لورنس العرب وأعمدة الحكمة السبعة
ا. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
كتاب ( أعمدة الحكمة السبعة ) تأليف ت.ا.
لورنس ، والذي صدرت طبعته العربية الاولى في كانون الاول –ديسمبر 1968 عن المكتبة
الاهلية في بيروت من الكتب التي أعدت قراءتها من جدبد بعد مرور نصف قرن من قراءتي
للكتاب ، ولاول مرة وكنت طالبا في السنة الاخيرة في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة
بغداد .
وبعد القراءة الجديدة وقفتُ عند الاسباب
الحقيقية التي دفعت (ضابط الاستخبارات البريطانية ) هذا ان يقف الى جانب ما يعرفه المؤرخون
ب(الثورة العربية ) التي قادها الشريف حسين شريف مكة ضد العثمانيين سنة 1916 وبمساعدة وتحريض من الانكليز .
ونستون تشرشل وجون فيلبي إعتبرا كتاب
(الاعمدة السبعة ) من أفضل الاعمال الادبية الممتازة التي روت أحداث الثورة منذ انطلاقتها
حتى دخول دمشق وإعلان تشكيل الحكومة العربية بزعامة الملك فيصل بن الحسين 1918
والتي سقطت تحت وطأة الاستعمار الفرنسي سنة 1920 .
في هذا الكتاب قيم لورنس اعضاء المكتب العربي
البريطاني في القاهرة ، ووقف عند تصوراتهم للثورة ضد الاتراك العثمانيين ، واسهامات
العرب في الحرب العظمى (الحرب العالمية
الاولى 1914-1918 ) ، وقال ان عددا من السياسيين البريطانيين اعتقدوا ان الثورة
العربية ستسهم في تقويض الدولة العثمانية التي تحالفت مع الالمان عدوة بريطانيا
اللدود .وكان على رأس اولئك (كتشنر ).لذلك تمكن هؤلاء من اقناع مصادر السلطة في
لندن على اهمية دعم الثورة العربية .
ويقول لورنس ان الثورة كانت مفاجأة لحلفاء
بريطانيا في الحرب العالمية الاولى .. ولم
يكن اولئك الحلفاء مستعدين لها لذلك فقد أثارت الثورة احساسيس متناقضة وكسبت اعداءا
بحجم ما كسبته من اصدقاء .
وبدلا من ان يعلن الشريف حسين الجهاد ضد أعداء
الدولة العثمانية ، نجده يقود ثورة ضدهم ، فخيب آمالهم فإتهموه بالخيانة وبطعن
الدولة في ظهرها وكان لذلك اسباب منها شنق جمال باشا القائد العثماني في الشام
لعدد من القوميين العرب بتهمة التخابر مع الاعداء .. وقد وقف فيصل بن الحسين امام
جمال باشا وقال له :"ان تلك الاعمال ستكلفك غاليا ولن تصل بك الى النتيجة
التي تريد " .
يتابع لورنس ماجريات الثورة ، وموقف العشائر
العربية والمعارك التي خاضتها قوات الثورة قي الحجاز والشام وعلاقته مع فيصل وعبد
الله ولدي الشريف حسين ، وتنقله بين الحجاز والشام خلال الحرب ، وما واجهه من
مصاعب وتنكره وتخفيه وما أقدم عليه من أعمال تخريبية لسكة حديد الحجاز ولثكنات
العثمانيين وانتهت قصة لورنس بعد دخول دمشق وتشكيل الحكومة العربية ولقاء فيصل
والجنرال اللنبي والطلب منه أي من اللنبي السماح له بالعودة الى بلاده والانزواء بين صفوف المجندين في سلاح الطيران وتحت
اسم مستعار هو (جون هيوم روس ) بحجة جمع
مادة لكتابه الجديد عن ( تاريخ الطيران ) والعيش عيشة غريبة لكن الموت كان في
انتظاره فقد اصطدم وهو يستقل دراجته
البخارية وتوفي سنة 1935 وانتهت قصته التي
تحولت فيما بعد الى فيلم سينمائي عنوانه :"لورنس العرب " كان بطله
الممثل العربي المصري عمر الشريف .
كما ان هناك اكثر من ثلاثين كتابا وبمختلف
اللغات تتناول سيرته ودوره بإعتباره من بناة الامبراطورية البريطانية واشهر رجالات
رجلات الانكليز في القرن العشرين بإستثناء
ونستون تشرشل وزير المستعمرات ثم رئيس الوزراء فيما بعد .والذي بكى في جنازة
لورانس وقال عنه بالحرف الواحد :" إنه من أكبر رجال عصرنا " .
وانا اقول انه لكي نفهم دور لورنس وما دبجه
في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة ) لابد من ان نعود الى كتاب فيليب نايتلي و كولن سمبسون
الموسوم :" المخفي من حياة لورنس العرب " ؛ فهو يكمل القصة ويساعدنا في فهم دور رجل
المخابرات هذا الذي وضعت المخابرات البريطانية نفسها نهاية له بعدما بدأ يصرح بأن
الانكليز خانوا العرب ، وفرطوا بمصالحهم ، وتآمروا مع الفرنسيين والصهاينة لاقتسام
بلادهم واعطاء فلسطين لليهود لكي يقيموا على ارضها كيانهم الغاصب .
في كتاب :" المخفي من حياة لورنس العرب
" الكثير من المعلومات المخفية ، والمجهولة في حياة لورنس ومنها انه تلقى
دروسا في اللغة العربية من الاب ن. عودة وهو رجل دين مسيحي سوري كان يقيم في
اكسفورد ، ومن اصدقاء البروفيسور مارغوليوث .كما ان لورنس اخبر الدكتور لين – بول سنة 1908 ان موضوع
الاطروحة التي ينوي تقديمها هي عن " الصليبيين والشرق الاوسط ومبادئ الهندسة
الحربية " ، وكان يدعمه في البحث استاذه الدكتور هوغارث ، وان لورنس حسبما
كان يروي احد اصدقاءه في جامعة اكسفورد كان يختبر طاقته في التحمل بالانقطاع عن
الطعام لمدة يومين او ثلاثة ايام وبالسير
مسافات طويلة في العراء ابان فصل الشتاء وبالتغلب سباحة او تسلقا على اي حاجز مائي
أو جبلي يعترض سبيله في تلك المسيرات وبقضاء امسيات طويلة وحيدا في حقل الرماية
يتدرب على إطلاق النار الى ان اضحت يساره تضاهي يمينه في استعمال الاسلحة النارية ،
وبطي المسافات الطويلة راكبا دراجته بدون توقف الى ان يقع تحت وطأة الإعياء على
حافة الطريق.
ولما أبحر لورنس الى الشرق الاوسط لاول مرة
في شهر حزيران –يونيو 1909 ، زوده هوغارث بمجموعة من التعليمات وبآلة التصوي
البعيد المدى وبمسدس وذخيرة وبكتب توصية موقعة من اللورد كرزن .كذلك اخذ لورنس معه بعض الخرائط من بيري – غوردون
وهو تلميذ آخر من تلاميذ هوغارث ، وكان وقتئذ عميلا كبيرا للمخابرات في الشرق الاوسط
.وقد وصل لورنس الى بيروت في السادس من حزيران 1909 وكانت خطته تقضي بالسير مسافة
الف ميل في انحاء الشام على عدة مراحل يدرس خلالها القلاع الصليبية فإنطلق من بيروت سيرا على قدميه الى
صيدا وذاق طعم الاكلات العربية لاول مرة ومنها الى بانياس فصفد فبحيرة الحولة
فطبريا فالناصرة فحيفا وعاد الى صيدا عن طريق عكا وصور ثم توجه شمالا الى طرابلس
واللاذقية وحلب واورفة وحران ومنها أقفل عائدا الى دمشق وقد كتب عن تلك الرحلة في رسالة مؤرخة يوم 21 آب –اغسطس سنة 1911 ورد
ذكرها في "حياة دوني " لهوغارث –مطبعة جامعة اكسفورد ،لندن ، 1928 يقول
:" كانت رحلة ممتعة جدا ...سيرا على القدمين ووحيدا كل الوقت ،بحيث تسنى لي
ان أتعرف على الحياة لعامة الشعب بشكل افضل مما يتسنى للمسافر بصحبة القوافل
والتراجمة " .
في صيف 1911-1912 جاب لورنس الشرق الاوسط حين
انتهى ومعه الاثاري ( وولي ) من حفريات قرقميش وكان يرافقه اعرابي اسمه داهوم (الشيخ
أحمد ) وحين ذهب لورنس وولي مع الكابتن نيوكمب في مهمة تجسسية في صحراء سيناء في
السنة 1913 .كما قام لورنس بمهمة معروفة في العراق حين كلف بعرض رشوة على خليل
باشا قائد القوات العثمانية الذي حاصرت قواته قوات المحتلين الانكليز في الكوت
وكانت بقيادة الجنرال طاونزند لكن مهمته فشلت .
يناقش الصحافيان فيليب نايتلي وكون سمبسون
مسألة اهداء لورنس لكتابه ( أعمدة الحكمة السبعة ) ويحاولان إزالة الغموض عن الرمز ( س.أ . )، ففي الاهداء يقول لورنس :" الى س.أ . لانني
احببتك فقد جذبت تلك الشوع من الناس مدونا على وجع اسماء ارادتي بمداد من النجوم
حتى استحصل لك على الحرية ،البيت الذي يليق بك ،بيت الاعمدة السبعة آم ان
تشع عيناك من اجلي عندما آتي " ...ثم يختم الاهداء بقوله :" لقد حطمت
ذلك البيت الذي رجاني الناس ان أقيمه من عملنا ليخلد ذكراك وذلك قبل ان انجزه
...والان تزحف الكائنات الحقيرة لتشيد في الظلام خرائب الاطلال التي وهبتك اياها
" .
قال لورنس نفسه ان (س. أ. ) إسم رمزي وهناك من قال انه مرافقه الشيخ أحمد
او داهومي ومنهم من قال انها معلمته ( سن التس ) من جبيل علمته العربية ومنهم من
قال انها ( سارة اهرونسون ) صهيونية تعمل مع الاستخبارات البريطانية في فلسطين بين
1917-1918 ، وقيل انه يقصد ( سورية – الجزيرة العربية ) . ومهما يكن من امر فإن
لورنس اراد ان يبقي الامر لغزا لكن انا ارجح انه يقصد سوريا –الجزيرة العربية التي
عمل من أجل إثارة أهلها ضد العثمانيين .
وبشأن ادعاء لورنس بأن والي درعا التركي الذي قبض عليه واسمه هاشم محي الدين
بك قد اعتدى عليه جنسيا فإنها –كما يبدو-
غير صحيحة ؛ فهذا الوالي معروف بأنه ينتمي لعائلة اناضولية نبيلة وانه قد عمل بين 1914 الى 1917 قائدا للشرطة في ازمير وعين
واليا على حوران مركزه درعا في اذار 1917 وان الصحافيان نايتلي وسمبسون التقيا ولده طرغان في تركيا واطلعا على
اوراق والده ولم يعثرا على ما يشير الى
انه اي الوالي قد قابل لورنس كما لم يلمح مرة الى انه يعرف شكله فضلا انه أي
الوالي كان محبا للنساء وانه قد اصيب بمرض السيلان وانه كان ضعيفا امام النساء وقد
اكد ذلك يعقوب قره عثمان أوغلو الصحفي والروائي الذي اشتهر في الايام الاولى
للجمهورية التركية وعرف الوالي هاشم عندما
كان شابا :"عرفته جيدا ،ولو كان يمارس اللواط لعرفت ذلك عنه .كان عضوا في
الجمعية الوطنية الاولى في انقرة التي كانت تعير إهتماما لمسألة الطهارة لذلك لو
اظهر هاشم اي شذوذ جنسي لما كان قد سمح له بالاستمرار كعضو " .
ومهما يكن من أمر ، فإن لورنس لم يعمل من اجل
العرب واستقلالهم كما كان يدعي وانما خدم دولته بريطانيا ومصالحها بالدرجة الاولى
وظل منذ 100 سنة يشغل الباحثين والقراء في قضايا تناولها في كتابه :" الاعمدة
السبعة " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق