وحدة العراق في مواجهة خطط التقسيم
أ.د. إبراهيم خليل
العلاّف
أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل- العراق
منذ
ابتداء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، تعرض العراق، بولاياته الثلاث:
الموصل، وبغداد، والبصرة إلى محاولات لتقسيمه.. فلقد نصت معاهدة سايكس – بيكو
1916، والمساومات التي أعقبتها على تقسيم العراق إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية،
واعتماداً على ماأقرته لجنة دوبونسون. ولكن النفط، وتدفقه جعل بريطانيا، التي حصلت
على الانتداب في العراق في20 نيسان 1920، تعمل من اجل أن يظل العراق موحداً، وحتى
عندما رفض الأتراك الاعتراف بالدولة العراقية الحديثة سنة 1921، وطالبوا بولاية
الموصل والتي كانت تشمل محافظات نينوى وكركوك والسليمانية ودهوك وأربيل، وقفت
بريطانيا مع الحكومة العراقية وعرض الأمر على عصبة الأمم وصدر قرارها سنة 1926
بتأكيد صيرورة ولاية الموصل جزءاً من العراق.
ومع
هذا فقد أثيرت خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، قضايا عديدة تتعلق بالأكراد والآثوريين واليزيدية والمسيحيين ،
وحصلت عصبة الأمم على تطمينات من الحكومة العراقية بضمان حقوق كل مكونات الشعب
العراقي ،وعلى هذا الأساس قبل العراق عضواً في عصبة الأمم ونال استقلاله في تشرين
الأول سنة 1932.
وخلال
الأربعينات من القرن الماضي وقبيل نشوب الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)،
تكرر الحديث عن تقسيم العراق بعد أن شعرت بريطانيا، صاحبة النفوذ القومي في العراق
بتنامي التيار القومي العربي. كتب هاملتون كب المستشرق البريطاني المعروف، مقالة
في سنة 1943 دعا فيها إلى تقسيم العراق، وإقامة دويلات للعرب والأكراد فيه.. ألا
أن هذا الرأي اصطدم مرة ثانية بالمصالح النفطية البريطانية والأمريكية التي وقفت
بجانب وحدة العراق وضمان استقراره عن طريق أعادة احتلال العراق ثانية أثر فشل ثورة رشيد عالي الكيلاني
المعروفة بثورة مايس 1941 وماتخللها من اصطدام بين الجيش العراقي والجيش
البريطاني.
قامت
ثورة 14 تموز 1958 ، وسقط النظام الملكي وتأسست جمهورية العراق، وأعلنت قيادة
الثورة تمسكها بوحدة العراق ورفع الزعيم (العميد) الركن عبد الكريم قاسم (1958 -
1963) ، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة شعار (الجمهورية العراقية
الخالدة)، للوقوف بوجه شعاري (الوحدة العربية) و (الاتحاد الفيدرالي).. واستمر
الوضع حتى سقوطه في 8 شباط 1963.. وخلال الفترة من 1963 – 1980 تأكدت وحدة العراق
خلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988) والتي عرفت بـ (حرب الخليج الأولى).في
سنة 1982 نشر اوديد ينون، وهو باحث
استراتيجي إسرائيلي دراسته المشهورة بـ (خطة إسرائيل في الثمانينات) اقترح فيها
تقسيم العراق إلى ثلاث دول، دولة عربية في الوسط ودولة كردية في الشمال ودولة
شيعية في الجنوب وقد نشرت الخطة (مجلة كيفونيم) الإسرائيلية في شباط 1982 ومما جاء في الخطة: "أن الحرب العراقية – الإيرانية
ستمزق العراق وتؤدي إلى سقوطه داخلياً حتى قبل أن يكون قادراً على تنظيم صراع على
جبهة واسعة ضدنا" أي ضد إسرائيل.
أما صحيفة (هاأرتس) الإسرائيلية، فقالت في
تحليل لها نشرته في 2 حزيران 1982 أن تقسيم العراق إلى ثلاث دول أحداها شيعية،
والثانية سنية ،والثالثة كردية، هو من صميم المصلحة الإسرائيلية، ألا أن دخول
العراق الكويت وابتداء حرب الخليج الثانية، سهل الحديث عن تقسيم العراق، وكان
توركوت اوزال رئيس الوزراء التركي من أبرز الذين دعوا إلى تقسيم العراق.. وقد أخذ
اوزال يستعمل تعبير (الشعوب العراقية)، ونشرت جريدة حريت التركية ماسمي بـ(خريطة
أوزال للعراق) وتقوم هذه الخريطة على أساس عرقي، ثم جمعها في كونفدرالية عربية
وكردية وتركمانية.. ومن الملاحظ أن أي نفي لهذه الخريطة لم يصدر من أي مصدر رسمي
تركي.. وقد حرص الأتراك، في حينه، على أقامة علاقات مع قيادات الحزبين الكرديين،
الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وكذلك مع بعض قيادات الأحزاب
السياسية التركمانية وحتى غير التركمانية العراقية.
وأخر مشاريع رسمية طرحت لتقسيم العراق بشكل معلن هي الوثيقة رقم 16 التي
نشرتها مجلة القوات المسلحة الأميركية في عدد تموز-يوليو 2006 والمعروفة ب "وثيقة رالف بيتر " والتي
ترسم مستقبلا للمنطقة وتتطرق إلى تقسيم
العراق وسورية والسعودية إلى دويلات طائفية متنازعة,وتحافظ إسرائيل على سيطرتها
على جميع الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة ليكون السلام قائما على أساس قوة
الردع الإسرائيلية من ناحية وتمزيق دول المنطقة وفق سياسة التقطيع الناعم من ناحية
أخرى, والتقرير أعده الخبير "رالف بيتر" الكولونيل المتقاعد في الجيش
الأمريكي وهو يعبر عن رؤية المحافظين الجدد في أمريكا, ونشرت خريطة تشير لإعادة
رسم الشرق الأوسط الجديد, كما وتشير الخارطة في الملحق (أ) أدناه إلى دولة كردستان
الكبرى والتي تضم محافظات شمال العراق الثلاث – ومحافظة كركوك النفطية- وجزء من
محافظات الموصل وديالى واقتطاع مناطق من سورية وإيران وتركيا وأرمينيا وأذربيجان
ويتم هذا بدعوى "رد حقوق الأقليات التي هضمت تاريخيا" وطبعا هي جزء من
مخطط أعادة هيكلية الشرق الأوسط وهنا تبرز النزعة العسكرية في الفكر السياسي
الأمريكي, ولعل مقترح قائد قوات الاحتلال في العراق مؤخرا لإنشاء قوة مشتركة
عراقية أمريكية كردية خير دليل على ذلك.
كما دعا نائب الرئيس الأمريكي "جوزيف
بايدن" عندما كان سيناتور للحزب الديمقراطي عن ولاية "ديلاوير"–
و"لزلي جليب" الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية في أوائل مايس 2007,
إلي تقسيم العراق الى ثلاث مناطق كردية وسنية وشيعية, وتتمتع كل منهما بالحكم
الذاتي .
ويستند اقتراح بايدن لتقسيم
العراق إلى ما جرى في البوسنة عام 1995 من تقسيم، حيث تكون هناك ثلاث دويلات
مربوطة بشكل ضعيف ببعضها البعض، وهي «كردستان» و«شيعستان» و«سنِّستان» وكلها تحت
مظلة عراق كبير لكنه هزيل. وقال بايدن وغيلب في مقالتهما المشتركة التي تعود إلى
تاريخ 1 مايو (ايار) 2006: «الفكرة تستند إلى ما تحقق في البوسنة؛ حيث يمكن ان يدير الأكراد والشيعة والسنة والعرب شؤونهم
بينما تترك الحكومة المركزية لتكون معنية بالشؤون المشتركة. نحن قادرون على تحقيق
ذلك مع إغراءات تمنح للسنة كي يشاركوا في الحكم من خلال خطة مصممة للانسحاب وإعادة
نشر قواتنا وعقد حلف عدم اعتداء على مستوى المنطقة».
لكن الاقتراح تم رفضه حينما طرح للمرة الأولى قبل
عام، وكتب جورج حشمت في «جلف نيوز الخليج» الصحيفة المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط،
عمودا تحت عنوان «تقسيم العراق: بداية غير سوية» متشكيا من استخدام فكرة التقسيم،
معتبرا أن كلمة التقسيم لها وقع سيئ للآذان العربية؛ فهذه الكلمة كانت وراء
التقسيم الذي طرحته الأمم المتحدة لفتح الطريق أمام تشكيل إسرائيل.
كذلك أكد المحللون
السياسيون المتخصصون بالشؤون الخارجية، أن تقسيم العراق قابل لأن يجر إلى سفك هائل
للدماء في العراق والمناطق المجاورة؛ فبينما يعيش السنة العرب في غرب العراق
والأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب، تظل مدن العراق متميزة بتمازج كياناتها الطائفية والقومية؛ فبغداد وكركوك والموصل لا
تمتلك خطوطا واضحة تفصل كل فئة أساسية عن غيرها. بل أن المدن العراقية في الفترة
الأخيرة أصبحت أكثر تجانسا من السابق من حيث الاثنيات وعانت المناطق المحيطة
ببغداد الكثير من التطهير الاثني.
وكما هو معروف فأن بايدن يعد اكثر خبرة
بشؤون العراق من رئيسه باراك اوباما .ومع
ان وصول بايدن الى منصب نائب الرئيس كان نذير شؤوم بالنسبة للعديد من الاوساط العراقية الرافضة فكرة التعاطي مع تقسيم العراق,
بل ترفض حتى الفيدرالية فان هذا التعيين كان بشارة
فرح للعديد من الأوساط التي ترى أن خطة بايدن لاتذهب بعيدا في تقسيم العراق بقدر
ماتقترح حلا لتجاوز الصراعات العرقية بين العرب والأكراد والطائفية بين السنة والشيعة.
وقد
سبق لبايدن أن زار العراق مرات عديدة . لكن مافاجأ الاوساط السياسية التي تعتبر نفسها صديقة للولايات
المتحدة الاميركية في الطبقة السياسية العراقية ان واشنطن
انخرطت في مفاوضات مع المسلحين والبعثيين بهدف ادماجهم في العملية السياسية. لكن هذا
التصرف اعتبرته بغداد لاسيما الائتلاف الشيعي الحاكم بمثابة التهيئة لانقلاب بعثي
بدعم من النظام العربي الرسمي.ومع عدم قدرة هذه الطبقة على فك ارتباطها مع واشنطن كليا
الا انها جاهرت برفضها خطة بايدن للمصالحة. غير ان الطرف الكردي اصر على منح
الولايات المتحدة الدور الاكبر في عملية حل النزاع العرقي الذي قد يتسبب في حرب بين العرب
والاكراد في حال انسحاب الولايات المتحدة الاميركية. هذا الامر جعل واشنطن تتنفس
الصعداء لأنها وجدت لنفسها دورا محوريا في العراق حتى بعد الانسحاب.لكن هذا الدور
لن يقتصر على المناطق المتنازع عليها و بل ربما يشمل مايوازي ذلك من اهتمام
وأهمية وهو النفط. ولذلك فان بايدن عدل عن خطته السابقة بتقسيم العراق الى دويلات
طائفية وعرقية اغضبت العرب السنة كثيرا مثلما اغضبت اوساطا
كبيرة من العرب الشيعة ما عدا المجلس الاعلى بزعامة الحكيم الذي كان يسعى لاقامة
اقليم الوسط والجنوب.بايدن اليوم يسعى لارضاء الجميع مقترحا هذه المرة خطة جديدة
وتتمثل باعادة توزيع ثروات البلاد بين الجميع على اساس حصص اصغر من كعكة اكبر. وبذلك
فان بايدن يقترب في خطته هذه من المثل العربي الشهير(قليل دائم خير من كثير
زائل). هذه الخطة الجديدة حرص بايدن على مناقشتها مع كبار القادة العراقيين في
بغداد واربيل. فجهود بايدن الرئيسية اليوم تنصرف الى كيفية تهدئة المخاوف من
امكانية اندلاع نزاع عرقي وطائفي بعد انسحاب الولايات المتحدة نهاية عام 2011.وطبقا
لمسؤول اميركي يرافق بايدن فان الاخير سيكرر للقادة الاكراد ما قاله للقادة
العراقيين في بغداد قبل يوم وهو أنه من صالح كل العراقيين "أن يتقبلوا جزءا أصغر
قليلا من كعكة كبيرة جدا." كما سيدفع نائب الرئيس الاميركي في اتجاه إقرار قانون للنفط
تعثر لسنوات بسبب النزاعات العربية الكردية ومن شأنه أن يحدد تقاسم عائدات النفط
ويوضح القواعد لشركات النفط الاجنبية التي تستثمر في حقول النفط والغاز العراقية.
وقال بعض الخبراء إن التقسيم الناجح للعراق لن
يكون سهلا؛ إذ يتطلب تشاورا مع جيران العراق بمن فيهم إيران والسعودية، ناهيك من
الحساسيات القومية في تركيا. وقال بايدن إن الولايات المتحدة ستجد نفسها عاجلا أم
آجلا تتوسط في تنفيذ التقسيم، وتوجه في الفترة الأخيرة إلى الأمم المتحدة لمناقشة
الفكرة مع مسؤولين من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لكسب تأييد الأمم
المتحدة ومساعدتها لتنفيذ الفكرة.
وفي المقابلة التي جرت معه،
استشهد بايدن بما سمعه من بعض الدبلوماسيين هناك. «لماذا احتجتم كل هذا الوقت. نحن
سنصل إلى تلك النقطة إما من خلال إجرائنا أو من دونه، وما نحتاج إليه هو إدارة
التقسيم».
إذن يحاول بايدن من خلال ذهابه إلى الأمم المتحدة
أن يقدم مقترحا يتعلق بالسياسة الخارجية، فهل هو يسعى إلى بيع فكرته هناك. وهل
يحاول كسب حلفاء أميركا لجانب فكرة تقسيم العراق؟ وإذا كان الرئيس الحالي يظن أن
هذه الفكرة غير قابلة للتطبيق فإنها ليست فكرة سيئة .
وقد أصدر مركز "سابان" بمعهد
"بروكينغز" للدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن دراسة بعنوان:"
حالة التقسيم السهل للعراق" "وضعت إجابات على عدد من الأسئلة حول مدى
إمكانية تطبيق مشروع تقسيم العراق وفق الفدراليات الطائفية والعرقية في العراق,
ونسب النجاح المتحققة مقارنة بالوضع الحالي , وما تحقق منه, إلي جانب توصيات
للتغلب على الصعوبات التي ستواجه الأطراف المختلفة إذا تم تطبيق هذا الخيار الذي
أطلقت عليه الدراسة تسمية "الخطة ب", واعد الدراسة كل من "جوزيف
ادوار" باحث زائر بمعهد "بروكينغز" حيث عمل مع قوات حفظ السلام
التابعة للأمم المتحدة بمنطقة "البلقان" وشاركه الباحث المتخصص في شئون
الأمن القومي الأمريكي بمعهد "بروكينغز" "مايكل هان لون" حيث
عمل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دول مختلفة
ليس
من شك في أن فكرة (تقسيم العراق) تظهر، متى وجد الآخرون، أن العراق يواجه تحدياً
كبيراً أو أن قيادته غير قادرة على حل مشاكلها.. ولعل أحدث ما سمعناه وقراناه، هو
محاضرة وزير الأمن الإسرائيلي
الأسبق
( أفي ديختر) حول الدور الإسرائيلي في العراق والتي ألقاها مؤخراً ( نيسان 2010) وقال
فيها: " ليس بوسع أحد ، أن ينكر أننا حققنا الكثير من الأهداف على الساحة (
العراقية) بل وأكثر مما خططنا له واعددنا في هذا الخصوص ، يجب استحضار ماكنا نريد
أن نفعله وينجزه في العراق منذ بداية تدخلنا في الوضع العراقي منذ بداية عقد
السبعينات من القرن الماضي ..." وأضاف : " إذا رصدنا الأوضاع في
العراق منذ عام 2003 فإننا سنجد أنفسنا أمام أكثر من مشهد :
1. العراق منقسم على أرض الواقع إلى ثلاثة كيانات أو أقاليم رغم وجود
حكومة مركزية.
2. العراق ما زال عرضة لاندلاع جولات جديدة من الحروب والاقتتال
الداخلي بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد.
3. العراق بأوضاعه الأمنية والسياسية والاقتصادية لن يسترد وضعه ما
قبل 2003.
نحن لم نكن بعيدين عن التطورات فوق هذه المساحة منذ عام 2003، هدفنا
الإستراتيجي مازال عدم السماح لهذا البلد أن يعود إلى ممارسة دور عربي وإقليمي
لأننا نحن أول المتضررين.
سيظل صراعنا على هذه الساحة فاعلا طالما بقيت القوات الأمريكية
التي توفر لنا مظلة وفرصة لكي تحبط أية سياقات لعودة العراق الى سابق قوته ووحدته.
نحن نستخدم كل الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسي والأمني.
نريد أن نخلق ضمانات وكوابح ليس في شمال العراق بل في العاصمة
بغداد. نحن نحاول أن ننسج علاقات مع بعض النخب السياسية والاقتصادية حتى تبقى
بالنسبة لنا ضمانة لبقاء العراق خارج دائرة الدول العربية التي هى حالة حرب مع
إسرائيل، العراق حتى عام 2003 كان في حالة حرب مع إسرائيل.. وكان يعتبر الحرب مع
إسرائيل من أوجب واجباته.
إسرائيل كانت تواجه
تحدى استراتيجي حقيقي في العراق، رغم حربه مع إيران لمدة ثمانية أعوام واصل العراق
تطوير وتعزيز قدراته التقليدية والإستراتيجية بما فيها سعيه لحيازة سلاح نووي.
هذا الوضع لا يجب أن يتكرر.. نحن نتفاوض مع الأمريكان
من أجل ذلك، ومن أجل قطع الطريق أمام عودة العراق ليكون دولة مواجهة مع إسرائيل.
الإدارة الأمريكية حريصة على ضمان مصالحنا وعلى توفير هذه الضمانات
عبر وسائل مختلفة.
1. بقاء القوات الأمريكية في العراق لفترة لا تقل عن عقد إلى عقدين .
2. الحرص على أن تشمل الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة
والحكومة العراقية أكثر من بند يضمن تحييد العراق في النزاع مع إسرائيل وعدم
السماح له بالانضمام إلى أية تحالفات أو منظومات أو الالتزام بمواثيق تتأسس على
العداء ضد إسرائيل كمعاهدة الدفاع العربي المشترك أو الاشتراك في أي عمل عدائي ضد
إسرائيل إذا ما نشبت حرب فى المنطقة مع سوريا أو لبنان أو إيران.
إلى جانب هذه الضمانات هناك
أيضا جهود وخطوات نتخذها نحن بشكل منفرد لتأمين ضمانات قوية لقطع الطريق على عودة
العراق إلى موقع الخصم. استمرار الوضع الحالي في العراق ودعم الأكراد فى شمال
العراق ككيان سياسي قائم بذاته، يعطى ضمانات قوية ومهمة للأمن القومي الإسرائيلي
على المدى المنظور على الأقل.
نحن نعمل على تطوير شراكة أمنية واستراتيجية مع القيادة الكردية رغم
أن ذلك قد يثير غضب تركيا الدولة الصديقة. نحن لم ندخر جهدا في سبيل إقناع الزعامة
التركية وعلى الأخص رجب أردوغان وعبد الله جول بل والقادة العسكريين أن دعمنا
للأكراد في العراق لا يمس وضع الأكراد فى تركيا.
أوضحنا هذا أيضا للقيادة
الكردية وحذرناها من مغبة الاحتكاك بتركيا أو دعم أكراد تركيا بأى شكل من أشكال
الدعم، أكدنا لهم أن الشراكة مع إسرائيل يجب أن لا تضر بالعلاقة مع تركيا وأن
ميدان هذه الشراكة هو العراق فى الوقت الحالي، وقد يتسع المستقبل لكن شريطة أن
يتجه هذا الأتساع نحو سوريا وإيران.
مواجهة التحديات
الاستراتيجية فى البيئة الإقليمية يحتم علينا أن لا نغمض العين عن تطورات الساحة
العراقية وملاحقتها، لا بالوقوف متفرجين بل فى المساهمة بدور كى لا تكون تفاعلاتها
ضارة ومفاقمة للتحديات.
تحييد العراق عن طريق تكريس
أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية عن تكريس وإدامة تحييد مصر، تحييد مصر تحقق
بوسائل دبلوماسية لكن تحيي العراق يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة
حتى يكون التحييد شاملا كاملا.
لا يمكن الحديث عن استخدام خيار القوة لأن هذا الشرط غير قائم
بالنسبة للعراق. ولأن هذا الخيار مارسته القوة الأعظم في العالم، الولايات
المتحدة، وحققت نتائج تفوق كل تصور، كان من المستحيل على إسرائيل أن تحققه إلا
بوسيلة واحدة وهى استخدام عناصر القوة بحوزتها بما فيها السلاح النووي.
تحليلنا النهائي أن العراق
يجب أن يبقى مجزأ ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا عن البيئة الإقليمية، هذا هو
خيارانا الاستراتيجي. ومن أجل تحقيقه سنواظب على استخدام الخيارات التي تكرس هذا
الوضع، دولة كردية فى العراق
تهيمن على مصادر إنتاج
إنتاج النفط في كركوك وكردستان
... الآن في العراق دولة كردية
فعلا، هذه الدولة تتمتع بكل مقومات الدولة أرض شعب دولة وسلطة وجيش واقتصاد ريعي نفطي واعد، هذه الدولة
تتطلع إلى أن تكون حدودها ليست داخل منطقة كردستان، بل ضم شمال العراق بأكمله،
مدينة كركوك في المرحلة الأولى ثم الموصل وربما إلى محافظة صلاح الدين(تكريت
) ، إلى جانب جلولاء وخانقين .وختم محاضرته بالقول : "
المعادلة الحاكمة في حركتنا الاستراتيجية في البيئة العراقية، تنطلق من مزيد من تقويض
حزمة القدرات العربية في دولها الرئيسية من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومي
لإسرائيل.)).
يتضح مما مر ، أن فكرة تقسيم العراق الجديدة، ليست جديدة بل قديمة وأنها
ارتبطت ، بشكل أو بأخر ، بأطماع الغرب الاقتصادية ،وأمن إسرائيل ، وان أولئك الذين
تبنوا الفكرة لم يستطيعوا تنفيذها على ارض الواقع، ليس بسبب عدم قدرتهم وحسب ، بل
لان العراقيين رفضوا التقسيم وان العراق ، كبلد وارض وشعب غير قابل للقسمة . فشعبه
موحد ،وأرضه موحدة ويستند في هذا على ثوابت الجغرافية، وحقائق التاريخ ، فالعراق،
منذ ظهوره، على ارض المعمورة كان موحدا ، وكل زعماء العراق ابتداء من لوكال
زاكيزي، كانوا يعدون الحفاظ على وحدة العراق وضمان استقراره من أهم أعمالهم ففي
العصور القديمة ، وعندما ظهرت حضارات سومر، وأكد، وبابل، وأشور، والحضر ، كانت
وحدة العراق نصب أعين حكامه وشعبه. وفي العصور الإسلامية أصبح العراق عاصمة للدولة
العربية الإسلامية ، عندما اختار الخليفة
الرابع الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام، الكوفة عاصمة له .. وعندما بنيت بغداد
كانت عاصمة للعراق ، وخلال العهد العثماني الممتد من أواسط القرن السادس عشر وحتى
السنوات الأولى من القرن العشرين ، كان العراق موحدا وكان تعبير( الخطة العراقية)
هو السائد.. وصار بإمكان والي بغداد، بما يتمتع به صلاحيات أدارية وعسكرية، التدخل
في ولايتي البصرة والموصل لضمان وحدة العراق ،وأمنه، واستقراره. واستمر الوضع حتى
في عهدي الاحتلال 1914 -1920 والانتداب 1920-1932 البريطانيين . وبعد ذلك تشكيل
الدولة العراقية سنة 1921 .. وإذا كان
العالم ، من حولنا، يشهد متغيرات كبيرة على كل الأصعدة ، ألا أن هذه المتغيرات ،
تسهم في تمتين أواصر العلاقة بين جنوب العراق ووسطه وشماله ،فليس في أمكان احد أن
يفصل أي جزء فالمزاج الشعبي العراقي هو مع وحدة العراق ، وما المؤتمرات التي تعقد هنا وهناك خارج العراق
واحدثها مؤتمر اسطنبول شباط 2017 والذي حضرته بعض الشخصيات ونادى بما سموه
(الاقليم السني ) الا محاولات لتنفيذ اجندات غريبة ومريبة ، ولابد من التصدي لها
فضلا عن انها لاوجود صدى لها على الارض .
ويمكن في هذا الصدد ان ننادي بفكرة
اللامركزية وادارة العراق على هكذا اساس وإذا ما تأكدت فكرة اللامركزية وفق محافظات تدار من قبل مجالس محلية منتخبة انتخابا
حقيقيا بعيدا عن التدخلات والمحاصصات ، فان هذا لايعني بأي حال من الأحوال ،
ابتعادها عن العاصمة بغداد، والتي تظل قادرة على إدارة العراق سياسيا واقتصاديا
وعسكريا ..ليبقى العراق –بإذن الله تعالى – بلدا واحدا موحدا ولنعمل جميعا على
تعزيز وحدته واعادة قوته وهيبته ليمارس دوره الفاعل عربيا واقليميا ودوليا .