الأربعاء، 17 يوليو 2013

لست ياموصل الا دار عزة وكرامة ..قصة النشيد الوطني الموصلي


لست ياموصل الا دار عزة وكرامة ..قصة النشيد الوطني الموصلي
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -العراق
الموصل ليست مدينة فحسب، إنها مركز حضاري، كما أنها موطن للزراعة والصناعة، والتجارة، والأكثر من ذلك أنها مدينة الفكر والثقافة . ولم يكن الملك فيصل الأول ملك العراق بين 1921_1933 على خطأ عندما قال (إن الموصل هي رأس العراق) ففي الرأس العقل، ويقيناً أن الجسد بدون عقل لايمكن ان يعتد به..

والموصل واجهت عبر التاريخ محناً كثيرة، فلقد شهدت أوبئة ومجاعات وحالات غزو واعتداء لكنها صمدت وخرجت من كل تلك المحن قوية متماسكة تجمع في جنباتها أطيافا عديدة عاشوا ويعيشون متحابين متآخين، يساند بعضهم بعضاً ولا يجمع بينهم سوى حب الموصل والعمل من اجلها.. وعندما طالبت تركيا بضم ولاية الموصل بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكانت تضم آنذاك مدن الموصل واربيل ودهوك وكركوك والسليمانية وقصباتها، تشبثت أهالي الموصل عرباً وأكرادا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين وشبك ويزيدية بحقهم في أن يكونوا ضمن دولة العراق، وحسمت عصبة الأمم المتحدة سنة 1926 الأمر عندما أصدرت قرارها بصيرورة الموصل جزءا من العراق.


خلال تلك الأزمة، والتي سميت في التاريخ الحديث بـ (مشكلة الموصل)، تشكلت أحزاب وصدرت صحف، كما انشد الشعراء، وكتب الكتاب، وكلهم قالوا أن الموصل عراقية ومن الذين انشدوا الشعر ودبجوا القصائد شاعر كبير هو إسماعيل احمد فرج السليمان ألباقري المشهور بـ (إسماعيل حقي فرج 1892_1948) الذي تفرغ حفيده (قصي حسين آل فرج) لتأليف كتاب عنه صدر بعنوان: (إسماعيل الكبير الأديب المؤرخ) وطبع في الموصل سنة 2002 وقد أهداني مشكوراً نسخة منه..


وقبل أيام كنت أتحدث مع الإخوة في (ملتقى أبناء الموصل)، جاء ذكر النشيد الوطني الموصلي الذي نظمه شاعرنا الفذ إسماعيل حقي فرج وها أنا أحاول إشراك قراءنا الأعزاء في معرفة قصته.. فأقول إن من الحقائق المعروفة عن هذا النشيد أن مدير معارف الموصل (محمد أمين زكي) وهو رجل عسكري من الذين وضعوا أسس كيان العراق الحديث، وهو كردي من السليمانية وله مؤلفات عديدة عن تاريخ الكرد وتاريخ السليمانية وقد كتبت عنه في ( موسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين) التي أعدها وتنشرها مجلة علوم إنسانية (الالكتروني) التي تصدر في هولندا، هو الذي اقترح وزن وقافية هذا النشيد كما قال صديقنا الأستاذ قصي حسين آل فرج، وان (القصيدة/النشيد) القيت لأول مرة على مسرح مدرسة الطاهرة في الموصل أثناء تمثيل رواية فتح مصر بتاريخ 5 كانون الثاني 1925 وكان من الذين حضروا الحفل رئيس الوزراء عبد المحسن السعد ون ووزير المعارف آنذاك تحسين علي.


وبعد الانتهاء من إلقاء القصيدة/النشيد لحنها بعد برهة الموسيقار البارع الأستاذ حنا بطرس الموصلي (1896-1958)، وبعد تلحينها قرأها نشيداً هو وتلاميذ مدرسة الطاهرة.. ولم تكن هذه القصيدة الوحيدة التي لحنها حنا بطرس الموصلي بل انه لحن قصائد أخرى، حيث وكان معلماً للنشيد في مدرسة دار النجاح الموصلية المعروفة.. ونقل الأستاذ قصي حسين آل فرج عن السيد جميل الجبوري أن نوري ثابت المعروف جبزبوز وصاحب الجزيرة الساخرة (جبزبوز) التي كانت تصدر ببغداد زار الموصل أيام أزمتها المشار إليها آنفا ونشط في حشد الشباب للمظاهرات التي أكدت عراقية الموصل وعلم بقصيدة شاعر الموصل إسماعيل حقي فرج مدرس اللغة العربية في ثانوية الموصل ومطلعها:


لست يا موصل إلا ........ دار عز وكرامة


فأخذها منه ولحنها واخذ المتظاهرين ومنهم الطلاب ينشدونها، ويتضح من هذا الكلام أن النشيد لحن مرتين من قبل الفنان حنا بطرس، والثانية من قبل نوري ثابت ويذكر الأستاذ باسم حنا بطرس في موقع ملتقى أبناء الموصل أن الملك فيصل الأول كرم والده بساعة ذهبية كما كرم الشاعر إسماعيل حقي فرج بـ (100) روبية ذهب، حسبما أشارت الى ذلك في حينه الصحف المحلية، ويقول كذلك أن النشيد الوطني الموصلي صدحت به حناجر تلاميذ مدارس الموصل ورددته جماهير الشعب في الساحة العامة قرب بناية القشلة.


ومهما يكن من أمر فان هذه القصيدة/النشيد تنتظر اليوم من يقوم بتلحينها لما تحمله من مضامين وطنية تؤكد قيمة الموصل وتبرز إرادة الموصليين في العيش بحرية وبحياة كريمة تليق بهم، حاضراً ومستقبلاً..



وفيما يلي نص القصيدة/النشيد (لست يا موصل إلا دار عز وكرامة) والذي عد بمثابة رأي الموصليين في انضمامهم إلى العراق بعد معاهدة لوزان الثانية 1926 ، التي أكدت عراقية الموصل ورفض تجزئة العراق والدعوة الى وحدته ووحدة شعبه وانهاء أطماع الغير به:


لست يا موصل إلا ............. دار عـز وكرامه

أنت فردوس العراق .......... حـبذا فيك الإقامه
أنت منه خير جزء ........ خاب من رام انقسامه
وعماد المجد أنت .......... فيه، بل أقوى دعامه
أنت روح، هو جسم ......... أنت تاج، هو هامه
أنت شمس، هو بدر ......... منك قد لاقى تمامه
إن من يدنو حماك ............. فلقد أدنى حِمامه
كيف يدنوك وأنت .......... غاب أبطال الشهامه
دونك شعب غيور ............ باذل فيك اهتمامه
اقعد الكون قديما ............... بالقنا، ثم أقامه
كم أبيّ فيك حبا ....... قد نضى العضب حسامه
يلتقي الموت ببشر .......... وسرور وابتسامه
نحن شوس الحرب قدما ..... ولنا فيها الزعامه
كيف نولى من أتاك ........ طامعا، غير الندامه
سوف نصليها ضراما ..... حرها يصلي عظامه
ويسح الدم منهم .......... مثل ماسحت غمامه
بلد الموصل دومي ........... في أمان وسلامه
لن ينال الغير منك ......... قط، من ظفر قلامه

هناك تعليق واحد:

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل قبل أيام نشرت مقالة عن أول مؤتمر ثقافي عربي عقد سنة 1947 ، وعن حضور العلامة المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ الدكتور جواد علي وهو من اساتذتي درسني في الصف الاول في كلية التربية -جامعة بغداد سنة 1964 مادة (تاريخ العرب قبل الاسلام) ، وقد علق الاخ الاستاذ شهاب سالار الاثري على ما كتبته ، وقال ان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري اللغوي والمؤرخ والمحقق العراقي الكبير كان من اوائل الحاضرين في هذا المؤتمر وكان يمثل العراق وقد القى كلمة مهمة . يقول الاستاذ شهاب سالار الاثري بعد ان نقل تحيات الاستاذ يسار محمد بهجت الاثري :" الاخ الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف ، بعد ابداء مايليق بالجناب من اعطر التحيات واجملها فأني ارجو ان تكونوا بخير وصحة وعافية . قرأت مقالكم الفخيم حول المؤرخ الدكتور المرحوم جواد علي (رحمه الله). (ومشاركته في المؤتمر الثقافي العربي الأول) الذي انعقد سنة 1947 ويبدو لي ان الاستاذ حسام الساموك قد التبس عليه التاريخ وكتب سنة 1945 بدلاً من سنة 1947 ونشرها في مجلة افاق عربية ولربما أن الخطأ وقع من المطبعة . وتم انتخاب الأستاذ الأثري في هذا المؤتمر رئيساً للجنة اللغة والقواعد. وشارك المرحوم الاستاذ الدكتور جواد علي في القاء محاضرة عنوانها (الثقافة العربية ومقامها من الثقافات العالمية) .. . العراق شارك في اعمال هذا المؤتمر العتيد ..المؤتمر العربي الأول المقام على ارض لبنان برعاية رئيس جمهورية لبنان الشيخ بشاره الخوري في بيت مري للفترة من ٣ إلى ١١ أيلول - سبتمبر سنة ١٩٤٧م ، وعن اوليات عقد المؤتمر قال ان اللجنة الثقافية للجامعة العربية فكّرت بعقد أول مؤتمر عربيّ، وكانت أهم المواضيع المطروحة للبحث في: آداب اللغة العربيّة، والجغرافية والتاريخ، والتربية الوطنيّة. وما أن أُعلن عن المؤتمر حتى تقدّمت إليه الطلبات الكثيرة من شتّى الأقطار العربيّة من رجال ونساء وبلغ عدد المؤتمرين (300) ثلاث مئة شخصٍ. حضرت وفود من الدول العربية التالية : ١- مصر. ٢- لبنان. ٣- سوريا. ٤- العراق. ٥- فلسطين. ٦- المغرب. وضم الوفد العراقي وكان برئاسة العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العربيّ بدمشق وعضو لجنة التأليف والترجمة (كانت نواة للمجمع العلمي العراقي فيما بعد) . كلا من : الدكتور جواد علي سكرتير لجنة التأليف والترجمة. الأستاذ إبراهيم شوكت (الدكتور ابراهيم شوكت استاذ الجغرافية في كلية الاداب جامعة بغداد فيما بعد) الأستاذ المساعد بدار المعلمين العالية. الأستاذ محمد ناصر (الدكتور محمد ناصر التربوي الكبير ووزير التربية السابق ) الملحق الثقافيّ بالمفوضيّة العراقية بالقاهرة. كان من المقرر مشاركة الأستاذ منير القاضي عميد كلية الحقوق وحرمه للمؤتمر، لكنّه تخلّف عن الحضور. وهذه اسماء من شارك من العراقيين : ١- السيدة صبيحة المقدادي شوكت ثانوية الأعظمية للبنات. ٢- السيد عبد الرحمن البزاز (الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق فيما بعد) حاكم محكمة بداءة بغداد. ٣- الآنسة بهيجة محمد رؤوف القطان مدرسة متوسطة البتاوين - بغداد ٤- الآنسة جولي متري حاج وزارة المعارف العراقية. ٥- الآنسة مهيبه برباري وزارة المعارف العراقية. ٦- لندا عازر كرم وزارة المعارف العراقية. ٧- السيد خلدون الحصريّ (الدكتور خلدون ساطع الحصري المؤرخ العراقي) ٨- السيدة حرم الأستاذ سعيد فهيم بك ٩- الآنسة فيكتورين ميخائيل خمو طالبة بمعهد الملكة عالية - بغداد. وألقى العلامة الاستاذ محمد بهجة الأثـــريّ كلمة العراق في الحفل الافتتاحي للمؤتمر وأيضاً في ختامه. وقد تم اختيار العلّامة محمد بهجة الاثريّ رئيساً للجنة اللغة والقواعد. من الجميل ان وقائع المؤتمر الثقافي الاول الذي انعقد في بيت مري بلبنان من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر سنة 1947 ، صدرت عن جامعة الدول العربية في كتاب حمل عنوان ( المؤتمر الثقافي العربي الاول المنعقد تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية في بيت مري - لبنان 1947 من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر 1947 -القاهرة ) وقد طبع الكتاب سنة 1948 في (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ) . مندوب جريدة (الزمان ) البغدادية وكما هو منشور في العدد الصادر يوم 24 ايلول - سبتمبر 1947 ، التقى العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري وسأله عن اهمية المؤتمر فقال الاستاذ الاثري :" أرى ان هذا المؤتمر ،كان الحجر الاساسي الاول لاقامة صرح جديد للثقافة العربية على امتن الاسس واقواها ،والاتجاه بها الى القومية الصحيحة الرصينة وتكوين الفكر العربي المستقل بوعيه والمتميز بخصائصه ..." . كان الاستاذ محمد بهجت الاثري قد القى كلمة ضافية في المؤتمر قال فيها :" تحية العراق الى الوطن العربي الاكبر من البصرة وتخوم طوروس الى ضفاف الاتلنتيك ،والعراق كان ومابرح ولن يبرح الى مايشاء من تلك المراكز العربية الاصيلة الملامح والسمات التي بحمل ابناؤها في الحواضر والقرى والارباض والارياف انبل العواطف واسمى المشاعر لكل قطر عربي حيث كان ولكل ماهو عربي وفي كل زمان ومكان ..." . كان في المؤتمر ، ثمة لجان منها لجنة الادب ، ولجنة اللغة والقواعد وترأس لجنة اللغة والقواعد الاستاذ محمد بهجت الاثري في حين تولى الاستاذ اسحاق موسى الحسيني ومن اعضاء اللجنة الاستاذ خليل السكاكيني والاستاذ عبد الله المشنوق . وفي حفل الافتتاح توالت كلمات الافتتاح وكان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري من بين الذين القوا كلمات الى جانب رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري والاستاذ حميد فرنجية والاستاذ احمد امين والدكتور قسطنطين والاستاذ اسماعيل القباني . كان مؤتمرا تاريخيا مهما .رحم الله من غادرنا وحفظ الباقين.

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...