق
القصيدة شعريتها – والقول لكوهن – أنْ تكون دلالتها مفقودة أولا، ثمّ يتم العثور
عليها، وذلك كلّه في وعي القارئ(75).
وعلى وفق ما
ذهبت إليه، فإنّ إقصاء القصيدة الغامضة في النقد البنيوي، أو نفي القيمة الأدبية يتعلّل
"بالمبالغة في النأي عن منطق الكلام المعتاد الذي يظلّ مرجعًا حاضرًا في
الاتجاه الآخر للانزياح عن لغة الاستعمال"(76). مع أنَّ كثيرًا من
النقاد يَرَوْن أنّ أفضل القصائد هي التي تفرش جناحيها لأكبر قدر ممكن من الغموض
والمفارقة .
وهكذا يكون
الإلهام ارتفاعًا عن الوعي، وضدًّا من القصدية، ويكون الخيال قائدًا إلى الغموض،
والعبقرية إلى التفرد بمعنييه: الفرادة؛ لأنّها تأسيس الذاتية، وتتضاد مع التناصات
وتكرار النماذج . وهو ما يتفق مع الشعر شكلاً ومعنى ويتعارض مع (عقلنة) النقد .
وإذا ما حاولت
البحث عن علّةٍ أخرى تتعلق بإقصاء المنهجيات الحديثة المعتمدة على الألسنية،
الخيال، والإلهام، فإنّني أجد ذلك متجسدًا في النظر إلى الاسلوب بوصفه اختيارًا .
إنّ اللغة
تتوافر على كمٍّ هائلٍ من المفردات والبنى النحوية وكيفية تشكلها بشكل خاصّ .
والشاعر يختار – بحسب هذا النظر – سمات معينة من الموارد الكلية للغة . وبهذا
المعنى للاختيار، فليس ثمة اختلاف بين مستعملي اللغة فهو جزء من القدرة على
التكلم؛ لأنّ المتكلم يختار لأقواله الفونيمات المناسبة والتركيب المناسب، والمعجم
المناسب، والمفردات المناسبة، لتتناسب مع ما تعنيه في القول ومع السياق الذي ستقال
فيه . وفي مثل هذا الفهم مساواة بين مستعملي اللغة الاعتيادية والشعراء، وهو أمرٌ
غير مقنع يُشير إلى (الاختيار) بوصفهِ مبدأً اسلوبيًّا، لا بوصفه مبدأ لسانيًّا .
إنّ جميع مستعملي اللغة والكتاب والشعراء يتساوون بالنظر الى (الاختيار) بوصفه
مبدأً لسانيًّا، أو – بتعبير ياكبسون – بوصفه محورًا تنبني عليه المتتالية
اللسانية، فضلاً عن محور التأليف . من هنا، فإنّ مستعملي اللغة - جميعًا على
اختلاف أغراضهم – مضطرون الى الاعتماد على محور الاختيار لبناء متتالية لسانية
بمعونة محور التأليف؛ بيد أنّهم لا يتساوون أذا ما نظر إلى (الاختيار) بوصفه مبدأ
اسلوبيًّا، أي بوصفه اختيارًا متميزًا من اختيار مستعملي اللغة الاعتيادية .
إنّ الاختيار
في جوهره واحد؛ غير انّه مختلف من حيث طبيعة الظاهرة وكيفية تحققه، الأمر الذي
يضفي عليه ميزة مهيمنة تجعله لصيقًا باللغة المميزة، فثمة اختياران لساني/ كلامي
يستخدم في الاستعمال الاعتيادي للغة، والآخر متميز يستخدم في الاستعمال غير
الاعتيادي للغة وذلك هو الاختيار الاسلوبي(77). والشعر استعمال غير
اعتيادي للغة، يمتح من (البئر العميقة): القوى الداخلية النفسية + التحصيل
المكتسب، الذي يمدُّ خيوطه من الحاضر إلى الماضي، ومن الماضي إلى الحاضر . ولذلك
لابدّ للنقد من أنْ يكتشف خصيصات اسلوبية تبين جماليات هذه الخاصيات . وبهذا، لا
يصبح بإمكاننا القول بـ(موت المؤلف)، أو استبعاده؛ لأنّ (بئره العميقة) وطبيعة
رؤاه تسهم في إبراز اسلوبه، فضلاً عن أنّ مثل هذا الإلغاء يعني إنكار مسؤوليته
وأنّ إهمال نفسيته يفضي إلى استبعاد الأخلاقية من نشاطه الكتابيّ .
إنّ الشاعر لا
يختار الألفاظ، ولا البنى النحوية، بسبب من الإطار الرؤيوي العام المرتبط باللفظ
وهو القادر على استقطاب، أو اقتناص الملائم والمنسجم معه إيقاعيًّا . بمعنى آخر
انّ ثمة موازنة دقيقة – غير مقصودة – بين الألفاظ، ونغمها في تشكيل القصيدة، بحيث
يكون هذا الاستدعاء على وفق ما يختلج في الوجدان . ومن شأن ذلك أنْ يقود إلى
صيرورة محور تدور عليه الصور والإيقاع .
ومعنى ذلك انّ
الشاعر يغوص في أكوام هائلة من الألفاظ والبنى النحوية، غير ان الطريقة "التي
يستعمل الشاعر بها الألفاظ هي سرّ الشاعر نفسه ولا يستطاع تعلمها، ان الشاعر
يستطيع ان يستعمل الالفاظ استعمالاً ناجحًا، ولكنه لا يدري كيف تتم هذه
العملية" كما يقول ريتشارد(78). ومعنى ذلك ان (الاختيار) هنا،
موثق بحالة القوى النفسية المحركة للتجربة الشعرية فلا قصيدة للاختيار، ولا تخطيط
مسبق، لأنّ الفنانين الذين يخططون لأعمالهم، إنّما هم "فنانون من الدرجة
الثانية"(79).
5- التاريخ:
في كتابه
المعنون (عن المادية 1970) يكرر (تمبانارو) العديد من التهم ضدّ البنيوية، وأبرزها
انّها غير قادرة على التعامل مع التاريخ؛ لأنّها تتناول اللغة فقط بوصفها نسقًا
مغلقًا، إذ لا يمكنها أنْ تدرك العلاقات بين الأنشطة الانسانية وأوضاعها المادية(80).
ويرى البنيويون
أنّ التاريخ مجرد منهج للبحث، لا يمكن الاستغناء عنه؛ ولكنّه لا يحدد موضوعه
بنفسه، ولا يستبعد أهمية وسائل البحث الأخرى، ولو كان التاريخ يستنفد موضوعه لم
تلعب البنية إلا دورًا ثانويًّا في الدراسة، غير انّه إذا كان التاريخ مجرّد طريقة
لوصف مجموعات معينة من الظواهر التي يمكن تناولها بوسائل أخرى، وانّ البنية تصبح
مشروعة وضرورية . وعلى وفق هذا المنظور، فإنّ الأمر في حقيقته يتصل بتحديد الجوهر
الدقيق للتاريخ ومعرفته؛ ولكن الباحثين يرون المشكلة تعكس نوعين من المعرفة:
المعرفة الثابتة لمجموعة من الأنظمة البنائية وعلاقتها من جانب، والمعرفة
التاريخية الزمنية لما يحدث لبعض طبقات الظواهر من تطور وتغير في جانب آخر .
فالبنيوية تذهب إلى تركيز الضوء على الظواهر في لحظة متوقفة(81)؛
لأنّها تركز "على البنية من حيث هي ساكنة وغير متحركة في الزمان والمكان،
وكأنها معزولة عن السياق التاريخي الاجتماعي الثقافي الذي نشأت فيه(82).
في حين تحاول التاريخية التقاط حركية الأحداث وتصورها"(83).
وعلى الرغم من
أنّ البنيوية غير تاريخية، إلا أنّها تبسط مسألة الاستخدامات التي يمكن توظيف
التاريخ لها سواء من حيث النظرية، أو التطبيق؛ لأنّ البنيويين يتمكنون من الردّ
بكلّ ذكاء بأنهم بعيدون عن اللاتاريخية، بل انهم يعدون كل الوقائع والنصوص اشياء
تاريخية تبرز في مكان وزمان معينين، وتخضع للتغير، ولو أنّها لا تمثل أيّ نظام
أزلي بالتأكيد . ومن هذا التصوير الواقعي للتاريخ تمكنوا من التعامل مع النصوص كما
لو انها لا تحمل أيّ طبيعة أو قيمة دائمية؛ لكن يبدو انهم نسوا أنّ فكرة التاريخية
تتميز بالاستمرارية واللاانتظام اكثر مما تتميز بمبدأ الانقطاع الذي يعزوه (فوكو)
وسواه الى التاريخ . إنهم يزعمون تناول السياق التاريخيّ لعمل معين بوصفه جزءًا من
معناه؛ غير انهم نادرًا ما يربطونه صراحة بأشكال الثقافة(84).
"إنّ على
البنيوية أنّ تدخل عنصر الزمن في شبكة تحولاتها المدروسة .. وكذلك على التاريخ أنْ
يستفيد من نظرية المجموع ويدرس تأثير التعديلات الجزئية على الكل والسلوك المتكامل
لهذا الشكل في اطار البنية الشاملة"(85). وعلى خلاف ذلك يفهم
البنيويون التركيبيون/ التكوينيون، البنية، إذ إنّها عندهم "لا تفهم بحدّ
ذاتها خارج حدود الزمان والمكان، وإنّما من خلال تطورها وتحركها وتفاعلها وتنافرها
داخل وضع محدد زمانيًّا ومكانيًّا"(86).
إنّ استبعاد
البنيوية التاريخ "ليس بالمعنى التعاقبيّ، أي التحول من نسق إلى آخر، بل
ولادة عملية الكلام في كل حالة"(87).
ولعلّ مثل
هذا النظر البنيوي للتاريخ، يرجع الى تركيز البنيوية على البدء من نقطة الصفر في
تحليل النص . وهذا يعني ضمن ما يعني إلغاء التاريخ الذي يمثل ذخيرة التجربة
الإنسانية، كما تحيل إلى افتراقها عن الرؤية الجمالية التي يجب أنْ ينظر إليها
الناقد الذكي، بوصف الشعر بنية رؤيوية – ايقاعية – جمالية .
من هنا
"لا نستطيع أنْ نفهم جوهر الجمال بمعزل عن العالم الخارجيّ، ذلك لأنّ فكرة
الجمال بحدّ ذاتها لها خلفية وجودية تاريخية، وليس فقط تصورية بحتة"(88).
6- ثلاثة نصوص لا تحمل العقلنة:
في هذه
الأسطر التي اخترتها من دون عناء البحث والتفتيش عنها، ثلاثة نماذج من كتابات
تنتمي الى منهجيات حديثة، يحاول أصحابها أنْ يكتبوا بلغة – كما يعتقدون – تتساوق
والعقلنة التي تتسم بها تلك المنهجيات . وما تلك الكتابات إلا ليٌّ لأعناق الجمل
والتراكيب، وانفراط الوحدة، وانتشار الرطانة، والإلحاح على التشويش . وفي هذا
اهتزاز للعقلنة.
أ- "الاسلوبية في هويتها النوعية ما انفكت تتلابس
بحقول تتاخمها، وليست منها، حتى انّ بعض النقاد والباحثين تتداخل لديهم خصوصيات
معرفية يحملونها على علم الاسلوب وليس له اليها من سبيل ولا له عليها طائل" .
(الاسلوب والاسلوبية، ص5) .
ب- "يعرف المحتمل، في عمل أو خطاب ما، بأنه ما لا
يتناقص مع ما يتعبره الجمهور ممكنًا . يرتبط المحتمل المتوافق، بالبدهيات، تلك
التي تتكشف اليوم في ادب الشارع، وتلك التي لا يكفُّ بارت عن التصدي لها، تحديدًا،
بكيفية مفارقة .
إنّ المحتمل
النقدي بوصفه معياريًّا بشكل ملتو (إذ هو لا يفصح عن ذلك)، يحترم، مثلما يفرض على
كلّ ناقد، عددًا من القواعد، أو المحرمات المتولدة من عقلانية استيطيقية – خلقية،
والتي لا يمكن اختراقها من دون تبعات . وهكذا ينبغي أنْ نتحدث عن عمل ما
بـ(موضوعية) بالتأكيد على يقينيات اللغة ومستلزمات التناغم السيكولوجي، وأوليات
بنية الموضوع، بذوق و(مع الرمي بالتحريم كل ما هو مشهور من لدن الراي السائد
والمسموع بانه وقح، غثّ، فظّ ..) . (في أصول الخطاب النقدي الجديد، ص55) .
ج- "طبيعي، بعد ذلك، أنْ تصبح القراءة عبارة عن
متاهة تضع الذات في حضرة مستحيلها وتعمق مأزقها، إذ لا يقع التفطن إلى ما في
الاقتفاء من إقصاء للذات وما في الاستنساخ من تحايل على الذات والنصّ واللحظة
التاريخية، ولا يقع التفطن أيضًا، إلا انّ تلك المناهج المستدعاة إنما هي محاولات
بنيت في القلق والحيرة والسفر في مجهول هو النص الشعري الغربي . وهي نتاج ذهنية
تؤمن بمادية الدال، وتعدّ اللغة بوضع إعلان الوجود عن عامل اطمئنان . يتحول القلق
والمغامرة في النصوص الى تطبيقات مدرسية خطيرة تطبيقات تكبل الفكر وتزرع
الظلام" .
7- الناقد الذكي جدا:
وبعد، فقد
يُظَنّ بي أنني اتضاد مع آليات المنهجيات الحديثة واجراءاتها، والحقيقة انني اتضاد
مع الاجراءات التي تحاول (عقلنة) النقد، ومنح التحليلات سلطة (الروبوت): السلطة
الآلية – الميكانيكية، التي تعرف قوالبها وطريقها عن طريق رحلتها (المكوكية) .
أقول إنّني لست متضادًّا معها، ما دامت تمنح النص حياة جديدة، وتضع الاصبع على
اسراره ورموزه ودلالاته .
إنّ ما
عرضت له يشكل حقًّا من حقوقي باحثًا أكاديميًّا، وشاعر أيجوس خلق القصيدة . وما من
حقّ أحد مصادرة رأيي، مثلما ما من حقّ أحد حجر الرأي الذي يصطف اصطفافًا منحازًا
مع المنهجيات الحديثة بمختلف أنماطها ومرجعياتها وأنويتها؛ لأنها – كما يظن
المصطفون – الوحيدة التي تباشر النصوص بموضوعية صارمة .
يقول بلاكمور:
"ليس بمستطاع أيّ قدر من التحليل اللغوي أنْ يُبيّنَ الشعور بالقصيدة، أو
وجودها بمقدور المرء أنْ يحلّ العديد من هذه المسائل حول وظيفة النقد .. من خلال
الإقرار بأنّ هناكَ أنواعًا عديدة من النقد، وكلّ نوع يتمتع بحقوقه الإقليمية وكل
نوع لديه ما يقدمه إلى القراء"(89).
إنّ النقد
"كالمشي: فنٌّ عالميّ تقريبًا، وكلاهما بحاجة إلى تغيير معقّد مستمرّ، وإلى
التماسك بالتوازن"(90). ولذلك لا يمكن للناقد أنْ يُقمّط نفسه
بقناعات يعدّها ثابتة ونهائية، إذ لابدّ من التفاعل والتحاور مع المناهج المختلفة،
مثلَما يفعل ذلك مع النصّ، موازنًا بين الذاتية والموضوعية، مبتعدًا عن (توثين)
التقليعات التي – ربّما – لا تتواءم والشعر العربي وتقنياته .
إنّ الناقد
حينَما يقرأ نصًّا، فإنّه لا يقرأ "بعقل بكر محايد، فالبكارة العقلية لا وجود
لها، كما انّ حياد النص خرافة دحضها النقد منذ زمن طويل"(91).
إنّ ما ذكرته
يقع في فضاء الحرية التي يحتاجها الناقد لتمثل النص، ولا ضير من تواشج المنطلقات
والاجراءات بما يخدم النص . وهذا ما أفهمه من عبارة (اليوت) "ليس هناك منهج
سوى ان تكون ذكيًّا جدًّا"(92). وأذهب
إلى أنّ الشعر – وحده – بلا منهج، وأكبر من المنهج، حيث لا تضغط (عقلنة)، ولا تسرح
نزعة (ذاتوية) منفلتة , وامتدادات الحياة كفيلة بأنْ تطلق الأيام القادمة تسمية
(البنيوية التقليدية)، أو المنهجيات القديمة، بعد أنْ كانت حديثة، وربما انحدرت
آليات (نقد استجابة القارئ) لتصبّ في مجرى (انطباعية جديدة) تؤسسها فكرة ، ومحاورة
جادة .
الاحالات:
(1) ينظر: معرفة الآخر، عبد الله إبراهيم وآخران، بيروت،
المركز الثقافي العربي، 1991، ص43 .
(1ب) وضع النقد الجديد إلى البنيوية، ترجمة: صبار سعدون
السعدون، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1990، ص83 .
(2) نفسه، ص40 .
(3) نفسه، ص44 .
(4) نفسه، ص10 .
(5) نفسه، ص152 .
(6) نفسه، ص163- 164 .
(7) نفسه، ص164 .
(8) الذاكرة المحجوزة ونداء الأقاصي، محمد لطفي اليوسفي،
مجلة الموقف الثقافي، ع6، 1996، ص37، وينظر مصدره .
(9) نفسه، ص36 .
(10) الخطاب النقدي وإشكالية العلاقة بين الذات والآخر،
د. شكري عزيز الماضي، مجلة الموقف الثقافي، ع9، 1997، ص23 .
(11) في معرفة النص، يمنى العيد، بيروت، دار الآفاق
الجديدة، 1985، ص121.
(12) انحراف التخييل والتعبير بالفانتازيا، د. محمد صابر
عبيد، مجلة الموقف الثقافي، ع6، 1996، ص12 .
(13) نفسه، ص13 .
(14) المكان نفسه .
(15) المكان نفسه .
(16) تفكيك التفكيك، سامي مهدي، مجلة الموقف الثقافي،
ع6، 1996، ص24 .
(17) المكان نفسه .
(18) المكان نفسه .
(19) ينظر: في المنهج والمنهجيات، طراد الكبيسي، مجلة
الأقلام، ع11-12، 1993، ص54 .
(20) ينظر: تفكيك التفكيك، سامي مهدي، ص30 .
(21) معرفة الآخر، ص24 .
(22) نفسه، ص22 .
(23) جدلية التنظير النقدي والإبداع الشعري، مصطفى
كيلاني، مجلة الأقلام، ع11- 12، 1995، ص8 .
(24) ينظر: معرفة الآخر، ص26 .
(25) ينظر: الصوت الآخر الجوهر الحواري للخطاب الأدبيّ،
فاضل ثامر، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1992، ص226- 227 .
(26) ينظر: نظرية البنائية في النقد الأدبيّ، د. صلاح
فضل، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، ط3، 1987، ص332.
(27) وضع النقد من النقد الجديد الى البنيوية، ص36 .
(28) ينظر: المعنى الادبي من الظاهراتية إلى التفكيكية،
وليم راي، ترجمة: د. يوئيل يوسف عزيز، بغداد دار المأمون للترجمة والنشر، 1987،
ص126 وينظر مصدره .
(29) في البنيوية التركيبية، دراسة في منهج لوسيان
غولدمان، د. جمال شحيد، بيروت، دار ابن رشد للطباعة والنشر، 1982، ص93 .
(30) في مفهوم الخطاب والخطاب الأدبيّ، إبراهيم صحراوي،
مجلة الموقف الثقافي، ع9، 1997، ص11 .
(31) البنيوية فلسفة موت الإنسان، روجيه غارودي، ترجمة:
جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة، الغلاف الأخير .
(32) ينظر: البنيوية وعلم الإشارة، ترنس هوكز، ترجمة:
مجيد الماشطة، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، ص58- 59 .
(33) نظرية البنائية في النقد الأدبيّ، ص64 .
(34) البنيوية، جان ماري اوزياس واخرون، ترجمة: ميخائيل
فحول، دمشق، منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي، 1972، ص 179 .
(35) البنيوية فلسفة موت الانسان، ص13 .
(*) اي التي تعد البنية والبنية وحدها هي التي تغطي كلية
ما هو قابل لأنْ يعرف .
(36) المكان نفسه .
(37) نفسه، ص814 .
(38) البنيوية وعلم الإشارة، ص57 .
(39) ينظر: نظرية البنائية في النقد الأدبيّ، ص332- 333
.
(40) ينظر: معرفة الآخر، ص64 .
(41) المنطقة الأصلية بين المؤلف والنصّ، طراد الكبيسي،
مجلة الأقلام، ع8- 10، 1996، ص5، وينظر مصدره .
(42) المكان نفسه .
(43) المكان نفسه .
(44) المعنى الادبي من الظاهراتية الى التفكيكية، ص161 .
(45) المنطقة الاصلية بين المؤلف والنص، ص8، وينظر مصدره
.
(46) ينظر: البنى الاسلوبية في شعر بدر شاكر السياب، حسن
ناظم، رسالة ماجستير، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 1995، ص2 .
(47) ينظر: اللغة الشعرية: دراسة في شعر
حميد سعيد، محمد كنوني، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1997، ص283 .
(48) ينظر: شعر سامي مهدي دراسة
اسلوبية، أرشد علي محمد، رسالة ماجستير، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 1996،
ص25 .
(49) منهج الغذامي وتصوراته النقدية، د.
علي الشرع، مجلة الأقلام، ع1، كانون2، ص46، وينظر مصدره .
(50) معرفة الآخر، ص23، وينظر مصدره .
(51) ينظر: البنيوية فلسفة موت الانسان،
ص112- 13 .
(52) جدلية التنظير النقدي والإبداع
الشعريّ، مصطفى كيلاني... ص9 .
(53) ينظر: الصوت الآخر ..، ص249 .
(54) ينظر: الشاعر واللغة التغيير المركب،
د. عبد الكريم راضي جعفر، بحث مقدم الى مهرجان المربد الشعري الثاني عشر، بغداد،
دار الشؤون الثقافية، 1996، وينظر: مجلة آفاق عربية، ع آذار- نيسان، 1997، ص48 .
(55) نظرية البنائية في النقد الأدبيّ،
ص328 .
(56) البنيوية وعلم الإشارة، ص146- 147
.
(57) النقد الأدبيّ الحديث، د. محمد
غنيمي هلال، بيروت، دار الثقافة ودار العودة، 1973، ص30 .
(58) النقد الأدبيّ عند اليونان، د.
بدوي طبانة، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية، ط2، 1969، ص51 .
(59) الأسس النفسية للإبداع الفنّي،
مصطفى سويف، القاهرة، دار المعارف، 1951، ص145 .
(60) النقد الأدبيّ الحديث، د. محمد
غنيمي هلال، ص365 .
(61) الأسس النفسية للإبداع الفني، ص175
.
(62) المكان نفسه .
(63) المكان نفسه .
(64) ينظر: الاسس النفسية للإبداع
الفني، ص173 .
(65) التعلل بالمنهجية، سامي مهدي، جريدة
الجمهورية، ع84532، 18 نيسان، 1993، ص5 .
(66) ينظر: الاسس النفسية للإبداع
الفني، ص173 .
(67) الشعر والشعراء، ابن قتيبة، بيروت،
دار الثقافة، ط2، 1969، 1/25 .
(68) ينظر: أفاعي الفردوس، إلياس أبو
شبكة، بيروت، دار المكشوف، 1938، ص12 .
(69) نفسه، ص13 .
(70) ينظر: شعر عبد القادر رشيد
الناصري، دراسة تحليلية فنية، عبد الكريم راضي جعفر، بغداد، دار الشؤون الثقافية
العامة، 1989، ص58 – 59 .
(71) المعنى الادبي من الظاهراتية الى
التفكيكية، ص226 .
(72) وضع النقد من النقد الجديد الى
البنيوية، ص102 .
(73) زمن الشعر، ادونيس، بيروت، دار
العودة، ط2، 1978، ص138 .
(74) ينظر: الابداع الشعري في النقد
العربي الى نهاية القرن السابع الهجري، ثائر حسن جاسم، بيروت، دار الرائد العربي،
1987، ص31، وينظر مصدره .
(75) ينظر: جدلية التنظير النقدي
والابداع الشعري، مصطفى كيلاني، ص7 .
(76) نفسه، ص8 .
(77) ينظر: البنى الاسلوبية في شعر بدر
شاكر السياب، ص53- 54 .
(78) العلم والشعر، أ.أ رتشاردز، ترجمة:
د. مصطفى بدوي، مكتبة الانجلو المصرية، (د.ت)، ص31 .
(79) مبادئ النقد الادبي، أ.أ رتشاردز،
ترجمة: مصطفى بدوي، المؤسسة المصرية العامة للنشر، 1963، ص6 .
(80) ينظر: وضع النقد من النقد الجديد
الى البنيوية، ص112 .
(81) ينظر: نظرية البنائية في النقد
الادبي، ص279- 280 .
(82) في البنيوية التركيبية، ص279- 280
.
(83) ينظر: نظرية البنائية في النقد
الادبي، ص280 .
(84) ينظر: وضع النقد من النقد الجديد
الى البنيوية، 42- 43 .
(85) نظرية البنائية في النقد الادبي،
ص280 .
(86) في البنيوية التركيبية، ص76 .
(87) وضع النقد من النقد الجديد الى
البنيوية، ص12 .
(88) في البنيوية التركيبية، ص76 .
(89) وضع النقد من النقد الجديد الى
البنيوية، ص50 .
(90) وظيفة الناقد، آربي بلاكمور، مجلة
آفاق عربية، آذار، 1992، ص47 .
(91) الصوت الآخر، ص245، وينظر مصدره .
(92) البنيوية وعلم الإشارة، ص143 .