جليل العطية ..أم جُهين
؟!
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
ذكًرني أخي الدكتور ابراهيم السعيد وهو على بعد الاف الكيلومترات مني ، ذكًرني
بالكاتب العراقي الساخر الاستاذ الدكتور جليل
العطية وقلت له انني اعرفه.. انه " جُهين وقال انه لايعرف اين هو الان، و" جُهين" لمن لايعرفه هو الاستاذ جليل العطية الكاتب
الساخر الذي شغل الناس في العراق وشغله الناس ردحا من الزمن . من مواليد مدينة الكوت محافظة واسط سنة 1941 .. وكان والده ابراهيم العطية شاعرا وهكذا وجد
جليل نفسه وسط بيئة ثقافية فتعلم من والده الشيئ الكثير ، كما أفاد من شقيقه
الدكتور خليل العطية وكان اكبر منه سنا .
جاء جليل العطية الى بغداد واكمل
دراسته الثانوية في ثانوية الكرخ ثم دخل معهد (كلية فيما بعد ) الادارة العامة –جامعة
بغداد وتخرج سنة 1960 وعين موظفا في وزارة الاصلاح الزراعي .كتب عنه صديقنا
الاستاذ حميد المطبعي في "موسوعة اعلام
وعلماء العراق " وقال بأنه انتقل للعمل في وكالة الانباء العراقية
خلال الستينات ، وبعدها صار مستشارا اعلاما في السفارة العراقية بدولة الكويت ، وكان يكتب مقالاته بأسم مستعار
هو: "جهين " ثم جمع ما كتب في كتاب لدي نسخة منه وهو بعنوان :"
حكايات جهين " .
قيل
عنه انه "مدرسة في الاسلوب الساخر .. أدان الظواهر السلبية في المجتمع
العراقي ، وفي اوساط السلطة الحاكمة ، وكان شجاعا جريئا في تعليقاته السياسية ، والاجتماعية
فحقق شهرة منقطعة النظير وسرعان ما غادر العراق غاضبا ، متبرما من الاوضاع العامة
قبل سنين ، واستقر أول الامر في باريس وفيها أكمل دراسته العليا ، وحصل على
الدكتوراه، ولم يتوقف عن الكتابة في الصحافة وله كتاب بعنوان : "ديوان ليلى
الاخيلية " نشره سنة 1967 وهو تحقيق مشترك .ومن كتبه التي حققها لابي الفرج
الاصفهاني : " الاماء الشواعر"
و" الديارات " و" القيان " .كما حقق "ديوان الحسن
بن الضحاك " ، وحقق "اخبار البرامكة " و"درح الغرر ودرج
الدرر" لعمر بن علي المطوعي ، وكتاب
"اداب الملوك "لابي الحسن علي بن رزين وكتاب "تحفة العروس ومتعة
النفوس " لمحمد بن احمد التجاني واشترك مع ميخائيل وكوركيس عواد في نشر
"الرسائل المتبادلة بين الكرملي وتيمور " وجمع اعمال كوركيس عود في كتاب
"الذخائر الشرقية " ويقع في سبع مجلدات .
كتب الدكتور جليل العطية قبل سنة من كتابة هذه السطور يُعرف بنفسه يقول
:" اسمي
جليل إبراهيم العطية، كاتب ، ومؤرخ ، وباحث عراقي، أقيم في باريس منذ أكثر من
عشرين عاماً، ولي نحو عشرين كتاباً أغلبها نصوص تراثية محققة..." في 11 تشرين
الاول –اكتوبر 2011 رأيته يتحدث ضمن برنامج "مكازين " عبر الفضائية
العراقية من باريس عن المخطوطات العراقية . وقد كتب الصحفي النشط الاستاذ زيد
الحلي يقول ان الدكتور جليل العطية هو من شجع رسام الكاريكاتير غازي على نشر كتابه
وقال ان كثيرين لم يتوقعوا لكتابه
الرواج بل ان صديقه الحميم صادق الازدي عاتبه على تسرّعه في دفع الكتاب إلى
المطبعة دون استشارة احد، عدا صديقنا الغائب، الحاضر الحبيب جليل العطية،" جهينة
الصحافة العراقية وملحها
اللذيذ ، ونسيمها العليل"
، حيث باركه بقلمه السلس الأخاذ بكلمة، وما أحلاها من كلمة، فأخذ كتاب غازي الرسام
المتضمن مجموعة من رسوماته الشعبية الراضعة من ثدي المجتمع العراقي، مكانه في
المكتبات ليشكل ظاهرة عراقية متفردة بهذا المنحى،
إذ لم تعتد المكتبات في العراق على توزيع كتب تجمع رسوماً كاريكاتيرية فقط، ففي الفترة التي وزع فيها كتاب غازي الرسام، لم يلحظ رواد المكتبات في بغداد والمحافظات وجود كتاب تبدأ صفحته الأولى بالكاريكاتير وتنهي فيه.
إذ لم تعتد المكتبات في العراق على توزيع كتب تجمع رسوماً كاريكاتيرية فقط، ففي الفترة التي وزع فيها كتاب غازي الرسام، لم يلحظ رواد المكتبات في بغداد والمحافظات وجود كتاب تبدأ صفحته الأولى بالكاريكاتير وتنهي فيه.
تحدث الدكتور جليل العطية للصحفي العراقي الاستاذ عبد الجبار العتابي
عن نفسه قائلا :" –
انا اقيم في باريس منذ سنة 1978 ..وقد
مضيت الى هناك لاتمام دراستي العليا حيث نلت دكتوراه الدولة في جامعة
السوربون سنة 1987، وكان عنوان اطروحتي :"
تطور المجتمع العراقي بين الحربين العالميتين 1918 – 1939" ، وانا تخصصي
الاساسي اعلام، حيث انا خريج قسم الاعلام في جامعة بغداد سنة 1972، ولكن عندي
اهتمامات كثيرة، بدأت بالصحافة وفي الستينيات من القرن الماضي اشتهر عمودي اليومي الذي كنت أكتبه في الصحافة
العراقية بتوقيع (جهين)، وجهين نسبة الى المثل العربي (وعند جهينة الخبر اليقين)،
ولكنني رخمت الاسم، يعني ذكّرته، لان جهينة عندنا في العراق اسم انثى، ولذلك كنت
اوقع بتوقيع جهين، واستمر ذلك سنوات طويلة ثم واصلت العمل في الصحافة العراقية
والعربية ، ولي عناية كبيرة بالتراث العربي القديم والتراث المعاصر، انا اجمع
الاهتمام، لكن اهتمامي الاكبر بالتراث القديم، وهذا جاء بتأثير اخي الدكتور خليل
العطية، رحمه الله والذي توفي سنة 1998 وكان استاذا في الجامعة المستنصرية وكان
محققا معروفا، وقد حققت الكثير من الكتب، ونشرت الى حد الان 30 كتابا اغلبها في
النصوص المحققة وعندي كتاب عن الجواهري صدر عن دار الجمل
بعنوان :" الجواهري شاعر القرن العشرين" ...."
تحدث الدكتور جليل العطية للاستاذ قحطان جاسم جواد فقال :" - نشأت في أسرة
علمية زادها الادب والثقافة والتراث، وطالعت الكثير من القصص والروايات وسواها مما
وجدته في مكتبة الاسرة ومكتبة ثانوية الكوت للبنين - حيث درست - والمكتبة العامة
في الكوت...وأدين بالتوجه لممارسة الكتابة الى ثلاثة اشخاص، اخي واستاذي خليل
واحمد محمد الشحاذ - استاذي – ومحمد جواد خضر – مدير المكتبة العامة - السابق ذكره
وكان اديبا وشاعراً. كان الحصاد نشر نحو ثلاث عشرة قصة قصيرة. اشار الى مظان
معظمها الدكتور عبد الاله احمد في كتابه المعروف وكنت نشرتها مابين 1956 – 1963. اما سبب هجري كتابة القصة
القصيرة فيعود الى اعتذار مجلة (الاداب) البيروتية عن نشر قصة لي اعجب بها صديقي
القاص الراحل نزار عباس كان ذلك نحو سنة 1966. لقد شعرت يومذاك انني مشدود الى واقعية جيل الخمسينيات
والافضل لي العودة الى الينبوع : التراث العربي الزاخر بكل طريف ولذيذ اما الصحافة
فكانت وسيلة العيش وطريقة للخدمة العامة وللتعبير ايضا. وادين لاخي د. خليل في سلوك درب
التحقيق التراثي الشائك وذلك منذ ان كلفني سنة 1962 تصحيح ومراجعة تجارب كتابه
الاول ديوان المزرد الغطفاني - شاعر العصر الاسلامي الاول ثم شاركته في جمع وتحقيق
ديوان ليلى الاخيلية الذي صدر في بغداد 1967 فاقتضى ذلك ان املك ادوات المحقق وهي
اتقان اللغة العربية - بعلومها المختلفة وتمييز الشعر والالمام بالعلوم الانسانية
كافة كالجغرافية والتاريخ والفلسفة وغير ذلك....غوصي في التراث العربي جعلني مؤهلا لكتابة البحوث
والدراسات في شتى الموضوعات... ولا بأس هنا ان اشير الى انني لا اؤمن بالتخصص
العلمي الدقيق" .
. قرأتٌ قبل سنوات كتاب
الدكتور جليل العطية : "فندق السعادة " وهو كتاب مهم يوثق فيه لبعض
ماحدث في السنوات الواقعة بين 1968 و2003 . كما كتب عن اعلام الادب في العراق في
العصر الحديث الى جانب مجموعة من الكتب التراثية التي حققها .
الذي يهمني هنا في هذا
المقال ان اقف عند كتابه : "حكايات جهين " وقد طبع على ورق جرائد رخيص ومقدمته تشير الى ذلك وتؤكد ان "جليل
العطية " نشر هذا الكتاب في حزيران سنة 1969 ، وانه يضم مجموعة من الحكايات
الصغيرة التي نشرها بين سنتي 1966 -1968 في الصحف اليومية البغدادية التالية :
*صوت العرب
*النصر
*المساء
*الشعب
× الثورة
وجميعها صدرت قبل سقوط
نظام الرئيس العراقي عبد الرحمن محمد عارف في تموز 1968 ..." وفي هذا الكتاب
وصف نفسه بأن له "لسانا سليطا " و"قلما حادا " وهو يدين
للقارئ اللبيب الذي هو معلمه ، وله الفضل الاول في تكوينه .
قال عن نفسه في الغلاف الاخير للكتاب انه بدأ بكتابة القصة القصيرة ، ونشر
اقصوصته الاولى سنة 1955 وسرعان ما تحول الى المقالة والتراث واخيرا –كما قال –
" سحقته طاحونة الصحافة " .
ثم قال انه متزوج وله ولد
وبيت بلا مكتبة وانه من مواليد الكوت وانه يعتقد بأن أحلى ايام العمر هي أيام
التلمذة، لهذا يفضل ان يبقى تلميذا في
مدرسة الحياة . واضاف انه اصدر في الخامسة عشرة من عمره جريدة تكتب باليد عاونه في
تحريرها زميلان له لم يذكر اسمهما ، وبعد العدد الرابع استدعته سلطات الحكم الملكي
لتعطل الجريدة التي صدرت بدون اجازة رسمية .
وقال بأنه قد قرأ
للكاتب الايرلندي الساخر جورج برنارد شو
وللكاتبين المصريين سلامة موسى ونجيب محفوظ ومن يومها امن بأن للكاتب "رسالة
اجتماعية " . ومما قاله كذلك انه دخل عالم الصحافة سنة 1959 براتب شهري قدره
خمسة دنانير ، ولايستطيع الان ذكر أعلى راتب حصل عليه لانه يحرص على صداقة مديرية
ضريبة الدخل .وقال ان كسله سبب خلق شخصية "جهين " واختار هذا الاسم من
المثل العربي بعد تذكير جهين و"عند جهينة الخبر اليقين " . من الطرائف
التي ذكرها انه يحارب سياسة "العشت " لان منطلقها رأسمالي ! ولهذا فأن
سوف يمتنع عن اهداء أية نسخة من كتابه . وسوف يكون للكتاب جزء ثان لكنه لم يصدره –حسب
علمي –لحد الان .
قال الكاتب العراقي
الكبير الاستاذ عزيز السيد جاسم رحمه الله عن الكتاب "ان مبضع جهين يترصدنا
في كل لحظة ومكان ..انه موس حادة تجرح بظرف ومع هذا لانطيق لها فراقا ...ان الدنيا
بخير مادام جهين يتكلم والخراف تحت رحمته " .اما الاستاذ حميد رشيد رحمه الله
فقرظ الكتاب وصاحبه قائلا :" اننا بحاجة الى جهين واسلوبه ..انه يمارس عملية
صحية ..يمد يده في المخابئ ويخرج الجرذان ليضعها في الشمس " .
في حكاية الحكايات قال
:" ومرت ايام اعوام 1965و 1966 والفساد يعم العراق ، والسجون ملائ بالتقدميين
، والشوارع والمقاهي تزدحم بالعاطلين ، والوطنيين والفضائح تزكم الانوف وارانب
الانوف ..ولعلي كنت السابق الى كشف الاختلاسات في اجهزة الدولة ، واول من طالب
بتشريع قانوني بأعدام المختلسين ان كانت هناك هيبة للقانون ، وربما كنت اول من
اشار الى وجود نشاط صهيوني في العراق ...وبالامكان الرجوع الى جريدة (صوت العرب )
البغدادية للتثبت من هذه الحقيقة الصغيرة !وشننت حملة على المتاجرين بالاشتراكية
من ابطال (الحي الاشتراكي ) في حي المنصور الارستقراطي ببغداد ..وهاجمت الاقطاع
وطالبت بحل مشكلة فلاحي الناصرية والعمارة ، وحل مشكلة المثقفين العاطلين من
المفصولين السياسيين بل اسست مقهى وهمية لهم !واسهمت بتعرية عدد من محترفي السياسة
...وتعرضت من جراء ذلك الى ضغوط ومساومات ...وتعرضت الصحف التي كتبت فيها الى
التعطيل ثلاث مرات ومنعت من الكتابة غير مرة ..وأقسمت أمي ان تحرق نفسها منتحرة –على
الطريقة البوذية –ان لم أكف عن مهاجمة (الناس ) كما كانت تقول !...حاولت ان أحول
النكتة الى رسالة اجتماعية تقتلع الصدأ من قشرة الواقع الاجتماعي الفاسد ..."
. اليوم
ونحن نسأل انفسنا فيما اذا كان
"جهين " قد نجح ...ولعله وفق في جوانب واخفق في جوانب اخرى ، لكن ما
يجب ان نقوله ونؤكده اننا -وفي ظروف واقعنا - بحاجة ليس الى جهين واحد بل
الى الاف ال"جهينات " ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق