الاستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري رمز اكاديمي عراقي كبير
بقلم : ا.د.ابراهيم
خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس
- جامعة الموصل
الاستاذ الدكتور محمود غناوي
الزهيري اكاديمي عراقي ، متخصص باللغة العربية والادب العربي رمز حي من رموز العراق
الكبار ترك بصمات واضحة في تاريخ العراق المعاصر .كان عميد كليتي : كلية التربية
بجامعة بغداد في الستينات من القرن الماضي وكنتُ طالبا في قسم التاريخ بين سنتي
1964-1968 .. عرفته معرفة جيدة واعجبت به . كان عميدا قويا وحازما ، واستاذا جليلا ، وانسانا نبيلا .
وبعد سنوات وحتى يوم كتابة هذه السطور احتفظ بعلاقات صداقة مع ولده الدكتور غزوان محمود غناوي الزهيري ومع عدد من اقرباءه في الموصل ال الزهيري المرحوم محمد امين وولديه الاستاذين قصي ولؤي .
وبعد سنوات وحتى يوم كتابة هذه السطور احتفظ بعلاقات صداقة مع ولده الدكتور غزوان محمود غناوي الزهيري ومع عدد من اقرباءه في الموصل ال الزهيري المرحوم محمد امين وولديه الاستاذين قصي ولؤي .
كتبتُ عنه اكثر من مرة ‘ وعلقت على
صوره التي نشرتها في صفحتي الفيسبوكية ومدونتي وكتبت شيئا عنه لولده الذي يزمع
تأليف كتاب عنه .
الاستاذ الدكتور محمود غناوي
الزهيري من موالد ناحية شهربان مركز قضاء المقدادية – محافظة ديالى سنة 1916 وقد
ارسله ابوه الى الكتاب فحفظ القرأن الكريم وشيئا من الحساب ، ثم ادخله المدرسة
الابتدائية الوحيدة في شهربان . وبعد اكماله الدراسة في الابتدائية ارسله الى بغداد
لكي يكمل المتوسطة وبعدها دخل دار المعلمين الابتدائية في الاعظمية وبعد تخرجه عين
معلما في مدرسة ابي الخصيب الابتدائية في البصرة وعاد الى ديالى سنة 1934 وعين في
مدرسة بعقوبة الابتدائية ثم نقل الى مدرسة شهربان الابتدائية لكنه لم يقنع بالحال .. كان طموحا واراد اكمال دراسته فعاد الى بغداد سنة 1935وعين معلما في مدرسة تطبيقات
دا المعلمين وبعدها في مدرسة دار السلام الابتدائية .
قدم لبعثة وزارة المعارف الى مصر وبعد قبوله قدم استقالته من الوظيفة سنة 1936 ، والتحق بأول بعثة دراسية عراقية ارسلتها الحكومة الى القاهرة للحصول على الليسانس
من جامعة فؤاد الاول (جامعة القاهرة فيما بعد ) .
وفي سنة 1942 اكمل دراسته وعاد الى العراق وصدر امر بتعيينه معلما في دار المعلمين الابتدائية .وفي تلك السنة تزوج من احدى بنات عمه وهي كريمة الحاج توفيق سلطان الزهيري .
وفي سنة 1942 اكمل دراسته وعاد الى العراق وصدر امر بتعيينه معلما في دار المعلمين الابتدائية .وفي تلك السنة تزوج من احدى بنات عمه وهي كريمة الحاج توفيق سلطان الزهيري .
وسرعان ما نقلت خدماته الى جامعة
بغداد اذ عين مدرسا في دار المعلمين العالية واستمر حتى سنة 1947 ليسافر ثانية الى
مصر ويكمل دراسته العليا ويحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة فؤاد الاول وكان
عنوان رسالته للماجستير سنة 1949 : (الادب في ظل بني بويه ) . أما اطروحته للدكتوراه
والتي قدمها سنة 1951 فكانت بعنوان : ( نقائض جرير والفرزدق ) .
عاد الى العراق سنة 1951 وعين
معاونا لعميدة كلية الملكة عالية (كلية التحرير بعد 14 تموز 1958 ) الست عفت
السعيد ثم اصبح عميدا للكلية حتى شباط سنة 1958 .
كان الاستاذ الدكتور محمود غناوي
يحاضر في كليات عديدة منها كلية بغداد وجامعة الحكمة ومعهد المدرسين العالي فضلا
عن كلية الملكة عالية .هذا فضلا عن اسهامه في لجان علمية في كلية الملكة عالية وفي
ديوان وزارة المعارف (التربية ) .وكانت له اسهاماته الواضحة في وضع قانون جامعة
بغداد سنة 1956 مع نخبة من الاساتذة
ابرزهم الاستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري وفي اختيار موقع جامعة بغداد الحالي في
الجادرية .وفي سنة 1958 نقل الى دار المعلمين العالية استاذا للادب العربي واختير
بعد ثورة 14 تموز سنة 1958 ليكون عميدا لكلية التربية سنة 1959 وفي سنة 1961 عين
مديرا عاما للتعليم في وزارة المعارف
(التربية ) وفي عهد وزيرها العميد الركن اسماعيل العارف .
في سنة 1964 عين عميدا لكلية
التربية .. وفي سنة 1967 اعفي من منصبه لكن اعيد الى منصبه عميدا لكلية التربية سنة
1968 .
وبعد الغاء كلية التربية وكلية
اللغات في جامعة بغداد ودمج كلية اللغات بكلية الاداب عين الاستاذ لدكتور محمود
غناوي الزهيري عميدا لكلية الاداب واستمر عميدا حتى وفاته يوم 7كانون الاول سنة
1976 .
اشرف الاستاذ الدكتور محمود غناوي
الزهيري على عدد من طلبة الماجستير والدكتوراه وتتلمذت على يديه اجيال كثيرة من
خريجي جامعة بغداد من العراقيين وغير العراقيين وكان استاذا فذا ، وعميدا واداريا
متمكنا أحبه زملاءه وطلبته واحترموه .
وكان بحظى بإحترام المسؤولين سواء في العهد الملكي حيث الملك فيصل الثاني او ولي عهده الامير عبد الاله او في العهد الجمهوري من الرئيس عبد السلام محمد عارف والرئيس احمد حسن البكر والرئيس عبد الرحمن محمد عارف وكان يرافقهم اثناء زياراتهم للكليات التي تولى ادارتها . واتذكر وكنت طالبا في كلية التربية –جامعة بغداد انه استدعى الرئيس عبد السلام محمد عرف ليلقي محاضرة في كلية التربية سنة 1965 ومن خلال نشاطات الكلية الثقافية .
وكان بحظى بإحترام المسؤولين سواء في العهد الملكي حيث الملك فيصل الثاني او ولي عهده الامير عبد الاله او في العهد الجمهوري من الرئيس عبد السلام محمد عارف والرئيس احمد حسن البكر والرئيس عبد الرحمن محمد عارف وكان يرافقهم اثناء زياراتهم للكليات التي تولى ادارتها . واتذكر وكنت طالبا في كلية التربية –جامعة بغداد انه استدعى الرئيس عبد السلام محمد عرف ليلقي محاضرة في كلية التربية سنة 1965 ومن خلال نشاطات الكلية الثقافية .
من كتبه المطبوعة كتابه (الادب في
ظل بني بويه ) وطبع في مطبعة الامانة
بالقاهرة سنة 1949 وكان ولايزال
مرجعا مهما .
عند وفاته يوم 7 كانون الاول سنة
1976 شيع من كلية الاداب صباح يوم الاربعاء 8 كانون الثاني 1976 تشييعا مهيبا شارك
فيه عدد كبير من الطلبة والاساتذة والقى الاستاذ الدكتور دؤود سلوم كلمة رثى فيها
الفقيد وتحدث عن دوره في ارساء اسس التعليم العالي في العراق ثم نقل جثمانه الى
مدينته شهربان حيث ووري الثرى هناك في مقبرة الامام المقداد . وفي اربعينته اقيم احتفال كبير
ايضا تناوب فيه الشعراء والخطباء من محبيه على منصة الاحتفال .
نسيت ان اقول ان الاستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري كان عضوا مؤسسا ل(جمعية الكتاب والمؤافين العراقيين ) وهي جمعية ثقافية ذات توجه وطني عروبي وقد وجدت له مقالات وبحوث في مجلات عديدة ارجو من ولده الدكتور غزوان او من يريد ان يكتب عنه رسالة ماجستير او اطروحة دكتوراه ان يحصيها ويجمعها ويدرسها ولايزال الاستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري حيا في أذهان طلبته ومحبيه رحمه الله برحمته الواسعة وجزاه خيرا على ما قدم لوطنه وامته .
في مذكراتي غير المنشورة ( جني
العمر ..سيرة وذكريات ) كتبت عن ذكرياتي
في كلية التربية – حيث كنت طالبا فيها بين سنتي 1964-1968 وكان عميد الكلية في
السنة الاخيرة الاستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري وحدث ان قام طلبة الكلي
بإحتجاجات وكانوا بعضهم ينتمي الى الحزب الشيوعي والى الحركة
الاشتراكية العربية التي كنت اعمل ضمن صفوفها قبل الانقلاب الذي حدث في 17 تموز
سنة 1968 واسقط نظام حكم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف 1966-1968 ومما قلته وتحت عنوان : " في كلية التربية -جامعة بغداد :
إتفقت وعدد من زملائي الموصليين على إكمال
الدراسة الجامعية في بغداد ،حيث لم تكن انذاك في الموصل، جامعة باستثناء كلية الطب التابعة
لجامعة بغداد والتي افتتحت سنة 1959 . ومن زملائي الذين اذكرهم، واعتز بصداقتهم وزمالتهم طيلة سنوات الدراسة في
جامعة بغداد غانم محمد الحفو وغانم محمد علي الحسيني وعصمت إسماعيل عمر، ومعد احمد
الجبوري، وامجد محمد سعيد، وطلال الصفاوي
وطارق الحاصود وحسن محمد علي البكر وحسام قاسم العبيدي وخالد عبد مصطفى من الموصل وكمال
قاسم ونافع موسى البياتي ووليد نجم التكريتي ، وحميد ورش وعلي الهنيني (جزائري )
وجعفر سعيد إسماعيل (عماني ) في بغداد .. وكان من زميلاتي اللواتي داومن معي في بغداد
وكنا نترافق في السفر وإياهن من الموصل أحيانا الأخوات بشرى البستاني وتغريد ألجلبي وبتول البستاني
ومزاحمة ألحمامي .
اتجهتُ نحو كلية التربية للدراسة وذلك في
شهر أيلول سنة 1964 لأسباب منها : أن ذوي الدرجات العالية يقبلون فيها على نفقة
الدولة حيث يسكنون في الأقسام الداخلية .. كما أن التعيين بعد التخرج، كان مضمونا
حيث تتكفل الدولة بتعيين الخريجين: مدرسين
ومدرسات على الملاك المتوسط والثانوي.
وقد اخترت قسم التاريخ لأنني كنت أحب مادة
التاريخ بل واعشقها ، وقد قابلنا مقرر القسم آنذاك (وكان يسمى سكرتير القسم ) الأستاذ الدكتور حسين
أمين وقال لي انه يحب الموصل والطلاب الموصليين عنده من المتميزين دائما وقد تمازح معي إذ سألني عن
معاني أسماء بعض محلات الموصل وتحث معي باللهجة الموصلية ، وقد شعرت بالارتياح من
هذا الموقف النبيل وظل هذا الأستاذ في
نظري من الأساتذة الذين اعتز بهم وافتخر بالتتلمذ على أيديهم حتى أنني كتبت عنه
مقالة ضافية نشرتها في موسوعتي : " موسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين "
(الالكترونية ) و(الورقية ) .
كانت كلية التربية بجامعة
بغداد خلال الستينات من القرن الماضي من ابرز كليات جامعة بغداد سواء من حيث
كادرها التدريسي أو من حيث النزعات الفكرية والسياسية التي كانت منتشرة فيها أو من
حيث نشاطاتها الثقافية والعلمية ، وخاصة محاضرة الأربعاء التي كانت تستقطب أشهر
المحاضرين وكنت أرى أساتذة أجانب يدرسون في هذه الكلية منهم ستيفن رونسيمان مؤلف
الكتب المتميزة عن الحروب الصليبية وديزموند ستيوارت مؤلف الكتب المشهورة عن الشرق
الأوسط الحديث . وكان في الكلية مكتبة كبيرة نعبر اليها بعد ان نجتاز سكة للقطار
وهذه المكتبة هي وريثة مكتبة دار المعلمين العالية حيث انها كانت تضم امهات الكتب
والمصادر والمراجع الحديثة واتذكر اللوحة التي كانت معلقة في صدر قاعتها وكنت قد
حفظت مادون عليها وهي ثمة ابيات شعرية معبرة لها علاقة بالعلم والدرس ومنها :
إذا كان يؤذيك حر الصيف
ويبس الخريف وبرد الشتاء
ويلهيك حسن جمال الربيع
فأخذك للعلم قل لي متى ؟
كما اشتهرت
الكلية بمجلتها الشهيرة : "الأستاذ " وبشعراءها الافذاذ الذين درسوا
فيها ومنهم الشاعر بدر شاكر السياب والشاعرة نازك الملائكة والشاعر عبد الرزاق عبد
الواحد ، وكان الشاعر البارز أيام كنت
أداوم فيها ،الأستاذ محمد علي الخفاجي (رحمه الله ) ، الذي كنا نتداول ديوان شعر غزلي له لااتذكر عنوانه واعتقد
ان عنوانه هو : " شباب وسراب "
صدر سنة 1964 وهو لما يزل طالبا معنا في قسم اللغة العربية بكلية التربية . وقد
سمعنا في حينه ان استاذنا الذي كان يدرسنا اللغة العربية الاستاذ الدكتور محسن
غياض قال عندما اطلع على بعض قصائد الخفاجي : " يكفي ان اقول انك شاعر لااكثر
ولا اقل " . وللطرفة فانني لازلت أتذكر بعض قصائده ومنها القصيدة الشهيرة التي
مطلعها :
قصري الفستان أكثر قصريه
واتركي النهد المدور قبة تبرز فيه
في سنة 1965 اصدر الشاعر محمد علي الخفاجي
ديوانه الثاني :" مهرا لعينيها " .وقد احدث صدوره صدى واسعا بين الادباء والشعراء والنقاد .واتذكر ان الصحافة كتبت عنه
وبشرت بنبوغ شاعر كبير. وقبيل تخرجنا من الكلية بقليل اطلعنا على ديوانه الثالث " لو ينطق
النابالم " .وكانت قصائد الديوان انعكاس لما حدث في الوطن العربي حيث وقع
زلزال الهزيمة في الخامس من حزيران 1967 وكلن من نتائج الهزيمة احتلال اسرائيل
لاراض عربية جديدة في مصر وسوريا وفلسطين . وقد يكون من المناسب ان اشير الى أنني
بقيت اتابع مسيرة هذا الشاعر الذي استمر في العطاء الادبي وبرع في الشعر المسرحي
واصدر منذ 1970 وحتى يومنا هذا دواوين كثيرة منها ديوانه "انا وهواك خلف
الباب " و " لم يأت أمس سأقابله
الليلة " وديوانه " يحدث بالقرب منا " .
وكما هو معروف ، فأن كلية التربية
وريثة دار المعلمين العالية التي تأسست سنة 1923 ، وكانت قد خرجت آلاف من الطلبة
اشتهر منهم بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي ،ولميعة عباس عمارة ،وعبد الرزاق
عبد الواحد، وكل هؤلاء هم رواد الشعر الحر في العراق والوطن العربي .
ولم يكن الأمر مقتصرا على النشاط الفكري
والثقافي،وإنما كان لطلبة الكلية من كل الاتجاهات السياسية القومية والدينية والاشتراكية
والليبرالية دور في كثير من الأحداث التي شهدها العراق. وقد كنت أواظب على حضور
المحاضرات العامة التي تنظمها الكلية ومنها على سبيل المثال محاضرة الأستاذ
الدكتور محمد جمال الدين الشيال وهو مؤرخ مصري له مؤلفات عديدة ومحاضرة الرئيس المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية 1963 ومحاضرة المربي
والمفكر القومي الكبير ساطع ألحصري ومحاضرة الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء العراقي آنذاك.
كما كنت
معجبا بالكثير من أساتذة كلية التربية وافخر اليوم بمعرفتهم منهم الدكتور فاضل
حسين والدكتور فيصل الوائلي وكان يدرسنا مادة التاريخ القديم ويشغل في الوقت نفسه
منصب مدير الآثار العام والدكتور مصطفى
جواد والدكتور محسن غياض الذي درسنا اللغة العربية وبعده الاستاذ عبد الباقي الشواي ، والدكتور
حاتم عبد الصاحب الكعبي الذي درسنا علم الاجتماع وخصص الفصل الاول لدراسة فرويد
والفصل الثاني لدراسة ماركس والدكتور محمد الهاشمي رئيس قسم التاريخ ودرسنا الفكر
العربي الإسلامي والدكتورة نعيمة الشماع ودرستنا علم النفس وحامد شاكر حلمي
ودرسنا مادة التربية وشاكر الأمين ودرسنا
طرق التدريس وعبد الباقي الشواي، ودرسنا اللغة العربية ورشيد حنونة ودرسنا مادة الاقتصاد ومن الأساتذة
الذين درسوني واثروا في تفكيري الأستاذ الدكتور زكي صالح الذي درسني في قسم الشرف
مع اربعة من زملائي في الصفين الثالث والرابع مادتين إضافيتين هما أصول التاريخ
والقضية الفلسطينية وعلى يديه تعلمت –بحق –أصول البحث التاريخي .كما لابد ان اذكر
الدكتور عبد الله الفياض الذي درسنا مادة تاريخ العراق المعاصر واقتصر على كتابه :
"ثورة 1920 " وان أنسى لاانسى أستاذي الجليل الدكتور عبد العزيز سليمان
نوار (المؤرخ المصري الكبير المتخصص بتاريخ العراق الحديث وصاحب المؤلفات الشهيرة
في تاريخ العراق وقد درسني ثلاث سنوات بين سنتي 1964و1967 مواد تاريخ العصور
الوسطى وتاريخ الشرق الأدنى الحديث وتاريخ العراق الحديث وقد تعلمت منه الكثير من
أسرار تاريخ العراق ووثائقه ومصادره .
ويمكن هنا أن اذكر حادثة حصار الكلية في عهد
الرئيس عبد الرحمن عارف( 1965 -1968 ) قبيل تخرجي في السنة 1967-1968 من قبل
العقيد الركن سعيد صليبي وكان يشغل منصب آمر
الانضباط العسكري ، وإطلاق الرصاص على الطلبة من جنود كانوا واقفين على السدة ، واستشهاد وإصابة عدد منهم .
كان عميد
الكلية الاستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري منزعجا من تصرف الانضباط وكان متعاطفا
مع الطلبة وظل يواصل الاتصال بهم .كنا
محاصرين في الكلية طوال اليوم ولم يسمح لنا بالخروج من الكلية إلا قبيل المغرب
وبوساطة عميد الكلية آنذاك الأستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري ونحن رافعين أيدينا على رؤوسنا .
وقد عرفنا
،فيما بعد ،أن حصار الكلية جاء لتأديب القوى السياسية الشيوعية والقومية والاشتراكية التي كان لها نشاط سياسي معارض
لعارف وفي إطار الصراعات السياسية التي كانت قائمة للسيطرة على الحكم والذي تحقق
للبعثيين في صبيحة يوم 17 تموز سنة 1968 .
إطلعت –فيما
بعد – على تقرير عام عن الاضرابات الطلابية والاعتداء على طلبة كلية التربية
بجامعة بغداد اعتمده كتاب "تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري
1958-1968 " الجزء العاشر الذي الفه الصديق الاستاذ الدكتور جعفر عباس حميدي
وطبعه بيت الحكمة ببغداد طبعة جديدة سنة
2004 موسعة عن طبعة سنة 2000 والتي صدرت
في ستة أجزاء .والتقرير مؤرخ في 20 كانون الاول سنة 1967 .ومما اشار اليه التقرير
ان هناك تقريرا خاصا بأحداث كلية التربية مؤرخ في 10 كانون الثاني سنة 1968 ان
عميد كلية التربية (الاستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري ) خرج صباح 9 كانون
الثاني سنة 1968 في ساحة الكلية وطلب من الطلبة إنهاء اضرابهم والعودة الى الدراسة
فقاطعه الطالب الشيوعي (لفتة بنيان مهدي ) من الصف الرابع قسم اللغة العربية
بالهتاف :" إرادة الطلاب لازم تنتصر " واخذ يسير في ساحة الكلية ووراءه
جمع كبير من الطلبة على شكل مظاهرة وهم يرددون نفس الهتاف المذكور ...وإزاء
إستمرار الاضرابات الطلابية واتساعها وامتدادها الى خارج بغداد رأى وزير الداخلية
(وكانت وزارة الداخلية بيد رئيس الوزراء الفريق طاهر يحيى نفسه وفي 20 اب 1967 صدر
المرسوم الجمهوري 798 بتعيين شامل السامرائي وزير الوحدة وزيرا للداخلية بالوكالة
) الاستعانة بقوات الجيش –الانضباط
العسكري والاستخبارات –للقضاء على هذه الاضرابات ،ففي صباح يوم 13 كانون الثاني
سنة 1968 اقتحمت قوة عسكرية كلية التربية واطلقت الرصاص على الطلبة المضربين
،فأصيب عدد منهم بجراح نقلوا على إثرها الى المستشفى .وقد اعترفت الحكومة بإصابة اربعة
طلاب فقط في حين ان الكثير من الجرحى لم يراجعوا المستشفيات خشية إعتقالهم .وقد
قوبل عمل الحكومة بالاستنكار من قبل التنظيمات السياسية والمهنية ،حتى ان الدكتور
مالك دوهان الحسن وزير الثقافة والارشاد قدم استقالته في 15 كانون الثاني 1968
احتجا على رمي الطلبة بالرصاص ،وطالب بإبعاد وزير الداخلية والمجيئ بوزير جديد
قادر على حل المشاكل بوعي وتخطيط .وقد عقد اجتماع لمجلس الوزراء لدراسة الاوضاع الداخلية
والاسراع بتشكيل حكومة إئتلاف وطني .وختم استقالته بالقول : إن التعامل مع الشعب
بالرصاص لم يعد الاسلوب الذي تحل به المشاكل ، وإن اقتحام الانضباط العسكري لحرم الجامعة لم يعد المظهر المشرف لحكومة جاءت للحرب والبناء
" . وكما هو معروف، فأن الدكتور مالك
دوهان الحسن سرعان ما سحب استقالته ، وبقي في منصبه حتى قيام الحركة البعثية المسلحة ضد نظام الفريق
عبد الرحمن محمد عارف في يوم 17 تموز سنة 1968 .
لم تستطع
الحكومة السكوت عما جرى في كلية التربية ؛ فأصدر مجلس الوزراء بيانا حول حادث كلية
التربية في بغداد في 15 كانون الثاني 1968. ومما جاء في البيان ان اضرابات الطلبة جاءت وسط
ظروف وتحديات واشاعات ومؤامرات تستهدف الوحدة الوطنية .وقد بدأت بوادر اضرابات
الطلبة ومع ان رئاسة جامعة اتخذت تدابير ، ولكن ذلك لم يقنع الطلبة ، فاستمروا
بالاضراب في بعض الكليات وحصل حادث مؤسف في كلية التربية أدى الى وقوع اربع اصابات
طفيفة والحكومة تأسف اشد الاسف لماحدث ولاتقر بأي حال من الاحوال المساس بحرمة
الجامعة التي تحرص عليها كل الحرص وهي لذلك اوعزت فورا بإتخاذ الاجراءات القانونية مؤكدة ايمانها بحرمة
الجامعة وحرصها على ابنائها الطلبة الذين ترى فيهم طليعة الشعب المثقفة وقيادة
النضال القومي والوطني وهي لذلك تدعو الطلبة الى العودة الى كلياتهم لمواصلة
دراستهم الجامعية " .وقد نشر البيان في جريدة "الجمهورية "
البغدادية في عددها الصادر يوم 16 كانون الثاني سنة 1968 .كما صدر بيان مماثل من
وزارة الدفاع ونشر في جريدة الجمهورية يوم 25 كانون الثاني 1968 جاء فيه :"
نوضح للرأي العام بإننا بناء على الصلاحية المخولة لنا واستنادا الى الفقرة (2 )
من المادة (18 ) من قانون السلامة الوطنية بأن سبق ان اصدرنا أمرا وزاريا بالتحقيق
في حادث اطلاق النار في كلية التربية يوم 13 -1-1968 وسينتهي التحقيق في بداية
الاسبوع القادم وتقدم النتيجة الى الجهات المختصة .
وقد عقد رئيس
جامعة بغداد مؤتمرا صحفيا اشار فيه الى الاضرابات الطلابية وما وقع في كلية
التربية ،واوضح بأن اغلب مطالب المضربين ليست من اختصاص الجامعة ، لاسيما ما يتعلق
بمواضيع التعيين .
وهكذا انتهت
الاضرابات الطلابية تلك وانا كنتُ احد طلبة كلية التربية وفي الصف الرابع في قسم التاريخ
انتهت بهذه النهاية القمعية ومما اريد أن
اؤكده ان معظم الذين قادوا الاضراب في كلية التربية كانوا من الطلبة اليساريين ومن
المنتمين الى الحزب الشيوعي العراقي والحركة الاشتراكية العربية إلا انني كنت
الاحظ بأن الصبغة الشيوعية هي ما كانت تسم كلية التربية لهذا ما ان حدثت حركة 17
تموز 1968 وسقط نظام الفريق عبد الرحمن محمد عارف
حتى حرص البعثيون على الغاء القبول
في كلية التربية لفتر ثم السعي بإتجاه تبديل
صبغتها وجعلها بعثية بعد ان كانت شيوعية واشتراكية
وقومية .
ومما ينبغي
قوله ان حكومة الفريق طاهر يحيى لم تصدر حتى سقوطها يوم 17 تموز 1968 أي شئ عن
نتائج التحقيقات التي وعدت بإعلانها حول حادثة كلية التربية آنفة الذكر .
وثمة أمر اخر
لابد من ان اذكره وهو ان حكومة الفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء ولمواجهة الاحداث
المتأزمة بين العرب واسرائيل انذاك والتي تطورت الى الحرب وهزيمة العرب في فلسطين قررت في 31 مايس 1967 استحداث وزارة جديدة بأسم :" وزارة رعاية الشباب
" بموجب القانون رقم 58 لسنة 1967 وصدر مرسوم جمهوري في 11 حزيران 1967
بتعيين الدكتور ياسين خليل وزيرا لرعاية الشباب وبموجب هذ الاهتمام قررت جامعة
بغداد جعل التدريب العسكري للطلاب والتدريب على السلاح وعلى التمريض والاسعافات
للطالبات اجباريا خلال مراحل الدراسة
للسنوات الاربع ولايعتبر الطالب متخرجا إلا بعد حصوله على وثيقة إنهاء التدريب
.وكنتُ في المرحلة الاخيرة من كلية التربية لذلك التحقت بمعسكرات التدريب وارتديت
الملابس الخاصة ب"كتائب الشباب " ووزعت علينا البنادق ولدي صورة تجمعني
مع بعض الزملاء وانا ارتدي ملابس كتائب الشباب واحمل بندقيتي واتذكر انه في اليوم
الاخير من فترة التدريب وكان في ساحة الكشافة ببغداد ان حضر الفريق طاهر يحيى رئيس
الوزراء والقى كلمة علينا هنأنا بانتهاء التدريب وأكد اهمية التدريب العسكري
للشباب في بناء شخصياتهم وتكوينهم النفسي والاجتماعي .
نسيت ان اقول ان الاستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري كان عضوا مؤسسا ل(جمعية الكتاب والمؤافين العراقيين ) وهي جمعية ثقافية ذات توجه وطني عروبي وقد وجدت له مقالات وبحوث في مجلات عديدة ارجو من ولده الدكتور غزوان او من يريد ان يكتب عنه رسالة ماجستير او اطروحة دكتوراه ان يحصيها ويجمعها ويدرسها ولايزال الاستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري حيا في أذهان طلبته ومحبيه رحمه الله برحمته الواسعة وجزاه خيرا على ما قدم لوطنه وامته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق