كلمة التاريخ في معاهدة سيفر 1920 وما يتعلق بالمسألة الكردية بعد الحرب العالمية الاولى
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
سألني أمس أحد الاخوان عن (معاهدة سيفر ) 1920 وعلاقتها بالمسألة الكردية وبحق تقرير المصير للاكراد فوعدته ان اجيب وها الان اجيب فأقول أنه وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى جرت تسويات بين بريطانيا وفرنسا بشأن تعديل اتفاقية سايكس –بيكو .ذلك ان بريطانيا كان لابد لها ان تحاول ضم (ولاية الموصل المؤلفة من الوية الموصل واربيل والسليمانية في العهد العثماني ) الى مناطق نفوذها بسبب ثروتها النفطية واهمية موقعها وثرائها الاقتصادي والبشري .
وكانت الموصل ، محور مفاوضات معقدة بين لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني وجورج كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي في لندن في كانون الاول 1918 . وقد وافقت فرنسا على التخلي عن مدينة الموصل التي اعطيت اها في اتفاقية سايكس -بيكو 1916 ) مقابل تخلي الانكليز عن دعمهم لعرش فيصل في سوريا وتوزيع المصالح النفطية الى 75% للمصالح البريطانية و25% للمصالح الفرنسية وبعد ذلك فتح الباب ايضا للاميركان لكي يحصلوا على حصتهم في نفط الموصل وصفق الباب بعد ذلك وقد علق احد المؤرخين على ذلك بقوله ان بريطانيا باعت عرش فيصل في سوريا بنفط الموصل ثم جرت محاولة لترضية فيصل بترشيحه ملكا على العراق وتوج في اب 1921 اول ملك للعراق .
اما بالنسبة لمعاهدة سيفر التي وقعها الحلفاء في 10 آب - اعسطس سنة 1920 مع تركيا فإنها تعرضت للموصل في نقطتين الاولى تتعلق بمسألة تخطيط حدود العراق وادخال ولاية الموصل ضمن الدولة العراقية المقبلة .والثانية بالمسألة الكردية .
وبالنسبة للنقطة الاولى فقد نصت المادة (94 ) من المعاهدة على الاعتراف مبدئيا بالعراق دولة مستقلة ، ونصت المادة نفسها على تشكيل لجنة لتعيين الحدود العراقية –التركية وعذا الخط يمتد شرقا مه الحدود السورية – التركية حتى نقطة الحدود الشمالية لولاية الموصل ومنها شرقا حتة نقطة التقاء الحدود التركية – الفارسية ويعدل خط الحدود الشمالي لولاية الموصل بحيث يمر بالعمادية .
اما النقطة الثانية فتتعلق بالمواد ( 62و63 و64 ) من المعاهدة والمتضمة الاعتراف بحق تقرير المصير للاكراد في المنطقة اي في سوريا وتركيا والعراق ..وكان عددهم في العراق كما جاء في حيثيات المعاهدة نصف مليون نسمة وكان الانكليز مهتمين بالمسألة الكردية ويريدون خلق دولة حاجزة بين الموصل وتركيا وكانوا يريدون وضع كردستان الشمالية أي التركية تحت سيطرتهم .
وقد وضع مصير الاكراد في المنطقة بصفة عامة (ما عدا اكراد فارس ) على بساط البحث اثناء مفاوضات الصلح بين دول الحلفاء وتركيا وكانت المواد (62 و63 و64 ) تنص على انه في خلال ستة اشهر من تاريخ وضع هذه المعاهدة موضع التطبيق يجب وضع (خطة حكم ذاتي للمنطقة التي تقطنها اكثرية كردية والواقعة شرقي نهر الفرات وجنوبي غربي ارمينيا وشمالي الحدود التركية السورية والتركية العراقية ) .وفي خلال سنة من بدء تنفيذ هذه المعاهدة ، وفيما اذا قام الاكراد القاطنون في هذه المنطقة بمفاتحة مجلس عصبة الامم بصورة تدل على ان الاكثرية ترغب في الاستقلال عن تركيا واذا رأي مجلس عصبة الامم انهم قادرون على مثل هذا الاستقلال فمن اللازم منحهم اياه .
وفي هذه الحالة لاتعارض دول الحلفاء الرئيسة الاكراد القاطنين في ذلك الجزء من كردستان الواقع حتى الان ضمن ولاية الموصل اذا ما اختاروا الانضمام الى هذه الدولة الكردستانية المقترحة .
غير ان معاهدة سيفر ولدت ميتة منذ بدايتها ؛ فحكومة استانبول العثمانية التي وقعتها سرعان ما فقدت سيطرتها في اكثر مناطق الاناضول الشرقية ورفضت حكومة انقرة الكمالية إبرام المعاهدة وكان هذا سببا من اسباب غض النظر عن تلك المعاهدة وفشل الخطة .
كما ان من اسباب فشل الخطة اي خطة منح الاكراد حق تقرير المصير وانشاء دولة خاصة بهم اسوة بالعرب والاتراك هو ان الاكراد كانوا منقسمين فيما بينهم حول رغباتهم ولان اكراد العراق منفصلون عن اكراد تركيا جغرافيا واقتصاديا وسياسيا ولكنهم مرتبطين بعرب العراق اقتصاديا .
لقد آلت الامور اخيرا الى عقد معاهدة لوزان في 24 تموز 1923 ، والتي جاءت خالية من أية اشارة الى الامال والمطالب الكردية . واقول هنا ان الحلفاء لم يكونوا جادين في الاعتراف بإستقلال كردستان ، وانما اتخذوا المسألة الكردية مادة للمساومة فيما بينهم .
ومما يدل على ذلك هو انهم في اليوم ذاته الذي عقدت فيه معاهدة سيفر عقدت بريطانيا وفرنسا وايطاليا معاهدة ثلاثية لتقسيم النفوذ في كردستان الشمالية فيما بينهم .وفضلا عن ذلك ما ان عرفت هذه الدول ان الحركة القومية التركية بقيادة الجنرال مصطفى كمال سائرة نحو الانتصار والمضي في اقامة الجمهورية التركية الحديثة حتى تناست حقوق الاكراد وكردستان الحرة واعلنت بصراحة في اذار – مارس 1921 انها مستعدة لاجراء كل ما يلزم من تعديلات على بنود معاهدة سيفر المخصصة للمسألة الكردية حيث تنسجم مع الوضع والواقع وكل هذا ذكرته قبل (42 ) سنة في رسالتي للماجستير والتي قدمتها الى كلية الاداب بجامعة بغداد سنة 1975 بعنوان (ولاية الموصل :دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 ) بإشراف المرحوم الاستاذ الدكتور عبد القادر احمد اليوسف .
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
سألني أمس أحد الاخوان عن (معاهدة سيفر ) 1920 وعلاقتها بالمسألة الكردية وبحق تقرير المصير للاكراد فوعدته ان اجيب وها الان اجيب فأقول أنه وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى جرت تسويات بين بريطانيا وفرنسا بشأن تعديل اتفاقية سايكس –بيكو .ذلك ان بريطانيا كان لابد لها ان تحاول ضم (ولاية الموصل المؤلفة من الوية الموصل واربيل والسليمانية في العهد العثماني ) الى مناطق نفوذها بسبب ثروتها النفطية واهمية موقعها وثرائها الاقتصادي والبشري .
وكانت الموصل ، محور مفاوضات معقدة بين لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني وجورج كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي في لندن في كانون الاول 1918 . وقد وافقت فرنسا على التخلي عن مدينة الموصل التي اعطيت اها في اتفاقية سايكس -بيكو 1916 ) مقابل تخلي الانكليز عن دعمهم لعرش فيصل في سوريا وتوزيع المصالح النفطية الى 75% للمصالح البريطانية و25% للمصالح الفرنسية وبعد ذلك فتح الباب ايضا للاميركان لكي يحصلوا على حصتهم في نفط الموصل وصفق الباب بعد ذلك وقد علق احد المؤرخين على ذلك بقوله ان بريطانيا باعت عرش فيصل في سوريا بنفط الموصل ثم جرت محاولة لترضية فيصل بترشيحه ملكا على العراق وتوج في اب 1921 اول ملك للعراق .
اما بالنسبة لمعاهدة سيفر التي وقعها الحلفاء في 10 آب - اعسطس سنة 1920 مع تركيا فإنها تعرضت للموصل في نقطتين الاولى تتعلق بمسألة تخطيط حدود العراق وادخال ولاية الموصل ضمن الدولة العراقية المقبلة .والثانية بالمسألة الكردية .
وبالنسبة للنقطة الاولى فقد نصت المادة (94 ) من المعاهدة على الاعتراف مبدئيا بالعراق دولة مستقلة ، ونصت المادة نفسها على تشكيل لجنة لتعيين الحدود العراقية –التركية وعذا الخط يمتد شرقا مه الحدود السورية – التركية حتى نقطة الحدود الشمالية لولاية الموصل ومنها شرقا حتة نقطة التقاء الحدود التركية – الفارسية ويعدل خط الحدود الشمالي لولاية الموصل بحيث يمر بالعمادية .
اما النقطة الثانية فتتعلق بالمواد ( 62و63 و64 ) من المعاهدة والمتضمة الاعتراف بحق تقرير المصير للاكراد في المنطقة اي في سوريا وتركيا والعراق ..وكان عددهم في العراق كما جاء في حيثيات المعاهدة نصف مليون نسمة وكان الانكليز مهتمين بالمسألة الكردية ويريدون خلق دولة حاجزة بين الموصل وتركيا وكانوا يريدون وضع كردستان الشمالية أي التركية تحت سيطرتهم .
وقد وضع مصير الاكراد في المنطقة بصفة عامة (ما عدا اكراد فارس ) على بساط البحث اثناء مفاوضات الصلح بين دول الحلفاء وتركيا وكانت المواد (62 و63 و64 ) تنص على انه في خلال ستة اشهر من تاريخ وضع هذه المعاهدة موضع التطبيق يجب وضع (خطة حكم ذاتي للمنطقة التي تقطنها اكثرية كردية والواقعة شرقي نهر الفرات وجنوبي غربي ارمينيا وشمالي الحدود التركية السورية والتركية العراقية ) .وفي خلال سنة من بدء تنفيذ هذه المعاهدة ، وفيما اذا قام الاكراد القاطنون في هذه المنطقة بمفاتحة مجلس عصبة الامم بصورة تدل على ان الاكثرية ترغب في الاستقلال عن تركيا واذا رأي مجلس عصبة الامم انهم قادرون على مثل هذا الاستقلال فمن اللازم منحهم اياه .
وفي هذه الحالة لاتعارض دول الحلفاء الرئيسة الاكراد القاطنين في ذلك الجزء من كردستان الواقع حتى الان ضمن ولاية الموصل اذا ما اختاروا الانضمام الى هذه الدولة الكردستانية المقترحة .
غير ان معاهدة سيفر ولدت ميتة منذ بدايتها ؛ فحكومة استانبول العثمانية التي وقعتها سرعان ما فقدت سيطرتها في اكثر مناطق الاناضول الشرقية ورفضت حكومة انقرة الكمالية إبرام المعاهدة وكان هذا سببا من اسباب غض النظر عن تلك المعاهدة وفشل الخطة .
كما ان من اسباب فشل الخطة اي خطة منح الاكراد حق تقرير المصير وانشاء دولة خاصة بهم اسوة بالعرب والاتراك هو ان الاكراد كانوا منقسمين فيما بينهم حول رغباتهم ولان اكراد العراق منفصلون عن اكراد تركيا جغرافيا واقتصاديا وسياسيا ولكنهم مرتبطين بعرب العراق اقتصاديا .
لقد آلت الامور اخيرا الى عقد معاهدة لوزان في 24 تموز 1923 ، والتي جاءت خالية من أية اشارة الى الامال والمطالب الكردية . واقول هنا ان الحلفاء لم يكونوا جادين في الاعتراف بإستقلال كردستان ، وانما اتخذوا المسألة الكردية مادة للمساومة فيما بينهم .
ومما يدل على ذلك هو انهم في اليوم ذاته الذي عقدت فيه معاهدة سيفر عقدت بريطانيا وفرنسا وايطاليا معاهدة ثلاثية لتقسيم النفوذ في كردستان الشمالية فيما بينهم .وفضلا عن ذلك ما ان عرفت هذه الدول ان الحركة القومية التركية بقيادة الجنرال مصطفى كمال سائرة نحو الانتصار والمضي في اقامة الجمهورية التركية الحديثة حتى تناست حقوق الاكراد وكردستان الحرة واعلنت بصراحة في اذار – مارس 1921 انها مستعدة لاجراء كل ما يلزم من تعديلات على بنود معاهدة سيفر المخصصة للمسألة الكردية حيث تنسجم مع الوضع والواقع وكل هذا ذكرته قبل (42 ) سنة في رسالتي للماجستير والتي قدمتها الى كلية الاداب بجامعة بغداد سنة 1975 بعنوان (ولاية الموصل :دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 ) بإشراف المرحوم الاستاذ الدكتور عبد القادر احمد اليوسف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق