الأربعاء، 27 أغسطس 2014

مقهى الدبابير قصة قصيرة بقلم : د. هدى برهان طحلاوي







مقهى الدبابير*

قصة قصيرة  بقلم : د. هدى برهان طحلاوي



كان المقهى وادعاً هانئاً يطل على شارع بغداد برصيفه العريض، وكان يغص بالرواد، وجلهم من كبار الذوات والعائلات المثقفة يجلسون لتجاذب أطراف الحديث والأخبار، أو يلعبون الورق والطاولة بهدوء وسكينة لا يزعجون المارة، ولا أحد من المارة يزعجهم إلى أن فكرت البلدية وقررت، فقتلت كيف قررت، حيث قررت أن تأكل نصف الرصيف وتخفض مستواه قليلاً لتصطف عليه السيارات، بعد أن كثرت وفاق عددها المواقف الخاصة والعامة، رغم أن عمارات هذا الشارع الجديدة كانت تستوعب كثيراً من الكراجات ضمنها في الطابق السفلي، إلا أنها لم تلزم بذلك من قبل البلدية، ولا من قبل أصحاب العقارات الجشعين الذين فكروا كيف يكسبون طابقاً في البناية ويربحون به الملايين، ويوقعون أصحاب الشقق بحيرة اتخاذ مواقف لسياراتهم لاحقاً.
فأصبح رواد المقهى يجلسون متأففين بين الفينة والأخرى من سيارة تصعد الرصيف وأخرى تنزل، وهذه تقترب منهم وتلك تبتعد، فيحمر وجههم من الغضب ويتواسون ببعضهم وألفتهم على امتعاض.
عدت من سفري ومررت بهذا المقهى فلاحظت أن رواده تناقصوا للنصف تقريباً، فتحسرت عليهم وقلت في نفسي: لعل بعضهم توفي أو قتل في أحداث الثورة، أو هاجر إلى الخارج، فجلهم كان من الشيوخ أو الكهول، ولم تحتمل قلوبهم ظلم ما يجري بالتأكيد، فترحمت عليهم، وتأسفت لفقدانهم، فأحدهم كان رفيق والدي أيام الطفولة، وآخر كان أستاذنا في الجامعة بمنتهى الحكمة والوقار، ولفت نظري عامل المقهى يحمل قميصه الخارجي ويقذفه في الهواء إلى سقف المظلة الخارجية للمقهى بحركات متكررة متلاحقة، فقلت في نفسي لعله يحرك الهواء قليلا فيغير من الجو الخانق في هذا الحر أثناء انقطاع التيار الكهربائي، وابتسمت وسرت وقلت أحدث نفسي: احتار الناس ماذا يفعلون ليعوضوا البشر عن الكهرباء والمكيفات والمراوح.
في اليوم الثاني مررت بنفس الوقت بحكم ذهابي لعملي يومياً سيراً على الأقدام، فوجدت رواده في تناقص أكثر، فقلت في نفسي: لعلهم قادمون بعد قليل، ووجدت عامل المقهى يحمل قاتلة الذباب اليدوية فقلت في نفسي أيضاً: أكيد من تراكم القمامة في الشوارع، وتكاسل عمال البلدية بكنسها وترحيلها، أليسوا هم من يتفرغ لأعمال أخرى ويسهرون على أمن البلد أو بعض الأشخاص الهامين فيه، ومن يجرأ على معاقبتهم؟!.
في اليوم الثالث بنفس الزمان والمكان فوجئت بعامل المقهى ومعه ثلاثة رجال كأنهم يتضاربون، فواحد يحمل عصا وبذيلها كاوتشوك التنشيف من الشطف، وآخر يلوح بصينية كبيرة ويستر بها وجهه كأنها ترس، والثالث يحمل خرطوم الماء الجاري ويرش الماء على أصحابه وفي الهواء، والأخير يصعد فوق كرسي وبيده قاتلة الذباب، ومن بعيد لمحت أحد المسلحين يجري باتجاههم، فقلت في نفسي: ماذا يجري بحق السماء؟! أينقصنا مشاجرات وسفك دماء في هذه المدينة؟! فاهتممت للموضوع ودققت النظر أكثر، فلم أجدهم يتضاربون، ولكنهم كانوا ينظرون كلهم لنفس المكان، وهو سقف الخيمة ويشيرون إلى زاوية فيها، فاقتربت منهم وسألتهم: ما الخبر؟ لماذا هذا اللغط والجلبة؟ فأشاروا إلى عش الدبابير الموجود في أنبوب الحديد الفارغ الذي يشكل مسنداً معدنياً لخيمة القرميد الموضوعة فوق الرصيف والمقهى، وشاهدت عدة دبابير تتطاير فوقهم وهم يحاولون قتلها أو رشها بالماء لإبعادها عنهم، فقلت لهم ليس هكذا تتخلصون منها، فإنها بهذه الطريقة تتكالب عليكم وتلسعكم أكثر، فقال لي أحدهم هل لديك خبرة يعني بقتلهم، فقلت لهم: نعم ما عليكم إلا بإحضار كبد خروف أو عجل ورش مبيد حشري شديد السمية فوقه تأتون به من صيدلية البلدية، وتضعونه في مكان مرتفع قرب عشهم فيأكلون من الكبد ويقتلون قتلاً لا حياة بعده، ثم تخربون لهم عشهم وتسدون منافذه، فقالوا: سنجرب هذه الطريقة إذاً فلقد احترنا وحيرنا السبل.
وفي اليوم الرابع قبل وصولي لنفس المكان فوجئت بقطط الشارع نافقة كلها، وبعضها مرمي قرب حاويات القمامة وبعضها الآخر يتمدد بقرف على الأرصفة، ولما اقتربت من المقهى كان العمال بانتظاري وهم يذبون عن وجوههم وعن الزبائن دبابير الخيمة اللعينة فقالوا لي: هل أعجبك ما حدث لقد وضعنا الفشة ليلاً حتى يستيقظ الدبابير باكراً ويأكلون منها، وجئنا صباحاً ولم نرها وازداد الدبابير تكالباً علينا، فقلت لهم: أيعقل أن تضعوها ليلاً وهم نيام؟ ألا تعلمون أن القطط جائعة أكثر من البشر في هذا البلد المنكوب؟!! لماذا لم تضعوها صباحاً؟ فنظر أحدهم للآخر وقال له: ألم أقل لك هذا؟!، ثم وجه كلامه لي قائلاً: حضرته يسهر للصبح على النت ولا يستيقظ باكراً إنه العاشق الولهان.
وأخيراً في اليوم الخامس ساد الهدوء المقهى، وبدأ الزوار يتوافدون عليه كالمعتاد، ولكن يتحدثون ويشيرون بأيديهم بارتياح هذه المرة، وكأنهم يتحدثون عن تاريخ ماض عريق في البطولة والظفر.

* المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/08/25/339820.html#ixzz3BctEEYOC

هناك تعليقان (2):



  1. شركة رش حشرات بالمدينة المنورة
    قدم لكم شركة رش حشرات بالمدينة المنورة و التي تستخدم رش مبيدات حشرية مستوردة
    و حديثة و قوية لمكافحة الحشرات و القضاء عليها تمام, مثل البق والصراصير والوزع والباعوض والبراغيث والدبابير
    ونقدم ايضا خدمة مكافحة النمل الابيض بالمدينة المنورة نقوم باستخدام رش المبيدات الحشرية التى تقضى على النمل الابيض,فالنمل الابيض معروف بان له العديد من الاضرار فهو يتغذى على الاخشاب والاوراق ويضر بالمبانى على المدى الطويل ويسبب العديد من الخسائر
    تواصلوا معنا الان واحصلوا على خدماتنا في الحال

    مكافحة النمل الابيض بالمدينة المنورة

    http://elmnzel.com/pest-control-medina/

    ردحذف
  2. شركة مكافحة العته بمكة
    اذا اردت التخلص من حشرة العته عليك التواصل مع شركة صقر البشاير شركة مكافحة العته بمكة تستخدم افضل السموم و المبيدات للتخلص من حشرة العته و لا يقتصر دورها فقط على القضاء و التخلص من حشرة العته بل هى تقدم لك خدمة القضاء على العديد من الحشرات الاخرى مثل الصراصير و النمل الابيض فهى شركة مكافحة حشرات بمكة تستطيع معها الاستمتاع ببيئة خاليه من الحشرات
    مكافحة حشرات بمكة
    http://www.elbshayr.com/3/Pest-control

    ردحذف

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل قبل أيام نشرت مقالة عن أول مؤتمر ثقافي عربي عقد سنة 1947 ، وعن حضور العلامة المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ الدكتور جواد علي وهو من اساتذتي درسني في الصف الاول في كلية التربية -جامعة بغداد سنة 1964 مادة (تاريخ العرب قبل الاسلام) ، وقد علق الاخ الاستاذ شهاب سالار الاثري على ما كتبته ، وقال ان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري اللغوي والمؤرخ والمحقق العراقي الكبير كان من اوائل الحاضرين في هذا المؤتمر وكان يمثل العراق وقد القى كلمة مهمة . يقول الاستاذ شهاب سالار الاثري بعد ان نقل تحيات الاستاذ يسار محمد بهجت الاثري :" الاخ الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف ، بعد ابداء مايليق بالجناب من اعطر التحيات واجملها فأني ارجو ان تكونوا بخير وصحة وعافية . قرأت مقالكم الفخيم حول المؤرخ الدكتور المرحوم جواد علي (رحمه الله). (ومشاركته في المؤتمر الثقافي العربي الأول) الذي انعقد سنة 1947 ويبدو لي ان الاستاذ حسام الساموك قد التبس عليه التاريخ وكتب سنة 1945 بدلاً من سنة 1947 ونشرها في مجلة افاق عربية ولربما أن الخطأ وقع من المطبعة . وتم انتخاب الأستاذ الأثري في هذا المؤتمر رئيساً للجنة اللغة والقواعد. وشارك المرحوم الاستاذ الدكتور جواد علي في القاء محاضرة عنوانها (الثقافة العربية ومقامها من الثقافات العالمية) .. . العراق شارك في اعمال هذا المؤتمر العتيد ..المؤتمر العربي الأول المقام على ارض لبنان برعاية رئيس جمهورية لبنان الشيخ بشاره الخوري في بيت مري للفترة من ٣ إلى ١١ أيلول - سبتمبر سنة ١٩٤٧م ، وعن اوليات عقد المؤتمر قال ان اللجنة الثقافية للجامعة العربية فكّرت بعقد أول مؤتمر عربيّ، وكانت أهم المواضيع المطروحة للبحث في: آداب اللغة العربيّة، والجغرافية والتاريخ، والتربية الوطنيّة. وما أن أُعلن عن المؤتمر حتى تقدّمت إليه الطلبات الكثيرة من شتّى الأقطار العربيّة من رجال ونساء وبلغ عدد المؤتمرين (300) ثلاث مئة شخصٍ. حضرت وفود من الدول العربية التالية : ١- مصر. ٢- لبنان. ٣- سوريا. ٤- العراق. ٥- فلسطين. ٦- المغرب. وضم الوفد العراقي وكان برئاسة العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العربيّ بدمشق وعضو لجنة التأليف والترجمة (كانت نواة للمجمع العلمي العراقي فيما بعد) . كلا من : الدكتور جواد علي سكرتير لجنة التأليف والترجمة. الأستاذ إبراهيم شوكت (الدكتور ابراهيم شوكت استاذ الجغرافية في كلية الاداب جامعة بغداد فيما بعد) الأستاذ المساعد بدار المعلمين العالية. الأستاذ محمد ناصر (الدكتور محمد ناصر التربوي الكبير ووزير التربية السابق ) الملحق الثقافيّ بالمفوضيّة العراقية بالقاهرة. كان من المقرر مشاركة الأستاذ منير القاضي عميد كلية الحقوق وحرمه للمؤتمر، لكنّه تخلّف عن الحضور. وهذه اسماء من شارك من العراقيين : ١- السيدة صبيحة المقدادي شوكت ثانوية الأعظمية للبنات. ٢- السيد عبد الرحمن البزاز (الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق فيما بعد) حاكم محكمة بداءة بغداد. ٣- الآنسة بهيجة محمد رؤوف القطان مدرسة متوسطة البتاوين - بغداد ٤- الآنسة جولي متري حاج وزارة المعارف العراقية. ٥- الآنسة مهيبه برباري وزارة المعارف العراقية. ٦- لندا عازر كرم وزارة المعارف العراقية. ٧- السيد خلدون الحصريّ (الدكتور خلدون ساطع الحصري المؤرخ العراقي) ٨- السيدة حرم الأستاذ سعيد فهيم بك ٩- الآنسة فيكتورين ميخائيل خمو طالبة بمعهد الملكة عالية - بغداد. وألقى العلامة الاستاذ محمد بهجة الأثـــريّ كلمة العراق في الحفل الافتتاحي للمؤتمر وأيضاً في ختامه. وقد تم اختيار العلّامة محمد بهجة الاثريّ رئيساً للجنة اللغة والقواعد. من الجميل ان وقائع المؤتمر الثقافي الاول الذي انعقد في بيت مري بلبنان من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر سنة 1947 ، صدرت عن جامعة الدول العربية في كتاب حمل عنوان ( المؤتمر الثقافي العربي الاول المنعقد تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية في بيت مري - لبنان 1947 من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر 1947 -القاهرة ) وقد طبع الكتاب سنة 1948 في (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ) . مندوب جريدة (الزمان ) البغدادية وكما هو منشور في العدد الصادر يوم 24 ايلول - سبتمبر 1947 ، التقى العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري وسأله عن اهمية المؤتمر فقال الاستاذ الاثري :" أرى ان هذا المؤتمر ،كان الحجر الاساسي الاول لاقامة صرح جديد للثقافة العربية على امتن الاسس واقواها ،والاتجاه بها الى القومية الصحيحة الرصينة وتكوين الفكر العربي المستقل بوعيه والمتميز بخصائصه ..." . كان الاستاذ محمد بهجت الاثري قد القى كلمة ضافية في المؤتمر قال فيها :" تحية العراق الى الوطن العربي الاكبر من البصرة وتخوم طوروس الى ضفاف الاتلنتيك ،والعراق كان ومابرح ولن يبرح الى مايشاء من تلك المراكز العربية الاصيلة الملامح والسمات التي بحمل ابناؤها في الحواضر والقرى والارباض والارياف انبل العواطف واسمى المشاعر لكل قطر عربي حيث كان ولكل ماهو عربي وفي كل زمان ومكان ..." . كان في المؤتمر ، ثمة لجان منها لجنة الادب ، ولجنة اللغة والقواعد وترأس لجنة اللغة والقواعد الاستاذ محمد بهجت الاثري في حين تولى الاستاذ اسحاق موسى الحسيني ومن اعضاء اللجنة الاستاذ خليل السكاكيني والاستاذ عبد الله المشنوق . وفي حفل الافتتاح توالت كلمات الافتتاح وكان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري من بين الذين القوا كلمات الى جانب رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري والاستاذ حميد فرنجية والاستاذ احمد امين والدكتور قسطنطين والاستاذ اسماعيل القباني . كان مؤتمرا تاريخيا مهما .رحم الله من غادرنا وحفظ الباقين.

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...