الاثنين، 30 أكتوبر 2017

شكيب ارسلان من دعاة حركة التحرر في المغرب العربي ا.د. ابراهيم خليل العلاف




شكيب ارسلان من دعاة  حركة التحرر في المغرب العربي 
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل – العراق
سألني عنه اليوم أحد طلبة الدراسات العليا في  الجامعة الجزائرية  ، وقال ان لديه عنه مذكرة أي رسالة جامعية والمصادر في الجزائر قليلة جدا  واضاف :"  أنا طالب جامعي من الجامعة الجزائرية واطلب  مساعدة ..لو تتفضل علينا بكرمك وتساعدنا استاذ انا اعمل مذكرة تخرج حول المفكر شكيب ارسلان وموقفه من حركات التحرر ( تونس والجزائر نموذجا) ومتشكرين لأي مساعدة استاذ ..دراسات من هدا النوع حول مواقف شكيب ارسلان غير متوفرة بالجزائر .وانا في حيرة من أمري استاذنا الفاضل .. تقبل مني أسمى عبارت الاحترام والامتنان لك استاذنا ..ومشكور مسبقا استاذنا "
 وقلت له انني ، ومنذ (50 )   سنة قرأت الكثير عن هذا الرجل واتذكر أنه في سنة 1963 صدر عنه كتاب للاستاذ أحمد الشرباصي ، ونشر ضمن سلسلة (أعلام العرب ) التي كانت تصدرها وزارة الثقافة والارشاد القومي بمصر الحبيبة وبعنوان : ( شكيب أرسلان داعية العروبة والاسلام ) وكان كتابا ممتعا وقف فيه عند حياته وموقفه من الحركة القومية العربية ، والعلاقة بين العروبة والاسلام ، وتطرق الى شخصيته وصفاته واخلاقه وميله للبحث العلمي ، وافرد صفحات كثيرة له صحفيا وخطيبا ومؤرخا واقتصاديا وكتب عن علاقته بالامام محمد عبده مفتي الديار المصرية وأحد رواد حركة التنوير العرب المسلمين وتطرق الى مؤلفات الامير شكيب ارسلان ودراساته .
لقد كتبتْ عن المرحوم الاستاذ الامير شكيب ارسلان اطروحات ورسائل جامعية عن حياته لغويا ، ومناضلا سياسيا ، ومفكرا وناقدا ومؤلفا وكتاب الاستاذ احمد الشرباصي نفسه بالاصل رسالة ماجستير .
عمل الاستاذ شكيب ارسلان  من اجل الوحدة العربية وعمل من اجل تعزيز لغته الام العربية حتى لقب ب(امير البيان )  . توفي في كانون الاول –ديسمبر 1946 لكن الحديث عنه لم ينقطع ابدا فكتبه لاتزال شاخصة وهي تقف علامة من علامات نبوغه وتفرده واضافاته في كل المجالات التي كتب عنها .
من كتبه وآثاره وهي كثيرة جدا جدا ديوانه الشعري (باكورة ) وكتاب (الدرة اليتيمة ..تحقيق وتعليق )  وكتابه الخطير ( لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ) وكتابه ( مقالات شكيب ) وكتابه ( حاضر العالم الاسلامي وفيه علق على كتاب لوثروب ستودارد الكاتب الاميركي المعروف ) وكتابه (تاريخ ابن خلدون ..تحقيق وتعليق ) وكتابه (الوحدة العربية ) وكتابه ( السيد محمد رشيد رضا او إخاء اربعين سنة ) وكتابه ( رسالة البلاشفة ) وكتابه ( النهضة العربية في العصر الحاضر ) وكتابه ( الحلل السندسية في الاخبار والاثار الاندلسية ) وكتابه (رسالة عن ضرب الفرنسيين لدمشق ) . ومن ترجماته كتاب ( رواية آخر بني سراج ) وكتاب ( اناتول فرانس في مباذله ) .كما حقق كتبا منها كتاب (محاسن المساعي في مناقب الامام ابي عمرو الاوزاعي ) وكتاب ( روض الشقيق في الجزل الرقيق ) .وله الكثير مما لم ينشر بعد .ولعل ابرز ما لم يتم نشره كتابه عن ( تاريخ بلاد الجزائر ) ولعله نشر وانا لم اعرف به ومن مخطوطاته كتابه ( بيوتات العرب في لبنان )  وكتابه ( تاريخ لبنان ) .ولد سنة 1869 وتوفي سنة 1946 وخلال هذه السنوات ثمة حياة حافلة .
وشكيب ارسلان  لبناني عربي مسلم درزي ،  ولد في حي ال ارسلان بقرية الشويفات التي تبعد عن بيروت بلبنان عشرة اميال  .دخل المدرسة الاميريكية في قريته ثم دخل سنة 1879 مدرسة الحكمة في بيروت وكان من اساتذته الشيخ عبد الله البستاني وعندما زار الشيخ محمد عبده المدرسة مرة اعجب به شكيب ارسلان وتوثقت الصلة بينخما واكمل شكيب ارسلان دراسته في المدرسة السلطانية في بيروت وزار مصر سنة 1890ونبذ الاحتلال البريطاني لها وكان على صلة ب (جريدة الاهرام ) . وفي سنة 1892 زار فرنسا وبعد الثورة الدستورية العثمانية 1908 انتخب شكيب ارسلان نائبا في مجلس النواب (مجلس المبعوثان ) عن حوران وعندما وقع الغزو الايطالي على ليبيا 1911  كان شكيب ارسلان يحث في مقالاته في صحف مصر على تأييد المقاومة الليبية  .
وبعدها كان شكيب ارسلان يدعو الى الوحدة بين العرب ففي آب – اغسطس سنة 1925 كتب مقالا عنوانه  : ( أزفت ساعة الاتحاد ايها العرب ) كما شكل من برلين بالمانيا جمغية مع الرعايا العرب اسمها (هيئة الشعائر الاسلامية ) سنة 1924 ، تهتم بأمور المسلمين في المانيا .كان شكيب ارسلام يتقن الى جانب لغته الام العربية اللغات الفرنسية والتركية والالمانية والانكليزية .
وقد وصفه الاستاذ احمد الشرباصي بقوله انه كان يميل الى الطول في القامة ، شعره ابيض ولم يكن يصبغه ولكنه كان يصبغ شاربه وكان اميل الى الامتلاء في شبابه نحل في اواخر حياته وضعف بصره وكانت يده ترتعش ، وكان صوته اميل الى الخشونة .كان رجلا مثقفا طموحا منذ صباه وساعده على ذلك انه سليل اسرة ال ارسلان المعروفة بدور رموزها في الادب والفكر والاجتماع .
وكان يحب الشعر ويقرضه وله صلة صداقة مع محمود سامي البارودي الضابط الشاعر المصري المعروف .وصفه الاستاذ احمد عارف الزين صاحب مجلة (العرفان ) الصيداوي بأنه " علم عبقري نابغ عالم مصلح وانه اديب رفيع وشاعر مجيد وانه كاتب مؤلف ضرب الرقم القياسي في التأليف ...وطني من الطراز الاول جمع بين الشجاعة والادب " وهو رجل معروف بنسيانه الاحقاد وهو وفي لاصدقاءه ولاساتذته وهو رجل منصف لايفتري على احد في كتاباته وهو رغم عداوته للمستعمرين الاوربيين الا انه وهو يكتب عن  اسباب تأخر المسلمين واسباب تقدم غيرهم،  ان المسلمين فقدوا الحماسة التي كانت عند اجدادهم في حين تخلق بها اعداؤهم ويقول ان بريطانيا سادت بالمبادئ الوطنية العالية وهو يقدر جهود الاخرين ويعرف قدر نفسه كان الامير شكيب ارسلان امة في رجل عاش ما يقرب من ثمانين عاما انفق منها ستين عاما في القراءة والكتابة والخطابة والتأليف والمراسلة والنظم فقد كتب في عشرات المجلات والصحف مئات ومئات من المقالات والبحوث وكتب الاف الرسائل الى تلاميذه واصدقاءه ومحبيخ وادلى بمئات من الاحاديث والبيانات ونظم عشرات وعشرات من القصائد واصدر عشرات من الكتب مابين مؤلفة ومحققة ومشروحة ومعلق عليها وقد ذكرنا بعضها في صدر مقالنا هذا .
بشأن موقفه من تونس والجزائر فإن الاستاذ شكيب ارسلان كتب كثيرا  في هذا ومن ذلك انه اكد على انه "في شمالي افريقيا من برقة الى السوس الاقصى بلاد فيها عرب وبربر وقد تحقق ان قسما كبيرا من البربر هم ساميون من اصل فنيقي ولايخفى ان قرطاجة هي معمورة فنيقية بناها اهل صور وعلى فرض لم يكن كل البربر فنيقيين او لم يصح كونهم حيموريين كما يزعمون فقد استعربوا الان وصارت ثقافتهم عربية تامة كما ان ثقافة مصر وسوريا هي ايضا عربية خالصة " .
ثم يمضي الى القول :" فأنتم ترون ان هذا العالم العربي كله ذو منزع واحد ولغة واحدة وغاية واحدة ولهذا فالطبيعة ستسير به قهرا وقسرا الى الوحدة وهذه الممالك التي قد مزقها الاوربيون المستعمرون اجزاء من السنغال الى الموصل ستعود مملكة واحدة كما كانت في عهود الدولة العربية الاسلامية ايام العباسيين " .
وكان شكيب ارسلان في شبابه يؤيد الدولة العثمانية ولم يرتض انضمام العرب للحلفاء الانكليز والفرنسيين ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى .
وقد اشرت في مقالة لي عن جريدة الزهور (البغدادية –الموصلية )التي صدرت خلال الحرب العالمية الاولى الى ان هذه الجريدة نشرت العديد من الصفحات  لكشف سمته  الدسائس الانكليزية وعلى حلقات متسلسلة  كتبها (( العلامة الخطير والمجاهد الكبير صاحب العطوفة الأمير شكيب ارسلان بك )) انظر : http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2011/03/blog-post_14.html
وكان قد سخر قلمه للدفاع عن حقوق العربي في البلدان التي استعمرها الانكليز والفرنسيين كما استنكر اتفاقية سايكس –بيكو سنة 1916 وهاجمها في عدد من مقالاته وقيل ان الحاج محمد امين الحسيني سنة 1955 امتدح موقفه وقال انه لم ينخدع كغيره بوعود الفرنسيين والانكليز للعرب في الحرب لعالمية الاولى .
وكان شكيب ارسلان يستنكر استخفاف الانكليز والفرنسيين بالعرب ويرجع ذلك الى امور كثيرة منها الانقسام بين العرب انفسهم لذلك دعا الى الوحدة والى ضرورة وقوف العرب مع بعضهم البعض .
وفي العدد 17 من مجلة (الفتح ) الصادرة في 17 جمادى الاولى 1349 هجرية =1931 يقول في حديث له مع الاستاذ احمد بلافريج :" انصح للمغاربة  [ ان ارادوا النهوض ] ان يقتبسوا العلوم الاوربية مع المحافظة على معتقداتهم ومشخصاتهم..." .
وفي العدد 10 من مجلة الفتح الصادر في محرم 1350 =1932 يتحدث عن محاولة تنصير قرنسا للبربر في المغرب يشيد بصلابة البربر وعدم تميعهم في الفرنسيين ويقول :" فالبربر مثلا كانوا قبل الاسلام يكرهون كل سلطة اجنبية عليهم ويقاتلونها وعلى قرض انهم تنضروا – وليس ذلك من الامور السهلة – فلن يبرحوا كارهين لفرنسا نافرين من سلطانها ومهما تثقفوا باللغة الافرنسية فلا يصيرون افرنسيا بل يزداد نزوع العرق البربري فيهم وحنينهم الى الاستقلال " .
وشكيب ارسلان ينصح قومه العرب في الجزائر في كتابه ( آخر بني سراج الصفحة 71 )  بإستعمال سلاح المقاطعة كوسيلة من الوسائل للتخلص من حكم الاجنبي تمهيدا للاستقلال " ويقول :" والسلاح الذي هو امضى منه هو سلاح الاحتجاج والمقاطعة في الاخذ والعطاء حتى لايبقى معاملة لمسلم مع فرنسي ما دام الظهير البربري غير ملغي " .
وهو يصر على محاربة التعصب والطائفية ويدعو الى المساواة بين ابناء البلد الواحد فالبلاد –كما يقول في كتابه ( عروة الاتحاد بين اهل الجهاد  ) هي لاهلها وحدهم " .
وقد سخر قلمه لحراسة امجاد العرب والدفاع عن قضاياهم وخاصة في تونس والجزائر والمغرب وفي المشرق العربي وكتب يندد بما فعله الفرنسيين في تونس وما ارتكبوه من آثام وما بذلوه من وعود كاذبة وندد بما كان يفعله الفرنسيون في تونس حين كانوا يستكفون من الجلوس مع الاعضاء التونسيين في المجلس التمثيلي التونسي فالاولون –كما قال في مقال بمجلة الشورى عدد 7 يناير –كانون الثاني 1925 -  يجلسون في طبقة عليا والوطنيون في الطبقة السفلى ثم يضريب امثلة عن استبداد ايطاليا في طرابلس بليبيا وفرنسا في الجزائر وانكلترا في مصر " .
وفي  العدد الذي صدر من مجلة (الشورى ) في 16   تموز – يوليو 1925 يأسى لحوادث (ثورة الريف ) التي قادها الامير البطل عبد الكريم الخطابي ويكتب الى عضو بارز في هصبة الامم يقول :" ان كانت هذه الجمعية المرصدة لحقن الدماء في العالم لاتتدخل في حقن الدماء التي تسيل نهرا في الريف فما محلها من الاعراب ؟ فلتجرب الجمعية على الاقل السعي في الصلح بين فرنسا واسبانيا وبين عبد الكريم  لعل هذا السعي يثمر .اما عدم التجربة من الاصل فعلامة سيئة " .
وفي 14 تشرين الاول –اكتوبر 1925 ارسل برقية مطولة الى كل من رئيس الولايات المتحدة الاميركية ورئيس لجنة الخارجية بمجلس الشيوخ الاميركي شرح فيها المآسي الاستعمارية التي اصيبت بها مراكش وسوريا وطالب الاميركان بإتخاذ ما يلزمها تجاه هذه المآسي ويطلب منه ان ترسل بعثات صحية تخفف بها ويلات الحرب وتخلص الابرياء من الشيوخ والنساء والاطفال المعرضين للموت بآت الحرب الجهنمية " [مجلة الشورى عدد 5 تشرين الثاني –نوفمبر 1925 ].
لقد عمل شكيب ارسلان من اجل المغرب العربي ما جعل احد رجاله وهو السيد محمد بن عبود المراكشي يقول عن شكيب ارسلان :" يتذكر المغاربة ما قدمه اليهم شكيب ارسلان من خدمات ويذرفون دمعة حارة على الرجل الذي فكر فيهم وعمل لقضيتهم يوم نسي الكثيرون ان المغرب جزء لايتجزأ من العالم العربي ويوم لم يكن في الدنيا صوت يدافع عنه سوى صوت الامير شكيب ارسلان رحمه الله " .
المهم ان الامير شكيب ارسلان عمل على ايقاظ الشعور الوطني في المشرق العربي وفي المغرب العربي ونبههم الى الاخطار المخيفة التي كانت تحيط بهم يومئذ وهكذا - يقول الاستاذ احمد الشرباصي في كتابه الرائع (شكيب ارسلان داعية العروبة والاسلام ) الذي ذكرته في صدر المقال  - نجد ان كثيرا من زعماء المغرب تلامذة اوفياء للامير الكبير .

رحم الله شكيب ارسلان وجزاه خيرا على ماقدم لوطنه ولامته وللانسانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملاحظات حول التاريخ ..كتابته واهميته وفائدته

  ملاحظات حول التاريخ ..كتابته واهميته وفائدته  ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس -مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموص...